بقلم جمال التاغرميني

في خضم هذه الاحداث العصيبة التي تمرعلي ليبيا والتي كشفت عن معادن الكثير! وناس تغيرت وقلوب تلونت وقناعات انقلبت واقنعه سقطت والكل يجري ولايدري ويجمع في حقائبه ويريد الفرار ويقول نفسي نفسي لو كان طريق نجاتها علي حساب وحقوق الضعفاء وارواح الاخرين.

وفي ظل هذه المتناقضات لم اجد ((اسقاط )) يصلح لمفهوم المبدأ والثبات علي الحق والايمان والاخلاص في العمل والاجتهاد ولو عكس التيار و هرب الجميع وترك لوحده !! وبدون حسابات مسبقة ولو كان الجزاء التحطيم علي كائن مادي كـ ( السيمافرو ) هو فقط، في ليبيا، من يشتغل ويعمل بضمير !!

بالرغم من مظهره المتواضع وآثار المرحلة التي تركت بصمتها عليه وتثير الشفقة !! يقف بشموخ !! ولم يتاجر بمبادئه ولم يسرق من وقت دوامه ولم يغير من قناعاته أو تهزه الاحداث . وبقي الوحيد ومقارنة حتي بزملائه والذي لم يجامل أو ينافق ومهما قست عليه الظروف أو تغير من حوله المحيط أو تغير عليه الحاكم والمسيطر.

سواء ليبيا كانت تحت حكم الطليان او الانكليز والامريكان أو تحت حكم سيدي ادريس او في ظل الزعيم القذافي او تحت قهر قادة ورعب المليشيات !! فطالما به الروح ( الكهرباء) ويستطيع الوقوف منتصبا لن يتواني عن العمل ليلا أو نهار تحت الحر المطر والريح أو تحت القصف والرصاص ويشير بكل ثقة لمن أمامه في الطريق وباللون الاحمر الذي يكرهه الكثيرون ولا يحبونه الا في الملاهي الليلية وعلي اجساد النساء وبدون مجاملة وبلّغه الامر قف مكانك” !!

والان جاء دورك في إعطاء حق المرور لغيرك ولا يهتم لمن يقف أمامه دوتشي كان أو ملك ، زعيم كان أو وزير قائد مليشيا أو شيخ دين ولحمه مسموم ويهب في صكوك الجنة، من الثوار كان أم الازلام من أتباع الفجر أو الكرامة، من مصراته كان أم من الزنتان، من الشرق كان أو من الغرب أو الجنوب !! فهذه التفاصيل والتقسيمات والجهويات لاتعنيه !! يشير للآخر بكل أدب وباللون الاخضر رمز الجنة والربيع وبدون أن يدقق في خلفيته !! الآن دورك فتفضل بالعبور !!

ومن كل ذلك لا يريد لا جزاء ولا شكورا أو أن تمجده الصحف أو يخلّد اسمه في كتب التاريخ او يُمنيّ نفسه بأن تسر عيونه الملونة بحور العين اذا استشهد ضحية لقناعاته (سوي الرضي بتطبيق العدل وخدمة الاخرين.

فالتاريخ علمنا والتجربه جعلتنا نشاهد أن كثير من الانفس والقناعات ولغة الخطاب والمواقف تتغير مع الايام ومع ظروف الوقت ومع قوة المهمين ، فالبشر تنقلب قلوبهم وتتبدل أرائهم !! 

فكم من مناضلين ومثقفين وسياسين واعلاميين دندنوا علي الفضيلة والاخلاص والتضحية وتركوها أو أقلموها مع هوى من بيده السلاح والمال و الصولاجان ويدفع أكثر !!

وكم من قضاة قضوا وحكموا وطوعوا العدل بمزاج المرحلة !!

وكم من شيوخ جعلوا من الدّين و الفتوي علي مقاس من يدفع.

والوسائل انساقت لرغبات من أوجدوها ولو كانت علي الباطل.

فالتلفزيون مثلا و الراديو والنت والاتصالات والصحف تتغير وتدندن وتتكلم وتغني وتطبل وترقص مع هوى المسيطر، والسيارة و الطائرة وحتى الدراجة تنساق وتذهب وتقف وتلف وتدور برغبته !!

والبندقيه والمدفع والدبابة والصاروخ تقذف حممها ونيرانها حسب قناعته .

وحتي الكلاب نباحها على القوي والغني كغير نباحها على الضعيف والمعدم.

الا (السيمافرو) الذي جعل من كل ذلكم المتلونين وطالما مرّوا من دربه يقفون ويمرّون حسب قانونه الثابت !! ومن ثقته بالحق فرض عليهم التحدي !! وجعلهم باختلاف مشاربهم وطبقاتهم يقيسون في تحضرهم بمدي التزامهم باحترامه !! او يكشفون عن نفاقهم ووجهم الخبيث وهمجيتهم وسرقتهم عندما يقلّلون من قدره ويتجاوزون تعليماته .

وما أحوجنا نحن الليبيين في هذه المرحلة أن يكون لنا (سيمافرو) داخل أنفسنا نقيس قناعاتنا عليه ونشعل اضوائه بالحق وبدون حسابات لانقاذ هذا الوطن !!
***

جمال التاغرميني ـ كاتب ليبي
ملاحظه ،،السيمافرو كلمة عامية ليبية مشتقة من الايطالية وتعني (الاشارة الضوئية) (Traffic Light)

______________

رأي اليوم

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *