بِن فيشمان

بسبب تنازل الحكومة الليبية عن الكثير من السلطة للميليشيات المحلية والوسطاء القبليين، لا يستطيع أحد تفكيك هذه الميليشيات دون المخاطرة بحياته. ينبع الجمود المتوطن في ليبيا من ثلاثة عوامل مترابطة وهي:

ـ العامل الأول هو القيادة السياسية التي تفضل امتيازات السلطة على احتياجات السكان.

ـ العامل الثاني هو النظام المالي الذي يحافظ على تدفق الأموال من خلال عائدات النفط، مما يتيح شبكة توزيع سرية تستفيد منها الجهات الفاعلة السياسية والمسلحة.

ـ والعامل الثالث هو شبكة الجماعات المسلحة الهجينةأو شبه الرسمية، التي غالباً ما تمولها الدولة، وتتمتع بامتيازات الدولة وسيطرة أشبه بالمافيا على الأراضي والموارد والتهريب.

وقد سعت الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية إلى كسر هذه الحلقة من خلال إجراء انتخابات وطنية قبل عامين. ومع ذلك، أظهر تأجيل التصويت في النهاية مدى ترسخ هذا النظام المناهض للديمقراطية. ومن المؤسف أن ليبيا لم تحقق الآمال التي كانت سائدة في السنوات الأولى ما بعد القذافي في عامي 2011 و 2012.

وتحاول الأمم المتحدة والشركاء الغربيون مجدداً استئناف العملية الانتخابية. وأكد قرار مجلس الأمن رقم 2702″ الصادر في تشرين الأول/أكتوبر المنصرم دعمه لرئيس «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا»، عبد الله باثيلي، من أجل تعزيز عملية سياسية شاملة تتماشى مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بناءً على (الاتفاقات السابقة) والتعديلات على القوانين الانتخابية“.

ومع ذلك، فإن الكثير من التركيز السياسي على إجراء الانتخابات كان منصباً على التوصل إلى توافق في الآراء بين الجهات السياسية الفاعلة التي كانت متوافقة بنسبة “95%” لمدة عامين، ولكنها دائماً ما فشلت في التوافق على نسبة الـ 5% النهائية.

ولكن حتى لو تم المضي قدماً في الإطار القانوني لإجراء الانتخابات، فسيكون للجماعات المسلحة حق النقض في النهاية إذا اختارت التدخل في أي مرحلة من عملية التصويت، بدءاً من حماية مواقع الاقتراع وإلى حماية إجراءات فرز الأصوات وضمان سلامة الفائزين والخاسرين.

ولا يمكن لعملية إصلاح قطاع الأمن أن تستمر من دون قيام حكومة جديدة، إلا أن الحكومة الجديدة تتطلب إصلاح قطاع الأمن، على الأقل بداية إصلاح قطاع واحد.

وفي الماضي، كانت الجهات السياسية والأمنية الليبية عازفة عن المشاركة في إصلاح القطاع الأمني. بالإضافة إلى ذلك، أدت حربان أهليتان مدعومتان من جهات خارجية إلى تقويض احتمالات توحيد المؤسسات الأمنية بشكل كبير. وسيحتاج باثيلي إلى دعم القوى الغربية والإقليمية لضمان سماح الجهات المسلحة بإجراء انتخابات حرة.

أصول المشكلة

تنبع جذور التحدي الذي تواجهه ليبيا مع الجماعات المسلحة من الانتفاضات المتباينة ضد القذافي، والتي لم تكن منسقة بشكل جيد. وكما يصف الباحث في شؤون ليبيا ولفرام لاشر، تنظم الجماعات المسلحة في الغالب على أساس مدن أو أحياء أو قبائل فردية، وغالباً ما تحدد نفسها من خلال انتماءاتها المحلية“.

وأشارت الممثلة السابقة للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، إلى أن عدد الجماعات المسلحة الهجينة في غرب ليبيا، قد ارتفع بشكل كبير بعد أن وصل عددهم إلى حوالي 30 ألفاًمنذ عام 2011.

وفي بنغازي، التي شهدت انطلاق الثورة الأولى، ساعد انشقاق وحدات رئيسة في النظام في دفع الانتفاضة، فضلاً عن دعم الميليشيات ذات الميول الإسلامية. وأدى هذا التجمع إلى إنشاء تحالفات غريبة.

وكانت هناك شكوك على نطاق واسع بأن الإسلاميين هم من اغتالوا القائد العسكري للمتمردين الجنرال عبد الفتاح يونس، في تموز/يوليو 2011. وبالمضي قدماً إلى عام 2014، ظهر الجنرال خليفة حفتر، الذي عاد إلى ليبيا خلال الثورة لكنه لم يلعب فيها أي دور، في بنغازي كقوة مضادة للجماعات المسلحة ذات الميول الإسلامية، مما أدى في النهاية إلى هزيمتها محلياً في عملية عسكرية أطلق عليها حفتر اسم عملية الكرامة“.

وعانت مصراتة، ثالث أكبر مدينة في ليبيا، من أعنف المعارك خلال الثورة. وشكلت مقاومتها الركيزة الأساسية لبعض أقوى الجماعات المسلحة التي يمكن حشدها اليوم، مثل كتيبة الحلبوص، وقوة العمليات المشتركة، وكتيبة النمر“.

وكانت الجبهة الرئيسية الثالثة للقتال في الجبال جنوب غرب طرابلس. ومع مرور الأشهر وبدعم من حلف شمال الأطلسي، فازت قوات لواء الزنتانفي السباق الأول للوصول إلى طرابلس. وبقيت في الجزء الجنوبي من العاصمة للسنوات التالية، إلى جانب الميليشيات المحلية ذات الميول الإسلامية ومع الانتشار المتكرر لجماعات من مصراتة لتعزيز نفوذها.

وعندما واجهت السلطات السياسية الليبية الناشئة هذه المجموعة من العناصر الثورية، اختارت تأجيل التعامل مع قضية الجماعات المسلحة إلى حين انتخاب حكومة أكثر شرعية. وفي الوقت نفسه، اختارت الأطراف الانتقالية أيضاً عدم إشراك الداعمين الدوليين للثورة في هذه القضية.

ولم تكن الأمم المتحدة مستعدة، أو مخولة، أو مجهزة بالموظفين لمتابعة أو تنفيذ برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. كما لم يصرّ حلف الناتوأو القوات المتحالفة معه على إعطاء الحكومة الانتقالية الأولى في ليبيا الأولوية لمحاولة إجراء عملية من نوع ما لإصلاح القطاع الأمني أو عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، عندما كانت الجماعات المسلحة أقل رسوخاً.

وجرت إحدى المحاولات الأولية التي قادها الليبيون في أوائل عام 2012، والتي أُطلق عليها اسم هيئة شؤون المحاربين، والتي حاولت تسجيل أي مقاتل أو مشارك في الثورة وتحديد مدى اهتمامهم بالتعليم أو العمل أو الاندماج رسمياً في الهيكل العسكري الرسمي. وفي حين نحجت هذه المبادرة في تسجيل أكثر من 250,000 فرد (يُقدر أن المشاركين الفعليين في المعارك أقل بكثير)، إلا أن البرنامج فقد مصداقيته، وتم تعليقه في النهاية.

***

بين فيشمان هو زميل أقدم في برنامج روبين للسياسة العربيةالتابع لمعهد واشنطن.

_____________

مواد ذات علاقة