‬‫‪الدكتور ‬‬‫أبوبكر‬‫خليفة‬ ‫‫أبوجرادة

ثالثا: تحديات العملية الانتخابية في ليبيا

تواجه العملية الانتخابية في ليبيا العديد من التحديات التي توثر على سيرها ونجاحها، ومن بين هذه التحديات:

1ـ الانقسامات السياسية والعسكرية: تعاني لييبا من تواجد عدة فصائل وجماعات مسلحة، وتتنافس هذه الفصائل على السيطرة والنفوذ، وهذا الانقسام يعكسه صعوبة تحقيق التوافق والاتفاق على إجراءات الانتخابات وتنظيمها بشك شامل.

2ـ الأمن والاستقرار: تشكل الأوضاع الأمنية غير المستقرة عقبة كبيرة أمام سلامة وسير العملية الانتخابية، لذلك من المهم توفير بيئة آمنة ومستقرة لتنظيم الانتخابات، وضمان مشاركة جميع الأطراف بحرية وبدون تهديدات.

3ـ البنية التحتية الضعيفة: تعاني ليبيا من تحديات فيما يتعلق بالبنية التحتية، بما في ذلك البنية اللوجستية والاتصالات ونقل الأصوات، لذلك يجب توفير البنية التحتية لضمان سلامة وشفافية العملية الانتخابية.

4ـ الوضع الأمني في العديد من المناطق: توجد مناطق في ليبيا تخضع لسيطرة فصائل مسلحة متناحرة أو تعاني من انعدام الأمن والاستقرار، لهذا يجب إيجاد آليات لضمان مشاركة جميع المواطنين في هذه المناطق في العملية الانتخابية وتوفير الحماية الكافية لهم.

5ـ التحديات القانونية والإدارية: يواجه تنظيم الانتخابات في ليبيا تحديات قانونية وإدارية، بما في ذلك وضع قوانين انتخابية مناسبة وتنظيم لجان انتخابية مستقلة ونزيهة، لذلك يجب توفير الإطار القانوني والإداري الملائم لضمان سير الانتخابات بشكل عادل وشفاف.

6ـ تعدد الأطراف وتنوع الأصوات: ليبيا مجتمع متنوع ذو قوانين وعادات وتقاليد متعددة. يجب أن يتم تمثيل هذا التنوع في العملية الانتخابية وضمان أن يكون لجميع الأطراف السياسية والاجتماعية صوتا في صنع القرار.

ويمكن حصر مكامن الضعف التي تواجه العملية الانتخابية في ليبيا في النقاط التالية:

1ـ غياب القيادات والنخب السياسية الوطنية التي تقود العملية الانتخابية.

2ـ ضعف النظام الحزبي القائم على برامج وطنية تؤسس لقيام الدولة المدنية.

3ـ غياب الإعلام الوطني يوفر المعرفة اللازمة للناخبين وللنخب السياسية التي تخوض الانتخابات العامة والمحلية.

4ـ تباطؤ تبني دستور يتمشى وظروف ليبيا الجديدة، يعيق العملية الانتخابية والانتقال من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة البناء والمؤسسات السياسية المستقرة.

5ـ إن انتشار فوضى السلاح والمليشيات المسلحة يعيق العملية الانتخابية، لا سيما في مناطق النزاعات.

6ـ إن عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي لا يساعد على إجراء الانتخابات المنشوذة التي تقود إلى بناء الديمقراطية.

7ـ إن عدم انتقال السلطة بشكل سلمي يضعف من ثقة الناخبين في العملية الانتخابية والديمقراطية على حد سواء.

8ـ بروز القبلية والجهوية على حساب الوطنية يعيق نجاح العملية الانتخابية.

9ـ الصراع الأيديولوجي يعيق نجاح العملية الديمقراطية ويساهم في بروز قيادات ونخب سياسية متطرفة.

10ـ إن بروز قنوات فضائية مؤدلجة تشوه الحقائق تساهم في عدم عقلانية قرارات الناخبين، لا سيما خلال مرحلة التصويت في الانتخابات العامة.

عموما، يتطلب تجاوز هذه التحديات التعاون والتوافق بين جميع الأطراف المعنية في ليبيا، بالإضافة إلى الدعم والمساعدة الحقيقية والفعالة من المجتمع الدولي، فعلى الرغم من كل هذه التحديات، فإن إجراء انتخابات شاملة وشفافة في ليبيا يمكن أن يسهم في تعزيز الشرعية السياسية وبناء مؤسسات ديمقراطية قوية، وبالتالي تحقيق الاستقرار والتقدم في البلاد.

***

المحور الثاني: المصالحة وأثرها على الوحدة الوطنية في ليبيا

أولا: المصالحة الوطنية الإطار النظري“: المفهوم ـ الشروط

المصالحة الوطنية تعني (عملية للتوافق الوطني تنشأ على أساسها علاقة بين الأطراف السياسية والمجتمعية قائمة على التسامح والعدل وإزالة آثار صراعات الماضي لتحقيق التعايش السلمي بين أطياف المجتمع كافة، وبما يضمن الإنتقال الصحيح للديمقراطية من خلال آليات محددة ووفق مجموعة من الإجراءات).

إن مفهوم المصالحة الوطنية يشير إلى جهود التوافق والتصالح بين الأطراف المتناحرة أو المتخاصمة في إطار وطني، ويهدف إلى تقريب وجهات النظر المختلفة، وتلافي الانقسامات والتصدع بين الفئات المختلفة في المجتمع.

وبشكل أكثر تفصيل المصالحة:” هي توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة وردم الفجوات بين الأطراف المتنازعة أو المتحاربة، وبالاضافة إلى ذلك فإن المصالحة الوطنية هي السعي المشترك نحو إلغاء عوائق الماضي واستمراريتها السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتصحيح ما ترتب عليها من مآسي وأخطاء وانتهاكات وجرائم جسيمة، والقطع نهائيا من قبل الجميع مع الحلول العنيفة في معالجة الملفات والقضايا المختلف حولها، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل، وذلك من خلال التأسيس في الحاضر.”

وتعتبر المصالحة الوطنية آلية ضمن آليات حل النزاع، فهي بديل ونقيض لألية القوةالتي تفضلها العقليات التي لا تؤمن بالآخر . وبين استخدام القوة واستخدام المصالحة الوطنية هناك آليات أخرى تدخل بين هذين النقيضين، كالـ مقاضاة” “الوساطة” “التفاوضو التحكيمو نهج المصالحة يسعى لإيجاد حلول للقضايا الأساسية في النزاع، ويعمل أيضا على تغيير علاقات الخصوم من الحقد والعداء والكراهيةإلى الصداقة والوئام والشراكة، وأن يكون الجميع على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، كذلك فإن من إيجابيات المصالحة هو تفعيل الحراك السياسي في المجتمع ورفع الوعي السياسي لدى المواطن العادي.

ولنجاح المصالحة الوطنية في بلد ما لا من توافر مجموعة من الشروط وهي:

ـ لابد من توافر إعتراف رسمي بشأن الوقائع التي شكلت انتهاكا لحقوق الإنسان، والإقرار بمبدأ محاسبة مرتكبي الجرائم والمتسببن في إهدار حقوق الأبرياء، ويتم ذلك بشكل تصالحي يشمل كافة الجوانب السياسية والاجتماعية.

ـ لابد من توفر الدعم المالي والمعنوي للأشخاص والأهالي المتضررين من عمليات العنف، بحيث يكون هذا التعويض مبدأ رسمي مقرر ويعمل به.

ـ إبراز لحركة العدالة الانتقالية في الذاكرة الوطنية لكي تكون سداً لكل من يفكر في اقترافها وأمثالها سواء عن طريق عرضها على وسائل الأعلام أو عن طريق عرض مشاهد تذكارية تعبر عن انتهاكات حقوق الانسان وكيف كان للعدالة الانتقالية دور في إعادة الأمن.

ثانيا: المصالحة الليبية: الأطار العملي

في ليبيا تعد مسألة المصالحة معقدة وشاملة، وتتضمن العديد من المواصفات والشروط التي يجب توفرها لتحقيق نجاح عملية المصالحة وتعزيز الاستقرار في البلاد. ومع ذلك، يمكن ذكر بعض النقاط الأساسية التي غالبا ما يتم التركيز عليها في عمليات المصالحة، وهي:

1ـ الشمولية والشرعية: يجب أن تكون عملية المصالحة شاملة وتشمل جميع الأطراف المتنازعة في ليبيا، بما في ذبك الجماعات العرقية والقبلية والسياسية والعسكرية، ويجب أن يشعر جميع الأطراف بأنهم ممثلون ومشاركون في العملية.

2ـ الحوار والتفاوض: يجب أن يتم اللجوء إلى حوار بناء وتفاوض حقيقي بين الأطراف المتنازعة، بهدف التوصل إلى اتفاق مشترك يلبي مصالح جميع الأطراف، كما يجب أن يتم تعزيز هذا الحوار بوساطة محايدة ودعم دولي.

3ـ العدالة والمصالحة الوطنية: يجب أن يتم التعامل بشكل عادل مع الجرائم السابقة وانتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبت خلال الصراع. كما يجب أن يتم تعزيز مفهوم المصالحة الوطنية التي تهدف إلى تعزيز الانتماء الوطني والمصالحة بين الليبيين.

4ـ العدالة الانتقالية: يجب أن تضمن عملية المصالحة آليات مع الانتهاكات السابقة وتحقيق العدالة الانتقالية، ويمكن ذلك من خلال إنشاء محاكم خاصة أو آليات أخرى لمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم.

5ـ التنمية الاقتصادية والاجتماعية: يجب أن تتضمن عملة المصالحة خططاً لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ليبيا. كما يتضمن ذلك توفير فرص العمل العمل وتحسين البنية التحتية وتطوير الخدمات العامة للمواطنين.

6ـ الإصلاحات السياسية: يجب أن تشمل عملية المصالحة إصلاحات سياسية شاملة تهدف إلى بناء نظام سياسي ديمقراطي شامل في ليبيا. كما يجب أن تتضمن هذه الاصلاحات العمل على وضع دستور جديد وتعزيز حقوق الإنسان وتعزيز الحوكمة الشفافة ومكافحة الفساد.

7ـ الدعم الدولي: يعد الدعم الدولي ودور الوساطة للمجتمع الدولي أمراً حاسما في عملية المصالحة في ليبيا. كما يجب أن توفر الدول المعنية والمنظمات الدولية الدعم السياسي والاقتصادي والأمني للعملية، وتسهم في إيجاد بيئة ملائمة للمصالحة والاستقرار.

هذه بعض المواصفات والشروط بطريقة ملائمة ومتوافقة مع الوضع الليبي الراهن واحتياجات الشعب الليبي وقد تختلف الشروط والمتطلبات الدقيقة حسب الظروف والتحديات التي تواجهها ليبيا في الوقت الحالي.

والحقيقة أن المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا كما أسلفنا تعتبر مسألة معقدة وشاملة، وتشمل العديد من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تتطلب جهدا حكوميا يفترض أن يناط بحكومة موحدة تأتي بها شرعية الانتخابات المرتقبة.

وعلى النقيض من الوهن والعوائق التي تعرض لها الجانب الرسمي في مجال المصالحة الليبية، تمكن الجانب الأهلي ـ غير الرسمي، وعلى مستويات مجتمعية ومناطقية متنوعة، من تحقيق قدر من الإنجازات المهمة في هذا الصدد، مما أسهم في تهدئة عديدة التوترات التي كادت أن تنزلق نحو التصعيد، وتأجج الصراعات.

فمن الملاحظ أن هناك تحسنا في بعض جوانب المصالحة في ليبيا وتقدم تم إحرازه في بعض المناطق والقضايا، فقد تم التوصل إلى تسويات وحلول جزئية لبعض القضايا العالقة بين المدن والقبائل المختلفة.

على سبيل المثال، تم حل الأزمة بين مصراتة وتاورغاء، حيث عاد سكان تاورغاء إلى منازلهم وبدأت جهود إعادة الإعمار والتنمية في المدينة. كما تم تحقيق تقارب وتواصل بين مدينتي بني وليد ومصراتة، وتم حل بعض الأزمات العالقة بين الزنتان والمشاشية، وكذلك حدث تقارب ملحوظ بين القبائل المتنافسة في الجنوب الليبي، يمكن أن يفضي إلى مصالحة أعمق.

ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات والقضايا العالقة. فمثلا، لا يزال هناك صعوبات في حل الأزمة في مرزثق، حيث ما زالت بعض التدخلات الخارجية والداخلية نؤثر على تحقيق التسويات النهائية. وهناك أيضا بعض الأشخاص الذين يستفيدون من استمرار الأزمة لمصلحتهم الخاصة.

وعلى الرغم من التحسن في بعض الجوانب، يجب الاعتراف بأن المصالحة الشاملة لا تزال تحتاج إلى جهود مستمرة وتعاوي داخلي وخارجي لتحقيقها بشكل كامل، فيجب أن تكون المصالحة المستدامة في ليبيا هدفا رئيسيا لجميع الأطراف المعنية، ويجب أن تدعمها جهود المجتمع الدولي لتعزيز الاستقرار والسلام في البلاد.

إن صياغة العدالة الانتقالية وجبر الضرر هي شرط مهم في عملية المصالحة الوطنية لكي تتجسد بشكل كبير، حيث يجب أن يتم تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الانسان التي وقعت خلال النزاع، وهذا يساهم في إرساء أسس قوية للمصالحة وإعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة.

إن الدرب الصحيح لتحقيق المصالحة الشاملة في ليبيا يستلزم اتباع الآليات المناسبة للعدالة الانتقالية، لذلك من المهم دراسة المصالحة الوطنية جنبا إلى جنب مع آليات العدالة الانتقالية، وهي تحديدا كشف الحقيقة والمحاسبة والتطهير، والإصلاح المؤسسي، والعفو، وجبر أضرار الضحايا، وتخليد ذكراهم، وحفظ الذاكرة الجماعية.

كذلك فإن أفضل وسيلة لبلوغ المصالحة الوطنية في ليبيا أنها يجب أن تتم عن طريق تطبيق المسارات المتقدمة ممتزجة ومتكاملة أو على التوازي (مصالحة سياسية، مصالحة مجتمعية، مصالحة قانونية) استرشادا بمبادئ العدالة الإصلاحية.

المصالحة هي البديل عن النزاعات غير المجدية للشعب والدولة، والقبول بها يعني فتحي أبواب المفاوضات في مجال توزيع السلطة في المناطق الرخوة الساخنة وتوزيع عملية إعمار البلد المهشم وتوزيع موارده المالية بصورة ناجحة وفعالة، والاستفادة من طاقاته البشرية.

أن آلية المصالحة الوطنيةتسعى إلى معالجة جذور ما حدث لكي تمنع حدوثة مرة أخرى وهذا يتطلب الإعتراف بالآخر، وأن هناك أخطاء حدثت.

بشكل عام، المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا تحتاج إلى جهود مستدامة ومتواصلة من جميع الأطراف المعنية، كما يجب أن يتم تعزيز التفاهم والحوار والتعاون بين الجميع، وأن تكون هناك إرادة حقيقية للتوصل إلى حلول شاملة ومستدامة للنزاعات والقضايا العالقة.

يتبع

***

د.‬‫‪ ‬‬‫أبوبكر‬‫خليفة‫‫أبوجرادة ـ ‬‬‫أستاذ ‬‫العلوم‬ ‫السياسية‬ ‫بكلية‬ ‫الاقتصاد‬ ‫والعلوم‬ ‫السياسية‬ ‫ـ‬ ‫جامعة ‬‫وادي‬ ‫الشاطئ‬ ـ ليبيا

_____________

المصدر: دراسة للكاتب بعنوان ‬‫عملية ‬‫التكامل‬ ‫بين‬ ‫الانتخابات‬ ‫والمصالحة‬ ‫ودورها‬ ‫في‬ ‫تحقيق‬ ‫الاستقرار‬ ‫السياس‬‫ي‬ ‫والوحدة‬ ‫في‬ ‫ليبياـ المجلد السادس ـ العدد 24 ـ يناير 2024 ـ مجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيلالتي تصدر عن المركز الديمقراطي العربي ـ برلين ألمانيا

مواد ذات علاقة