تقسيم فيدرالي يعتمد الأقاليم الثلاثة في سياق ديمقراطي تعددي

الحبيب الأسود

بعد أكثر من عشر سنوات على “ثورة فبراير” التي جرّب فيها الليبيون مختلف أشكال الحوار والمعارك لم يبق أمامهم كخيار واقعي سوى العودة إلى دستور 1951، الذي يحل الكثير من نقاط الخلاف المستعصية، كما يحظى بثقة فئة واسعة من الليبيين ومن القوى الإقليمية والدولية.

تشهد ليبيا حراكا واسعا من قبل أنصار عودة العمل بدستور 1951، في ظل مؤشرات على تبني خيار الملكية الدستورية لحل مرجح في سياقات مشروع المصالحة الوطنية الشاملة، وذلك بهدف تجاوز أية مخاوف من عودة الحرب أو اللجوء إلى تقسيم البلاد في حال استمرار الصراع الحالي على السلطة وفشل المجتمع الدولي في حلحلة الأزمة السياسية المتفاقمة.

وأكد ولي عهد المملكة الليبية الأمير محمد الرضا السنوسي أن إنقاذ ليبيا لا يكون إلا من خلال الوحدة والتوافق الوطني. وقال في تغريدة عبر حسابه على “إكس” إن “ما أظهرته الأزمات التي عصفت ببلادنا، خلال الإثني عشر عاما الماضية، أن السبيل الوحيد لإنقاذ بلادنا هو الوصول إلى حالة من الوحدة والتوافق الوطني، لا يمكن لوطننا أن ينجو من مستقبل مظلم إلا تحت مظلتها”.

وأضاف أن :”ما يبعث على الأمل في الوصول إلى هذا الهدف المنشود، هو الوعي التام الذي لامسته من خلال سلسة من اللقاءات التي جمعتني خلال المدة الماضية، مع مجموعة من الشخصيات الوطنية من مختلف المناطق الليبية”، مـشيرا إلى أن “هذه اللقاءات التي سوف تستمر بشكل أكثر نسقاً وتصميماً، والتي أوضحنا من خلالها ترحيبنا لاستقبال جميع الراغبين من مكونات شعبنا وأهلنا؛ تُشكّل البداية الفعلية لحوار وطني شامل وحقيقي لا يستثني أحداً”، وفق تقديره.

وشدّد السنوسي على أن “هذا الحوار يهدف إلى جمع الكلمة وتوحيد الصفوف في جميع أنحاء بلادنا العزيزة وعودة سيادتها الغائبة وأمنها المفقود”.

وينص الدستور الذي دخل حيز التنفيذ في 7 أكتوبر 1951 مباشرة قبل استقلال ليبيا الرسمي في 24 ديسمبر 1951 على كون ليبيا ملكية دستورية، وقد أقر المساواة أمام القانون، والمساواة في الحقوق المدنية والسياسية، وتكافؤ الفرص، والمسؤولية المتساوية في المهام والواجبات العامة “دون تمييز في الدين أو المعتقد أو العرق أو اللغة أو الثروة أو النسب أو الآراء السياسية أو الاجتماعية” (المادة 11).

واعتبر دستور ليبيا في 1951 أول تشريع يرسخ رسميا حقوق المواطنين الليبيين في أعقاب قيام الدولة الوطنية الليبية بعد الحرب. وكان الملك إدريس يقول بأن إنشاء دولة ليبية واحدة سوف يعود بالنفع على مناطق طرابلس، فزان وبرقة، وكانت الحكومة الليبية حريصة في صياغتها للدستور على أن يتضمن العديد من القيم الإنسانية والحقوقية الراسخة والمشتركة في البلدان الديمقراطية.

الحل الوحيد

يرى مراقبون أن العودة إلى دستور 1951 يمكن أن تكون الحل الوحيد في ظل حالة الانقسام الحكومي والسياسي وتمسك بعض القوى بالسلطة وعدم استعدادها للتخلي عنها مهما كانت الظروف، كما ان تعدد المرجعيات الفكرية والسياسية يبدو واضحا في البلاد إلى جانب الخلافات الحادة في قراءة المشهد العام وما يمكن أن يفرزه من أسس بناء الدولة، وتحديد طبيعة النظام السياسي والاجتماعي.

وبحسب المراقبين، فإن عودة العمل بنظام ملكي دستوري يمكن أن تحل أعقد المشاكل وتفسح المجال أمام تقسيم فيدرالي وفق ما كانت عليه البلاد من 1951 إلى 1963، من اعتماد الأقاليم التاريخية الثلاثة طرابلس وبرقة وفزان في سياق ديمقراطي تعددي يحترم الخصوصيات الثقافية والاجتماعية.

ولا تستبعد أوساط ليبية أن يتم تكريس الوضع الحالي بسيطرة تيار فبراير على المنطقة الغربية وقيادة الجيش على المنطقة الشرقية فيما تعطى مقاليد الجنوب لأنصار النظام السابق، لاسيما أن كل محاولات البحث عن حل سياسي قد آلت إلى الفشل، بسبب الصراع على السلطة بين الفرقاء الأساسيين، وأن أي حل منتظر من خارج العودة إلى دستور 1951 سيحتاج إلى العودة إلى الحروب وسفك الدماء بين الإخوة الأعداء وإلى التقسيم النهائي إلى ثلاث دول تتجاذبها المصالح والأطماع الأجنبية.

وأكد تجمع تكنوقراط ليبيا أن الحل السياسي للصراع الليبي لا يمكن إنتاجه عن طريق الأطراف السياسية المستميتة على البقاء في مواقع السلطة والثروة والنفوذ والسلاح، فيما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط مؤخرا، حالة القوة القاهرة في حقل الشرارة النفطي بسبب احتجاجات.

وحول إمكانية توافق الفرقاء الليبيين حول قاعدة دستورية وقوانين انتخابية، لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، قال التجمع إنه “بات مؤكداً أن هذه الأطراف ليست مستعدة أبداً لإجراء الانتخابات وقبول نتائجها وتداول السلطة سلمياً، وأن الانقسام وانعدام الثقة فيما بينها قد أصبح هائلاً، وقد أصبح سحب هذا الملف الحيوي منها أمراً حاسماً”.

وأشار التجمع إلى أن أصل الخلاف بين الأطراف الليبية نشأ وتضخم بسبب عدم الانصياع لقوانين الانتخابات، والخلاف على أساسها الدستوري، ونظراً لغياب السلطة القضائية الآمنة المستقلة، مشددا على ضرورة اللجوء إلى الشعب، لحسم هذا الخلاف، باعتباره مصدر السلطات.

ووفق بيان للتجمع،”وبعد حوصلة موسعة لعديد الاجتماعات والحوارات مع أغلب الأطراف الليبية، تجمع لدينا 6 مقترحات حول القاعدة الدستورية، والتي لا يمكن الفصل فيها وإقرار إحداها، إلا من خلال استفتاء شعبي، سيكون ملزما ومدعوما من الشعب والمجتمع الدولي”.

وطرح تكنوقراط ليبيا جملة القواعد الدستورية المقترحة والمطروحة للاستفتاء، وهي: دستور 1951 (ملكية دستورية – فيدرالية)، دستور 1951 المعدل 1963 (ملكية دستورية غير فيدرالية)، دستور 1951 المعدل 1963 مع تغيير نظام الحكم إلى جمهوري رئاسي، مشروع الدستور – 2017، الإعلان الدستوري المؤقت وتعديلاته والقوانين الصادرة بمقتضاه مشروع المؤتمر التأسيسي أو الجمعية التأسيسية.

لكن أوساطا مطلعة ترى أن أقرب المقترحات يبقى هو العودة إلى دستور 1951 وهو خيار يحظى بدعم عدة قوى إقليمية ودولية ويجد تفهما لدى أغلب الأطراف الداخلية، وأن أغلب الفاعلين السياسيين الحاليين لا يمانعون في مناقشة الموضوع على نطاق واسع، ومنهم من فسح المجال فعلا لطرق المقترح سياسيا واجتماعيا.

دعم داخلي وخارجي

قال موقع “ليبيا برس” إن الأردن طرح الفكرة على رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة الذي بات يرى فيها ضمانا لبقائه في السلطة، وأن قطر تدعم الفكرة خشية أن تؤول رئاسة ليبيا في أية انتخابات قادمة إلى قائد الجيش خليفة حفتر أو سيف الإسلام القذافي، وكذلك الأمر النسبة إلى بريطانيا.

وتابع الموقع أن الدبيبة تبنى الفكرة التي حظيت بمباركة الصادق الغرياني، إضافة لجماعة الإخوان المسلمين الداعمة لمحمد الرضا، وأن رئيس مجلس الدولة محمد تكالة يسعى لشرعنة الخطة وتمريرها عن طريق المجلس.

وبدأ الدبيبة تنفيذ الخطة يوم 24 ديسمبر الماضي بتكريم إدريس السنوسي والحسن الرضا السنوسي، وذلك بحضور الشيخ راشد الزبير السنوسي ممثلا عن أبناء الآباء المؤسسين، فيما رفضت أسرة ولي العهد ذلك، ليتجه الدبيبة لاحقا إلى إصدار قرار بمعاملة عائلة إدريس السنوسي معاملة خاصة.

وفي السياق ذاته، أوصى مرصد “الملاحظ الأوروبي” صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي إلى إظهار اهتمام أكبر بمبادرة الحوار الوطني التي أطلقها السنوسي، بدلا من تكرار الخطأ نفسه، بينما تجد ليبيا نفسها مرة أخرى على مفترق طرق.

وتوقف المرصد في تقرير له عند المسارات التي أوصلت ليبيا إلى “طريق مسدود” بسبب انعدام الأمل في إقناع أطرافها السياسية بإجراء الانتخابات، التي من المتوقع أن تتسبب في فقدهم السلطة والمزايا المالية، معتبرا أن المسار الأكثر عقلانية الذي يتلخص في دعم الحوار الوطني الجديد بقيادة ليبيا الذي أطلقه أخيرا الوريث الشرعي للتاج السنوسي في ليبيا، لكسر الجمود السياسي.

ورأى المرصد أن هذا الحوار الوطني الجديد، الذي يرتقي فوق المصالح الضيقة لإعادة توحيد ليبيا المنقسمة، يتسارع ويستحوذ على قلوب وعقول جميع الفصائل، معتبرا أن هذا هو الطريق الواقعي الوحيد بتجسيده رؤية وطنية تتمحور حول الشمولية والشرعية والحكم الديمقراطي والهوية الوطنية، بينما يتوقع الليبيون دعما نشطا من أوروبا لهذا الأمل الجديد لليبيا.

وفي شهر أكتوبر 2020، دعا مواطنون ليبيون، الأمير محمد الحسن الرضا المهدي السنوسي للعودة إلى البلاد “لمباشرة مسؤولياته وسلطاته الدستورية كملك، طبقاً لنصوص دستور 1969″، ووصفوه بأنه “الدستور الساري المفعول والشرعي الوحيد”، مطالبين الأمم المتحدة بالقيام بدورها وواجبها القانوني والأخلاقي في مساعدة ليبيا على استرجاع “الشرعية واستئناف الحياة الدستورية”، حسب وصفهم.

  الأمير محمد الرضا السنوسي: السبيل الوحيد لإنقاذ ليبيا هو الوصول إلى حالة من التوافق  لا ينجو وطننا من مستقبل مظلم إلا تحت مظلتها

ورأى المجتمعون، الذين حضروا المؤتمر الوطني الرابع لتفعيل دستور الاستقلال وعودة الملكية الدستورية لليبيا، بالعاصمة طرابلس، أن “أي محاولة للبحث عن حلول تتجاهل الدستور الذي كان قائماً في 31 أغسطس عام 1969 مخالفة للشرعية”، وذهبوا إلى أن “تجاهل هذا الدستور لا يعني بلغة المنطق والقانون إلا الاعتراف باغتصاب غير شرعي للسلطة”، بعدما رأوا فيه أنه “يُقيم الحق، ويمنع الظلم، ويساوي بين أبناء الوطن، ويعدل في توزيع الثروات”.

واعتبر المشاركون أن “أي حديث عن تسويق مسودات تتعلق بدستور آخر، هو انحراف عن الطريق القويم”، داعين للبدء في “مسيرة عودة الشرعية الدستورية، وتفعيل العمل بدستور المملكة الليبية”، الذي “حاز شرعيته بتوافق الآباء المؤسسين، واعتراف الأمم المتحدة وإشرافها”.

وسبق لعدد من أعضاء مجلس النواب عن المنطقة الشرقية أن طالبوا رئيس المجلس عقيلة صالح، بعرض دستور 1951 غير المعدل، للتداول تحت قبة البرلمان، وذلك بهدف النظر في إمكانية العودة إلى التقسيم العثماني لليبيا، وفق الأقاليم الثلاثة.

وقالوا في بيان وقع عليه 32 نائبا، إن هذا الطلب هو الضامن الحقيقي لوحدة وأمن وسلامة ليبيا، في وقت أصبحت فيه كل هذه الأمور مهددة، مشيرين إلى أن المادة 8 من دستور 1951، كانت تضمن للمستوطنين الإيطاليين، الحصول على الجنسية الليبية، حيث نصت على: “يعتبر ليبيا كل شخص مقيم في ليبيا، وليس له جنسية أو رعوية أجنبية”.

ولفتوا إلى أن المادة 21 من دستور 1951 نصت على تعدد الأديان في ليبيا، وكفلت لليبيين والأجانب المقيمين، حرية العقيدة والقيام بشعائر الأديان.

وفي 15 يناير الجاري، التقى السنوسي عددا من أعضاء مجلس النواب وقيادات نسائية من مختلف المناطق في إطار المشاورات التي يُجريها ضمن مبادرة طرحها للحوار الوطني.

مظلة مجتمعية

قال عبر حسابه على منصة “إكس” إنه التقى عددا من أعضاء مجلس النواب الذين “نقلوا ملاحظاتهم وملاحظات قاطني المناطق التي يمثلونها في بنية الحوار الوطني والجهود الرامية إلى إنجاحه تحت مظلة الشرعية الدستورية الملكية”، واصفا طرحهم بـ”الجاد والصريح”، دون أن يوضح مزيدًا من التفاصيل حول تلك الملاحظات.

واجتمع في ذات السياق مع مجموعة من مشايخ وقيادات وأعيان القبائل من المنطقة الشرقية، في إطار الجولة الثالثة للمشاورات الوطنية التي يجريها، وعبْر عن سعادته من “كمّ الوعي والإدراك بمدى دقة المرحلة التي يمر بها الوطن، والحرص الذي أبداه الجميع على إنجاح المساعي المبذولة للوصول بالبلاد إلى بر الأمان عبر حوار وطني مخلص وجاد”.

والأمير محمد الرضا بن الحسن الرضا، هو ابن ولي عهد ليبيا السابق حسن الرضا السنوسي، ويطالب وفقا لدستور المملكة الليبية المتحدة الصادر عام 1951، بعرش ليبيا.

وسبق لعدد من أعضاء اللجنة المشتركة للمسار الدستوري الداعمين للنظام الاتحادي، أن دعوا إلى إحالة دستور الاستقلال 1951 إلى مجلسي النواب والدولة “كأقصر الخيارات” لحل للأزمة الليبية، واقترحوا، في بيان وقع عليه 13 عضوا من اللجنة المشتركة تضم نوابا من المجلسين، أن يعرض للاستفتاء مشروع دستور 1951 غير المعدل مع مشروع الدستور المعدل من لجنة المسار الدستوري.

وأشاروا في هذا السياق إلى الاتفاق السياسي الليبي ودعمه من مجلس الأمن وتعثر الاستفتاء على مشروع الدستور المنجز من الهيئة التأسيسية منذ سنة 2017، والجدل الكبير بين الليبيين بشأنه، ودعوة البعثة إلى عقد حوار بين مجلسي النواب والدولة بالمسار الدستوري في القاهرة، وموافقة اللجنة المشتركة بين المجلسين بالمسار الدستوري على إحالة دستور ليبيا سنة 1951 غير المعدل إلى مجلسي النواب والدولة مع مخرج الوثيقة الدستورية من اجتماعات المسار الدستوري كخيار مصاحب.

ويعتقد متابعون للشأن الليبي أن العودة إلى النظام الملكي الدستوري يمكن أن يكون أحد مخرجات مشروع المصالحة الوطنية التي يشرف عليها الاتحاد الأفريقي بدعم من الأمم المتحدة، وقد عوّل وريث العرش السنوسي على “دعم الاتحاد الأفريقي لعملية إعادة الاستقرار لليبيا من خلال التوصل إلى إنجاح جهودنا من خلال دعم حوار وطني شامل يقوم على أساس المشاركة الواسعة وتحت المظلة الدستورية الوطنية”، مجددا في الوقت ذاته حرصه على دعم المؤسسات الدولية والإقليمية لتلك الجهود الجارية التي يقوم بها.

واقترح وريث العرش السنوسي في مقابلة صحفية نشرت في الأول من يناير الجاري، إعادة العمل بدستور 1951 باعتباره نقطة انطلاق منطقية لإعادة إرساء الديمقراطية وتقليل الصراع على السلطة، منتقداً مبادرات المجتمع الدولي التي فشلت طيلة 12 سنة في تقديم الحل، معرجاً على نتائج الحوار الوطني الذي شرع فيه كآلية للمصالحة الوطنية.

وكشف عن رؤيته لمستقبل ليبيا بالاعتماد على جذورها التاريخية والتأكيد على أهمية الحل الذي يقوده الليبيون، مسلطا الضوء على المحاور الرئيسية بما في ذلك الأساس التاريخي للديمقراطية البرلمانية الليبية قبل العام 1969، واحتمال إعادة دستور الاستقلال لعام 1951، وأهمية الحوار الوطني الليبي المتواصل، ودور المجتمع الدولي في دعم المسار السياسي.

_______________

مواد ذات علاقة