جمال الكشكي

هل الحرب على غزة ستلقي بالأزمة في ليبيا إلى بئر النسيان؟

بهذا السؤال باغتني صديق دبلوماسي، قلت له توقعت أن يكون سؤالك حول الأوضاع في غزة، ولكن معك حق، فالسؤال عن ليبيا يدق ناقوس الخطر حول تحويل القضايا الأخرى المهمة والمشتعلة نسياً منسياً، تصبح أخبارها معتادة كل طلعة شمس.

قبل أن أحدثك عن الأوضاع في ليبيا، أصطحبك معي في جولة سريعة حول القضايا والحروب التي باتت منسية عبر التاريخ، ونتوقف معاً أمام الحرب الأهلية في لبنان التي اندلعت عام 1975، واستمرت لمدة 15 عاماً، وتركت أكثر من 120 ألف ضحية.

وكذلك الحرب في سوريا واليمن والسودان، والعشرية السوداء في الجزائر ومن قبله العراق.

هذه البلدان الشقيقة ذاقت الكأس المريرة في استمرار، فكلما اندلعت حرب جديدة، توارى الاهتمام بسابقتها، ولذا فإن سؤالك حول ليبيا في توقيته الصحيح، وحتى لا تدخل القضية مخزن النسيان.

تابعنا الأيام القليلة الماضية لقاء عقد في القاهرة بين رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة، بهدف التشاور المستمر بين رئاسة المجلسيْن، وبحث سبل الحل للأزمة الليبية، واللافت للنظر أن الجانبين اتفقا على استمرار التشاور حول الأزمة السياسية للوصول إلى حل ليبي ليبي، يقطع أشواطاً مهمة في تجاوز الأزمات التي لحقت بجسد الدولة الليبية.

وتحقيق الاستقرار الذي يتطلع إليه الشعب الليبي، وبذل كل الجهود من أجل إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد أن تعرض هذان الاستحقاقان إلى مطبات سياسية وقانونية، حالت دون القفز إلى الأمام بالدولة الليبية.

الآن، وبعد أن باتت الدولة الليبية نحو ما يزيد على عقد مضى، تتجاذبها رمال سياسية متحركة لم تفضِ إلى نتائج إيجابية، فإن هذه اللحظة مختلفة، لم تعد لدى الدولة الليبية وشعبها رفاهية التجريب مع المستقبل، فقد تعرضت لتصدعات سياسية واقتصادية كبرى، وصراعات نفوذ خطرة، مروراً بتوسع نفوذ الجماعات المسلحة، وصولاً إلى الكارثة الكبرى التي عرفت باسم إعصار «دانيال».

وبالتالي، ففي وسط كل هذه التحديات التي تعاني منها ليبيا من جانب، والتحديات التي تعاني منها المنطقة من جانب آخر، وحتى لا ننسى ليبيا.

فقد باتت هناك ضرورة مهمة تتطلب مسؤولية جماعية من مختلف الأطراف الفاعلة للعمل، وفق مسارات عدة يأتي في مقدمتها:

أولاً: أهمية التوافق الوطني الليبي للتخلص من الجماعات المسلحة والميليشيات والتدخلات الأجنبية والمرتزقة الذين يشكلون خطراً كبيراً على مفهوم الدولة الوطنية، سيما أن هذه الجماعات ظلت طوال الفترات الماضية تمثل عائقاً أمام إنهاء العنف، والتوصل إلى الحلول السياسية.

ثانياً: التوافق حول رؤية قانونية صحيحة للصيغة النهائية لقوانين الانتخابات، بما يقود إلى الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في جميع أنحاء البلاد، مما يُسهم بمغادرة قطار الدولة الليبية لمحطة النسيان السياسي.

ثالثاً: الترفع والسمو فوق الصراعات الشخصية، انحيازاً للمصلحة العليا للبلاد، والالتفاف حول حكومة وطنية واحدة تكون مرجعيتها القانون والدستور الليبي، بدلاً من تبديد الطاقة في أزمات سياسية ليست محددة النهاية.

رابعاً: ضرورة الحفاظ على المكاسب الأمنية التي تحققت في السنوات الأخيرة، وحل الأزمات من خلال الحوار السياسي، وعدم السماح بقطع الطريق أمام محاولات تهيئة الأجواء المناسبة لاستعادة الأمن، واستكمال الاستحقاقات التي يعلق عليها الشعب الليبي آماله في استعادة مقدرات شعبه، وترسيخ مؤسساته الوطنية.

خامساً: ضرورة الاستثمار الكامل للإمكانيات الاقتصادية الضخمة، من أجل تحقيق طفرة كبيرة في معدلات النمو، سيما أن الفرصة سانحة للاستفادة من أسعار النفط الحالية والمقبلة، وليس خافياً على أحد، أن ليبيا تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، ولديها واحد من أعلى مستويات نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في إفريقيا، لكن نجاح هذه الفرصة والخروج من حالة عدم اليقين، لا يمكن فصله عن تحقيق نجاحات على الصعيد السياسي.

_______________

مواد ذات علاقة