مركز دراسة الإسلام والديمقراطية

نظّم مركز دراسة الإسلام و الديمقراطيّة مأدبة غذاء على شرف السيّد على العريّض، رئيس الحكومة التونسيّة السابق، وذلك يوم الخميس 22 سبتمبر 2016 في نزل المايفلاور في العاصمة الأمريكيّة واشنطن، حضره حوالي 120 باحثين و مفكّرين و سياسيّين أمريكيّين من إتّجاهات و منظمّات و مراكز مختلفة،

و ألقى خلالها السيّد على العرّيض كلمة بعنوان ترسيخ أوّل ديمقراطيّة في العالم العربي: لماذا يعتبر نجاح تونس مهمّا ، و هذا نصّ المداخلة و تسجيل مصوّر للمداخلة و فقرة الأسئلة و الأجوبة، التي تلتها.

لقد قام التونسيون كما تعلمون بالثورة لإسقاط النظام بعد ان يئسوا من اصلاح النظام والآن مضت خمس سنوات ونصف على الثورة التونسية والحكومات المتوالية تواجه التحديات نفسها ثلاثة 1) بناء الديمقراطية و 2) حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية و 3) ضبط الأمن والاستقرار.

تمكّنا بعد خمس سنوات ونصف أن نضع الاطار السياسي السليم أي ان نوجد الدستور والقوانين والمؤسسات الشرعية ومازلنا نتقدم في الطريق الديمقراطي كما امكننا أيضا ان نشن حربا على الإرهاب ويمكن القول أن تونس تسيطر كليا على الإرهاب بين سجين وملاحق  لكن تظلّ كبقية الدول عرضة لعمليات إرهابيةأمّا في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وهو التحدي الأكبر بالنسبة للتونسيين، فقد قمنا بعدّة إصلاحات سواء إصلاحات مالية او بنكية، و في مجلة الاستثمار، والجباية و التنمية الجهوية،  ولكن النتائج الاقتصادية لحد الآن ضعيفة في تونس.

النتائج الاقتصادية ضعيفة بسبب الانتقال السياسي الذي اخذ وقت طويل و بسبب الإرهاب الذي ضرب تونس وضرب ليبيا بعمليات بالتالي ضربت السياحة ونفرت او قللت من الاستثمار في تونس و بسبب أيضا الانفلات والفوضى الذي يأتي دائمًا بعد الثورات و بسبب أيضا الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة التي مازالت جزء منها على قائمة الحكومة و التي لم نستطع القيام بها وهو موجود في جدول أعمال هذه الحكومة.

تواجهنا اليوم في تونس مطالب حقيقة و ملحّة من الشعب بفاءاته المختلفة تتعلق بتجهيز المستشفيات ودعمها بالاطار الطبي وبالاقسام المختصة خاصة في الجهات الداخلية، تجهيز وصيانة المؤساسات التعليمية الابتدائية والثانوية والجامعات وتمكينها من موارد بشرية واطارات بشرية كافية للتعليم، و مدّ طرقات لفك العزلة على جهات داخلية وادخالها في الدورة الاقتصادية. تواجهنا ايضا صعوبات المطالبة بالربط بالماء الصالح للشرب وبالكهرباء بالنسبة لبعض الجهات المحرومة. كل هذه المطالب ملحة عند الشعب: التعليم الصحة الطرقات والمرافق الحياء من ماء وكهرباء وغيرها من المسائل ومشكلة حكوماتنا هو انها هذه المطالب ملحة وتحتاج الى اعتمادات مالية كبيرة ولكن امكانيات البلاد من حيث الميزانية ومن حيث نسبة النمو التي هي الآن في حدود 1,5% لا تكفي لتلبية هذه المطالب.

سأعطيكم مثال على ميزانية الدولة لسنة 2016 هذه الميزانية هي في حدود 14 مليار دولار نفقات التصرف فيها أي الاجور ومستلزمات التسيير وسائر انواع الدعم والتدخل كلها تأخذ 9 مليار دولار اي 64 % من ميزانية الدولة بينما النفقات المخصصة للتنمية هي في حدود 2,5 مليار دولار اي 19 % من الميزانية و2,4 % الباقية او 17 %الباقية من الميزانية هي لتغطية الدين أصلا وفائدة هذه الميزانية حوالي 3 مليار دولار منها اي 23% هي قروض اما داخل البلد او من الخارج و وبصفة عامة من الخارج لان مواردنا الذاتية الجبائية وغيرها لا تكفي للميزانية تغطي تقريبا 76 % من الميزانية فقط.

في هذه الوضعية التي تكون فيها الموارد لا تكفي للطلبات الملحة من تشغيل وغيرها مما ذكرت ويكون فيها فئات كبيرة من الشعب لا يمكنها الانتظار فيكون الدولة منهج عملها كالتالي أولا زيادة على حماية الديمقراطية والامن فتواصل الاصلاحات الاقتصادية وانعاش الاقتصاد لانه بدون نمو لا يمكن ان نتحدث على معالجة هذه القضايا الاجتماعية وثانيا محاولة حل المشاكل الملحة مع الشعب باعتمادات مالية لتلبية جزء من تلك المطالب وبالحوار والاقناع لتأجيل جملة من تلك المطالب ريثما يتحرك الاقتصاد ويولد ما يساعدنا لمعالجتنا.

لذلك فان تونس في هذه المرحلة الصعبة التي فيها تتقدم بالانتقال الديمقراطي وتتقدم في ضبط الامن ومكافحة الارهاب بالجهة كلها هي في أمس الحاجة الى الدعم: الدعم السياسي والدعم الاقتصادي بتشجيع التجارة مع تونس بتشجيع السياحة مع تونس بالمشاركة في مؤتمر الاستثمار الذي ستنظمه تونس في 29 نوفمبر القادم من أجل جمع وتشجيع الاستثمار في تونس وايجاد التمويلات لتمويل الكثير من الاصلاحات والمشاريع.

تونس تحتاج للدعم المالي حتى تحافظ على توازنها المالي وحتى لا تكثر عندها المديونية وقد بلغت الان أكثر من 60% من الناتج المحلي الاجمالي وهو رقم نعتبره كبير جدا وتحتاج أيضا الى دعم لانه في دعم هذه الديمقراطية الناشئة في الحقيقة هو دعم للاستقرار في المنطقة ودعم لفرص تعاون واستثمار بعد ذلك بعد ان نتجاوز هذه المشكلات فالاستثمار او دعم تونس هو في الحقيقة نوع من الاستثمار للمستقبل والاستثمار في جعل المنطقة والعالم افضل.

اذا لخصت في جمل قليلة ثم احيل لحضراتكم الكلمة فان تونس حققت جزء مهما من اهداف الثورة المتمثل في الديمقراطية والتحدي الان الذي نواجهها هو ضرورة تحقيق اهداف الثورة في الارتقاء بحياة المواطنين من شغل وظروف عيش افضل وطرقات ومستشفيات وتعليم افضل وطبعا اصلاحات كبرى بما في ذلك مقاومة الفساد، بنوعيه الصغير والكبير، وهذا هو التحدي الاكبر الذي تواجهه تونس ولنا امل كبير في أنه بجهودنا وجهود اصدقائنا سنتمكن و أيضًا بفضل الدعم الذي نجده لتونس نتمكن من تجاوز هذا التحدي التنموي او الاقتصادي الاجتماعي.

***

تذكير بأكبر عوائق الديمقراطية في تونس

أشار الصحفي أبراهام تيودور في تعليق نشر على موقع المجلة الألمانية دير شبيغلإلى استفحال آفة الفساد في مرحلة التحول الديمقراطي التونسي بشكل مهول على مختلف المستويات، متسائلا في هذا الخصوص، إن كانت ستنجح الحكومة التونسية في حربها على هذه الآفة، لاسيما وأن تدفق الاستثمارات ودوران عجلة المؤسسات المتضررة مرتبطان بالقضاء عليها؟

وقال أبراهام تيودور في تعليقه الصادر بتاريخ 02 أكتوبر الجاري إلى أن آفة الفساد في تونس تنتشر بشكل مهول عقب الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، لدرجة أن رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد اعتبر مكافحة الفساد أصعب من مكافحة الإرهاب“.

ونقل عن الشاهد قوله في كلمته خلال المؤتمر العربي الوزاري الخامس للشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد أوائل سبتمبر2016 إن الحرب على الفساد والحرب على الإرهاب.. وجهان لآفة واحدة، ويبدو أن هذه الآفة كانت منتشرة قبل الثورة بشكل رأسي على ارتباط مباشر برأس النظام، أي بن علي وعائلته والمقربين منه، واستشرت بعدها بشكل أفقي كالنار في الهشيم في مختلف القطاعات الخاصة منها والعامة، على حد تعبير عبد اللطيف الحناشي، أستاذ التاريخ السياسي الراهن في الجامعة التونسية.

ويرى الحناشي في حواره مع المجلة الألمانية أن هناك علاقة جدلية بين الإرهاب والفساد، لأن كلاهما يعمل خارج القانون، ومن مصلحتهما إضعاف الدولة من خلال وسائل مختلفة كالرشوة وتهريب السلع والخدمات والتهرب من الوفاء بالالتزامات الضريبية والجمركية والمالية الأخرى“.

أما رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب فيقدر قيمة اقتصاد الفساد والاقتصاد الموازي غير الرسمي في تونس بحوالي 22 مليار دولار يورو، أي أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي التونسي في الوقت الحاضر، بعدما كانت أقل من الثلث قبل الثورة.

وبين أن للوهلة الأولى يبدو استشراء الفساد غريباً على تونس، لاسيما وأنها تعد قدوة في مجال الانتقال الديمقراطي على مستوى المنطقة العربية، كما لم تشهد الدولة التونسية فوضى وانهيارات في أجهزتها الأمنية والقضائية، على غرار ما حصل في دول عربية أخرى مثل ليبيا واليمن.

وفي هذا الخصوص يقول الحناشي: “ليست المشكلة في القوانين واستمرار عمل الأجهزة المعنية، بل في غياب الإرادة السياسية الحاسمة لتفكيك منظومة الفساد حتى الساعة، موضحاً بأن تغلغل الفاسدين وأعوانهم في أجهزة الدولة السياسية والأمنية والاقتصادية ووصولهم إلى مناصب قيادية يعرقل هذه الإرادة، لأن محاربة الفساد والرشوة يتضارب ومصالحهم“.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف يمكن لحكومة الشاهد أن تنجح في محاربة الفساد، في ظل وصول بارونات الفساد إلى مراكز اتخاذ القرار على أعلى المستويات؟ وسبق لهذه الحكومة أن وضعت مكافحة الفساد والرشوة كأحد خمس أولويات أساسية في برنامج عملها، وهي كسب المعركة ضد الإرهاب والحرب على الفساد، ودفع نسق النمو والحفاظ على التوازنات المالية ومعالجة ملف النظافة والبيئة.

ورغم أن المعطيات على أرض الواقع لا تقدم صورة وردية، يبقى الخبير الحناشي متفائلا، ويرى أن هناك فرصة كبيرة أمام الحكومة لإطلاق معركتها ضد الفساد، بالتوازي مع حربها ضد الإرهاب، حيث يعود السبب الرئيسي في ذلك برأيه إلى أن محاربة الفساد بتونس في الوقت الحالي لم تعد مطلباً وطنياً فقط، بل ودولياً كذلك أكثر من أي وقت مضى.

ويطالب صندوق النقد الدولي والدول المانحة، الحكومة التونسية باتخاذ خطوات سريعة لتقويض دعائمه دون تسويف أو تأخير، وفي ما عدا ذلك، لن تحصل تونس على الاستثمارات والقروض والمساعدات الضرورية لإنعاش اقتصادها، الذي أصيب بضربة قاسية لأسباب متعددة بينها الهجمات الإرهابية التي ضربت السياحة، حسب تقدير الحناشي.

وتبدو الحكومة التونسية بالفعل تحت ضغط الوقت، لأنها تأمل بالحصول على الأموال المطلوبة خلال المؤتمر الدولي للاستثمار في تونس تونس 2020″، وقد عبر ممثلو 70 دولة عن نيتهم المشاركة في أعماله يومي 29 و 30 نوفمبر القادم.

ويبرز من بين أهداف المؤتمر إتاحة الموارد اللازمة لتنفيذ مشاريع كبيرة في البنية التحتية والطاقات البديلة وإقناع المستثمرين الأجانب بوجود مناخ استثماري مناسب في تونس، ومن المؤكد أن الحكومة لن تنجح خلال شهر أو شهرين في مكافحة آفة الفساد والرشوة، التي رسخت أقدامها في جسم الاقتصاد والدولة على مدى عقود طويلة، غير أن تفعيل دور الرقابة وصدور الأحكام القضائية بالسرعة المطلوبة ضد الفاسدين ومصالحهم، قد ينجح في دفع الممولين إلى تقديم ولو جزء من الأموال المطلوبة لعودة عجلة الاقتصاد المعطلة، ولو بشكل تدريجي خلال السنوات القليلة القادمة.

وفي هذا السياق، تشير المعطيات المتوفرة إلى تبليغ كثيف عن حالات فساد ورشوة على مختلف المستويات، بدعم من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي تقوم بحملات متواصلة للتبليغ عن الفساد والمرتشين، وقد وفرت لهذا الغرض خطاً هاتفياً مجانياً أطلقت عليه الخط الأخضرللقيام بعملية التبليغ هذه من قبل المهتمين بمحاربة الفساد من مواطنين وغيرهم، غير أن عمليات التبليغ هذه، وعلى الرغم من أهميتها، لا تردع الفاسدين دون صدور الأحكام القضائية التي تحاسبهم على فعلتهم، وعلى ضوء ذلك، يجري حاليا وضع آليات للمراقبة والمساءلة السريعة أمام القضاء، حسب الخبير الحناشي، الذي يرى بأن تونس تحتاج أيضاً إلى آليات تحمي المتعاونين في الكشف عن الفساد، وتضمن سلامة رجال القضاء، والذين يحاربونه من شرور الفاسدين“.

وفي هذا السياق، تطالب منظمات وجهات عديدة على رأسها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بوضع إستراتيجية وطنية لمكافحته الفساد، تضم إلى جانب هذه الجهات الحكومة والسلطات التشريعية والقضائية والإعلامية وهيئات المجتمع المدني.

وهكذا، فإن أمام الحكومة التونسية الفتية تحديات جسام في مجال مكافحة الفساد، بعد خمسة أعوام على الثورة، فهل تنجح في مواجهتها، لاسيما وأنها حكومة وحدة وطنية تضم القوى السياسية الأكثر فعالية على الساحة التونسية؟.

________________

الكاتب: أبراهام تيودور (دير شبيغل)

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *