بقلم محمد الأمين
تابعتُ خلال اليومين الماضيين بعض الدعوات إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا، تزامنت معها بعض الاستفتاءاتالتي نظمتها وسائل إعلام ليبية.

وعلى الرغم من أن حسن النيّةيقتضي منا التعاطي مع مثل هذه الأفكار بحيادية وعفوية، باعتبار أنها من ضمن الاجتهادات التي تدور بخلد ليبيّين يهمهم شأن بلدهم، ويستشعرون شدّة المأزق الذي يعيشه شعبهم.. بالإضافة إلى أن حُمى الانتخابات الأمريكية والفرنسية كذلك، قد تكون حرّكت في طائفة من الليبيين الحنين والشوق لكثير من الأمل أن يجنوا أخيرا ثمار ما قد بشّرهم به أصدقاؤهم الأطلسيون من ديمقراطية وحرية.. وسوّلت لهم أنفسهم الأمّارة بالمقارنة غير العادلةأنه يمكن لشعوب كشعوبنا، في بلدان كبلداننا أن تحلم وهي المحرومة من النّوم أصلا فضلا عن الحلم !!؟؟

قُلتُ أنه رغم هذا كلّه.. فإنّني لا أرى ضررا في أن نشغّل فينا مَلَكَةَ النقد وموهبةالشكّ الفطري، والـخنس الليبي الأصيلالذي نتقنه كما لا يتقنُهُ أي شعب، عساناَ نفهم خلفيات هذه الدعوة.. خصوصا وأن الشأن الليبي المتغيّر كلّ يوم يغني عن تشغيل الدّماغ، ويكفي، لكي تفهَمَ، أن تنتظرَ.. فالصّبر مفتاحٌ رئيسي من مفاتيح إدراك ملابسات الوضع ببلدنا.. والمتابعة من خارج المشهد، تتيح لك مجالا فسيحاً وزاوية رؤية وملاحظة لا يتمتّع بها غيرك من المنغمسين في المطبخ أو الغارقين فيه..

ولأن الداعي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا كالداعي إلى إقامة مراسم حفل زفاف في بيت عزاء، فإنه لا بدّ من التّساؤل عن فرص نجاح مثل هذا الأمر.

لنتحدّث عن الأمر بتجرّد، وسوف نصل إلى النوايا من طرحه فيما بعدُ

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كغيرها من عمليات الاقتراع الشعبي تقتضي ولا شك جملة من الشروط والظروف لضمان نجاحها، أوجزها في الآتي، على سبيل الذكر لا الحصر:
حدّ أدنى من الاستقرار الأمني،
في حال هشاشة الوضع الأمني والسياسي، مشاركة دولية أو إقليمية في تأمين الانتخابات،
رعاية ومراقبة من المجتمع الدولي،
سلطة قضائية فعّالة وذات مصداقية،
تشكيل هيئة عليا مستقلة لتنظيم الانتخابات، تكون منتخبة من قبل البرلمان الحالي، أو معيّنة من قبل المحكمة العليا،
عملية تسجيل واسعة وغير إقصائية لكافة المواطنين الليبيين الراشدين بالداخل والخارج، أكانوا مهجّرين أو نازحين.. التسجيل ينبغي ألاّ يستثني أحداً حتى أولئك الذين لا يمتلكون وثائق هوية أو جوازات سفر، حيث من الضروري أن يتمتعوا بإجراءات استثنائية كإحضار شهود إلى المقر القنصلي أو الدبلوماسي للإفادة بالهوية وتوثيقها، على سبيل المثال،
إشراك ممثلين عن المهجرين والنازحين في عملية الحصر والتسجيل السابقة لإصدار بطاقات النّاخبين،
مشاركة ومراقبة من المجتمع المدني بالداخل والخارج،
تأمين مكاتب الاقتراع،
حماية المقترعين، وضمان سلامتهم أثناء عمليات التصويت وبعدها،
ضمان تمثيل مختلف الأطراف المشاركة في مراقبة المكاتب،
ضمان وحماية صناديق الاقتراع بعد الانتهاء من التصويت، وتأمين نقلها إلى مقرّات الفرز،
شفافية الفرز،
ضمان عدم تدخّل أي طرف مسلّح أو ميليشيوي والتصدي لأي تحريض طوال العملية الانتخابية وأثناء إعلان النتائج..
وكثير من الظروف الأخرى حسب الاستطاعة، وحسب استعدادات المشاركين والراعين للعملية..

هذا بمنتهى البراءة، وحسن النّية بعض ما قد تقتضيه عملية انتخابية في ليبيا في مثل هذا الظرف..

في ما يتعلق بالدعوة..

الحقيقة أن هنالك أسبابا كثيرة تجعل البعض يصدر مثل هذه الدعوات أولها انقضاء العمر الافتراضي لكافة الأجسام المتنازعة للشرعية والمشكّلة للمشهد الراهن، والذي هو مأساوي، وفاشل، ومحبط، ولا يبشّر بأية حلول قريبة أو محتملة.. وحينئذ يكون البحث عن الحلول من قبل مكونات سياسية أو فعاليات ليبية أمرا إيجابيا.. لكن شريطة أن لا تكون المقترحات مثل قفزات بهلوانية في الهواء.. أو بالوناتَ اختبارٍ للآخرين.. أو استغباءًللآخرين أو استهانةً بذكائهم وفَهْمِهِمْ.

من يدعُون إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية اليوم في ليبيا اليوم لا يقولون شيئا عن مشاركة المهجّرين بها.. بمعنى أنهُم راضِين تمامَ الرضى عن نسبة المشاركة المسجلة عامي 2012 و2014 أكان من حيث الكمّ أو الكَيف أو الظروف أو المناخ الإقصائي والتمييزي وظروف العزل وكل ما شاب تلك الانتخابات إن صحّت تسميتُها بهذا الاسم من عيوب أدّت إلى ما تلاها من مآسي وكوارث امتدّ مفعولها إلى اليوم..

إن الذين يدعُون إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية اليوم في ليبيا اليوم، وحسب منطقهم وتحليلهم، وأسلوب تعاطيهم مع المشاكل الراهنة، لا يبحثون عن حلول دائمة وجذريّة لمأساة ليبيا.. ما يهمّهم بالدرجة الأولى هو الوصول إلى أنصاف حلول تؤمّنُ لهُم تواجداً فعاّلا على المشهد، وابتداع صيغ يسهل الانقلاب عليها ونقض أية اتفاقيات بخصوصها.. يبحثون عن ديمقراطية محدودة بشروط مخفّفةتجدّد شرعيّتهمالوهمية، والتي أصبحوا يعتقدون بتواضع غريبأنها قد انحسرت قليلاليس إلا !!

بينما الحقيقة التي يفرّون منها وينكرونها أكثر مرارة من ذلك.. وهي أنه لا شرعية لهم.. لأن من يتنكّر لقواعد لُعبةٍ أسّسها بنفسه وفرضها على غيره، يفقد اهليّته وموقعه وجدارته بالمشاركة فيها من الأساس.. وهذا ينطبق على لعبة الديمقراطية، إذ لا يستقيم أن تفرض شروط انتخابات فاشلة مرّتين متتاليتين وتتنكر للنتائج وتُدخل البلد في حرب ضروس، وتهوي بها إلى القاع في كلّ شيء.. ثم تقترح من وراء الستار إعادة نفس اللعبة.. وبدون تغيير القواعد والشروط..

لا أريد أن أقول لك منذ الآن أن الدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية اليوم في ليبيا اليوم هي دعوة بالوكالة أطلقها طرف معيّنٌ في فضاء المشهد لغرض جسّ النّبض، وانصرف ليمارس الضغط من جانب آخر!!

سوف تعلم هوية الطرف المعنيّ.. لكن عليك أن تعلم أن من أطلق الفكرة قد انطلق إلى طرح بديل آخر أسوأ منها وهو كالآتي:
تشكيل مجلس نواب جديد في حال رفض المجلس الحالي تضمين الإتفاق السياسي بالإعلان الدستوري“..

قد لا تعني قراءة الجملة شيئا بمعزل عن سياقها، لكن ما يلفت النظر فيها، وهي منقولة عن تصريح لرئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان، هو حكاية تشكيل مجلس نواب جديد“!! وهذا هو مربط الفرس والبديل الذي يقترحه صوّان في حال عدم الاتفاق على تنظيم انتخابات على المقاس!!

ما تعنيه الجملة، وما تهدّد به، جريمة في حقّ الليبيين كافة.. ومصادرة لحقّهم في اختيار من يمثلهم.. فعدم القبول بانتخابات كما يريدها صوّان وجماعته يمنحه بالضرورة الحقّ في تشكيلمجلس نواب جديد!!.. ومع من سوف يشكّله؟ ومن سيحمي هذه العملية؟ وهل يتمتع الرجل بالقوة التي تضمن له فعل ذلك؟
لا أحد يجهل الحقيقة والواقع..

الجميع يعلم أن ذلك سيتم إما بترتيبات وصفقات مع برلمان طبرق ليتقاسموا كعكة البلد مع مجلس السويحلي، أو بالكولسة مع مجلس السراج والمؤتمر وجماعة مالطا حتى يفرضوا أمرا واقعا غصبا عن الليبيين.. وفي كل الأحوال يستعيد الإخوان زمام المبادرة، ويعودون إلى الساحة كعنصر استقطاب جديد..

وسواء تم فرض الانتخابات التمييزية الإقصائية أو فرض تشكيل مجلس نواب معيّن وغير ديمقراطي فإن الخاسر الوحيد هو الشعب الليبي، وخصوصا ملايين النازحين والمهجرين.. 

أن هؤلاء النخب الفبرايرية الفاسدة لا يريدون إلا تجديد أوراق اعتمادهم وتمديد بقائهم في المشهد بأي شكل وبأية صفقة أو صيغة .. ولا يحفلون بأمر الجياع والبؤساء والمشردين .. ففي هذه الحالة وتلك سوف تظل أسباب الصراع والاضطراب والتباغض قائمة ..

وسيستمر الشقاق أعواما وعقودا أخرى لأنه لن تكون هنالك دولة طالما كان هنالك إقصاء وظلم وتمييز..لا شكّ أنك قد أدركتَ الآن حقيقة الدعوة المشبوهة، والنوايا الماكرة لاستنساخ انتخابات 2012 و2014 بكل عيوبها.. وفهِمتَ دواعي التلويح / التهديدي بتشكيل مجلس نواب جديد خارج الإرادة الشعبية.. مثلما أدركت إجرام هؤلاء وخبث مقصدهم إزاء الليبيين، وشدّة أنانيّتهم..

سننتظر كي نفهم أكثر..

وللحديث بقية..
___________

إيوان ليبيا

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *