جهات نافذة تستفيد من الإتاوات وراء شبكات دولية للتنقيب عن الذهب في جنوب ليبيا.

يزخر جنوب ليبيا بثروات من بينها معدن الذهب الذي تتم سرقته من اللصوص والمرتزقة من دول الجوار والمنظمات الإرهابية. وتستغل هذه المنظمات هشاشة الأوضاع السياسية وضعف السلطة في نهب الثروات.

 أعاد الكشف عن شبكات دولية غير شرعية للتنقيب عن الذهب جنوب ليبيا ملف ثروات البلاد إلى الواجهة، في ما يقول مراقبون إن شبكات سياسية وأمنية نافذة تستفيد من إتاوات لتهريب المعادن المنهوبة.

وأعلنت النيابة العامة الليبية عن ضبط أجانب ينقبون عن الذهب في جنوب البلاد بتهمة المخالفة للتشريعات، بعدما دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية. وبحسب بيان لمكتب النائب العام الصديق الصور، الصادر الأحد، فإن مأمور الضبط القضائي بجهاز المخابرات الليبية لاحظ تسلل أربعة أجانب إلى البلاد، بهدف تعدين الذهب بطريقة مخالفة للتشريعات.

وأثبتت النيابة العامة في طرابلس تشكيل شخص ليبي تنظيما لتعدين الذهب بمساعدة أشخاص متسللين من النيجر وتشاد والصين، كُلف بعضهم بمهمة التنقيب عن الذهب في أربعة أحواض سطحية أحدثها المتسللون في الجنوب الليبي دون موافقة السلطات.

وأوضح البيان أن بقية المتهمين كلفوا بمهمة نقل مستخرجات البحث إلى معامل معدة لإعادة بلورتها وتنقيتها، حيث انتهى المحقق إلى حبس خمسة متهمين، من بينهم ليبي يتولى تدبير شؤونهم.

وهذه أول مرة يتم الحديث فيها رسميا عن القبض على أجانب بصدد التنقيب عن الذهب في ليبيا، في ما كانت قد راجت الكثير من المعطيات عن وجود روس وصينيين وفرنسيين وعرب يديرون شبكات لتعدين الذهب المنهوب من الأراضي الليبية .

ويعتبر أقصى جنوب ليبيا امتدادا لحزام الذهب الذي يربط بين موريتانيا غربا والسودان ومصر شرقا مرورا بمالي والنيجر وتشاد، حيث تتنافس شبكات محلية ودولية على اكتشاف المعدن الأصفر.

وشهدت ليبيا جدلا واسعا حول ملف التنقيب عن الذهب منذ العام 2013 بعد ظهور مؤشرات على وجود المعدن الأصفر في المثلث الحدودي مع النيجر وتشاد، وبداية تشكل جماعات أغلبها من قبائل التبو المنتشرة هناك للاستفادة من الثروة المهملة في ظل حالة الانفلات التي عرفتها البلاد آنذاك.

وتعتبر مناطق كوري أدري والمنطقة الـ35 وهي منطقة تبعد عن حدود تشاد بـ35 كيلومترا، ومساحات أخرى غير آهلة بالسكان مثل منطقة كركور حميد، من أكثر المواقع استقطابا لشبكات التنقيب عن الذهب، بينما تتم عملية التنقية والغربلة والتعدين في منطقة تسمى منطقة الـ17 داخل الأراضي الليبية وهي منطقة مأهولة توجد بها إمكانية الحصول على الماء بشكل وافر بالإضافة إلى أن بها سوقا كبيرة ومطاعم.

ويعتقد متخصصون أن الصخور النارية السوداء في جبال العوينات القريبة من الحدود الليبية السودانية بـ200 كيلومتر جنوب الكفرة وعلى بعد 2000 كيلومتر من طرابلس العاصمة تخفي وراءها ثاني أكبر مخزون للذهب في القارة الأفريقية، وهو ما يجعلها هدفا لشبكات التعدين التي عادة ما تتكون من التبو المنتشرين في المنطقة والذين يتسع نفوذهم وتحالفاتهم في تشاد والنيجر والسودان بالإضافة الى مساحات مهمة من الجنوب الليبي .

وفي مارس 2019 أعلن الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر أن قواته سيطرت على مناجم الذهب المتاخمة للحدود الجنوبية مع دولة تشاد، تمهيدا للأخذ بزمام تأمين وتعزيز الرقابة على الحدود.

وقالت كتيبة “شهداء أم الأرانب” إنها تمكنت من إزالة البوابات الوهمية وإخلاء مناجم الذهب في منطقة كوري بوغودي المتاخمة للحدود التشادية بالتنسيق مع الجيش التشادي، في إطار العملية العسكرية التي يقودها الجيش الليبي لتأمين منطقة الجنوب وتعزيز المراقبة على الحدود.

من جانبه قال رئيس المجلس العسكري الانتقالي التشادي محمد إدريس ديبي إن قيمة كميات الذهب المهرَّبة من بلاده كل أسبوع تقدر بنحو 57 مليار فرنك أفريقي (91 مليون دولار)، مشيرا إلى أن وجهة هذه الذهب تكون ليبيا، مشيرا إلى أن «هذا الوضع ضخم ويجب أن يتوقف».

وتدرك السلطات التشادية أن عددا هاما من عناصر المعارضة المسلحة يستفيد من عمليات التنقيب عن الذهب، ويجد فيها مصدرا مهما للتمويل ولشراء الأسلحة.

وتشير تقارير محلية إلى أن سهولة اختراق الحدود مع ليبيا التي يعدّ جنوبها أيضا قاعدة خلفية لعدد من المجموعات التشادية المتمردة المعادية للنظام منذ عقود، شجعت على انتشار الأسلحة النارية التي يستخدمها المنقبون عن الذهب القادمون من جميع أنحاء البلاد وكذلك من السودان وموريتانيا والموجودون بالآلاف في منطقة كوري بوغودي أي “الكثبان الرملية القديمة” بلغة التبو.

وبات التنقيب عن الذهب يستقطب أعدادا كبيرة من الباحثين عن الثروة من كل دول الساحل والصحراء تقريبا، كما تحول إلى سبب مباشر ولكن غير معلن للصراعات والحروب في المنطقة، وخاصة في المناق المعزولة التي لا توجد بها سلطة قوية للدولة، أو التي تخضع لحكم القبائل والعشائر وتتقاسم الجماعات المسلحة النفوذ فيها.

وفي العام 2020 أعلنت كتيبة سبل السلام التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي عن احتجاز شاحنات تقوم بالسرقة والتنقيب عن الذهب داخل الأراضي الليبية، وقالت إنها خرجت في دوريات لمدة عشر أيام واحتجزت عددا من الشاحنات وقرابة 25 مهاجرا غير شرعي جاؤوا للتنقيب عن الذهب وسرقته داخل الأراضي الليبية.

ويرى مراقبون أن الذهب المستخرج من المناطق الحدودية المشتركة ومن أقصى شمال تشاد يتم بيعه داخل الأراضي الليبية، سواء للسماسرة أو للتجار المرتبطين عادة بجهات رسمية تسعى الى الاستفادة من ظاهرة التنقيب عن المعدن الأصفر عبر الحصول على إتاوات مجزية، مشيرين إلى أن الفقراء ينقبون عن الذهب والأثرياء هم الذين يستفيدون منه، نظرا إلى أنهم يتحركون دون خوف ويتصرفون بثقة تامة ويتمكنون من الإفلات من العقاب أو الملاحقة .

وتؤكد أوساط ليبية أن عصابات متعددة الجنسيات تتولى التنقيب عن الذهب الليبي في المناطق الجنوبية، وأن هناك شبكات تتولى الاستثمار في هذا المجال بالتنسيق مع أطراف محلية نافذة، وهو ما جعل الجهات الرسمية تمتنع عن إصدار قوانين جديدة لتنظيم القطاع وتأمينه وضمان استفادة الدولة منه بدلا من أن تذهب إيراداته الى جيوب الأفراد وعناصر الشبكات الخارجة عن القانون.

وتضيف أنه من غير الممكن الفصل بين الشبكات المتعددة التي تعمل في جنوب ليبيا وفي دول الجوار التي تحظى بنفوذ واسع يساعدها على نهب الثروات وخاصة المعدن الأصفر على نطاق واسع بالتعاون مع الجماعات المسلحة والسلطات القبلية والفعاليات الاجتماعية المؤثرة في مناطق التنقيب،

ففي سبتمبر 2021 أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة أن ليبيا تمتلك الكثير من الذهب في صحرائها الممتدة، وتزامن ذلك مع تعرضه لانتقادات حادة أثناء جلسة عقدها مجلس النواب في مدينة طبرق تم الكشف خلالها عن منح الحكومة رخصة للتنقيب عن الذهب لفائدة شركة يمتلكها مقربون من الدبيبة الذي سارع إلى توجيه تعليماته بتشكيل لجنة تحقيق حول عقد التنقيب عن الذهب الممنوح لشركة الماسة الزرقاء للتعدين، بناء على الملاحظات القانونية والفنية المثارة من مجلس النواب بالخصوص.

كما طالب ديوان المحاسبة الليبي وزارة الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية بسحب الإذن الذي منحته لإحدى الشركات الليبية لتنفيذ مشروع استثماري للتنقيب عن الذهب في منطقة سبها لمدة 50 عاما لمخالفته قانون المناجم والمحاجر.

ولا يزال الذهب الليبي في حاجة إلى قوانين لتأمينه من النهب الممنهج، وإلى خطط حكومية للتنقيب عنه تحت غطاء الدولة، وإلى سلطة قادرة على ملاحقة الشبكات متعددة الجنسيات التي تعمل على استخراجه وتهريبه في العديد من الاتجاهات.

______________

مواد ذات علاقة