النقابة العامة للنفط في ليبيا تنادي بمحاسبة كل من يثبت تورطه في الفساد والتلاعب بمقدرات الدولةاتسعت دائرة الأصوات المنادية بتراجع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عن قرار إيقاف وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية، محمد عون.

وقالت النقابة العامة للنفط في ليبيا، الأحد، إن القرار الصادر عن رئيس هيئة الرقابة الإدارية ظالم، مطالبة الهيئة بإلغائه، ودعت جميع القوى الوطنية بالوقوف ضد إيقاف الوزير الذي يضر بمصالح الدولة الليبية.

وأردفت النقابة في بيان: “ندين هذا القرار الذي استهدف أحد الرموز الوطنية والمهنية والمدافعين عن قطاع النفط في ليبيا، فهذا القرار يعتبر انتهاكا صارخا لمبدأ الشفافية والنزاهة، ويأتي في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المزرية التي تمر بها البلاد”.

ونادت النقابة بإجراء تحقيق شفاف ومستقل في هذه القضية، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في الفساد والتلاعب بمقدرات الدولة.

والأربعاء الماضي، أعلن في ليبيا عن قرار رئيس الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة تعيين وكيل وزارة النفط والغاز خليفة رجب عبدالصادق، بتسيير مهام الوزارة بالإضافة إلى عمله السابق بعد إيقاف الوزير محمد عون عن أداء مهامه بقرار من رئيس هيئة الرقابة الإدارية عبدالله قادربوه.

وبرر قادربوه قراره بالقول إنه جاء “لمصلحة التحقيق” ، وبناء على “مذكرة مدير الإدارة العامة للتحقيق، ومجريات التحقيق” في مخالفات قانونية، معتبرا أن بعض الانتهاكات التي ارتكبها عون “أدت إلى التفريط في حقوق الدولة الليبية، والتحايل على القانون، وإهدار المال العام”.

وأوضح قادربوه في تصريحات صحفية أن عون بصفته رئيس لجنة التفاوض مع الشركات النفطية الأجنبية التي انتهت عقود امتيازها، جدد هذه الاتفاقيات حتى عام 2032 من دون عرضها على السلطة التشريعية لإقرار قانون خاص بتحديد الحصص وتعديلها، مشيرا إلى أن الانتهاكات الأخرى شملت إقدام عون على إعلام رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في مايو 2021، بأن مجلس الوزراء وافق على مبادلة كميات معينة من النفط الخام مع شركات التكرير مقابل منتجات الوقود. لكن لم يتم العثور على مثل هذه المراسلات بين الوزير ومجلس الوزراء.

وأكد عون، عدم ارتكابه أي مخالفات قانونية تستدعي التحقيق معه، مشددا على أن الحديث عن وجود مخالفات هو مجرد ادعاء باطل، وقال إن القرار الصادر عن هيئة الرقابة الإدارية “لم يتضمن أي إجراءات عملية، هي مجرد ورقة تسلمتها، ولذلك لا أريد أن أدلي بتصريحات قبل أن تبدأ الإجراءات الفعلية”، معتبرا في تصريحات صحفية: “القرار لم يستند إلى شيء، ولم يتحدث عن وجود مخالفات قانونية، القرار قال في ديباجته: على وقائع ملف القضية رقم (178)، قال هذا بالحرف الواحد، ولم يقل إن هناك مخالفات، حيث لا توجد مخالفات أصلاً”.

واتهم التجمع الوطني للأحزاب الليبية حكومة الدبيبة بإطاحتها بوزير النفط والغاز، محمد عون، من أجل تنفيذ اتفاقيات مرفوضة، ومنها مفاوضات الاتفاقية الخاصة بحقل «NC7» في حوض الحمادة.

وأشار التجمع إلى صدور قرار مجلس النواب رقم 15 لسنة 2023، الذي “يمنع المساس بالثروات السيادية، ويعتبر أي اتفاق يقع بشأن الاتفاقية باطلا”، وكذلك ما صدر عن ديوان المحاسبة ومكتب النائب العام من مخاطبات بإيقاف هذه المفاوضات التي تتجاهلها حكومة الدبيبة ، وقال في بيان، إنه يتابع بقلق بالغ التداعيات المتلاحقة المتعلقة بملف الطاقة في ليبيا، والفساد الذي يشوب كثيرا منها، والذي تعتبر حكومة الوحدة الوطنية والمؤسسة الوطنية للنفط طرفين رئيسين فيه”، مشيرا إلى الارتفاع غير المبرر لفاتورة دعم المحروقات، خاصة المستهلكة من طرف الشركة العامة للكهرباء، والإصرار على مقايضة النفط الخام بالمحروقات، والتكليف المباشر لشركات حديثة التأسيس ومجهولة بعقود تطوير بعض الحقول.

واعتبر التجمع أن شبهة الفساد تحوم حول الدبيبة ومؤسسة النفط بسبب إصرارهما “على المضي في مفاوضات الاتفاقية الخاصة بحقل NC7 في حوض الحمادة”، مردفا: “كان آخر إجراء اتخذته الحكومة هو إزاحة وزير النفط بها، باعتباره المعارض الوحيد داخلها للاتفاقيات والإجراءات المشبوهة المتعلقة بقطاع النفط والغاز، حيث سارعت الحكومة بتكليف غيره تمهيدا لإبرام هذه الاتفاقية”.

وأكد التجمع على جملة من النقاط، وهي اعتبار إن الثروات والموارد الطبيعية للدولة الليبية خط أحمر، ولا ينبغي المساس أو العبث بها، لتحقيق مصالح ضيقة تضيع بها المصالح الوطنية وحقوق الأجيال القادمة، ومطالبة هيئة الرقابة الإدارية بالتزام الشفافية في إجراء الإيقاف الذي اتخذته بحق وزير النفط، والذي جعلته الحكومة ذريعة لإزاحته، وتمرير اتفاقية الحقل «NC7»، ومطالبة ديوان المحاسبة ومكتب النائب العام باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بصون ثروات وموارد البلاد من الإهدار والتضييع، وكشف كل الفساد المتعلق بملف الطاقة.

كما طالب 53 عضوا في المجلس الأعلى للدولة هيئة الرقابة الإدارية بسحب قرار إيقاف عون عن مهامه، واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لإرجاع الوضع كما كان عليه قبل القرار.

ووصف أعضاء المجلس، في بيان مشترك، القرار بـ”الإجراء المشبوه”، معبرين عن استغرابهم من “سرعة تكليف من يسير أعمال الوزارة بديلا عنه بشكل معد ومرتب مسبقا من قِبل رئيس الحكومة، عبدالحميد الدبيبة. ورأوا أن القرار جاء كرد فعل على معارضة الوزير ما وصفوه بـ”الصفقات والاتفاقات المشبوهة التي أثارت حولها الكثير من اللغط في الفترة الماضية”، واعتبر أن القرار يعد بمنزلة “تواطؤ غير مسبوق بين المؤسسات الرقابية مع الحكومة، مما يفقدها دورها الرقابي”.

وجاء إيقاف عون في إطار سلسلة من الإيقافات التي استهدفت عددا من الوزراء في حكومة الدبيبة، ففي ديسمبر 2021 أصدر النائب العام الليبي قرارا بحبس وزير التعليم موسى المقريف بعد استجوابه واتهامه بالإهمال والمحسوبية في أزمة تأخر طباعة الكتاب المدرسي، وبعد أسبوع واحد، حبست وزيرة الثقافة وتنمية المجتمع مبروكة توغي عثمان احتياطيا بأمر من مكتب النائب العام الليبي على خلفية فساد مالي وإداري، بعد أن يتم الإفراج عنها لاحقا والسماح لها بالعودة إلى مزاولة عملها.

وفي يناير 2022 اعتقلت قوة الردع التابعة لوزارة الداخلية الليبية، وزير الصحة علي الزناتي في مطار معيتيقة الدولي بالعاصمة طرابلس، بسبب مخالفات وتجاوزات في الوقائع المتعلقة بتوريد وتركيب مصانع الأكسجين والمراكز الطبية، وفي يوليو من نفس العام تم إيقاف وزير الداخلية اللواء خالد مازن على إثر اشتباكات اندلعت في العاصمة طرابلس.

وفي مايو 2023 قرر رئيس هيئة الرقابة الإدارية إيقاف وزير الدولة لشؤون رئيس مجلس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية عادل جمعة، عن العمل احتياطيا “لدواعي ومقتضيات مصلحة التحقيق”. ودعا الخطاب الجهات والإدارات المختصة لتنفيذ هذا القرار، دون توضيح المزيد من التفاصيل بشأن أسباب القرار.

وفي أغسطس 2023 أعلن الدبيبة، إيقاف وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، احتياطيا، وإحالتها للتحقيق بعد الكشف عن لقاء جمعها مع وزير الخارجية الإسرائيلي في روما.

ويرى المراقبون، أن هذه الظاهرة ترتبط بأبعاد إيجابية من بينها النشاط المكثف للأجهزة الرقابية واستقلال مؤسسة القضاء، وبأبعاد سلبية أبرزها اتساع دائرة الفساد المستندة على قناعة لدى البعض بإمكانية الاستفادة من ظاهرة الإفلات من العقاب، لكن ما كل مرة تسلم الجرة.

_______________

مواد ذات علاقة