الحبيب الأسود

المجلس الأعلى للدولة ينبه إلى آثار الظاهرة السلبية وتهديدها لسيادة القانون.

تصاعدت الدعوات السياسية المطالبة بمحاربة ممارسات الفساد المستشري في مختلف المؤسسات الليبية، وسط تأكيد على انعكاسات الظاهرة السلبية على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن تقويض أسس الديمقراطية وسيادة القانون، رغم الاتفاقيات الدولية المبرمة في المجال.

 تواجه ليبيا اتساعا مهولا لظاهرة الفساد التي وصفها مجلس الدولة الاستشاري بـ”الوباء المستفحل” الذي ضرب “أطنابه في شتى مجالات الحياة”، معتبرا أنها “من أكبر التحديات التي تواجهها الدولة منذ عدة أجيال”، وفق بيان صدر عنه بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع من ديسمبر من كل عام

ودعا المجلس المؤسسات ذات العلاقة والمهتمة بمحاربة هذه الظاهرة إلى المزيد من العمل والتعاون، لافتا إلى أن الفساد بات ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية عالمية معقدة تؤثر على جميع البلدان، إذ يقوض المؤسسات الديمقراطية، ويبطئ التنمية الاقتصادية، ويسهم في عدم الاستقرار الحكومي.

 وذكّر المجلس بتوقيع ليبيا على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في العام 2003، ومصادقتها عليها بموجب قانون في العام 2005، وإنشاء عدة مؤسسات لمكافحة الفساد ومنعه، معتبرا أن “الفساد اليوم قد ضرب أطنابه في شتى مجالات الحياة، لذا يعد من أكبر التحديات التي تواجهها الدولة منذ عدة أجيال، وهي تحديات تهدد ازدهار الوطن واستقرار البلاد ونموها”، وفق البيان.

خالد شكشكالفساد يحتاج إلى تكاتف كبير وبرنامج وطني متوافق عليه

ونبه مجلس الدولة إلى أن للفساد آثارا سلبية على كل جوانب حياة المجتمع وأفراده، حيث يتشابك مع الصراعات والاضطرابات، ما يهدد التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويقوض أسس المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون.

ووفقا للتقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية حلّت ليبيا في المرتبة 172 من بين 180 بلدا وفق إحصاءات عام 2021، وهي بذلك ضمن الدول التسع الأكثر فسادا في العالم.

وفي عام 2022 تقدمت ليبيا درجة واحدة في المؤشر حيث حصلت على المركز 171 عالميا، وحصدت 17 درجة فقط على المقياس وهو ما يعني أنها تعاني من فساد واسع وكبير.

ورأى النائب الثاني لرئيس مجلس النواب مصباح أوحيدة أن بعد محاربة الإرهاب في كل ليبيا أمامنا الآن خطر كبير جدا وهو الفساد، وقال خلال احتفالية إحياء اليوم العالمي لمكافحة الفساد، السبت في بنغازي، إن “ليبيا الآن مريضة بورم الفساد وإن مجلس النواب سيعمل على محاربته بإصدار التشريعات اللازمة للقضاء عليه”.

ومن جانبه، أكد عضو مجلس النواب إبراهيم الزغيد أن “الفساد منتشر بشكل كبير جدا في ليبيا وهو ما أوضحته التقارير ولا بد من الحد منه، فهناك من لا يستطيع الحصول على قوت يومه ولا الإنفاق على أطفاله في الدراسة”، وأضاف أن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة صرفت حتى الآن نحو 200 مليون دينار (41.34 دينار) بدون اعتماد ميزانية، إضافة إلى المبالغ التي أنفقت على بعض الدول، داعيا إلى ضرورة تطبيق قانون “من أين لك هذا”، الذي يجرم حالات الفساد التي تم الكشف عنها

ويرى مراقبون أن الشيء الوحيد الذي اتفق عليه أغلب الفرقاء الأساسيين في ليبيا هو الفساد، بحيث تشكلت شبكات على نطاق واسع في المدن الكبرى، وعلى أساس توازنات سياسية وعسكرية ومناطقية وقبلية، لنهب المال العام وتوزيعه وفق مصالح الأفراد والجماعات المتنفذة.

وأوضح رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك أن “الديوان يعمل على محاصرة الفساد في ليبيا عبر مراقبة بند المرتبات العامة والاعتمادات المستندية وجباية الإيرادات العامة واجبة التحصيل، ومنع استغلال الوظيفة العامة”.

وأضاف أن “الديوان يعمل على الحد من تهريب الوقود وتنظيم العلاج في الخارج وإيفاد الطلبة ومساعدة الجهات المعنية في تدشين منظومات رقمية تسهل الرقابة المالية”، مشيرا إلى “حرصه على مواجهة الوساطة والمحسوبية وعدم العدالة في التعامل واستغلال الوظيفة العامة في الحصول على أموال بدون وجه حق، وكذلك مكافحة الفساد طيلة الأعوام الماضية بنشر الديوان تقاريره بشكل سنوي”.

وأكد رئيس ديوان المحاسبة أهمية استئصال الفساد في ليبيا خاصة في ظل الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد المتمثل في الانقسام السياسي الطويل وعدم الاستقرار وطول أمد المراحل الانتقالية المتعاقبة، معتبرا أن “الفساد المستشري في مناحي حياتنا المختلفة يحتاج إلى تكاتف وطني كبير وبرنامج وطني متوافق عليه، يبدأ بتزويد التعليم ومناهجه ومفرداته بموضوعات نبذ الفساد ومحاربته”.

ويتخذ الفساد أبعادا مختلفة في كل مناحي الحياة في ليبيا، بينما أعرب رئيس الحكومة المنبثقة أسامة حماد عن استغرابه من انحياز البعثة الأممية لحكومة الوحدة الوطنية التي انتهت ولايتها قانونا، وتمارس أكبر عمليات الفساد ماليا وإداريا، ما يتسبب في إطالة أمد الصراع والشقاق بين الليبيين، مستخدمة في ذلك كل ما أمكنها من سلوكيات تتمثل في الفساد وشراء الذمم بأموال الشعب الليبي، وفق تعبيره.

وأكد حماد أن ليبيا وقّعت على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد منذ العام 2003، وأصدرت القوانين التي تجرم الفساد وغيرها من القوانين العقابية، وأنشأت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عام 2014، التي تتبع البرلمان بصفته التشريعية، داعيا الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى اتخاذ كل الخطوات والقرارات الكفيلة بمكافحة المفسدين، بدءا من الأجهزة الموازية غير الشرعية، التي تنتحل الصفات والمناصب الوظيفية، ووصولا إلى كل من أفسد الشأن العام الليبي ماليا وإداريا.

وتحول الفساد إلى نمط سياسي واجتماعي في البلد المعتمد على اقتصاد الريع، والذي تحولت السلطة فيه إلى مؤسسات أسرية وفئوية لا تهدف إلا إلى تقاسم إيرادات النفط والغاز والتلاعب بالمال العام بشكل غير مسبوق في البلاد، بل إن حتى المبادرات الأممية تحولت إلى أطر مفتوحة لممارسة الفساد كما حدث في مؤتمر الحوار السياسي الذي أفرز السلطات الحالية بعد توافقات جرى التوصل إليها من خلال مساومات وصفقات اعترفت بها بعثة الأمم المتحدة سواء في اجتماع تونس في نوفمبر 2020 أو في اجتماع جنيف في فبراير 2021.

____________

مواد ذات علاقة