الحبيب الأسود

الاجتماع التحضيري للطاولة الخماسية في مهب الخلافات بين الفرقاء.

لا تبدو المؤشرات مطمئنة بالنسبة إلى الليبيين عن قرب التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء السياسيين ينهي مرحلة انتقالية طالت، وتبدو الرهانات ضعيفة لعام 2024 للخروج من الحلقة المفرغة التي تدور فيها ليبيا منذ سنوات في غياب الإرادة السياسية.

تغادر ليبيا عام 2023 في ظل جدل واسع حول الصراع السياسي المتفاقم، وخاصة ما يتعلق بملف الانتخابات الذي يواجه تناقضا واضحا في وجهات النظر بين الفرقاء الأساسيين. ويأمل الشارع الليبي أن يشهد عام 2024 توافقا جديا حول القوانين الانتخابية والعملية السياسية بصفة عامة، بعد سنوات من الوعود التي لا تتحقق والجهود التي لم تثمر سوى المزيد من الخيبات.

وينتظر أن يعلن في منتصف الشهر المقبل عن موعد جديد للاجتماع التحضيري للطاولة الخماسية التي يراهن عليها المجتمع الدولي كآلية لتحقيق التوافق بين الأطراف السياسية الليبية المتصارعة سواء في شرق البلاد أو في غربها، بينما أكدت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا التزامها بتيسير الحوار بين الأطراف الرئيسية. ودعت البعثة تلك الأطراف إلى تسمية ممثليها للاجتماع التحضيري الذي طرحه المبعوث الأممي عبدالله باتيلي دون تأخير. وأضافت أنه على الأطراف الرئيسية الاتفاق على مسار انتخابي واضح وجدول زمني للانتخابات والتوصل إلى توافق بشأن تشكيل حكومة موحدة.

ولفتت البعثة الأممية إلى أنها “ملتزمة بتيسير الحوار، غير أن المسؤولية تقع على عاتق الأطراف الليبية لإظهار التزامها الكامل بتحقيق الوحدة الوطنية والسلام والأمن عبر الانخراط بشكل إيجابي مع جهود الممثل الخاص باتيلي. وهذا يعني وضع مطالب الشعب في ليبيا على رأس أولوياتهم وتقديمها على المصالح الفئوية، وتسمية ممثليهم للاجتماع التحضيري دون تأخير، والاتفاق على مسار انتخابي واضح وجدول زمني للانتخابات والتوصل إلى توافق بشأن تشكيل حكومة موحدة جديدة تسير بالبلاد نحو الانتخابات“.

واعتبرت البعثة أن التلكؤ في التحرك الآن سيعمّق الانقسام ويعرّض ليبيا لمخاطر مختلفة تهدد أرواح الناس في ليبيا وتقوض الاستقرار الإقليمي، مشيرة إلى أنه “يتعين على الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنساء والشباب والأعيان والشيوخ، إلى جانب الجهات العسكرية والأمنية، حشد جهودهم وحث قادة المؤسسات الرئيسية على القيام بواجبهم تجاه وطنهم الأم، ليبيا” انطلاقا من أن “الشعب الليبي يريد أن يمارس حقه السياسي في التصويت في بيئة آمنة ومستقرة“.

وتحولت ذكرى عيد الاستقلال التي وافقت يوم الأحد الماضي إلى مناسبة للتذكير بضرورة تجاوز الخلافات والاتجاه نحو تنفيذ بنود المبادرة الأممية، ويعتبر مراقبون أن أطرافا دولية مؤثرة دخلت بقوة خلال الأيام الماضية في محاولة منها لإقناع الفرقاء الليبيين بضرورة التجاوب مع المبادرة، وذلك لتجاوز العراقيل التي ما انفكت تجول دون التوصل إلى حلحلة الأزمة السياسية وفسح المجال أمام الشعب ليقرر مصير السلطة في بلاده عن طريق صناديق الاقتراع.

وبحسب البعثة الأممية أصبح لدى ليبيا إطار دستوري وقانوني للانتخابات تعتبره مفوضية الانتخابات قابلاً للتنفيذ، وهو ما يشير إلى أن جزءا من المشكلة في طريقه إلى الحل، لكن ما سبق أن وصفه باتيلي بتكتيكات تأجيل الحل مازال يمعن في ترحيل الأمل إلى أجل غير مسمى. وحثت الولايات المتحدة القادة الليبيين على المشاركة في المحادثات مدفوعين بالنيات الحسنة، ودعت إلى تقديم التنازلات اللازمة، وإن كانت صعبة، للتوصل إلى توافق، وإحراز تقدم في العملية السياسية.

وعبرت السفارة الأميركية في رسالة تهنئة بمناسبة الذكرى الـ72 لاستقلال ليبيا عن أسفها على مرور سنتين على تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2021، وأضافت نشارك الشعب الليبي إحباطه من أن الفاعلين الليبيين الرئيسيين لم يجدوا بعد سبيلا لتلبية المطالب الشعبية، والتوصل إلى تسوية تمكن من القيام بانتخابات حرة ونزيهة تقدم لكامل الشعب الحق في اختيار قادته“.

وقالت السفارة الأميركية في رسالتها نحن نؤمن بأنه قد حان الوقت لكي يضع هؤلاء الفاعلون الخلافات جانبا، وأن يجتمعوا من أجل مصلحة البلاد، وجددت دعوة القادة الليبيين إلى الاتسام بوحدة مشابهة في القصد، والإيفاء بمسؤولياتهم تجاه الشعب الليبي من أجل تحقيق الاستقرار والأمن والازدهار طويل الأمد.

ودعت بعثة الاتحاد الأوروبي القادة الليبيين إلى احترام حق الشعب في مؤسسات شرعية وموحدة، والعمل على تحقيق السلام والازدهار والاستدامة في ليبيا، وقالت في بيان إن الاتحاد ينضم إلى دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التي حث فيها جميع الأطراف الرئيسية على الالتزام بحسن نية وبروح التسوية لجهود باتيلي لإنهاء الجمود المطول من خلال التوافق، مما يمهد الطريق لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة وشاملة. وأشارت إلى أن الإطار القانوني للانتخابات الذي اعتمد مؤخراً يمثل تقدما كبيرا“.

ومن جانبه أكد سفير ألمانيا لدى ليبيا ميخائيل أونماخت أن الانتخابات خطوة مهمة وأساسية لبناء الاستقرار والسلام في ليبيا، وأشار إلى الانتخابات التي كانت مقررة في ليبيا عام 2021 قائلا قبل سنتين كان من الممكن أن يكون هذا التاريخ عيدا مناسبا لعقد انتخابات تشريعية ورئاسية في ليبيا“.

وكان المبعوث الأممي قد دعا الأطراف الخمسة الرئيسية في ليبيا إلى الانخراط في حوار تحضيري لقمة خماسية، وهي: رئيسا مجلسي النواب عقيلة صالح والدولة محمد تكالة، والقائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.

لكن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة وضع حجر عثرة من النوع الثقيل أمام الجهود الأممية عندما أكد أن العبور نحو الانتخابات الناجحة يمر عبر الدستور، و أن ليبيا اليوم بحاجة إلى دستور دائم يؤسِّس لعملية سياسية عادلة وواضحة، وهو ما يعني رفضه التام لخيار مجلس النواب الداعي إلى تشكيل حكومة مصغرة بدل الحكومتين القائمتين في طرابلس وبنغازي، تتولى إدارة شؤون البلاد لمدة ثمانية أشهر تشرف خلالها على تنظيم الانتخابات.

ورد رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح على موقف الدبيبة قائلا إنَّ الموظف المدني أو العسكري في ليبيا يعتبر مستقيلا فور ترشحه لانتخابات الرئاسة وفقا لما نصّ عليه القانون، مشددا على أنَّ إشراف حكومتين على الانتخابات في ليبيا أو أي بلد آخر أمر مستحيل وستكون نتيجته فاشلة.

وأضاف صالح في مقابلة تلفزيونية بالنسبة إلى البعثة الدولية بقيادة باتيلي، فإننا وضحنا لها الصورة بخصوص العملية الانتخابية إذ يتصل بالجميع، وعليه أن يركز على القيادات، فمجلس النواب يمثل الشعب الليبي، والجيش يحمي الدولة، ومجلس الدولة شريك في الانتخابات، ولكن لا يجب أن يتواصل مع رئيس الحكومة في أمور تعطل المسيرة“.

وتابع رئيس مجلس النواب الليبي نتمنى أن نجتمع قبل نهاية ديسمبر على كيفية تشكيل حكومة وإجراء الانتخابات، إذ دعا باتيلي إلى إنهاء الحكومتين، وهو ما يعني أن المجتمع الدولي أصبح يطلب وجود حكومة موحدة، والجميع في ليبيا مقتنع بهذا الأمر لأننا نريد انتخابات نزيهة، ولكن يجب إنجاز تشكيل الحكومة الليبية بسرعة“.

وفيما شهر ديسمبر على أهبة الانقضاء يعجز الفرقاء الليبيون عن الاجتماع أو حتى على ترشيح ممثليهم للقاء التحضيري، ما يكشف عن وجود عراقيل حقيقية تحول دون حلحلة الأزمة، وأن الوضع في عام 2024 لن يكون أفضل من عام 2023؛ وذلك لعدة أسباب أبرزها أن النخب السياسية لا تزال هي ذاتها التي تعرقل الحل بهدف المحافظة على امتيازاتها ومصالحها المرتبطة هي أيضا بأجندات إقليمية ودولية لا تستعجل الوصول إلى لحظة مغادرة النفق.

______________

مواد ذات علاقة