محمد مصطفى جامع

يحيي الليبيون اليوم السبت 17 فبراير/شباط الذكرى الـ13 للثورة التي أطاحت بنظام معمر القذافي عام 2011 ضمن موجة ثورات الربيع العربي، فبعد تونس ومصر خرج الشعب الليبي ضد نظام العقيد القذافي للمطالبة بالحرية، وإسقاط النظام الذي جثم على صدورهم لأكثر من 40 عامًا.

تأتي الاحتفالات بالذكرى الـ13 للثورة في ظل استمرار الصراع السياسي وانسداد الأفق، فلم تتمكن البلاد حتى الآن من صياغة دستور دائم وتشكيل مؤسسات دولة موحدة، بينما يستمر الصراع بين حكومتي الغرب والشرق، رغم أن الأولى تحظى باعتراف دولي.

رغم الإخفاقات، يتذكر الليبيون أجواء الفرح والاحتفالات العفوية التي عمّت مختلف المدن والبلدات فور تواتر الأنباء التي أفادت بمقتل العقيد معمر القذافي في أكتوبر/تشرين الأول 2011.

تهافت سكان العاصمة آنذاك بسياراتهم على الشوارع الرئيسية، رافعين الأعلام ومُطلقين العنان لأبواق سياراتهم وهم يرقصون في الطرقات ويطلقون الألعاب النارية، التي أنارت سماء طرابلس بألوان زاهية، بينما وزّع بعضهم الحلوى وهم يتبادلون التهاني بمقتل القذافي.

كما سُمعت أصوات متقطعة لإطلاق الرصاص في الهواء، ذلك أن الثوار منعوا إطلاق الرصاص في الهواء، محذرين من يفعل ذلك بأنه سيتعرض للاعتقال والتحقيق وسحب السلاح منه، وذلك بعد سقوط قتلى وجرحى في فترة سابقة خلال إطلاق كثيف للنار من البعض احتفالًا بالقبض على المعتصم القذافي، فيما تبين بعد ذلك أن الخبر كان كاذبًا.

وفي ساحة الشهداء احتشد المحتفلون وهم يرفعون علم الاستقلال ويرددون شعارات تشيد بأداء الثوار وتترحم على أرواح الشهداء، منها “دم الشهداء الصافي يطلع من عين القذافي” و”دم الشهداء ما يمشي هباء”.

المجلس الوطني ممثلًا للثورة

كان طموح الثوار أن تكون الثورة إيذانًا ببدء مرحلة جديدة تؤسس للحرية والعدالة والديمقراطية بعد الإطاحة بنظام الرجل الواحد، فتشكّل حينها المجلس الوطني الانتقالي برئاسة المستشار مصطفى عبد الجليل ليكون الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي وواجهة للثورة الشعبية المتواصلة.

أجرى المجلس التحضيرات اللازمة لإقامة أول انتخابات تشريعية بعد أن غابت لأكثر من 4 عقود، انعقدت تلك الانتخابات في يوليو/تموز 2012 لانتخاب 200 عضو للمؤتمر الوطني العام بمشاركة نحو مليوني و900 ألف ناخب، وفي يونيو/حزيران من العام 2014 جرت انتخابات أعضاء هيئة تأسيسية، لصياغة مشروع دائم للبلاد، وجرت في الشهر نفسه انتخابات مجلس النواب، لكن الانقسامات كانت دائمًا ما تطل برأسها، وتعصف بأي أمل في التوصل إلى اتفاق يحقق التغيير الذي حلم به الشعب في 17 فبراير/شباط.

حكومتان إحداهما مدعومة دوليًا

بعد مرور 13 عامًا على ذلك الحدث، ما زال الليبيون يدفعون ثمن الانقسام السياسي في ظل الصراع على السلطة بين متصدري المشهد الليبي، الذي وصل في بعض الحالات إلى صراع مسلح، ليجد الليبيون أنفسهم اليوم أمام حكومتين هما: حكومة الوحدة الوطنية “مدعومة دوليًا”، والحكومة التي يدعمها مجلس النواب.

وشهدت ليبيا على مدار الـ12 سنة الماضية، حروبًا واشتباكات دامية، فضلًا عن تقلبات سياسية واجتماعية عديدة، ما أدى إلى تعاقب عدة حكومات على إدارة شؤون البلاد، بعضها لم يتم الاعتراف بها دوليًا.

وتعود حالة الفوضى التي ألمّت بليبيا إلى سنوات الثورة الأولى، فلم يتمكن القادة السياسيون وقتها من التوافق على رؤية سياسية واضحة يمكن من خلالها رسم معالم المشهد التشريعي والحكومي، وعلى الرغم من اتفاقهم على حكومة وجسم تشريعي واحد بين عامي 2012 و2014، فإن الاختلاف السياسي العميق بين القوى التي قادت الثورة، عرقل مسيرة الدولة وسط نفوذ كبير للمجموعات المسلحة.

2014.. بداية الانقسام

بدأ الانقسام الفعلي في ليبيا عام 2014، عندما انطلق حراك مدني للمطالبة بإجراء انتخابات جديدة وعدم التمديد للمؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق)، حيث قاطع أغلب الثوار الانتخابات الجديدة، بينما برز في العام نفسه اسم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي سيطر مع قواته على شرق ليبيا بدعم من القبائل، وخاض حربًا مدمرة تحت شعار “الحرب على الإرهاب”.

نجح حفتر في استقطاب مجلس النواب المنتخب وشكّل الأخير غطاءً سياسيًا لحفتر بوجود حكومة موازية للحكومة الموجودة في طرابلس، ومع بداية الانقسام السياسي، أطلقت الأمم المتحدة حوارًا سياسيًا انتهى بتوقيع اتفاق الصخيرات في المغرب خواتيم العام 2015 بواجهة سياسية جديدة تشكلت من المجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج، وجسم تشريعي مؤلف من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، والأخير تشكل من المؤتمر الوطني العام.

غير أن حفتر وبدعم من مجلس النواب كان العقبة الأساسية في تنفيذ الاتفاق بتمسكه بمنصب قائد الجيش، مقابل رفض مجلس الدولة والقوى السياسية الموجودة في العاصمة طرابلس.

محور الثورة المضادة

الدور الأول في إجهاض ثورة 17 فبراير/شباط وغيرها من ثورات الربيع العربي لعبه محور “الثورات المضادة” بهدف تشويه الحراك الثوري وتدمير أحلام الجماهير في الحرية والعدالة والديمقراطية والعيش الكريم.

يقود ذلك المحور دولة الإمارات العربية المتحدة التي لم تتردد منذ بداية موجة الربيع العربي عام 2011، في إنفاق فائض مواردها المالية الضخمة على تعزيز الأنظمة الاستبدادية والمليشيات المسلحة التي تفعل ما بوسعها لإجهاض الديمقراطية قبل ولادتها من رحم الانتفاضات الشعبية.

وتميَّز التمويل الإماراتي بحضوره القوي في سحق الثورة المصرية وإعادة الديكتاتورية بعد مجزرتي رابعة والنهضة في منتصف العام 2013، مرورًا بدعم الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وتأجيج الصراع المدمر في اليمن وسوريا وانتهاءً بإشعال الحرب في السودان بعد أن فشلت المحاولة الانقلابية التي نفذها وكيلها في البلاد محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

في ليبيا بالتحديد، أدى إخفاق البرلمانيين في وضع دستور للبلاد إلى فراغ سياسي ودستوري، استغلته الثورة المضادة بقيادة خليفة حفتر المدعوم إماراتيًا لتقسيم المؤسسة العسكرية، ومحاولة السيطرة على العاصمة طرابلس.

وكشف التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية عام 2017 عن خرق دولة الإمارات وبصورة متكررة نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها، مشيرة في تقريرها إلى أن الإمارات قدمت الدعم العسكري لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على أنها شحنات مواد غير قاتلة.

وقد أدى الدعم الإماراتي وفق تقرير اللجنة إلى زيادة قدرات قوات حفتر الجوية، واعتبرت اللجنة أن المساعدات الإماراتية قد أدت إلى تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر في ليبيا.

ورغم الدعم الكبير الذي حصل عليه حفتر من روسيا والإمارات ومصر، فإنه فشل في دخول العاصمة طرابلس، وعملت البعثة الأممية على صياغة اتفاق جديد نتج عن ملتقى الحوار السياسي مطلع عام 2021، مستفيدة في ذلك من فشل حملة حفتر وما تبع ذلك من تغير مواقف داعميه، وخلصت التفاهمات إلى تشكيل مجلس رئاسي بقيادة محمد المنفي، وحكومة الوحدة الوطنية الحالية بقيادة عبد الحميد الدبيبة.

وحدّد الاتفاق السياسي مهام السلطة التنفيذية في تهيئة الأوضاع لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، لكن الخلافات المتجددة بين حكومة الوحدة ومجلس النواب تسببت في عرقلة الانتخابات التي كانت مقررة نهاية العام 2021، وبقي الحال كما هو عليه منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.

احتفالات في طرابلس وعطلة في بنغازي

بالعودة إلى ذكرى 17 فبراير/شباط، أعلن مكتب شؤون المرور بمديرية أمن طرابلس أنه سيجرى غلق ميدان الشهداء وسط العاصمة طرابلس “جزئيًا ابتداءً من الإثنين الماضي”، وذلك في إطار الاستعدادات الجارية لانطلاق احتفالات الذكرى الـ13 لثورة 17 فبراير/شباط 2011.

وأهاب مكتب شؤون المرور في تنويه نشرته المديرية عبر صفحتها على “فيسبوك” بالمواطنين سائقي المركبات الآلية القادمين من شارع عمر المختار استخدام شارع ميزران والقادمين من ميدان الغزالة استخدام الشارع المؤدي إلى ميدان الجزائر.

كما أجرى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة مساء الجمعة، جولة تفقدية بميدان الشهداء للاطلاع على التجهيزات المتعلقة بإحياء ذكرى ثورة 17 فبراير.

وبينما تستعد حكومة الوحدة الوطنية – المعترف بها دوليًا – للاحتفال بذكرى ثورة 17 فبراير/شباط، أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب إلغاء الاحتفالات الرسمية وذلك “تضامنًا مع ضحايا العاصفة دانيال التي ضربت مناطق ومدن الجبل الأخضر”.

وقالت في بيان عبر صفحتها على “فيسبوك”، إنها قررت إلغاء الاحتفالات الرسمية من أجل “توظيف الإمكانات البشرية والمادية كافة في مجال إعادة إعمار المدن والمناطق المتضررة، عبر صندوق إعمار درنة والمدن والمناطق المتضررة، وحفاظًا على المال العام”.

كما أصدر رئيس مجلس الوزراء في حكومة شرق ليبيا قرارًا بأن يكون يومي السبت والأحد الموافق 17 و18 فبراير/شباط عطلة رسمية بمختلف الوزارات والهيئات العامة والمؤسسات الحكومية بمناسبة ذكرى الثورة.

اليوم وفي الذكرى الـ13 للثورة الليبية يرى البعض أنّ الأهداف النبيلة التي خرج لها اللبيبون، تعثّرت وفشلت في ظل استمرار الفوضى والانقسام السياسي متمثًلا في وجود حكومتين ورئيسي وزراء ومصرفين مركزيين، فيما يتمسك آخرون بالقول إنها ثورة مبادئ وقيم تنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وإقامة الدولة المدنية بدلًا من حكم العائلة وأنها ستتحقق يومًا ما بسواعد شبابها.

أخيرًا يمكن القول إنّ ثورة 17 فبراير/شباط نجحت في إنهاء حكم معمر القذافي، لكن محور الثورات المضادة تمكن من إجهاض أحلام الثوار الذين ما زالوا يقاومون محاولات إرجاع بلادهم إلى الاستبداد وحكم الفرد من جديد، كما حدث بالفعل في عدد من دول الربيع العربي.

___________________

مواد ذات علاقة