أجرى الحوار عبدالحميد قطب

أكد الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، المستشار السياسي السابق للرئيس السوداني، أن عملية تقسيم المنطقة من جديد بدأت منذ انفصال جنوب السودان، وأن هناك دولا عربية مستهدفة بالتقسيم مثل سوريا واليمن وليبيا.

وأعتبر العتباني في حواره مع الشرقأن القوى الإسلامية ما زالت قادرة على قيادة المشهد وإحداث نهضة في المنطقة، وأنه يختلف مع الادعاء بالقول أن الإسلام ينحسر في المنطقة، لأنه كعاملبحسب ما يقول، لا يزال قويا، وله تأثير في المجتمعات العربية.

كما اعتبر العتباني أن نظرتنا للغرب ككتلة واحدة نظرة خاطئة، فهو مختلف ما بين الحكومات والشعوب والمؤسسات، وأن الذي يحدد كيفية تعاملنا مع الغرب هو تعاطي الغرب معنا.

ونفى أن تكون الولايات المتحدة تفكر في الانسحاب من المنطقة قائلا، إن انسحابها يعد اعترافاً صريحاً بضعفها أمام القطب الروسي، وهذا غير منطقي، وليس مقبولا أبدا بالنسبة للأمريكيين، خاصة أن أمريكا هي أفضل حالا بكثير من روسيا.

وتوقع العتباني أن يفوز المرشح الأمريكي دونالد ترامب بنسبة 51% نظرا .لسياسته الاقتصادية التي يتبناها الكثير من الأمريكيين

وإلى نص الحوار

تعج المنطقة العربية بالكثير من الاضطرابات خاصة بعد الربيع العربي ومقابلته بالثورات المضادة.. هل الربيع السبب في الاضطرابات أم كان بالنسبة للمنطقة طوق نجاة لا غنى عنه؟

بكل تأكيد، الربيع العربي بريء من هذا أو ذاك، وما يحدث الآن هو تطور طبيعي ومنطقي للفشل الذي كان كامناً، سواء في الأنظمة العربية، أو في المنظومة الفكرية العربية، وقد أتيح لـ الربيع العربيأن يعبر عن نفسه فيما بعد، لأنه كان موجوداً في أحشاء البيئة التي كانت قائمة.

والأنظمة العربية من جهتها استجابت بشكل سلبي لهذا الحدث. فبدلاً من اقتناص الفرصة، ومواجهة التدخلات الغربية التي تستغل بعض الشعاراتالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لجأت إلى قمع الثورات، و هو ما أحدث ردّات فعل نرى أثرها الآنظنا منهم أنها لا تهدد استقرارها فحسب، وإنما تهدد وجودها.

الغرب كان يطالب الأنظمة بتوفير الحريات وصيانة حقوق الإنسان.. لكن عندما ثارت الشعوب انحاز بشكل فاضح للأنظمة.. أليس هذا موقفا متناقضا؟

من ضمن مشكلاتنا في تعاملنا مع الغرب كفكرة، تصورنا أنه شيء واحد، وهذا غير صحيح، فسلوك الحكومات الغربية مختلف عن سلوك المجتمع والناشطين، فالشعوب الغربية ربما تتعاطف مع الشعوب العربية، لكن حكوماتها تتعامل ببراجماتيةإزاء الأنظمة العربية، ولا تثير كلمة الحقوق أو الديمقراطية، إلا في بعض الأحيان التي تُخدم على مصالحها.

فكيفية تعاملنا مع الغرب تَحدد تعاطي الغرب معنا، وأنا مبدئيا ضد أن أعادي شخصا أو جهة لمجرد أنه يأتي من منطقة معينة، فالغرب ليس بالضرورة كله مؤامرة، وعداء لنا، لأننا لابد أن تكون لدينا القدرة على التمييز، كحركات سياسية وسياسيين، بين ما هو صالح في الغرب، وقابل للجدل بيننا وبينهم، وبين ما هو في الحقيقة انعكاس لاستغلالية وانتهازية مجتمعاتنا وأنظمتنا.

هل ترى هناك اتجاهًا غربيًا لتقسيم المنطقة؟

التقسيم بدأ رسميا من السودان، ثم كردستان في العراق، والصومال أيضا، وكذلك سوريا، لكن الذي يمنع الغرب من الإسراع في التنفيذ وتحديدا في سوريا والعراق هو وجود منافس جديد، ألا وهو روسيا ، التي تقف أمام مشروع التقسيم، لكن بكل تأكيد فإن معطيات التقسيم موجودة، وإذا اتفق الروس والأمريكان، فبالتأكيد ستتقسم المنطقة، العراق ستتقسم وسوريا وقد ينسحب الأمر على اليمن التي إلى الآن لم تنمح الخطوط الفاصلة بين الشماليين والجنوبيين، ومع الأسف ستتقسم أيضا ليبيا، التي يهدفون لعودتها إلى ثلاثة أقاليم.

دكتور غازي ما مستقبل الحركات الإسلامية في المنطقة؟

ربما أختلف مع الكثير في هذا الأمر، فإحساسي بأنّ القوى الإسلامية، والإسلام كعامللا يزال قويا، وله تأثير في المجتمعات العربية، ولستُ أميل للقول بأن هذه الظاهرة منحسرة، فحتى الآن وبرغم الضغوط القوية لم تنحسر، ولا تزال الحركات الإسلامية هي القوة الرئيسية في المجتمعات العربية.

ونحن على مشارف انتخابات رئاسية أمريكية.. ما تقييمك لفترة أوباما وهل ستتغير السياسة الأمريكية مع قدوم رئيس جديد؟

لقد بدأ أوباما بخطاب راق وهادئ، موجه للمنطقة تحديدا، لكن فترته الرئاسية لم تشهد أي شيء إيجابي من هذا الخطاب.

فبرغم أن أوباما لم يكن أيديولوجيا، ولم يتميز خطابه بمثل ما تميز به الرؤساء السابقون، مثل النقد والكراهية للغير، لكنه مع ذلك لم ينتج على مستوى الخطاب أي مكتسبات بعد، أو إنجازات بالنسبة للعرب والمسلمين.

فأسوأ شيء أن يحكم أمريكا شخص أيديولوجي، يعيد توظيف النظام الأمريكي بأيدلوجيته لموقف معين، ويدخلها في صراع مع قوى أخرى مثل الإسلاميين، أو أي جهة أخرى في العالم العربي.

وشخصيا أتوقع أن تتغير السياسة الأمريكية إذا جاء ترامب، والذي أتوقع نجاحه بنسبة 51%، نظرا لسياسته الاقتصادية التي يتبناها الكثير من الأمريكيين.

لكن هناك مؤشرات على انسحاب الولايات المتحدة عسكريا وسياسيا من المنطقة لصالح روسيا؟

هذا أمر مستحيل، فانسحاب أمريكا من المنطقة يعني اعترافاً صريحاً بضعفها أمام القطب الروسي، وهذا غير منطقي، وليس مقبولا أبدا بالنسبة للأمريكيين، خاصة أن أمريكا هي أفضل حالا بكثير من روسيا، لكن قد تبدو روسيا تشكل خصما مزعجا بالنسبة لأمريكا، سواء في الإقليم أو على الصعيد الدولي، باعتبارها تملك حق الفيتو وتملك وسائل أخرى، وفي المقابل فإن الولايات المتحدة تلقى قبولا ورواجا في المنطقة، ولديها مصالح هائلة لا يمكن الاستغناء عنها، وخاصة فيما يتعلق بالنفط، الذي إلى الآن لم تستغن عنه، ولا يمكن أن تتخلى عنه، وبالتالي أعتقد أنها لا تفكر مطلقا في الانسحاب من المنطقة.

لكنها تركت روسيا تتصرف كما تشاء في سوريا وإيران كذلك في العراق.. ألا يعدُّ هذا تخلياً عن دورها الأساسي في المنطقة؟

هذا يأتي في إطار المساومات، بين الدول العظمي، فلا ننسى أن هناك أزمة قائمة بين الروس والغرب في أوكرانيا، وهو ما يجعلني أؤكد أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تنسحب نهائيا من المنطقة، قد تساوم على بعض الملفات، لكن لا تنسحب نهائيا، إلا بحدث كوني رهيب.

فالولايات المتحدة لا يمكن أن تتجاهل القطب الروسي، باعتباره يملك قوة نووية، ويملك أدوات دولية مشابهة لما تملكه الولايات المتحدة، كما أن لديه قواعد عسكرية وحلفاء في المنطقة، ومن ثم لا يمكن أن تتجاهله أمريكا، ولا يمكن أيضا أن تسلم له المنطقة.

بخصوص الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة هل تعتقد أن إيران ربحت بالاتفاق النووي الذي وقعته أم الغرب؟

أعتقد أنها إيران، والشواهد واضحة على ذلك، فقد استغلت إيران الوضع في المنطقة، وبدأت في تقديم نفسها كحليف للغرب، إلى أن اقتنع الغرب بها، وأعتبرها حليفا ولو جزئيًا في المنطقة.

ولا شك أن التحولات في المنطقة، أعطت للإيرانيين دفعة قوية للحصول على أفضل الشروط في الاتفاق، بعد أن ظلوا 9 سنوات يديرون المفاوضات بعناية فائقة، حتى وصلوا إلى هذا الاتفاق، وفي النهاية أصبح لديهم برنامج نووي يولد لهم الطاقة، حتى ولو كان سلميًا، علاوة على التطبيع مع الغرب، ورفع الحظر عن أموالهم.

_______________

بوابة الشرق الإلكترونية

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *