تجدد الجدل في ليبيا بشأن إمكان رفع الدعم عن الوقود، بعد تلميح عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، بضرورة المضي قدماً نحو تفعيل هذا القرار، لمكافحة تهريب الوقود داخلياً وخارجياً.

وانقسم الليبيون حيال القرار بين مؤيد ومعارض، وسط تساؤلات حول إمكانية ذلك في الحد من عمليات «التهريب الواسعة» للخام المدعم من الدولة.

ويرى محللون أن الفاتورة السياسية لهذا القرار حال تحقيقه «تجعل من الصعب على أي طرف في البلاد تحمل تبعاته، مع الحديث عن انتخابات تشريعية وبرلمانية منتظرة.

ولم تتوصل لجنة وزارية سبق أن شكلها الدبيبة في مارس (آذار) الماضي إلى نتائج بشأن وضع مقترح متكامل لرفع الدعم عن المحروقات، إلا أن رئيس حكومة عاد وعدَّ هذا القرار «قادماً لا محالة سواء في حكومته أو بعدها»، مقترحاً منح المواطن قيمة الدعم نقداً، أو كوبوناً بالكمية التي يحتاجها من الوقود، وذلك خلال اجتماع لحكومته الأسبوع الماضي.

ويرصد حافظ الغويل، الباحث الليبي بمعهد الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، الجدل المستمر حول دعم الوقود في ليبيا، عاداً أنه «يشوه قيمة أي سلعة ويفتح باب التلاعب والسرقات».

وتساءل الغويل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت البيئة السياسية والاقتصادية في ليبيا مهيأة لاستبدال الدعم العيني بالنقدي، وقال: «الأمر يحتاج تدابير وخطة متكاملة وإلا ستواجه ليبيا مشكلات سياسية واقتصادية جديدة».

ويعد سعر البنزين في ليبيا من بين الأقل عربياً، إذ لا يتجاوز ثمن اللتر 0.15 دينار ليبي (الدولار يقابل 5.71 دينار)، وهو ما تعده حكومة الدبيبة فاتحاً لشهية «مافيا» تهريب الوقود، رغم مساعي النيابة العامة إلى تعقّب عمليات التهريب، سواء ما يتم ضبطه داخلياً، أو نقله عبر الحدود والسواحل إلى خارج البلاد. لكن عضو مجلس النواب الليبي بالخير الشعاب، انتقد تلميحات حكومة «الوحدة» بداعي منع تهريب الوقود، وعدَّ أن السلطات العسكرية والأمنية في غرب البلاد لم تستطه منع التهريب، ويجري اليوم وقفه على حساب المواطن»، وفق تصريح عبر موقع التواصل الاجتماعي «إكس».

أما الخبير النفطي عبد الرحيم النعاس، فعارض بشدة أي إلغاء للدعم، وقال: «ليبيا دولية نفطية، وللأسف المواطن لم يستفد بأي شيء منها مقارنة مع مثيلاتها»، وعدَّ أن «مشكلة تهريب الوقود الحل سهل، لكن رفع الدعم المحروقات له أهداف أخرى وخاصة».

ويقول أستاذ العلاقات الدولية ورئيس قسم العلوم السياسية جامعة درنة يوسف الفارسي، إن «مراجعة دعم الوقود وإعادة النظر في سعر المحروقات خياران لابد منهما، إلا أنهما يتطلبان حكمة في تطبيقهما».

وأوضح الفارسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الهدر الكبير في أموال الليبيين بتهريب الوقود في تصاعد، وتترتب على استفحاله تداعيات كبيرة منها تعاظم نفوذ المجموعات المهربة»، لكنه عدَّ «هشاشة الدولة وفروقات الأسعار المغرية ستجعل السيطرة عليها أمراً متعذراً».

وتبلغ فاتورة دعم الوقود السنوية في ليبيا 12 مليار دولار، فيما تخسر ليبيا قرابة 750 مليون دولار سنوياً نتيجة أنشطة تهريب الوقود، وفق تحقيق استقصائي أجرته منظمة «ذا سنتري» المعنية بالتحقيقات الاستقصائية.

ويستبعد الباحث والأكاديمي الليبي محمد محفوظ، توجه الدولة الليبية إلى إلغاء الدعم في الوقت الحالي، في ظل وجود سلطات تنفيذية انتقالية مؤقتة، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «من الصعب أن تتبنى أي حكومة خياراً صعباً ومعقداً وقابلاً للتنفيذ في كل أنحاء ليبيا، مثل تقليل الدعم وليس رفعه».

ويتخوف محللون من اندلاع اضطرابات شعبية حال إصدار قرار رفع الدعم أو استبداله، في ظل الظروف الأمنية الهشة التي تعيشها البلاد منذ عام 2011.

ويشير الفارسي إلى «مخاوف ذات طابع سياسي وأمني، منها ردود الفعل الشعبية في فترة تحتاج فيها الحكومة إلى الهدوء والتأييد الشعبي، كذلك الضغوط التي يمارسها أصحاب المصالح، فهناك نافذون في الدولة ارتبطت مصالحهم وتعاظمت ثروتهم من تهريب الوقود».

كذلك يحذر محفوظ من «تبعات شعبية خطيرة إذ فشل تطبيق هذا القرار»، ويوضح: «هناك مخاوف من استبدال الدعم إلى نقدي، وعدم وصوله للمواطن وزيادة الأسعار دون رقابة عليها». ويضيف: «لا يوجد طرف سياسي ليبي لديه القدرة والقابلية لاستنفاد رصيده الشعبي وتحمل مسؤولية هذا القرار في ضوء الحديث عن انتخابات مرتقبة»، وتابع: «هذا القرار يحتاج حكومة موحدة ومنتخبة».

وعدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التلويح بقرار رفع الدعم بمثابة «تحميل عجز وفشل السلطات في تأمين وحماية الحدود والمنافذ البرية والبحرية للحد من تهريب الوقود ومشتقاته، من خلال رفع الدعم عن المحروقات». وانتهت إلى أن «الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل هي وحدها من ستعاني من تبعات القرار الذي سيؤدّي إلى زيادة العبء على المواطنين في مقابل تحرير الحكومة من التزاماته».

______________

مواد ذات علاقة