بقلم: عبدالسلام الرقيعي

قد يكون ثمة تشابه في حروف كل من اسم ليبيا وليبيريا، وبطبيعة الحال ان الدولتين تقعان في افريقيا، وربما يكون هناك تشابهاً ما بين البلدين في اشياء أخرى. غير ان ليبيا لم ولن تشبه ليبيريا ولن تكون مثلها بأي حال من الأحوال في شأن آخر يحاول ان يسقطه سياسيون على ليبيا.

ليبيريا التي أنشأت لتكون مكاناً يُهجر اليه الاميركيين من اصل افريقي

ليبيريا التي شُرع في تأسيسها كدولة سنة 1822، ومن ثُم اعلنت استقلالها عام1847 ، اراد لها منشؤوها ان تكون مكاناً يُهجر اليه الاميركيين من اصل افريقي، بعد ان سادت مبادئ تحريم الاتجار بالبشر ومحاربة الرق واستهجان الميز العنصري، وكان “الكونغرس” الاميركي قد اصدر قانوناً عام 1807 بمنع استيراد العبيد، وفي هذه الاثناء كان الرئيس “مونورو” هو الذي يرأس الادارة الاميركية، وكان الرئيس “مونورو” صاحب المبدأ الشهير في علم السياسة والقانون الدولي ((مبدأ مونورو)) وهو المبدأ الذي تأسيساً عليه تم اعتبار اميركا الجنوبية حديقة خلفية للولايات المتحدة محظور على الآخرين المساس بها، كما ان الرئيس “مونورو” كان ايضاً قد تبنى فكرة انشاء دولة ليبيريا وجعلها مكاناً يُهجر اليه (زنوج اميركا) في محاولة للتخلص منهم، والزج بهم في ذلك البلد الافريقي في محاولة لإقناعهم بأنه بلد اجدادهم وعليهم ان ينقلوا ما عرفوه من مبادئ حضارية الى تلك الاراضي، ولهذا سميت عاصمة ليبيريا “منيروفيا” على الرئيس “مونورو”.

هذه حقيقة انشاء هذه الدولة، التي لا ينبغي لأحدٍ كائن من يكون ان يُسقط هذه الصفة الموسومة بها على ليبيا اطلاقاً.

الآن وبعد ان سلخت البشرية من الزمن قرنين منذ ان اسست ليبيريا، يخرج علينا علناً وجهاراً نهاراً، رئيس وزراء المجر بخطوة سحرية تجاه حل مشكلة المهاجرين غير الشرعيين، الذين تتمزق ايديهم وارجلهم وهم يحاولون تسلق اسواراً من الاسلاك الشائكة طوقت بها المجر حدودها في وجه اولئك المهاجرين.

لم يندَ وجه رئيس وزراء المجر وهو يدعو الى انشاء مدينة على سواحل ليبيا تكون مأوى للمهاجرين الأفارقة القاصدين اوروبا، كما انها تكون ايضاً مكاناً يعاد اليه المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يتم قبولهم في اوروبا، او اولئك الذين يتبين انهم ذوي سلوك اجرامي، او الذين لديهم ميول دينية متطرفة. رئيس وزراء المجر هذا يرى ان الامن القومي الاوروبي يتجاوز البحر المتوسط الى الشطوط الجنوبية لذلك البحر، فلا ينبغي ان يعبر البحر المتوسط الا من قدم اوراقه في مدينة المهاجرين ومن ثم احيلت الى اوروبا وتمت الموافقة على قبوله وتم تعيين البلد الاوروبي الذي ينبغي على المهاجر ان يتوجه اليه. ومن وراء رئيس وزراء المجر، يتطاول السيد “كوبلر” مبعوث هيئة الامم المتحدة الى ليبيا، الذي يجهل او يتجاهل حدود الاختصاص للمَهَمَة المُكلف بها، فهو لم ينفك يوماً من حشر انفه في شؤون سيادية ليبية وكأنه مسكون بنزعات “نازية” مقيتة تتغذى على اوهام جينات سمو العرق الآري على سائر الأعراق. يتجرأ هذا الكوبلر ليقول في بيان امام مجلس حقوق الانسان ان على ليبيا ان تُلغي قانون تحريم الهجرة غير الشرعية.

ورُغم الناطق الصحفي باسم الامم المتحدة استدراكاً لما قال “كوبلر” ادلى بتصريح يصحح فيه اقوال “كوبلر”، غير ان ذلك التصريح لا يجدي امام تصرفات وتصريحات “كوبلر” التي جاءت تترا بشكل يدلل على نوايا سيئة لا يمكن تجاوزها.

ان الليبيين لن يكونوا يوماً بمثابة خفر سواحل لأوروبا، وليبيا لن تكون مستودع للمهجرين يُصدر من توافق اوروبا على قبوله، ولن تكون سجناً يُرحل اليه المهاجرين غير المقبولين في أوروبا.

اننا نأسف بعمق لعودة الاتجار بالبشر، والعودة الى مفاهيم الرق، وتغليفها بتسميات من طراز ((الهجرة غير الشرعية))، انها عودة مبطنة الى المفاهيم التي حرمتها البشرية في القرن التاسع عشر.

المؤسف ان الهجرة غير الشرعية ماهي الا اداة من ادوات الضغط على اوروبا من الجنوب، تضمنتها استراتيجية الدولة الاعظم التي انشأت ليبيريا ذات يوم. حوار طفل أسود مع امه:

لماذا نحن سود الوجوه يا أماه؟

حزناً على اخوانك البيض يا ابناه.

والى متى نظل سود الوجوه يا أماه؟

حتى تَسْوَدْ وجوه اخوانك البيض حزناً علينا يا ابناه.

عود على بدء، ففي شأن تصريحات رئيس وزراء المجر، وبيان “كوبلر” امام مجلس حقوق الانسان، فإن وزارة الخارجية الليبية لم تستدعِ سفيرنا لدى بودابست للتشاور، ولم تطلب السفير المجري لدى ليبيا الى اجتماع عاجل بديوان وزارة الخارجية للاحتجاج عما جاء على لسان رئيس حكومة المجر، ومطالبة الحكومة المجرية بالاعتذار العاجل، كما انها لم ترفع مذكرة احتجاج الى الامين العام للأمم المتحدة، ولم يُستدعَ مدير مكتب الامم المتحدة في ليبيا لإبلاغه استياء مجلس النواب من تصرفات “كوبلر”.

ومع النظر بعين الاعتبار لبياني الاحتجاج الصادرين عن مجلس النواب وعن وزارة الخارجية، غير ان الموضوع في تقديرنا يحتاج الى اجراءات أكثر بكثير من بيان احتجاجي تنشره مواقع التواصل الاجتماعي، اقل تلك الاجراءات التي ينبغي اتخاذها في هذا الشأن هي ما ذكر في الفقرة السابقة.

((هزلت حتى سامها كل مفلس))
ـــــــــــــــــ
عين ليبيا

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *