محمد عبدالعزيز

في الأول من سبتمبر عام 1969م، الضابط معمّر القذَّافي يقود مع رفاقه انقلابًا عسكريًّا على الملك إدريس السنوسي، في قلب هذا المشهد يقف عبد السلام جلُّود كتفًا إلى كتف مع القذَّافي، ليصبح جلُّود الرجل الثاني، وبهذه الصفة جال جلُّود في العالم، والتقى الرئيس السوفييتي بريجنيف، وآية الله الخميني، وصدام حسين، وحافظ الأسد، وغيرهم.

وبحماسة الشباب أرسله القذَّافي عام 1970م إلى بكين ليطلب من رئيس الوزراء الصيني، شون إن لاي، شراء تكنولوجيا السلاح النووي، وبذات الحماسة سلَّم جلُّود إيران صفقة صواريخ “سكود” لتقصف بها بغداد.

عبد السلام جلُّود، الضابط الذي شارك في انقلاب الأول من سبتمبر 1969م، كشفت مذكراته “الملحمة”، التي صدرت عن المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، كثيرًا من تفاصيل صناعة القرار في ليبيا، من رجل يعرف أسرار “دولة الخيمة”، وتحولات القذَّافي من ثائر إلى مستبد وطاغية، فجلُّود واحد من الذين يعرفون ثكنة “باب العزيزية” وما دار بداخلها من خُطط أو مؤامرات، لكن المذكرات خلَت من النقد الذاتي والمراجعة التاريخية للمواقف أو الاعتراف بالتقصير.

أتت المذكرات وكأنها بيان يبيِّض به جلُّود صحيفته مما علق بها في عهد القذَّافي، وهو الذي شارك في صناعة كثير من أحداثها.. تولَّى جلُّود عديدًا من المناصب الحساسة في النظام الليبي؛ وزيرًا للداخلية والحكم المحلي، ووزيرًا للمالية، ووزيرًا للاقتصاد والصناعة، وعضوًا بالأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام، فضلًا عن أن له أدواره في ملفات عربية، مثل الحرب الأهلية في لبنان.

طفولة جلُّود

يحكي عبد السلام جلُّود عن حادثة في طفولته لها دلالة مهمة على شخصيته، إذ حاول وهو طالب في المرحلة الثانوية زيارة طرابلس، والتمتُّع بجمال شواطئها ومشاهدة البحر، وهو القادم من الصحراء، لكن الجالية الإيطالية وقلَّة من المحظوظين الليبيين طردتْه، ثم وصل إلى مصيف آخر للعسكريين الإنجليز فطُرد من جديد.. حفَر هذا اليوم ندبة عميقة في قلبه ووجدانه، حفرة المرارة والسخط وإدراك أن ليبيا ليست ملكًا لليبيين!

وفي هذا اليوم اقتنع بضرورة الثورة على النظام الملكي، التي سيظهر أثرها لاحقًا في طرده الجاليات الأجنبية عندما أصبح رئيسًا للوزراء في حكومة الثورة، على أن هذه التذكرة بطرد الأجانب تُغفل عودتهم إلى طرد النظام الثوري الذي بناه القذَّافي وشارك فيه جلُّود، عبر تدخُّل حلف الناتو لوقف وحشية القذَّافي ونظامه.

وقبل عقد من الثورة الليبية كان الطالب عبد السلام جلُّود معتقلًا لمشاركته في مظاهرة عام 1959م، وذات يوم أدخلوا عليه معتقَلًا آخر اسمه معمر القذَّافي. وبسبب نقص البطانيات في السجن تشاركا جلُّود والقذَّافيبطانيةً واحدة، ومن المشاركة في البطانية الواحدة وصلا إلى مشاركة سياسية وشراكة لعقود لاحقة؛ فبعد السجن التقى الرجلان واتفقا على إسقاط النظام الملكي في ليبيا عام 1959م..

هكذا وُلدت حركة الوحدويين الأحرار، لكن القذَّافي حوَّل الحركة إلى عسكرية في عام 1963م من خلال التحاق الأعضاء بالكليات العسكرية، بل إن القذَّافي كتب بخط يده طلب انتساب جلُّود إلى الكلية الحربية.

انقلاب القذَّافي

هبَّت رياح الانقلابات في المنطقة العربية في تلك الفترة يقودها كبار الجنرالات، فضعفت الرقابة على صغار الضباط، وهذه الاستراتيجية ستساعد حركة الضباط في التخطيط لانقلابهم، ففي وقت قصير استطاعوا أن يضموا إلى حركتهم أكثر من ستين ضابطًا، سيطروا بهم على ليبيا، مُستغلّين زيارة الملك إدريس السنوسي إلى اليونان.. كان انقلابًا مفاجئًا في ظل وجود قوات أمريكية وبريطانية تحتل أجزاء من ليبيا.

كان طموح القذَّافي أكبر مما يفكر به باقي رفاقه في الحركة، فوفقًا لمذكرات عبد السلام جلُّود، فإن القذَّافي كان منذ اليوم الأول يسعى للانفراد بالسُّلطة، لدرجة أنه كان يصرّ على إخفاء أسماء مجلس قيادة الثورة حتى لا يكون أمام العالم إلا قائد واحد.

وتكشف المذكرات عن ضغوط مارسها الرئيس جمال عبد الناصر لإعلان القذَّافي رئيسًا للمجلس، وكان يقول لهم بصراحة إذا لم تُعلنوه رئيسًا فسوف يكون ذلك خطرًا على الثورة، وقد تتعرَّض للسرقة، وهكذا كتب جلُّود بنفسه نَصَّ خبر ترقية القذَّافي وتعيينه رئيسًا لمجلس قيادة الثورة في ليبيا.

بعد نجاح الانقلاب بشهر واحد، وتحديدًا في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1969م، كان “جلُّود” أول عضو من قيادة الثورة يقابل الرئيس جمال عبد الناصر، وفي ذلك اللقاء طلب عبد الناصر من الليبيين شراء طائرات مقاتلة لدعم مصر في حربها ضد إسرائيل، يُبدي “جلُّود” استعداده لأداء هذه المهمة، لكن عبد الناصر كان يرى استحالة ذلك، لدرجة أنه قال لـ”جلُّود”: “أنتم مجموعة من الشباب الصغير المتحمِّس، لكنكم لا تعلمون شيئًا عن السياسة”، وبالرغم من ذلك يقود “جلُّود” مفاوضات الشراء مع وزير الدفاع الفرنسي، ميشيل دوبريه، وينجح في توقيع صفقة بقيمة 120 مليون دولار لشراء 110 طائرات ميراج.

حسب المذكرات، كان “القذَّافي” يبدي قلقه من تنامي شعبية “جلُّود” في ليبيا، لذا حمَّله كثيرا من الأعباء الوزارية، في وقت كان فيه القذَّافي قد وصل إلى قناعة أن الاستحواذ الكامل على السُّلطة يمنحه كل شيء، فلم يدَّخر وُسعًا في أن يكون الزعيم الأوحد الذي تتجمع في يده وحده كلُّ الخيوط.. فتلاشت أمامه المؤسسات جميعًا، بما فيها الدولة التي حكمها، والجيش الذي أصعده إلى السلطة، فكان العبث كبيرًا، والإنهاك واضحًا.

تُشير المذكرات إلى عديد من مواقف الخلاف بين الرجُلين، لكنها في النهاية لم تُغيِّر الواقع المرعب الذي عاشته ليبيا حتى اليوم، بالرغم من أن هذا الوضع قد دفع آخرين في مجلس قيادة الثورة إلى محاولة التغيير، منها محاولة الانقلاب التي قادها عمر المحيشي عام 1975م.

الغريب في الأمر أن “جلُّود” كان شاهدًا على تحوُّل القذَّافي – وفق وصفهإلى “حاكم مُستبد”، ويحكي في مذكراته عما سمَّاه “رحلة الدَّجَل” التي اتَّبعها القذَّافي منذ عام 1974م، فيقول إن القذَّافي كان يتعمَّد أن يظهر بمظهر الزاهد في السلطة، ولتأكيد ذلك شرع في ما سمَّاه “جلُّود” مسلسل الاستقالات الزائفة، وبعد كل استقالة مزيَّفة منه كان يطلب من حاشيته وأجهزة الدولة أن تدفع الناس إلى الخروج نحو الشوارع، مطالبين إيَّاه بالعدول عن استقالته والعودة إلى حكمهم.

ويحكي “جلُّود” أنه في إحدى استقالات القذَّافي اجتمع أغلب أعضاء المجلس العسكري وقرروا قبول الاستقالة، فاتصل به القذَّافي وقال له “لقد ظهرتم على حقيقتكم بأنكم تتآمرون عليَّ”!.

موسى الصَّدر في ليبيا وعلاقة مضطربة مع القذَّافي

كان آخر ظهور لموسى الصَّدر في ليبيا، التي زارها في 25 أغسطس/ آب 1978م رفقة اثنين من مساعديه، لعقد اجتماع مع زعيمها معمر القذَّافي، وشوهدوا آخر مرة يوم 31 من الشهر ذاته، ثم اختفَوا تمامًا بشكل غامض.

وتوثق المذكرات رواية “جلُّود” عن اختفاء الصَّدر وعدم علمه بهذه القصة، حتى إن الخميني سأل عبد السلام جلُّود عن الصَّدر وطلب توضيحًا حول ملابسات هذه المسألة، وسأل جلُّود ذات مرة القذَّافي عن قصة الاختفاء، وردَّ القذَّافي: أتتهمني؟! وتوقف الحديث بينهما عند هذه النقطة!

على جانب آخر، تُظهر المذكرات بعض محاولات “جلُّود” للضغط على القذَّافي من أجل تغيير سياسته، التي وصفها “جلُّود” بأنها “قضت على جماهيرية الثورة”، فيقول إنه اجتمع معه في بدايات شهر يونيو/ حزيران عام 1986م، للحديث حول الوضع الذي تعيشه الثورة والجماهير، وأنه وضع القذَّافي أمام خِيارَيْن، إمَّا التغيير الجذري، وإمَّا أن يقدم جلُّود استقالته، لكن هذه الاستقالة انتظرت ست سنوات حتى يوم 9 مايو/ أيار 1992م.

يفرد عبد السلام جلُّود فصلًا كاملًا لعلاقته بالقذَّافي، وكيف أن هذه العلاقة كان يشوبها التوتر أكثر من الاستقرار، حتى إنه وفق وصفه قد وصل إلى قناعة مفادها أن معمر القذَّافي – الذي يسبق اسمه دائما بكلمة الأخغير مستعد لأي عملية تغيير حقيقية، وأنه يتجه نحو تحويل ليبيا إلى “إقطاعية سياسية”، وأنه “لا قيمة للإنسان الليبي في نظر القذَّافي”.

تُغذّي هذه القناعة لدى جلُّود حادثةُ اغتيال وزير الخارجية الليبي الأسبق منصور الكيخيا عام 1993م، بسبب معارضة الكيخيا للقذافي، يقول جلُّود: “اتصلت على الفور بعاشور قرقوم، وهو صديق مشترك بيننا، وطلبت منه أن يحضر لزيارتي في منزلي بالمصيف؛ وحين حضر طلبت منه أن يتصل بمنصور الكيخيا، ويقول له أن يكون حذرًا، لأن القذَّافي سيُصفّيه، وطلبت منه أيضًا أن يتصل بزوجة الكيخيا وإخوته لإبلاغهم خطورة الموقف. وللأسف، حدث بعد أيام قليلة أن سافر الكيخيا إلى القاهرة عام 1993م لحضور اجتماع المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وهناك اختفى.. في الواقع، اعتقلته المخابرات المصرية بناءً على طلب القذَّافي وسلَّمته”.

وتكشف المذكرات كذلك تسلُّم ليبيا عمر المحيشي من المغرب في سنة 1984م لقاء 200 مليون دولار، في صفقة تعهَّدت فيها المملكة المغربية بتسليم المحيشي لقاء وقف ليبيا دعمها البوليساريو.

جلُّود في القاهرة

جلُّود” كان حاضرًا أيضًا في كثير من القضايا الساخنة في المنطقة العربية، فيحكي في مذكراته جانبًا مجهولًا من الدور الليبي في الاستعدادات لحرب أكتوبر، التي كان لـ”جلود” دور فيها، إذ أبرم صفقة صواريخ مع فرنسا عام 1972م، وقبيل نشوب الحرب بأيام، أي في 25 سبتمبر/ أيلول 1973 التقى السادات “جلود” ليُعلمه أن الحرب لم يبْقَ أمامها إلا أيام، طالبًا منه نقل الطائرات المدنية وسفن النقل المصرية إلى ليبيا، وأن تُزود طرابلس مصرَ بسرب طائرات ميراج.

ويقدم “جلُّود” رواية عن مشاجرة وقعت مع وزير الدفاع المصري، أحمد إسماعيل، وظهرت في القصة طريقة “جلُّود” الوقحة في تعنيف وزير الدفاع المصري أمام ضباطه، إذ استخفَّ به وقال له “أنت لا تساوي حذائي”! وكان أشرف مروان حاضرًا معه، وأُغمي على الفريق أحمد إسماعيل وقت سماعه إهانته، فقال أشرف مروان “نذهب إلى السادات ونحكي له الواقعة، لأن مَن يذهب إلى السادات أولًا سيقنعه ويؤثر فيه”، وطلب “جلُّود” من السادات إقالة وزير الدفاع المصري، وتعلَّل السادات باقتراب الحرب، وأن هذا الأمر سيؤثر في القوات المصرية، ووعده بإقالته بعد الحرب، ويبدو أن السادات، الذي كان يأكل الرز باللبن في هذا الوقت طبقًا لشهادة “جلُّود”، حاول مجاراة رجُل ليبيا لأنه يستفيد من الدعم العسكري الليبي، والحادثة طبعًا تُظهِر شخصية “جلُّود” وطريقته في التعامل مع الآخرين.

يُشير كتاب “الملاك” عن المصري أشرف مروان إلى الصداقة التي نشأت بين مروان وبين عبد السلام جلُّود، والتي تحولت إلى حفلات و”عربدة”، وفي إحدى الليالي التي ينظمها مروان لجلُّود، طلب مروان الاستعانة بالموساد الإسرائيلي لترتيب حفل من حفلات المجون والعربدة، وكانت خبرة المشرف في الموساد “دوبي” ضعيفة، فطلب من زملاء له المساعدة، فاستعانوا بخدمة خاصة لإرضاء رغبات جلُّود، وكل هذا كان على حساب الإسرائيليين، الذين يحلو له مهاجمتهم طول الكتاب، وهو لا يدري أنهم موَّلوا سهرة خاصة له في لندن!

جلُّود وحافظ الأسد

على جانب آخر، يرى “جلُّود” في نظام حافظ الأسد بسوريا “تجسيدًا للقومية العربية”، وتكشف المذكرات عن تدخل ليبي قاده “جلُّود” إبَّان الأزمة بين الرئيس حافظ الأسد وأخيه ونائبه رفعت، التي وقفت فيها سوريا على حافة المواجهة والاقتتال الداخلي، فمنحت ليبيا رفعت مئتي مليون دولار نظير مغادرته سوريا. هذه القصة تُظهر حِسَّ عدم المسؤولية عند القذَّافي و”جلُّود”، واستهتارهما بأموال الشعب الليبي في التدخل لمرضاة رفعت الأسد ولو بأموال ليبية.

ومع تدهور أسعار النفط العالمية بدءًا من عام 1983م، تزداد الأعباء على الخزانة الليبية التي تعتمد على العائدات النفطية، وتشهد ليبيا أزمات معيشية، وبعيدًا في صحراء سرت في يونيو/ حزيران عام 1986م، ينصب القذَّافي خيمته، ويخوض حوارات مع جلُّود استمرت أحد عشر يومًا من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي، فيقترح “جلُّود” ثلاث أوراق للإصلاح والتغيير، ترتكز على وقف قمع اللجان الثورية، معترضًا على جعل “الكتاب الأخضر” المرجعية النهائية للثورة الليبية.. لكنْ يفشل الحوار، إذ تملَّكت القذَّافي الروح الديكتاتورية وعبادة الفرد.

يحكي “جلُّود” قصة عن القذَّافي تُظهر عقليته، فيقول: “في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، كنتُ أنا ومعمَّر في منطقة جهنم، التي تقع جنوب شرقي مدينة سرت، وقد عُرفت بهذا الاسم لارتفاع درجة حرارتها في فصل الصيف.. وبينما كنا نتجاذب أطراف الحديث، ونستعيد ذكريات الماضي، جاء وقت صلاة المغرب، فقُمنا إلى الصلاة، وأمَّنا معمَّر، وكنت خلفه قليلًا، فلاحظتُ أنه لم يسجد بشكل صحيح، فقلتُ له: “اسجُد صح يا رجل!”، لكنه لم يُعِرْ طلبي أي اهتمام، وبعد الصلاة قال لي: “أنا لا أريد أن أفقص لأحد، حتى لربّي، أي إنني لا أريد أن أنحني لأحد حتى لربّي”!

الغائب عن مذكرات جلُّود

تصمت المذكرات عن كثير من القضايا، إذ يتجاهل “جلُّود” تفاصيل مذبحة الطلاب في أبريل من عام 1976م، فقد نصب النظام الليبي المشانق في الساحات العامة والجامعات، وفي هذه الفترة كان “جلُّود” على رأس منصبه وجزءًا من النظام الليبي، وتخلو المذكرات كذلك من مراجعة تحالفات ليبيا والمال السياسي الذي دفعه نظام القذَّافي، فقد أيَّد “جلُّود” إمداد إيران بالأسلحة لضرب نظام صدام حسين وقصف بغداد، وأيَّد حركة جون جارانج في انفصال السودان وأمدَّها بالسلاح كذلك، وتصمت المذكرات عن تفاصيل تخص قضية طائرات لوكيربي.

وتبقى الشهادة مُهمَّة من شخص كانت له أدوار مباشرة في تاريخ المنطقة، وتستدعي هذه المذكرات كثيرًا من الجدل والسجال حول ما ورد فيها، وهذه طبيعة أي مذكرات تتسم بالأهمية، ومن الطريف ما يحكيه الرائد عبد السلام جلُّود في مذكراته عن حفل عرسه، فقد كان وكيل العروس هو القذَّافي، ووكيل العريس هواري بومدين، رئيس الجزائر، وحذره الرئيس الجزائري قائلًا: أي خلافات أسرية ستؤدي إلى توتر بين ليبيا والجزائر!

يقول الأستاذ صقر أبو فخر عن المذكرات: “لم أقرأ منذ زمن غير قصير مذكرات فيها هذا القدر من الخروق، وهي مذكرات لم ينصرف صاحبها قبل صَوْغها إلى التأمل في تجربته لعله يقبس شيئًا من الحكمة المتأخرة والتبصُّر في مآلات تجربته بالذات. ويلوح لي أن عبد السلام جلُّود ما برح ملازمًا في الجيش الليبي، على ما كان عليه في سنة 1969م، وما زال يصرخ هنا ويصيح هناك، لعل الدنيا تستجيب لصرخاته فتثور وتنتفض. وفي الواقع، فإن الليبيين انتفضوا، لكن ليس مثلما يريد عبد السلام جلُّود على الإطلاق”.. وفي مقالة صقر تتبُّعٌ دقيق لقصص “جلُّود” والأخطاء التي وقع فيها في تسجيل رواية حياته.

تبدو مشكلات السِّيَر الذاتية التي تخص السياسي العربي متجسِّدةً في تجربة عبد السلام جلُّود؛ من حجم الأنا المتضخم، وأوهام الدور الكبير، وعدم مراجعة مصائب ومغامرات دولة الخيمة، والتدخل السياسي السافر في الدول العربية، ودفع المال السياسي حول العالم، وعدم الانتباه إلى تنمية ليبيا أو التفكير في المواطن الليبي، ولا يبدو أي ندمٍ لدى “جلُّود” على أي تجربة سياسية مرَّ بها.

***

محمد عبدالعزيز ـ باحث مصري مهتم في مجال السير الذاتية والمذكرات

______________________

مواد ذات علاقة