‬‫‪الدكتور ‬‬‫أبوبكر‬‫خليفة‬ ‫‫أبوجرادة

ثالثا: تحديات المصالحة الوطنية في ليبيا

المصالحة الوطنية في ليبيا تواجه عدة تحديات تؤثر على استقرار ووحدن البلاد وفيما يلي بعض هذه التحديات وأثرها المحتمل:

1ـ الانقسامات السياسية والعسكرية:

تعود الانقسامات السياسية والعسكرية في ليبيا إلى الفترة ما بعد الثورة عام 2011. نتج عنه انقسامات جهوية وعرقية وقبلية وتنافس على السلطة والموارد. وتعوق هذه الانقسامات عملية المصالحة وتقوض الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار والوحدة.

2ـ ضعف المؤسسات والهياكل الحكومية:

تعاني ليبيا من ضعف الهياكل الحكومية والمؤسسات الوطنية، وهذا يشكل تحديا لعملية المصالحة. فعدم وجود هياكل قوية وموثوقة يصعب عليها تنفيذ الاتفاقايات المنبثقة عن المصالحة وتطبيقها بشكل فعال.

3ـ صعوبة العدالة والمصالحة:

يواجه الليبيون صعوبات في التعامل مع قضايا العدالة والمصالحة بعد النزاعات وانتهاء الصراعات. “إن غياب الإرادة السياسية الحقيقية للمؤسسات السياسية للدولة الليبية في المرحلة الانتقالية، ابتداء من المجلس الانتقالي، ومرورا بوريثه المؤتمر الوطني العام، وانتهاء بالبرلمان، وحتى عندما أشرفت الأمم المتحدة على حوار الصخيرات، وأنتجت جسما سياسيا جديدا، تحت مسمى المجلس الرئاسي، والذي سيطر على السلطة من 2014 إلا أنه لم يهتم بالعدالة الانتقالية، ولم يقدم أي تصور للبدء فيها“.

4ـ القوى الخارجية والتدخل الخارجي:

يرتبط دور العامل الخارجي بمدى تأثير الأحداث الداخلية على مصالحه، وهو ما يستدعي بالضرورة قيامه بالتدخل، سواء من خلال مبادرات، أو تقديم دعم أو مساندة بأشكالها المختلفة، وإلى غير ذلك من الوسائل والأنشطة، بغية الحفاظ وحماية مصالحه، والتي ربما تقبل تعدد الفاعلين المحليين لأن الهدف الموضوعي لها هو بقاء الدولة الليبية أمام التحدي الذي يخلقه وجود العامل الخارجي.

5ـ الإعلام والخطاب السياسي“:

يلعب الإعلام والخطاب السياسي دورا هاما في عملية المصالحة. قد يؤثر الخطاب السياسي المتشدد والمحرّض والتضليلي على استقرار البلاد ويعزز الانقسامات، لذلك يجب تعزيز دور وسائل الاعلام المستقلة وتشجيع الخطاب السياسي المسؤول والموجه نحو التهدئة والتوافق.

6ـ غموض فكرة المصالحة:

يمثل هذا التحدي لقيام المصالحة في أن الفكرة في حد ذاتها غامضة. مما يؤدي إلى فهمها بطرق مختلفة لدى المواطنين الليبيين. ففي ظل غياب تعريف موحد للمصالحة، غالبا ما يكون موقف الليبيين من المصالحة مستندا على مفهومهم الخاص، وقد يكون منحازا لطرف دون آخر حتى من قبل المسؤولين على تنفيذها.

إن تحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا بصورتها المتكاملة يتطلب جهودا شاملة ومستدامة من جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى الدعم الدولي، فيجب تركيز هذه الجهود على تعزيز الثقة المتبادلة والحوار البناء بين الاطراف المختلفة، وتعزيز الهياكل الحكومية والمؤسسات الوطنية، وتعزيز العدالة الانتقالية، والحد من التدخلات الخارجية، وتعزيز دور وسائل الإعلام المستقلة في تحقيق الوحدة الوطنية والتوافق السياسي.

***

المحور الثالث: التكامل بين الانتخابات والمصالحة لتحقيق الاستقرار والوحدة في ليبيا

أولا: عملية التكامل بين الانتخابات والمصالحة الوطنية الليبية ـ مستويات التأثير

إن تحقيق التحول الديمقراطي في ليبيا مهمة صعبة بالنظر إلى الظروف الأمنية والتعقيدات المجتمعية في الهوية القبلية والجهوية، وتأثير التدخلات الخارجي، إلا أنها ليست مستحلية، وذلك يكون من خلال دعم الحكومات المؤقتة لخيار

الحياد الإيجابي والعمل على تهيئة الأرضية المثلى لإنجاح الفعل الانتخابي، فضلا عن توفر الإرادة السياسية التابعة للفواعل الفوق وطنية، إلى تعزيز النظام التعددي الحزبي، وإجراء انتخابات حرة نزيهة تشارك فيها كل القوى السياسية على قدر المساواة.

وهو ما يقود إلى حكومة ديمقراطية واستقرار داخلي، وكذلك عملها على دعم الحراك الشعبي والذي يطالب ببناء جيش وطني قوي، ومؤسسات أمنية وسياسية شرعية وإزالة مظاهر التسلح، ودعم المصالحة الوطنية التي يعيقها العامل الأمني وبناء الثقة بين مكونات الشعب الليبي.

إن التكامل بين الانتخابات والمصالحة الوطنية في ليبيا يمكن أن يساهم في تحقيق الاستقرار على عدة مستويات وهذه بعض الطرق المستخلصة التي يمكن أن يؤثر بها هذا التكامل:

1ـ تعزيز الشرعية السياسية:

من خلال إجراء انتخابات شفافة وعادلة ومقبولة من قبل جميع الأطراف المعنية، يمكن للشعب الليبي أن يمارس حقه في اختيار ممثليهم السياسيين. وبهذا يتم تعزيز الشرعية السياسية للحكومة والمؤسسات الوطنية، مما يساهم في الاستقرار السياسي والقدرة على اتخاذ القرارات المهمة.

2ـ تعزيز الوحدة الوطنية:

من خلال العمل على تحقيق المصالحة الوطنية، يمكن للأطراف المتحاربة في ليبيا أن تتوصل إلى اتفاق ينهي الصراع ويعزز الوحدة الوطنية، ويمكن للمصالحة أن تشمل عدة جوانب، مثل العدالة الانتقالية والمصالحة الاجتماعية وإعادة الإعمار وتعزيز الحوار السياسي. وبتحقيق هذه المصالحة، يمكن لليبيا أن تتجاوز التوترات السابقة وتعزز الثقة المتبادلة بين الأطراف المختلفة.

3ـ تعزيز الأمن والاستقرار:

من خلال الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية، يمكن لليبيا أن تركز جهودها على تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي، ويمكن توحيد الجهود الأمنية والعسكرية تحت سلطة واحدة وإعادة بناء القوات الأمنية الموحدة، كما يمكن تعزيز حماية الحدود ومكافحة الجريمة المنظمة والتطرف، مما يساهم في توفير بيئة آمنة ومستقرة للمواطنين.

4ـ إعادة بناء المؤسسات:

من خلال الانتخابات والمصالحة الوطنية، يمكن لليبيا أن تعمل على إعادة بناء مؤسساتها المدنية والديمقراطية، ويمكن تدريب الكوادر الوطنية وتعزيز القدرات الإدارية والقضائية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، مما يساهم في تعزيز الثقة بين المؤسسات والمواطنين.

من المهم أن يتم تنفيذ هذا التكامل بشكل شامل وشفاف وبمشاركة جميع الأطراف المعنية في ليبيا، ويجب أن يكون هناك إرادة سياسية قوية لتحقيق هذا التكامل واستعداد للتفاوض والتوافق. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم دعم الجهود الدولية والإقليمية لتعزيز هذا التكامل وتوفير المساعدة الازمة لليبيا في هذه العملية.

تجارب دولية لعملية التكامل بين الانتخابات والمصالحة:

ـ جنوب أفريقيا:

في عام 1994، بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، شهدت جنوب افريقيا عملية تكامل ناجحة بين الانتخابات والمصالحة. حيث تم إجراء انتخابات عامة تاريخية تم فيها انتخاب نيلسون مانديلا رئيسا للبلاد، كما تم إنشاء لجنة الحقيقة والمصلحة، التي كانت تعنى بمعالجة الانتهاكات السابقة وتعزيز الحوار والمصالح بين الأطراف المتنازعة.

ـ أوغندا:

في عام 2007، نظمت أوغندا انتخابات رئاسية وبرلمانية تم فيها انتخاب يوري موسيفيني رئيسا للبلاد لولاية رابعة. وبعد الانتخابات، تم كذلك عقد مفاوضات بين الحكومة والمتمردين من حركة الجيش الشعبي الأوغندي لتحقيق المصالحة وإنهاء النزاع المسلح في البلاد.

ـ البوسنة والهرسك:

بعد انتهاء الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك في منتصف التسعينات، تم تنظيم انتخابات عامة في البلاد. كما تم تحقيق مصالحة جزئية من خلال التسويات السياسية والقضائية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين عن الفصائل المختلفة.

ـ نيكاراغوا:

خلال الحرب الأهلية في نيكاراغوا في الثمانينات، تم تنظيم انتخابات عامة في عام 1990. حيث تم انتخاب أورتيغا رئيسا للبلاد، وفيما بعد تم تحقيق سياسية بين الأطراف المتنازعة من خلال الحوار وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

التجارب الدولية قد تختلف حسب السياق والظروف الخاصة بها، وما يمكن أن يعمل في دولة قد يتطلب نهجا مختلفا في دولة أخرى.

ولتحقيق الاستقرار السياسي والمجتمعي في ليبيا، ينبغي الوصول إلى إنجاز ناجح ومتكامل للعدالة الانتقالية، ولضمان تحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا يجب الحرص على قيام نظام ديمقراطي يضمن توفير الحقوق والحريات الديمقراطية للشعب الليبي، وتوفير حرية الرأي والتعبير، كذلك التعددية السياسية والحق في المشاركة السياسية وحرية الاقتراع لكل المواطنين البالغين، وإحاطة العملية الانتخابية بالنزاهة والشفافية والتأكيد على النظام الدستوري للدولة.

***

د.‬‫‪ ‬‬‫أبوبكر‬‫خليفة‫‫أبوجرادة ـ ‬‬‫أستاذ ‬‫العلوم‬ ‫السياسية‬ ‫بكلية‬ ‫الاقتصاد‬ ‫والعلوم‬ ‫السياسية‬ ‫ـ‬ ‫جامعة ‬‫وادي‬ ‫الشاطئ‬ ـ ليبيا

_____________

المصدر: دراسة للكاتب بعنوان ‬‫عملية ‬‫التكامل‬ ‫بين‬ ‫الانتخابات‬ ‫والمصالحة‬ ‫ودورها‬ ‫في‬ ‫تحقيق‬ ‫الاستقرار‬ ‫السياس‬‫ي‬ ‫والوحدة‬ ‫في‬ ‫ليبياـ المجلد السادس ـ العدد 24 ـ يناير 2024 ـ مجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيلالتي تصدر عن المركز الديمقراطي العربي ـ برلين ألمانيا.

مواد ذات علاقة