الحبيب الأسود

مساع لتأهيل المسلحين في المؤسستين الأمنية والعسكرية.

كشف رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في ليبيا عبدالحميد الدبيبة عن موقفه من وضع الميليشيات المنتشرة في المنطقة الغربية، وأكد أنه يدعم بقاءها ويرى فيها عاملا مهما لضمان الأمن والاستقرار في البلاد.

وقال الدبيبة، في مقابلة على “بودكاست” إن مسلحي الميليشيات هم “أبناء وفلذات أكباد الليبيين الذين دافعوا عن أعراضهم ومقدساتهم في الشوارع من الغازي ومن الذين يريدون تخريب ليبيا”، وأضاف:”شعارنا واضح في حكومة الوحدة الوطنية أن الشعب الليبي كفاه حكومات انتقالية جديدة، ونريد الذهاب إلى الاستقرار بقوانين عادلة لا تستثنى أي شخص في ليبيا، ويكون كل الليبيين فيها سواسية”.

وتبين من تصريحات الدبيبة أنه بات يتبنى النموذج العراقي في الاعتراف بدور الميليشيات وتمكينها من بسط نفوذها تحت غطاء شرعي وسياسي كقوى رديفة للمؤسسة العسكرية النظامية، حيث أكد أن “الميليشيات في ليبيا دخلت منذ سنتين في المجال العسكري والمجال الأمني، ومن يقول إنهم قوات منفلتة فهو يحلم بأفعالهم في السابق والتي تجاوزتها كل الميليشيات”، مشيرا إلى أنه “لابد أن يرافق هذه المرحلة اختراقات من هنا وهناك من الميليشيات”، في محاولة منه لتبرير المواجهات التي أدت إلى سقوط عشرات من القتلى والجرحى بين الميليشيات في العاصمة طرابلس ومدن غريان والزاوية وورشفانة والعجيلات وغيرها.

واعتبر الدبيبة، أن “السلاح منتشر في ليبيا منذ عام 2011 ولا نلوم أي شخص يحمل سلاحا اليوم، وأن الميليشيات يمكن أن تشكل خطرا على ليبيا ويمكن لا، فقد دخلوا منذ سنتين في المجال العسكري والمجال الأمني”، وتابع قائلا إن “الميليشيات بدأت تتدرب على السلاح والتعامل مع المواطنين في الشرطة والجيش، ونحن صبورون عليهم لأنهم من أبنائنا ولا يمكن التخلي عنهم، فهم قد تمّ بناؤهم في البداية على أساس ميليشاوي لكن اليوم أصبحوا جزءا مهما من أمن ليبيا”، وفق تقديره.

ورأى الدبيبة أن “الميليشيات ليسوا ميليشيات بل البعض يسميهم بهذا الاسم، ولا يمكن التفرقة بينهم وبين من يتخرجون في حفلات التخرج والتدريب للمؤسسات الأمنية والعسكرية، هؤلاء يحمون الحدود الليبية وهم الآن تحت مظلة رسمية”، متابعا “نحن نقود الميليشيات وهم يحترمون أوامرنا وتبع للجيش الليبي ورئاسة الأركان ويستمعون للقائد الأعلى ووزير الدفاع”.

وبحسب مراقبين، فإن هذه المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول ليبي كبير عن دعمه ومساندته للميليشيات وتبنيه لمواقفها ودفاعه عن دورها، وهو ما يشير إلى تحول في الموقف السياسي من ملف الجماعات المسلحة الذي كثيرا ما شغل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في داخل البلاد وخارجها.

ويرى مراقبون، أن موقف الدبيبة لا يمكن فصله عن مؤشرات أخرى، من بينها تراجع أداء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 وخاصة بعد تركيز أعمالها على ملفات القوات الأجنبية والمرتزقة والميليشيات المسلحة، ولا عن تعدد القراءات لراهن وآفاق الوضع العام في البلاد، في ظل التجاذبات الإقليمية والدولية ونظر بعض القوى الدولية وخاصة الغربية منها إلى الميليشيات المسيطرة على المنطقة الغربية على أنها الجهة القادرة على التصدي لطموحات الجنرال خليفة حفتر وحلفائها الروس، كما حدث أثناء الحربين الأهليتين للعامين 2019 و2020.

 موقف الدبيبة يعبّر عن رغبته في تأمين حكومته وتحصين كرسيه بالاعتماد على الميليشيات

ويرجح مراقبون أن يهدف الدبيبة من وراء تصريحاته الأخيرة، إلى النسج على المنوال العراقي، عندما تمّ اعتبار “الحشد الشعبي”، قوات نظامية وجزءا من القوات المسلحة العراقية، تأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة ومؤلفة من حوالي 67 فصيلا، وفق القانون الخاص الذي تمّ إقراره بعد تصويت مجلس النواب عليه بأغلبية الأصوات في 26 نوفمبر 2016.

وكان قد تمّ تشريع دور الميليشيات الليبية بعد انتداب قادتها من أمراء الحرب في مسؤوليات ووظائف سيادية في وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات، وتحويلهم إلى عناصر أساسية في بلورة وتكريس القرار السياسي في البلاد، وزاد دعم هذا الاتجاه في ظل حكومة الدبيبة المتحالفة مع تيار الإسلام السياسي ورئيس دار الإفتاء في طرابلس الصادق الغرياني.

وينتظر أن يشكل تبني الدبيبة لخيار دمج الميليشيات مبررا لاستمرار حالة الانقسام السياسي والحكومي في البلاد ولقطع الطريق أمام مشروع توحيد المؤسسة العسكرية، ولتحول واقع الانقسام إلى خيار التقسيم الذي عاد للتداول على أكثر من صعيد

ويعتبر موقف الدبيبة، انقلابا على نتائج المفاوضات السياسية بين مختلف الفرقاء، وعلى موقف الأمم المتحدة، وتأكيدا على وجود خطة لإبقاء الوضع في البلاد على ما هو عليه، وخاصة من الناحية الميدانية، وهو ما يخدم مصالح أطراف إقليمية ودولية استطاعت أن تخترق الجماعات المسلحة وأن تتعامل معها كأذرع مسلحة لها في الداخل الليبي.

وتنظر أوساط ليبية مطلعة إلى موقف الدبيبة على أنه تعبير عن رغبته في تأمين حكومته وتحصين كرسيه بالاعتماد على الميليشيات، لاسيما في ظل الصراع على السلطة، والخلافات الحادة بينه وبين القوى الأساسية في مدينة مصراتة التي ينحدر منها، والتي بات يواجه داخلها معارضة حادة.

كما أن الجماعات المسلحة في غربي البلاد تحولت إلى قوى مالية واقتصادية وشبكات فساد وصراع على النفوذ، وهي غير بعيدة عن نموذج الدولة الذي بدأت ملامحه تتشكل خلال السنوات الماضية، والتي لا تختلف كثيرا عن النموذج العراقي من حيث تحول الثروة إلى آلية لخدمة فئات بعينها تستند على سلاح الميليشيات في تكريس مصالحها على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب

______________

مواد ذات علاقة