وفقا للعديد من المعطيات، هناك مجموعة من السيناريوهات، لمشهد الانتخابات الرئاسية، في حالة تم التوافق بين أطراف الصراع في الشرق والغرب، وهي:

السناريو الأول: تشكيل حكومة وحدة وطنية من التكنوقراط

إن تشكيل حكومة وحدة وطنية حكومة تكنوقراطمن الصعوبة بمكان تحقيقها، لكنها في ظل الضغط الأممي على تشكيلها، رغم رفضها من حكومة الوحدة الوطنية، فإن وجود حكومتين فعليتين الأولى معترف بها دوليا وأخرى تلقى دعمها من خليفة حفتر والبرلمان التي انبثقت عنه.

لكن إذا تحقق هذا السيناريو، وتم التوافق بين الأطراف المتنازعة على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة برئاسة شخصية محايدة، للإشراف وإتمام عملية الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فإن ليبيا ستواجه أزمة حقيقية، في حالة التسليم بنتائج الانتخابات الرئاسية وتتمثل في مسارين مختلفين هما:

أـ فوز مرشح معسكر الغرب في الانتخابات الرئاسية

ـ فإذا سلمنا بأن الانتخابات أُجريت بنزاهة وشفافية، فإن حالة الانقسام الأمني والعسكري ستكون عائق على أداء مهام أي مرشح من معسكر الغرب. ففي الشرق يسيطر عسكريا وأمنيا قوات تابعة لحفتر، وفي حالة إعلان فوز المرشح من معسكر الغرب سيتم الاعتراض عليه وعدم تمكينه من صلاحياته القانونية والدستورية، نظرا لحالة الاستقطاب الحاد الموجود في المنطقة الشرقية.

ـ إن وجود ميليشيات مسلحة تابعة لشخصيات سياسية وعسكرية ليبية في الشرق، من السهل توجيهها لرفض الانتخابات، وعدم الاعتراف بنتائجها، وبالتالي انعدام صلاحية أي رئيس قادم من الغرب الليبي.

ـ كذلك وجود مجلس النواب في المنطقة الشرقية، بقيادة عقيلة صالح، الذي أعلن مسبقا عن ترشحه في الانتخابات التي كان من المقرر عقدها في ديسمبر 2021، يجعل منه عائقا كبيرا في الاعتراف بشرعية رئيس منتخب من غرب ليبيا.

لأنه بعد أن يتم انتخاب مجلس نواب جديد، سيفقد على أثره عقيلة صالح صلاحياته التي أعطيت له من موقعه في مجلس النواب الحالي، فمن المرجع أن يرفض عقيلة صالح التسليم بحجة عدم شرعية البرلمان الجديد، مستندا إلى البند رقم 4 في المادة السادسة في الفصل الثاني من قانون الانتخابات، والتي تنص على أنه إذا لم تصح الانتخابات الرئاسية، فإن الانتخابات التشريعية في حكم العدم.

ب ـ فوز مرشح معسكر الشرق في الانتخابات الرئاسية

ـ لقد صدر بتاريخ 1 نوفمبر 2023 قوانين جديدة للانتخابات البرلمانية والرئاسية ونشر في الجريدة الرسمية بأمر من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ويحتوي على قانون رقم 27 لسنة 2023م بشأن انتخاب مجلس الأمة، والقانون رقم 28 لسنة 2023م بشأن انتخاب رئيس الدولة، وبعد الاطلاع على القوانين وجد أن بها العديد من المواد غير الدستورية، والتي ترسخ بما لا يدعى مجالا للشك أنها فُصِّلت خصيصا على حفتر والتي منها:

ـ المادة 15 في الفصل الخامس شروط واجراءات الترشّحالبند رقم 3 ينص1 على: “لا يحمل جنسية أية دولة أخرى، إذا ترشّح للجولة الثانية من الانتخاباتورغم غموض هذه الفقرة، لكن وفقا لفهمها أنه يسمح لمن يحمل جنسية دولة أخرى الترشح للرئاسية، ولكن أذا دخل المرحلة الثانية من الانتخابات يجب عليه التنازل عن جنسيته الأجنبية لاستكمال عملي الإنتخاب.

جاء ذلك النص في حين أن شروط الترشح لمجلس النواب في المادة رقم 17 في الفصل الخامس وفي البند رقم 2 الذي ينص على: “أن يكون ليبيا مسلما، وألا يكون حملا لجنسية دولة أخرى

2ـ ما يؤكد أن القانون الصادر من مجلس النواب تفصيلا لخليفة حفتر ما نصت عليه المادة رقم 17 في الفصل الخامس من القانون الخاص بشأن رئيس الدولة، والذي ينص في البند رقم 2 من المادة رقم 17 على الآتي: “يجب على المترشح المتأهل للجولة الثانية أن يقدم إلى المفوضية خلال أسبوعين من إعلان النتائج

النهائية للجولة الأولى الأولى إقرارا كتابيا مصدقا عليه من محرر عقود يفيد عدم حمله جنسية دولة أجنبية. أو إفادة مصدقا عليها من سفارة الدولة المانحة تثبت تقديم طلب التنازل النهائي عن جنسيتها، إذا كان ممن يحملون جنسية أجنبية، وتقوم المفوضية بتمكين بقية المترشحين من الاطلاع على المستندات المقدمة لها بهذا الشأن“.

3ـ أما البند الخامس من المادة 17 في الفصل الخامس تنص على الآتي: “يعد المترشح للانتخابات الرئاسية ـ سواء كان مدنيا أو عسكريا ـ مستقيلا من وظيفته بقوة القانون بعد قبول ترشحه، وفي حال عدم فوزه في الانتخابات يعود إلى سابق وظيفته“.

وفقا للمواد السابق ذكرها في القوانين الذي أصدرها مجلس نواب طبرق أنه قد أعد تفصيلا لـ خليفة حفتر، حيث أنه يحمل الجنسية الأمريكية بجانب الليبية، ومن الواضح أنه لا يريد التنازل عنها إلا بعد التأكد من فوزه في الانتخابات الرئاسية عند دخوله للجولة الثانية من الانتخابات. كما ذكر في البند الثاني من المادة 17 قانون شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة.

ـ العوار الثاني واضح في المادة 17 في البند رقم 5. والذي ينص أنه: “من حق أي مرشح عسكري أن يعود لوظيفته السابقة في حالة عدم فوزه في الانتخابات”.

وبالتالي إذا فاز مرشح آخر سواء كان من غرب ليبيا أو شرقها أو جنوبها، سيكون هناك منافس قوي له لا يمكنه من أداء مهامه، وهو خليفة حفتر الذي يرأس القوات المتواجدة في الشرق، والذي ينص القانون الجديد بحقه للعودة لمنصبه العسكري السابق في حالة عدم فوزه، وبالتالي سنعود من جديد لحالة الانقسام بين معسكر الشرق ومعسكر الغرب.

وجديرا بالذكر، فإذا سلمنا أنه حدث توافق فعلي بين سلطات الغرب والشرق والجنوب، على قاعدة الانتخابات والتسليم بنتائجها، وتم اختيار مرشح وفقا لانتخابات ديمقراطية شفافة فإ نتيجة هذه الانتخابات ستسفر عن احتمالين لا ثالث لهم:

الاحتمال الأول، أن تذهب ليبيا لدكتاتورية رئاسية، كما هي في حالة تونس وتسلط قيس سعيد على جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والمبرر أنه جاء بالانتخابات، وسيحدث ذلك لعدم امتلاك الدولة الليبية مؤسسات تشريعية تحاسب الرئيس.

الاحتمال الثاني، وهو فوز مرشح بخلفية عسكرية، ستتحول ليبيا لدكتاتورية عسكرية شبيهة بالحالة المصرية بعد صعود السيسي للحكم.

وهذا الأمر من عيوب ربط الانتخابات الرئاسية بالتشريعية في آن واحد قبل اختيار نظام الحكم الذي يختاره الشعب عبر دستور توافقي معتمد ومتفق عليه.

يتبع

_______________

المصدر: تقرير بعنوان تقدير موقف: مستقبل الانتخابات في ليبيا بعد إقرار قانون الانتخابات من البرلمانالصادر في 6 نوفمبر 2023 عن وحدة الدراسات والأبحاث بالمركز الليبي للدراسات العسكرية والأمنية.

مواد ذات علاقة