TOPSHOT - Libyan Muslim worshippers gather on Martyrs' Square in the capital Tripoli to perform Eid al-Fitr prayers on July 6, 2016. Muslims worldwide celebrate Eid al-Fitr marking the end of the fasting month of Ramadan. / AFP PHOTO / MAHMUD TURKIAMAHMUD TURKIA/AFP/Getty Images

د. ابراهيم قويدر

إن الانشغال ببناء المجتمعات الراقية والمتطورة يعد من أهم الركائز التي اهتمت بها جميع الأمم والشعوب، وإن من أعظم مباني إعمار الأرض، بناء الأفراد في المجتمعات وتنظيم العلاقات الأساسية فيما بينهم، وبناء الروابط التي ترسخ طريق التفاهم من أجل الحفاظ على شبكة العلاقات الإنسانية في المجتمع.

وبعد حدوث النكبات بصفة عامة، والحروب بصفة خاصة وما يصاحبها من ارتدادات تؤثر في البناء الاجتماعي وتنخر في عمق النسيج سلكت البشرية طرقًا متعددة لإعادة بناء مجتمعاتها.

وقد عرفت المجتمعات البشرية ظاهرة التعددية الدينية والمذهبية واللغوية والإثنية، حيث لم تعد هناك مجتمعات خالصة تضم أهل دين معين، أو مذهب معين، أو عرق معين أو لغة معينة، وتحولت التعددية إلى قيمة أساسية في المجتمعات المتنوعة، بشريا ودينيا وثقافيا، فأصبحت التعددية في ذاتها لا تعني سوى ظاهرة اجتماعية، ويتوقف الأمر  بشكل أساسي علي إدارة التعددية.

إن هناك إدارة سلمية، تحفظ للجماعات المتنوعة التي تعيش مع بعضهامساحة للتعبير عن تنوعها في أجواء من الاحترام المتبادل، وهناك تعددية سلبية تقوم على اعتبار التنوع مصدر ضعفوليس مصدر غناء، ما يستدعي نفي الآخر المختلف، لصالح الجماعات الأكبر عددًا، أو الأكثر سلطة، أو الأوسع ثراء ونفوذًا، وهو ما يؤدي بدوره إلى حروب أثنية، ومذهبية، ودينية، ويخلف وراءه قتلى وجرحى وخراب اقتصادي، والأكثر خطورة ذاكرة تاريخية تتناقلها الأجيال محملة بمشاعر الحقد، وذكريات الكراهية، والرغبة في الانتقام.

ولقد جاء الإسلام ليتمم كل فضيلة لبناء الإنسان ومجتمعه بمنهج متوازن، وقد أمرنا الله تعالى في  كتابه بأن نعتبر من مسيرة الأمم والشعوب وأن نلتمس منها جميعًا ما يفيدنا في المحافظة على مجتمعاتنا الإسلامية والارتقاء بها.

ومن هذا المنطلق جاء اجتهادنا هذا لنحاول فيه تقديم رؤية لعناصر تنفيذية تحقق لنا السلم الاجتماعي داخل وطننا ليبيا ومجتمعنا الزاخر بالقيم والأعراف الاجتماعية الحاثة على الصلح والتسامح، محاولين بقدر الإمكان الاستفادة من تجارب الغير–  أمريكا، جنوب أفريقيا، النيبال، الجزائر، لبنان.. وغيرهادون المساس بطبيعتنا وأصولنا وأنماطنا الاجتماعية الوطنية والظروف الخاصة بنزعاتنا الداخلية. السـلم الاجتماعي:

التعريف:

يُعد السلم في مقدمة القيم الإنسانية الرفيعة، وهناك العديد من الأقوال المتواترة في هذا الخصوص، التي شاعت في أعمال الفلاسفة والباحثين والشعراء والأدباء، وجميعها تمجد السلام، وتجعل منه قيمة أساسية ومحورية في الحياة، ومثله مثل غيره من المفاهيم، يحتاج السلم إلى تعريف محدد، وهو في تصوري يختلف من مكان إلى آخر في التفاصيل، أما التعريف العام فيبقى واحدًا، بمعنى أن عناصر تنفيذ مفاهيم السلم الاجتماعي في جنوب أفريقيا تختلف عن لبنان والسودان، وحتما في ليبيا، حيث إن لنا خصوصيتنا، وبالتالي فسيتم التركيز على المفهوم التفصيلي الملائم لمجتمعنا الليبي.

وكلما زاد العنف والنزاع الداخلي في المجتمع، فإن ذلك حتما سيؤدي إلى إضعاف شبكة العلاقات القائمة بين فئات المجتمع وأطيافه، وهو ما يؤدي إلى تفكيك روابطه وتحويله إلى مجتمع يكرس التخلف ويعمل علي إضعاف جبهة الوطن الداخلية.

والبرهان القاطع يثبت أنه كلما تمكنّا من ترسيخ الانسجام والتعاون ودحر أو تجميد الخلافات بين أطياف المجتمعيقوى النسيج الاجتماعي وتزداد اللحمة الوطنية  بين الأفراد، وبالتالي يمكننا أن نعرف السلم الاجتماعي المنشود في هذه الورقة بأنه: “توافر سبل تجميد الخلافات والصرعات في المجتمع الليبي دون المساس بالحقوق وتجسيد الاستقرار والأمن الكافل لحقوق الأفراد والمساواة في التعامل طيلة فترة السلم الاجتماعي حتي بناء أركان ومؤسسات الدولة“.

إن أهم مقومات السلم الاجتماعيوالتي تعتبر عاملا أساسيا في تكوينههو وجود سلطة ونظام يتفق عليه الجميع ليتحمل هذا النظام إدارة شئون المجتمع لتعيش القوى المختلفة تحت سقف هيئة واحدة تلبي الحدود الوسطى أو الأدنى المتفق عليه بين الجميع، وإلا فسيكون البديل هو الاستمرار في الصراعات والفوضى بين الفئات المتقاتلة والمتناحرة سياسيًا وعسكريًا.

العدل والسلم الاجتماعي:

إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: من له الأولوية.. العدل بين الناس، أم تحقيق السلم الاجتماعي بينهم؟!

من خلال السلم الاجتماعي الوطني يمكن حفظ الأنفس، وصيانة الدماء، وإشاعة المحبة والوئام بين أفراد المجتمع على اختلاف عقائدهم وألوانهم وثقافاتهم ونظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لفترة زمنية محددة ليس فيها مساس بالحقوق بل تجميدها حتى ترسيخ السلم وتكوين الدولة. ويتحقق السلم الاجتماعي من خلال إعلاء صوت العقل، واحترام الاختلاف، وتعزيز العيش المشترك، والإقرار بالتنوع، الذي يضمن حريات الإنسان وحقوقه. وحين نفقد السلم الاجتماعي في المجتمع، نفقد الحقوق الأخرى.

وإذا كان البحث أو النضال من أجل العدل، يبرر القتل والعنف والخصومة والكراهية، والاحتراب الداخلي، والتهجير القسري والإفناء المتبادل، فإن البحث عن السلم الاجتماعي، والنضال من أجله، هو بحث عن حق الحياة للناس أجمعين، لأنه ليس هناك مبررات دينية أو إنسانية، تقدم أياً من الحقوق على حق الحياة وكرامة الإنسان، وحق السلم الاجتماعي هو الذي يحفظ الأنفس والأعراض والعقول والمعتقدات، ويحقق الوئام بين الناس.

إن قواعد فقه السلم الاجتماعي، قائمة على أساس أن «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، وهي قاعدة فقهية أصيلة في الشريعة الإسلامية، ومن هنا، تصبح مسألة إشاعة مفهوم السلم الاجتماعي بين الناس، مدخلاً ناجعاً للعيش المشترك، وتنمية التوافق والمشتركات، ولرفض الحيف والظلم.

فلنتأمل معنى السلم والسلام في صلواتنا وعباداتنا وسلوكنا، باعتبار أن السلام هو ميزان السعادة الإنسانية، وقد ذُكر السلام في القرآن الكريم إحدى وأربعين مرة، وذكرت كلمة الحربثلاث مرات فقط، أما كلمة السيف، فلم ترد في القرآن الكريم مطلقاً.

***

لا بد لنا في بداية الحديث عن الخطوات التنفذية للهدنة الاجتماعيه او السلم الاجتماعي الليبي أن نتطرق الي عملية توصيف الحالة الليبيه وفقا لما يلي:

توصيف الحالة الليبية:

من الأهمية بمكان ألا ندخل في تحليل وتوصيف الحالة الوطنية؛ لأن هذا يجرنا إلى الاختلاف من جديد، وبالتالي فإننا نكتفي بالقول إن الساحة الليبية بها مجموعة من الاختلافات التي أدت إلى الاقتتال بتشجيع ودعم داخلي وخارجي، وهدفنا الأساسي هو الوصول إلى سلم اجتماعي بين جميع هذه الأطراف مبنيّ على أسس واقعية مقبولة من الجميع، وذلك يتمثل في الآتي:

• الأساس الأولإن السلم الاجتماعي فور تنفيذه يلزم الجميع بعدم الاقتتال بين بعضهم البعض، ويؤجلون تناول موضوع الحقوق وإثباتها ونيلها إلى فترة بناء الدولة والسلطة القضائية وأن نرضى جميعا بما يصدره القضاء.

• الأساس الثانيفور البدء في تنفيذ السلم الاجتماعي يعلن عن مصالحة وطنية عامة تتعهد فيها جميع أطياف المجتمع الليبي وقياداته وقبائله وعشائره باحترامها والسعي على تنفيذها على أرض الواقع بجدية وحزم.

• الأساس الثالثوقف كل الادعاءات والاتهامات التي تكال من قبل الأطراف المتصارعة بين بعضها البعض والعمل علي خلق المناخ الملائم للتهدئة العامة الداعمة للسلم الاجتماعي.

• الأساس الرابعتشكيل مجلس الامن والسلم الاجتماعي وإصدار قانون بتنظيمه يتولى رعاية وحماية برنامج السلم الاجتماعي والوقوف ضد أي محاولة لخرقه او تجاوزه.

• الأساس الخامسالمؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية في الدولة تعلن دعمها الكامل للسلم الاجتماعي وتعدها بالمحافظة عليه والعمل على تنفيذه والالتزام بعناصره.

• الأساس السادس: التزام المجموعات المسلحة الأخرى غير المنظمة بما يوضع لها من حلول للاندماج في نظام الدولة بالطرق والوسائل والأساليب التي تقرها الجهات ذات العلاقة وفقًا لقواعد وثائق اتفاق السلم الاجتماعي.

• الأساس السابعالسلم الاجتماعي الوطني الليبي عمل اجتماعي وطني لا يمكن لمن يشرفون عليه أن يتعاملوا مع أي جهة غير وطنية، والتعامل مع المؤسسات الدولية والإقليمية يكون في حدود ما ينظمه القانون الدولي والإقليمي لهذه التنظيمات.

ومن خلال هذه الأسس ننتقل إلى الخطوات التنفيذية الهامة لتحقيق السلم الاجتماعي:

السلم الاجتماعي الوطني الليبي

يجدر بنا التأكيد على حقيقة مرجعية مهمة وهي: أن السلم يدل على السلام عمومًا، مما يقتضي توافر المظاهر الإيجابية، مثل الهدوء والاستقرار والامن ومن ثم غياب كل المظاهر السلبية مثل: العـنف، حيث عملت الشريعة الإسلامية على منع كل ما يؤدي إلى النزاع والخصومة، فجرمت إيذاء الآخرين بأي وسيلة أو صورة أو قدر، وحرمت على الانسان المكلف ظلم نفسه، كما أوجبت كثيرا مما يصلح أمر الفرد والجماعة، فحببت في التسامح والعفو، وشرّعت الصلح وقاية وعلاجا من الخصومة وأثارها، فرغبت الناس في الصلح والتسامح بالدعوة إلى كظم الغيظ وجعله من صفات المؤمنين، حيث قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، سورة آل عمران، الآية 133، 134. ولم يقف الإسلام عند حث الأفراد على ذلك فقط، بل حث الأمة كلها ودعاها إلى تحمل واجباتها وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، سورة آل عمران، الآية 104. ولا شك أن الصلح من أعظم أعمال المعروف والخير، كما أن النهي عن الخصومة من النهي عن المنكر.

الخطـوات التنفيـذيـة لتحقيق السـلم الاجتماعي الليبـي:

تأتي الخطوات التنفيذية لتحقيق السلم الاجتماعي من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير التي من شأنها تحقيق الأمن والاستقرار وإعادة الحقوق لأصحابها دون مغالاة أو انتقام، مع تحقيق مبدأ العفو العام، كما قلنا سلفا، وتتمثل تلك الخطوات في الآتي:

أولاً: السلاح وحامليه:

يتم التوصل إلى اتفاق حول أزمة انتشار السلاح بين المواطنين وفقا للقواعد التالية:

السلاح الثقيل بكافة أنواعه يكون حكرًا على الجيش وبعض الأجهزة الأمنية فقط.

إعادة تنظيم قواعد حمل السلاح لغير أفراد الجيش والأمن، ولا يتم حمل لسلاح إلا بترخيص ولأسبابٍ يتم تقنينها.

كل المقاتلين المنتسبين الآن لمجموعات مسلحة من غير الجيش والشرطة يصدر بشأنهم عفو عام، إلا فيما يخص حقوق الأفراد والمواطنين في حالات الاعتداءات الفردية، بمعنى أن الإعفاء خاص بالقتال في أرض المعارك والمواجهات المسلحة بين المتصارعين، وهذا يسري منذ فبراير 2011.

يحدد تنسيب حاملي السلاح من المجموعات المسلحة في الآتي:

أ) من تنطبق عليه شروط الانتساب للجيش أو الأجهزة الأمنية يتم قبوله وفقًا للمعايير العسكرية والأمنية.

ب) من يمكن إعادة تأهيله منهم وتحويله لعمل فني أو إداري، تتولي الوزارة المختصة ذلك.

جـ) الذين لا يمكن تأهيلهم ولا مجال في الاستفادة منهم إلا في أعمال عسكرية يتم دراسة إمكانية تنظيمهم في برامج لها علاقة بالحماية.

د) المجموعات المسلحة التي أصدرت ولائات معلنة لجهات خارجية وكونت أو بايعت أو اشتركت مع تنظيمات إرهابية في داخل الوطن يقترح بشأنهم ما يلي:

• أولاً/ الليبيونبعد إعلانهم بالرجوع علنًا عما هم فيه وتوبتهم وتسليمهم لسلاحهم ينظر في كل حالة حسب وضعها ويصدر بشأنها القرار اللازم.

• ثانيًا/ غير الليبيينبعد استسلامهم وتسليم سلاحهم ينظر في وضع كل فرد منهم، ويبقى الهدف تسليمهم لسلطات بلادهم أو تسفيرهم خارج ليبيا.

ثانيا: جبـــر الضرر:

يجب الاهتمام بتدابير جبر الضرر لتأخذ في الاعتبار انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية ليكون لها الأولوية، كما تشمل هذه التدابير أيضًا توفير إمكانية الحصول على الخدمات أو السلع التموينية، وكذلك خدمات الصحة والتعليم والإسكان بما يسمح للضحايا بالتمتع ببعض من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن المهم أن يصاحب عمل جبر الضرر الضمانات اللازمة لعدم تكرار الانتهاكات عند معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى النزاع في المقام الأول، لأن عدم وجود الضمانات الكافية لعدم تكرار مثل تلك الانتهاكات بطبيعة الحال يؤدي إلى الإقلال من تأثير برامج جبر الضرر والتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث يتقلص ذلك إلي حد كبير. ويتم إنشاء لجان متخصصة لجبر الضرر في كل منطقة مع التركيز على المناطق الأكثر ضررًا، ويمكن الاستفادة في ذلك من بعض التجارب في بعض الدول التي وضعت أو أنشأت صندوقا مركزيا له فروع في كل المناطق، والأيسر والأسرع لنا يكون: إنشاء الصندوق الاجتماعي الليبي لجبر الضرر والتعويضات، وتكون مهامه:

 جبر الضرر في الأفراد:

• المتوفونيتم جبر الضرر لأسر المتوفين جراء المعارك المختلفة وفقًا للمعايير المعروفة في المجتمع الليبي، على أن تتولي الدولة وضع التراتيب اللازمة لدفع المبالغ المالية.

• المصابون جراء الحروب المختلفةيتم تنظيم جهاز متخصص في رعاية المصابين جراء الحروب، وتنفذ بشأنهم المزايا المقررة في القوانين المنظمة لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.

– جبر الضرر في الممتلكات:

• السكنتدرس حالات السكن وتقدم الحلول وفقا لما يلي:

أ) حالات بالإمكان صيانتها لسكنها أو إعادة بنائه بإشرافهم، فهذه يتم تقدير التعويض اللازم لها.

ب) حالات مؤجِّرة ولا تستطيع القيام بذلك، يقدم لها جبر ضرر عاجل لدفع الإيجار وتحديد أعدادهم في كل منطقة، وتتولى الدولة بناء مساكن لهم.

جـ) الاحتياجات الخاصة الأخرى: تدرس كل حالة حسب حاجاتها التي أتلفت أو ضاعت بفعل الحرب وتمنح التعويض اللازم لها.

ثالثا: إعادة النظر في الخطاب الاجتماعي

والمقصود بالخطاب الاجتماعي هنا: ما يتم تناوله في وسائل الإعلام المختلفة وفي وسائل الاتصال الاجتماعي والندوات والمهرجانات الخطابية والمؤتمرات والاجتماعات، والتي تشمل الخطاب السياسي والديني والثقافي.

تطوير الخطاب الاجتماعي والسياسي:

إن المقصود بالخطاب الاجتماعي والسياسي هو: مجموع الأنماط والأدوات المستخدمة في صناعة الرأي العام أو صياغة المضمون الثقافي والاجتماعي للحركة الاجتماعية باعتباره أداة حيوية ذات تأثير مباشر على الإنسان الفرد والجماعة. وعلى هدي هذه الحقيقة نقول: إن استمرار الخطاب الاجتماعي والسياسي في التغذية المعكوسة لتلك التمايزات التاريخية والاجتماعية، يؤدي إلى أن يمارس هذا الخطاب دورًا تقسيميًّا في الوطن والمجتمع، بينما من الضروري أن يتطور هذا الخطاب ويتجه نحو صياغة منظومة قيمية ومفاهيمية جديدة تحترم التمايزات التاريخية دون الانغلاق فيها، وتؤسس لواقع اجتماعي جديد يستمد من القيم الإسلامية والإنسانية العليا منهجه وبرامجه المرحلية. ومن هنا فإننا نرى أن الكثير من التناقضات الاجتماعية كان للخطاب الاجتماعي والسياسي السائد الدور الكبير في تغذية هذا الشعور الذي يبلور كل عوامل التناقض الاجتماعي بشتى صوره وأشكاله، فالسلم المجتمعي لا يتحقق على قاعدة الحوار الاجتماعي فحسب، وإنما لابد من وجود مظلة اجتماعية سياسية تغذي وتكرس مفاهيم السلم المجتمعي والوحدة الوطنية.

ونعني بتطوير الخطاب الاجتماعي والسياسي:

إعادة صياغة مضمون الخطاب الاجتماعي والسياسي بما ينسجم وضرورات الوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي، وهذا يعني نبذ كل المقولات والعناوين التي تكرس واقع العداء والتقسيم في الوسط الاجتماعي. ويجب توسيع القاعدة الاجتماعية لهذا الخطاب، بحيث لا يكون معبرًا عن مصلحة فئة اجتماعية محدودة، وإنما من الضروري أن يعكس الخطاب واقع المصلحة الاجتماعية العامة، وهذا لا يتأتى إلا بتوسيع القاعدة الاجتماعية، وتوفير كل مستلزمات ومقتضيات مجتمعية الخطاب الاجتماعي والسياسي، والتي تتمثل في:

• إلغاء كل الحواجز المصطنعة، التي تحول دون تفاعل الوسط الاجتماعي العام مع مضمون الخطاب السياسي والاجتماعي.

• تشجيع ورعاية كل القواسم المشتركة، التي تدفع باتجاه تمتين الوحدة الوطنية، وإنهاء كل أسباب القطيعة الاجتماعية.

وعن طريق هذه المفردات نحقق مفهوم تطوير الخطاب السياسي والاجتماعي، وبهذا التطوير الذي يلحظ ما هو اجتماعي وما هو سياسي، ينجز مفهوم السلم المجتمعي وتتحول كل التمايزات التاريخية والاجتماعية إلى عوامل بناء وإثراء للتجربة الوطنية بأسرها.

يتبع

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *