بِن فيشمان

المزيد من الإخفاقات

من بين مآسي هجمات أيلول/سبتمبر/ 2012 ضد البعثة الأمريكية الخاصة في بنغازي (التي ارتكبتها جماعة أنصار الشريعة، وهي جماعة إسلامية متشددة في ذلك الوقت)، هي أن ليبيا كانت لا تزال تمر بعملية تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الحرة التي جرت في حزيران/يونيو من ذلك العام.

فبموجب القواعد، كان على المؤتمر الوطني العامالمنتخب اختيار رئيس الوزراء الذي سيختار الهيئة التنفيذية لحكم البلاد.

وهكذا، عندما وقعت الهجمات، لم تكن هناك سلطة وطنية أو حتى محلية يمكن للولايات المتحدة التواصل معها. وبغض النظر عن ذلك، لم يكن لدى السياسيين وصول يذكر إلى بنغازي، حيث كانت مجموعة من الكتائب وبقايا منشقين من جيش القذافي تسيطر على الشوارع.

وفي النهاية، في أواخر 2012، تم اختيار علي زيدان من قبل المؤتمر الوطني العامرئيساً للوزراء في أواخر عام 2012. وكانت إحدى أولوياته، بتشجيع من الشركاء الغربيين، هي البدء بعملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج إلى حد كبير من خلال إنشاء قوة بقيادة الدولة يمكنها حماية الحكومة من الميليشيات.

وبعد قيامه بزيارة إلى واشنطن والعواصم الأوروبية، دُعي زيدان لحضور قمة مجموعة الثمانيالتي استضافها رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون، الذي أعلن التزام الحلفاء بتدريب 7000 من القوات الليبية، والتي سُميت فيما بعد قوة الأغراض العامة“. ولكن هذا المشروع كان محكوماً عليه بالفشل منذ البداية.

فتجاهلاً للتجارب المخصصة الكارثية للتدريبات التي جرت في الأردن وتركيا، حيث قام المجندون بتدمير المنشآت، دمرت المجموعة الأولى من المتدربين الذين لم يتم تقييمهم مسبقاً منشأة عسكرية في كامبريدج بإنجلترا واعتدوا على الموظفين المحليين. وأصرت الولايات المتحدة على أن تدفع ليبيا تكاليف التدريب، لذلك لم تبدأ العملية قط.

ولم تُغير الاشتباكات الأخرى المحدودة الطابع الأساسي لمشهد الميليشيات. وفي عام 2013، قدّم زيدان طلباً غير منسق إلى حلف الناتوللمساعدة في بناء مؤسسة الدفاعالأمنية، وحصل على موافقة وزراء دفاع الحلف. وبعد مرور ما يقرب من عام، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسيراسموسن: “واجهنا بعض الصعوبات في التعامل مع السلطات الليبية“.

وبينما حاول زيدان تشكيل نوع من القوة الحكومية في الغرب، كان خليفة حفتر يعزز سيطرته على الشرق في بنغازي ومن ثم درنة. وتمكن حفتر من توحيد الجماعات العسكرية السابقة في عهد القذافي والجماعات القبلية المرتبطة بها رداً على حملة الاغتيالات ضد أعضاء النظام السابق.

وحالما عزز سيطرته على الشرق بدعم من مصر والإمارات العربية المتحدة، سعى إلى مواجهة ما يُعرف بالإسلاميين في الغرب، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية في الفترة 2014-2015 بين تحالف الكرامةالتابع لحفتر، وتحالف فجر طرابلسالمدعوم من مصراتة.

وتوقفت الحرب في النهاية من خلال الوساطة الدولية والاتفاق الذي تم التوصل إليه في أوائل عام 2015، والمعروف باسم الاتفاق السياسي الليبي“. ولم يتم مطلقاً تنفيذ الاتفاق بالكامل، ولكنه أدى إلى تشكيل مؤسستين منقسمتين هما مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، اللتين لا تزالان قائمتين وتتحملان مسؤولية كبيرة عن الجمود في ليبيا منذ ذلك الحين.

الاتحاد ضد التهديد المشترك

كان أحد العوامل المهمة التي أدت إلى تنسيق الجماعات المسلحة وتوحيدها هو وجود تهديد أكبر. وتشكلت عملية الفجرضد حفتر في عامي 2014-2015، عندما اتحدت ميليشيات مصراتة وطرابلس لمواجهته.

كما نفذ المجلس العسكريفي مصراتة ووحداته الفرعية عملية البنيان المرصوصضد تنظيم الدولة الإسلاميةالذي كان قد شكل قاعدة له في مدينة سرت. واتحدت قوات مصراتة وطرابلس مجدداً في عام 2019 عندما هاجم حفتر طرابلس للمرة الثانية.

وفي كل حالة، شاركت جهات خارجية في القتال. وساعدت الإمارات ومصر في عملية الكرامةبقيادة حفتر، وقامتا في إحدى الحالات بقصف مواقع في طرابلس. ومن جانبها، ساعدت القوات الغربية، والتي شملت غارات جوية أمريكية والقوات الخاصة البريطانية، وحدات مصراتة في التغلب على تنظيم الدولة الإسلاميةفي مدينة سرت بعد أشهر من القتال العنيف.

وفي مطلع عام 2020، اعتمدت القوات المتحالفة مع حكومة طرابلس على التدخل التركي، حيث كانت قوات حفتر تقاتل في ضواحي المدينة. واستخدمت تركيا طائرات مسيرة متفوقة وأنظمة مضادة للطائرات لهزيمة الطائرات التي كانت قوات فاغنرتشغّلها نيابة عن حفتر.

وحتى بعد وقف إطلاق النار في تشرين الأول/أكتوبر 2020، والذي نص على رحيل القوات الأجنبية، بقيت (القوات) التركية في ليبيا لتدريب الجنود التابعين لطرابلس والعمل بصورة محدودة نسبياً خارج القواعد العسكرية في الغرب.

وفي غضون ذلك، لا تزال مجموعة فاغنرفي مرحلة ما بعد بريغوجين متواجدة في ليبيا، وتعمل انطلاقاً من قاعدة الجفرة الجويةالاستراتيجية، التي تستخدمها كمركز عبور لعملياتها الأفريقية المربحة.

كما يوفر الروس حماية شخصية لحفتر، وهم على الأرجح مسؤولون عن إسقاط طائرة أمريكية مسيرة في العام الماضي. ومنذ وفاة بريغوجين، قام نائب وزير الدفاع الروسي بزيارة حفتر مراراً وتكراراً لضمان بقائه في الفلك الروسي.

وجرت الجولة الأخيرة من توحيد الميليشيات في العاصمة في آب/أغسطس 2022 عندما حاول وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا دخول طرابلس والإطاحة برئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، مشيراً إلى انتهاء فترة ولايته، نظراً لعدم إجراء الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر 2021.

وعمل باشاغا سابقاً بشكل وثيق مع مجموعات طرابلس، وتوقّعَ دعمها، لكن جهاز الردع” (“قوة الردع السلفية“)، وجهاز دعم الاستقراربقيادة عبد الغني الككلي أو غنيوة، قاما بطرد كتيبة النواصي، وهي الكتيبة الداعمة لباشاغا، خارج المدينة، مما أدى إلى بقاء الدبيبة في السلطة، وأصبح مديناً بشكل أكبر لـقوة الردع، وجهاز دعم الاستقرار“.

وتسيطر قوة الردععلى مطار معيتيقة، مما يمنحها نفوذاً هائلاً على الحكومة وعلى الجهات الدولية الفاعلة أيضاً التي تصل إلى المدينة. واشتبكت هاتان المجموعتان في آب/أغسطس 2023 لكنهما تجنبتا تصعيد الأمور بشكل أوسع.

وفي شرق البلاد، يُعد ما يعرف بـالجيش الوطني الليبيالذي يقوده حفتر، الجيش الأكثر تكاملاً عمودياً؛ وهناك تنافس بين كتائبه، من بينها الكتيبتان اللتان يقودهما ولداه. ويشرف نجله صدام على كتيبة طارق بن زياد، الموثقة بارتكاب جرائم حرب، بينما يقود ابنه خالد الكتيبة 106″.

ووفقاً لتقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بليبيالعام 2023، سيطرت عائلة حفتر على معظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية في شرق ليبيا، بعد أن تعافت من هزيمتها العسكرية في عام 2020. كما سيطر صدام أيضاً على جهاز الإنقاذ وإعادة الإعمارفي درنة، حيث ستحصل العائلة ويحصل حلفائها على مبالغ ضخمة.

وهناك تكهنات مستمرة حول ما سيحدث في شرق ليبيا بعد رحيل حفتر، البالغ من العمر 80 عاماً. وتحاول العائلة تبديد هذه التكهنات، لكن الطريقة الاستبدادية التي تعمل بها قد تثير المعارضين داخل الجيش وخارجه.

وللبناء على اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في تشرين الأول/أكتوبر 2020، أنشأت الأمم المتحدة لجنة عسكرية مشتركة تمثل خمسة ضباط عسكريين من الشرق والغرب هدفهم توحيد الجيش الليبي، وعُرفت هذه اللجنة باسم “5+5”.

ولكن بينما يمثل ممثلو حفتر قائدهم، يمثل الجنرالات الغربيون جغرافياً المدن الكبرى (طرابلس، ومصراتة، والزاوية، والزنتان، وغريان) نظراً لاعتماد الجيش الرسمي على ميليشيات المنطقة.

وعلى الرغم من أن عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج ليست مدرجة رسمياً في ولاية اللجنة، إلّا أن إسبانيا استضافت اجتماعاً حول تسريح الميليشيات في أيار/مايو 2022.

آفاق قاتمة

في عام 2012، كتب الخبير والباحث في شؤون ليبيا فريد ويهيري: “إن استراتيجية محاولة تفكيك الميليشيات الإقليمية واستخدامها في الوقت نفسه كقوات مأجورة قد تزرع بذور انحدار البلاد بيد أمراء الحرب. ويشير كل ذلك إلى حكومة تنازلت عن درجة كبيرة من السلطة للميليشيات المحلية والوسطاء القبليين“.

وكانت المشكلة آنذاك كما هي الآن تكمن في أنه لا يمكن لأي حكومة مستقلة أن تتولى عملية حقيقية لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج دون المخاطرة بحياة أعضائها.

وقد تعرض علي زيدان، رئيس الوزراء الذي حاول إنشاء جيش موالي للحكومة، للخطف مرتين. وفي غياب أي شكل من أشكال الحماية الدولية، فسوف تواجه الحكومة المنتخبة حديثاً وضعاً مماثلاً، أو ما هو أسوأ من ذلك، مما قد يؤدي إلى إشعال شرارة حرب أهلية أخرى.

وإذا حدث أي تقدم في الانتخابات، فيجب أن تكون الجماعات المسلحة جزءاً من الاتفاق على إجراء التصويت. وسيتطلب ذلك ضغطاً كبيراً من الجهات الفاعلة الخارجية التي لها تأثير على الأحزاب المحلية لضمان عدم انخراطها في أعمال العنف قبل الانتخابات أو بعدها.

وستكون هذه العملية أكثر صعوبة نظراً للتركيز الساحق في المنطقة على الأحداث في غزة والتوترات المتزايدة في لبنان والبحر الأحمر. على باثيلي أن يولي اهتماماً أكبر على الظاهرة المتناقضة للميليشيات بدلاً من إعطائه الأولوية للاتفاقات السياسية.

***

بين فيشمان هو زميل أقدم في برنامج روبين للسياسة العربيةالتابع لمعهد واشنطن.

_____________

مواد ذات علاقة