عبدالرحمن أميني

يلاحظ محللون تعطُّل آلية البحث في عملية الانسحاب الكامل للمسلحين والمقاتلين الأجانب من ليبيا، أو التنسيق المشترك بشأن جمع البيانات وتبادلها، لطرد المرتزقة أولًا إلى تشاد والسودان، بينما أصبحت القوات القادمة من روسيا أو تركيا خارج جدول النقاش الداخلي والدولي في ظل استمرار حالة الانسداد السياسي.

في آخر اجتماع للجنة العسكرية المشتركة من طرفي النزاع (5+5) بالعاصمة التونسية، بحضور المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي، خرجت ببيان دعت من خلاله «كل الأطراف السياسية إلى التحلي بالوطنية، وتحمل مسؤولياتها باتجاه إيجاد حل للانسداد السياسي الحالي، نظرًا لتأثيره المباشر على المشهد الأمني ووحدة البلاد».

وتعقد «5+5» منذ أكثر من عامين جولات داخل وخارج ليبيا، لتوحيد الجيش تحت رعاية الأمم المتحدة، تنفيذًا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر 2020. لكن لم تسفر عن أي تقدم في مشروع ترحيل المقاتلين والقوات الأجنبية.

واكتفت اللجنة العسكرية المشتركة هذه المرة ببحث الخطوات التي جرى إنجازها سابقًا، بما فيها الوقف الفعلي لإطلاق النار، وتقليص القوات على خطوط التماس، وفتح الطريق الساحلي والطرق الأخرى، وفتح الأجواء، واستئناف إنتاج وتصدير النفط، وذلك في حضور وفد من الأمم المتحدة، ضم شعبة المؤسسات الأمنية، وفريق المراقبين الدوليين لوقف إطلاق النار، والقسم السياسي، وعددًا من سفراء مجموعة العمل الأمني لمؤتمر برلين.

ويظهر أن الأطراف الليبية والدولية أيقنت أن ملف طرد القوات الأجنبية أصبح عصيًا على التحقق، والأولوية هي حسم ورقة الانتخابات المؤجلة، بل إن الوجود الأجنبي بدأ في الترسخ أكثر، إذ كشفت وكالة «بلومبرغ» الأميركية أخيرًا أن موسكو تسعى لإبرام اتفاق دفاعي في ضوء لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحفتر في موسكو أواخر سبتمبر الماضي.

ونقلت الوكالة عن مصادر أن حفتر يبحث عن أنظمة دفاع جوي لحمايته من القوات المنافسة في طرابلس التي يدعمها الجيش التركي، بالإضافة إلى تدريب طياري القوات الجوية والقوات الخاصة مقابل ترقية بعض القواعد الجوية التي تحتلها حاليا قوات «فاغنر» شبه العسكرية لاستضافة القوات الروسية.

ولفتت إلى «احتمال حصول السفن الحربية الروسية أيضًا على حقوق الرسو الدائم في ميناء ليبي، على الأرجح في ميناء طبرق»، الذي يقع على بُعد بضع مئات من الكيلومترات عبر البحر الأبيض المتوسط من اليونان وإيطاليا.

إلا أن مصادر مسؤولة في قوات «القيادة العامة» نفت أي اتجاه لإبرام اتفاق من أي نوع مع روسيا، لمنحها قاعدة عسكرية، على الرغم من الاعتراف بوجود اتفاقات تعاون عسكرية مع موسكو.

ويعود أيضًا تاريخ وجود مجموعة «فاغنر» إلى جانب الجيش الوطني في البلاد للمرة الأولى في بداية حصار طرابلس في أبريل 2019، بحسب خبراءمع ذلك، تنشط المجموعة هناك منذ العام 2018 على الأقل، حيث تسيطر على حقول النفط الاستراتيجية، وتقدم الدعم الفني للجيش الوطني الليبي، فضلا عن العمل جنبًا إلى جنب مع قوات الدعم السريع السودانية أو ميليشيا الجنجويد.

وخلال الحرب الأهلية الليبية الثالثة، التي استمرت حتى يونيو 2020، دفع الدخول العسكري التركي، نيابة عن حكومة الوفاق الوطني المحاصرة في طرابلس، إلى قلب معادلة تقاسم النفوذ.

ومنذ ذلك الحين، عززت روسيا وجودها من خلال مجموعة «فاغنر»، لتلبي احتياجات عدة، وهي السيطرة على البنية التحتية الاستراتيجية، وتقديم المشورة لقوات الأمن المحلية، وتوفير المعلومات الاستخبارية، والتأثير على الرأي العام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

في هذه الأثناء، رفضت تركيا التي لها وجود ثابت في ميناء الخمس وفي غرب ليبيا عموما، للمرة الحادية عشرة السماح لفريق العملية البحرية الأوروبية (إيرينيبتفتيش سفينة مشبوهة، حسبما أفادت وكالة «نوفا» الإيطالية للأنباء الأسبوع الماضي.

ومنذ إطلاق «إيريني» في مارس 2020 حتى اليوم، رفضت تركيا السماح للعملية البحرية الأوروبية، بقيادة الأدميرال ستيفانو توركيتو، المكلفة بتنفيذ قرار حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، بتفتيش سفنها ست مرات في العام 2021، وثلاث مرات في 2022، ومرتين في 2023.

ودعا مجلس الأمن الدولي كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التعاون مع عمليات التفتيش. وبعد مؤتمر برلين الأول، قرر مجلس الاتحاد الأوروبي إطلاق عملية عسكرية جديدة، في 31 مارس 2020، تحت اسم «إيريني»، وهي عملية بحرية بالأساس.

وتعليقًا على ملف الوجود الأجنبي، قال الباحث الموريتاني في الشؤون الأفريقية، محفوظ ولد السالك، في تصريح إلى «بوابة الوسط»، إن ليبيا الآن تعد ذات أهمية أكبر لروسيا، على الرغم من أن الاهتمام كان قائمًا بها منذ فترة، ووجود «فاغنر» فيها سابق على وجودها في عديد بلدان القارة

لكَن الاهتمام الآن بها، وزيارة خليفة حفتر أخيرًا موسكو ولقاؤه الرئيس فلاديمير بوتين، واستقباله من قبل في بنغازي وفدًا عسكريًا روسيًا رفيعًا، يعتقد ولد السالك بأن كل ذلك يدخل في إطار محاولة ربط روسيا بين ليبيا والدول الحليفة الجديدة في المنطقة.

كما أن من أهداف تزايد الاهتمام الروسي بليبيا ملاحقة فرنسا في تشاد، ومحاولة الضغط على النظام الحاكم فيها الموالي لفرنسا عبر الحركات المتمردة التشادية الموجودة في ليبيا، حسب الباحث الموريتاني.

في المقابل، فإن روسيا لا يفتأ نشاطها يتوسع في القارة الأفريقية، خصوصا في البلدان التي يجرى طرد فرنسا منها، ومن الشواهد ما حصل في مالي وبوركينا فاسو، وهناك خطوات متقدمة في النيجر.

بدوره، يشير الباحث في العلاقات الدولية، هاني الجمال، لـ«بوابة الوسط» إلى تغير الحديث إعلاميًا من ليبيا إلى فلسطين، الذي أبعد عن الأنظار عما حدث أخيرا في مدينة غريان بعد القبض على مرتزقة تشاديين بعد اندلاع اشتباكات مسلحة. ويعتقد المحلل السياسي بوجود جماعات تنتمي لـ«فاغنر» أيضا.

ولفت الجمال إلى تحسن العلاقات المصرية التركية، ومحاولة الطرفين الوجود جنبا إلى جنب، لإعادة إعمار ليبيالكن لم يجر حل معضلة المقاتلين الأجانب بسبب وجود أطراف تحاول العبث بأمن ليبيا، سواء مسؤولين سابقين لن يستطيعوا الترشح في الفترة المقبلة أو للضغط على الجماهير من أجل انتخاب شخصية محددة تقود البلاد في الفترة المقبلة.

_______________

مواد ذات علاقة