الحبيب الأسود

حكومة الوحدة الوطنية تقرّ بضرورة التشاور مع كافة المؤسسات في اتخاذ القرار.

دركت حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا، أنه لا فائدة من التعنّت بشأن تنفيذ قرار رفع الدعم عن المحروقات، نظرا لتداعياته الوخيمة على المشهد السياسي والشعبي بالبلاد، وما قد يخلّفه من انقسامات واحتجاجات لا تخدم مصالح

الحكومة في طرابلس، وهو ما عجّل بإعلان رئيسها عبدالحميد الدبيبة بالتراجع عن القرار.

تراجع رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة عن الحسم في قضية رفع الدعم عن المحروقات ، وقال إن اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه يتطلب توفر شرطين أساسيين أولهما قبول الناس بها ودعمها والشرط الثاني أن يكون مردودها المالي مباشرا في جيب المواطن دون وسيط.

وطمأن الدبيبة مواطنيه بأن النقاشات مع ذوي الاختصاص بشأن مسألة دعم الوقود وبدائله مستمرة، وذلك للوصول إلى صيغة تضمن حق المواطن من هذا الدعم بعيدا عن مصالح المهربين وحلفائهم.

وجاء ذلك بعد إعلانه خلال اجتماع لجنة المحروقات الأربعاء الماضي، أنّ “قرار الحكومة رفع الدعم عن المحروقات اتخذ، ولا رجعة فيه”، مضيفا أن “المؤسسات الدولية ومصرف ليبيا المركزي والأجهزة الرقابية حذرت من الاستمرار في الوضع الحالي وأن قيمة الدعم وصلت إلى 50 في المئة من دخل البلاد”.

ورد الدبيبة القرار إلى الشعب، وهو ما رأى فيه المراقبون خوفا جديا من حالة غضب شعبي كانت ستكتسح الشوارع عبر احتجاجات اجتماعية عارمة ظهرت بوادرها الأولى في الزنتان والزاوية وغريان ومصراتة وبني وليد والجنوب، من خلال بيانات لفعاليات شعبية وقبلية كانت قد دخلت مرحلة تنسيق المواقف في ما بينها.

وبحسب المراقبين، فإن أي اتجاه نحو رفع الدعم عن المحروقات من طرف واحد، سيؤدي إلى تعميق حالة الانقسام السياسي والاجتماعي في البلاد، وإلى تأبيد الصراع بين الفرقاء، وقد يصل الأمر إلى انتفاضة شعبية في المناطق التي سينفذ فيها القرار.

 وفي تأكيد للتراجع عن القرار، نفى وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية عادل جمعة اتخاذ أي قرار بشأن رفع الدعم وتحديد أسعار بديلة عن المحروقات، وقال في مؤتمر صحفي عقده مساء الخميس بديوان رئاسة الوزراء في طرابلس، إن “اتخاذ قرار بشأن استبدال الدعم أو رفعه يحتاج إلى كثير من التشاور والتناغم مع كافة المؤسسات في الدولة الليبية ولا يقتصر على حكومة الوحدة الوطنية.

 كما أكد أن ما جرى المدة الماضية، هو أن اجتماع موسع عقدته اللجنة المشكلة برئاسة مدير إدارة الموارد المالية بوزارة المالية قدم خلاله عرضا ضوئيا تناول تفاصيل هذا الأمر واتجاه عدد من الدول باتجاه ملف المحروقات، مشيرا إلى أن كثيرا من المراسلات وردت المدة الماضية من ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية ومصرف ليبيا المركزي بمعالجة ملف المحروقات.

وتابع أنه سيكون هناك استعلام وطني عن طريق مراكز الاتصال المحلي بالبلديات للمواطنين بالخصوص، كما سيكون هناك استبيان عن طريق الرسائل النصية واللقاءات المباشرة والذي سيساعد اللجنة الفنية لدراسة هذا الملف بكل جوانبه وآثاره.

واضطرت حكومة الدبيبة إلى التراجع عن موقفها بعد تسجيل حالة من الاحتقان الشعبي والتحركات الاجتماعية في عدد من مناطق البلاد، وبداية تشكل نذر أزمة في الشوارع الليبية، لاسيما وأن أي رفع للدعم عن المحروقات سيؤدي آليا إلى ارتفاع للأسعار ولتكاليف الحياة.

واستغلت حكومة الاستقرار المنبثقة عن مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، تصريحات الدبيبة عن رفع الدعم الحكومي عن المحروقات للتشنيع بحكومة الوحدة الوطنية، واصفة إياها بـ”مغتصبة للسلطة، ومهدرة للأموال، ومحدثة لعجز غير مسبوق بحسب كل التقارير المحاسبية والرقابية والنقدية، وأهدرت مئات المليارات، كل ذلك من دون أن تشيّد مرفقا حيويا واحدا، يجعل ليبيا تستغني عن استيراد المحروقات، وتنتقل من خانة المستوردين الاستهلاكيين إلى صف المصدرين المستثمرين، فلم تنشئ مصفاة، ولم تجدد أو تطور القائم منها، بل إنها لم تقم بالصيانات الأساسية لها”.

وقالت حكومة حماد في بيان لها، إن مسألة الدعم لها أهمية بالغة في حياة المواطنين وسير مرافق الدولة، مجددة مواقفها ومبادئها وأهدافها للشعب الليبي تجاه هذه التصرفات التي وصفتها بـ”غير المسؤولة”، مؤكدة انعدام شرعية حكومة الدبيبة لانتهاء ولايتها، وبالتالي بطلان كل ما تصدره من قرارات، وحذرت من تبعات اتخاذ مثل هذه القرارات.

وأكدت على حق الشعب الليبي وسيادته في تقرير أوجه الصرف والتصرف بمقدراته، وبينت أن هذا لا يتم إلا عن طريق السلطة التشريعية المنتخبة، والتي لا يمكن منازعتها حقها في تمثيل الشعب والنيابة عنه، مهما حاول العابثون النيل من حقوق الشعب، ومحاولات تجاسر الآخرين على سيادة ليبيا، بأدوات وبيادق يحركونها من الخارج تنفيذا لأطماعهم، وتحقيقا لمصالح أفراد ودول ضد مصلحة شعب ليبيا العظيم، وعليه فإنه لا يمكن أن تمس هذه الحقوق المكتسبة للشعب الليبي إلا بقوانين وتشريعات تصدر من السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد.

ودخل مجلس النواب على خط الأزمة ليدلي بدلوه في مواجهة موقف الدبيبة من رفع الدعم عن المحروقات، ورأى رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بالمجلس عيسى العريبي أن رفع الدعم عن المحروقات تقرره الميزانية العامة التي يقرها مجلس النواب.

وشدد على أن رفع الدعم دون دراسة عميقة سيؤثر على المواطن البسيط، خاصة في أمور النقل بشكل عام، وبالتالي سيساهم في ارتفاع الأسعار، مردفا أنه في حالة تقديم الحكومة التي يعترف بها مجلس النواب مقترحا بهذا الشأن، فإن المجلس سيعدل في الميزانية بحيث يراعي ذوي الدخل المحدود، ولنا في ذلك تجربة رفع الدعم عن السلع التموينية دون دفع البديل المالي للمواطن، مما زاد من  إثقال كاهن المواطن البسيط.

وأوضح عضو لجنة الطاقة بمجلس النواب ميلود الأسود، أن “أمر رفع الدعم عن المحروقات بالصورة الحالية وفي ظل الانفلات الأمني سيؤدي إلى مشكلة كبيرة تضر بالبلاد، بصرف النظر عن شرعية الحكومة التي تطرح الأمر من عدمها” ، وتابع أن  “ذلك لا يمكن أن يكون بشكل متسرع، ويحتاج إلى دراسة دقيقة لتحديد الآثار وسبل معالجتها وتحديد الاتجاه، وهل هو رفع جزئي أم كلي تدريجي أو استبدال للدعم؟، داعيا إلى أن “يكون الرفع في إطار تناغم وتوافق السلطات الثلاث المالية والاقتصادية والنقدية،إضافة إلى الأثر الاجتماعي المحكم”.

بدوره، كشف رئيس لجنة متابعة أداء المؤسسة الوطنية للنفط بمجلس النواب يوسف العقوري، أن “اللجنة قامت منذ عدة أشهر بتكليف خبير اقتصادي، لإجراء دراسة اقتصادية شاملة حول الآثار المحتملة لرفع الدعم عن الوقود والخيارات الممكنة ونتائج كل خيار”، مضيفا أن “الدراسة اعتمدت على الأدوات الاقتصادية القياسية لقياس أثر هذا القرار على المتغيرات الاقتصادية الكلية، لتوضيح النتائج المختلفة والتوقعات المحتملة”.

 وبحسب العقوري، فإن “الدراسة أنجزت وسيتم عرضها للرأي العام من خلال ندوة ستنظم قريبا بمجلس النواب، وأن مقاربة اللجنة حول القضية هي فتح باب الحوار وإتاحة الفرصة لعرض جميع وجهات النظر على أسس علمية تراعي الجوانب المختلفة، من أجل التوصل لأفضل الحلول الممكنة للصالح العام وللمستوى المعيشي للمواطن الليبي”.

وترى أوساط ليبية أن شبكات تهريب المحروقات تحولت إلى قوى فاعلة على الأرض، وهي مرتبطة عضويا بالميلشيات والجماعات المسلحة ولاسيما في المنطقة الغربية والجنوب، ولا يمكن فصلها عن التوازنات الاجتماعية والسياسية التي تتحكم في الوضع العام بالبلاد.

وتضيف أن قرارا كرفع الدعم الحكومي عن المحروقات لا يمكن اتخاذه إلا في ظل حكومة قوية وبعد حل الميلشيات وجمع السلاح وبعد توحيد مؤسسات الدولة واستعادتها لسيادتها على كامل أراضيها وقدرتها على تنفيذ القرارات السياسية، وكذلك في سياق سلة من الإصلاحات المالية والاقتصادية الشاملة.

وتخسر ليبيا ما لا يقل عن 750 مليون دولار سنويا نتيجة أنشطة تهريب الوقود غير الشرعية، كما زادت مخصصات دعم الوقود في ليبيا لتتجاوز 12 مليار دولار في عام 2022، بزيادة قدرها 5 مليارات دولار مقارنة بعام 2021، وهو أمر يثير قلق السلطات ويطرح تساؤلات بشأن الإصلاح المطلوب لتفادي ذلك.

وأكد عضو مجلس النواب، سعيد مغيب، رفض الشارع الليبي ورفض نيابي لخطوة رفع الدعم عن الوقود والمحروقات المقترحة من قبل الدبيبة بهدف تأمين تمويل للحكومة.

وطلب مغيب من الدبيبة استبدال هذه الخطوة بخطة تقلل من تكاليف الإنفاق في مصروفات حكومته ووزاراته، مشيرا إلى ضرورة خفض الإنفاق في المشاريع الوهمية وبرامج وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية اللافي.

وأوضح مغيب أن المرحلة الحالية تتطلب الحفاظ على دعم الوقود والمحروقات، خاصة في ظل مرحلة إعادة الإعمار ومشاريع التنمية، حيث يعتبر الدعم إحدى الدعائم الأساسية لتشجيع الشركات المحلية والأجنبية والمستثمرين في المناطق التي تخضع لسلطة حكومة أسامة حماد.

ويقدر دعم ليبيا للوقود بما يناهز 3.9 مليار دولار، أي 17.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أما سعر البنزين فيعد الأرخص في ليبيا من ضمن جميع دول أفريقيا بـ0.11 في المئة للتر الواحد، وفق الأمم المتحدة، بينما تشير تقديرات المؤسسة الليبية للنفط إلى أن ما بين 30 و40 في المئة من الوقود المكرر في ليبيا أو المستورد من الخارج يتعرض للسرقة أو التهريب.

_________________

مواد ذات علاقة