أم تريد، قبل كل شيء، دفن ابنها. سجين أصبح التعذيب له طقساً روتينياً. أحد الناجين شاهد الحكومة تقتل أصدقائه وتلفق ظروف وفاتهم > شارك ضحايا الاستبداد في تونس قصصهم علنا في 17 نوفمبر تشرين الثاني في لحظة تاريخية للبلد.

ضحايا تونس يصنعون التاريخ في الليلة الأولى

عقدت هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في البلاد منذ عام 1955 التي ارتكبت في ظل الديكتاتورية أولى جلساتها العامة في تونس، حاشدة الضحايا للإدلاء بشهاداتهم حول تجربتهم تحت ظل الديكتاتورية. مثلت جلسات الاستماع فرصة جوهرية للبلد لمواجهة الماضي المؤلم. منذ إنشائها في عام 2014، تلقت الهيئة أكثر من 62000 ملفاً واستمعت إلى شهادات من حوالي 11000 شخص.

تابع الآلاف من المشاهدين والمستمعين الجلسة على شاشة التلفزيون الوطني والإذاعة، وانضم إليهم جمهور في جميع أنحاء العالم من خلال البث الرقمي باللغة الإنجليزية والعربية والفرنسية. بدأت رئيسة الهيئة سهام بن سدرين المساء بمخاطبة الجمهور، مناشدة إياهم الاستماع إلى قصص الضحايا والالتزام بالعدالة نيابة عنهم.

أكدت سهام بن سدرين: “لن تقبل تونس بعد اليوم انتهاكات حقوق الإنسان، ولن تسمح بالإفلات من العقاب وهذا شرط تحقيق مصالحة وطنية حقيقية.” مكملة: ” فضحايا الاستبداد لهم كامل الحق في العدل والإنصاف. هذه رسالة تونس اليوم إلى العالم بأسره.”

بعد كلمة افتتاح سهام بن سدرين، أخذ الضحايا الميكروفون. تم تقسيم الجلسة إلى قسمين: النساء اللاتي فقدن أحباءهن خلال الديكتاتورية أو الثورة والناجين من التعذيب.

كانت لطيفة المكناسي بين النساء اللواتي تحدثن. قُتل زوجها في عام 1991، لكنها لم تعلم عن مقتله حتى عام 2011. على مدى سنوات كانت تحضر ملابس له إلى مركز الشرطة حيث اعتقدت أن زوجها محتجز هناك، إلا أن الشرطة لم تبلغها عن مصيره.

وتحدثت نساء أخريات عن أبنائهن المفقودين، وعن أنهن لم يرن الرفات حتى الآن. يردن، أكثر من أي شيء آخر، مراسم دفن وحداد لائقين. كما أشرن أيضا إلى غضبهن على نظام العدالة ورؤية الجناة طلقاء.

قالت فاطمة أم أنيس الفرحاني : ” أعرف قاتل ابني. أعرفه شخصيا و أعلم مكان عمله. ولكن المحكمة لم تفعل أي شيء لنا.”

بعد أن أنهت النساء شهاداتهن تحدث اثنين من ضحايا التعذيب عن تجاربهم. أوضح سامي إبراهيم كيف تم استخدام التعذيب لانتزاع اعترافات كاذبة تحت الدكتاتورية.

قال سامي براهم: “كل ما حدث في أبو غريب والسجون في جميع أنحاء العالم ربما حدث في تونس“.

وأضاف سامي أنه مستعد أن يغفر لمعذبيه، ولكن الصفح يجب أن يكون مصحوباً بتفسير للسبب الذي تعرض من أجله للتعذيب. الهدف بالنسبة له هو تسليط الضوء على هذه الفترة من تاريخ تونس: “أريد أن يكتب هذا في التاريخ، هذه الفترة المظلمة، لا أريد أن يحدث هذا لابنة أو ابن أحد من التوانسة

اختتمت الجلسة بشهادة من جلبار نقاش، وهو ناشط بارز في المعارضة اليسارية اعتقل عدة مرات في ظل الدكتاتورية، والذي تحدث عن اعتياد التعذيب فترة الاحتجاز.

أنهى نقاش شهادته شارحا لماذا اختار أن يتحدث هذه الليلة. معبرا عن الأصوات التي تحدثت هذا المساء وعن الثورة التونسية نفسها، بقوله : “الحقيقة، أيا كان ما نفعله، ثورة.”

ضحايا تونس يشهدون على التعذيب في اليوم الثاني

ترددت كثيراً قبل إعطاء هذه الشهادة. ولكن بعد الكثير من النقاش قررتُ أن أدلي بشهادتي. التاريخ لا يجب أن يُكتب في القصور“.

هكذا افتتح بشير العبيدي شهادته في اليوم الثاني من جلسات الاستماع العلنية لهيئة الحقيقة والكرامة التونسية، حيث واصل التونسيون كتابة تاريخ البلد من وجهة نظر الضحايا. هذا اليوم الأخير للجلسات الأولى للشهادة ركزت على التعذيب التي ارتكبها النظام الدكتاتوري، مع ثمانية ضحايا شاركوا قصصهم حتى ساعة مبكرة من الصباح.

بدأ بشير العبيدي الجلسة بمناقشة التعذيب الذي خضع له هو وابنه. وكان بشير عامل منجمي ونقابي في قفصة، وهي منطقة هُمشت بشكل منتظم من قبل نظام بن علي. عندما أثار هذا التهميش الاحتجاج في عام 2008 ألقت قوات الأمن القبض على بشير لنشاطه.

أثناء احتجازه، أصرت الشرطة على أن بشير تآمر على إضرام النار في مركز للشرطة المحلية. لم يكن ذلك صحيحا، ورفض بشير الاعتراف. سعى الضباط لإجبار ابنه ليشهد ضده. وعندما رفض ابنه مظفر بدأ الضباط في تعذيبه على مسمع من والده.

وقالت زوجة بشير العبيدي ليلى، التي أدلت بشهادتها إلى جانب زوجها، أن هذا النوع من الاستهداف كان مقصوداً. قائلة: “هدفهم هو إهانتك، كسرك من خلال أطفالك، من خلال أغلى ما لديك.”

نجى بشير وابنه بحياتهم، ولكن بقية الضحايا شاركوا قصص أحبائهم الذين لقوا حتفهم في الحجز بعد تعرضهم للتعذيب. وأوضحوا أن الدولة تُغطي بصورة منهجية هذه الجرائم من خلال عمليات تشريح زائفة وإخفاء الجروح.
قال رضا البركاتي الذي قُتل أخيه نبيل: “نظام العدالة أسوأ من الشرطة لأنهم كانوا يتسترون عليهم. لقد كانت غوغاء.”

كانت جروح نبيل واضحة: الوحشية التي تركت آثارها على وجهه تطارد رضا إلى اليوم. وأشار التشريح الأولى إلى التعذيب كسبب للوفاة، ولكن الدولة أمرت بتشريح ثان يهدف إلى تقويض الحكم الأولي.

هذا النمط اختطاف وتعذيب وقتل وتستر تكرر عدة مرات على مدار اليوم. روت والدة فيصل بركات، وكذلك أخوه، كيف تم أخذ فيصل إلى الحجز في مركز الشرطة وتعذيبه وقتله. فيصل توفي أيضا متأثرا بجراح بشعة حاولت الدولة إنكارها.

قال جمال بركات: ” كان مغطى بالدم. كان ينزف من أعضائه التناسلية من شرجه. كان من الصعب التعرف عليه. كدمات في كل مكان.”

وعلى الرغم من الأدلة، كان التشريح الذي وفرته الدولة مزوراً لأجل تبرئة النظام من اللوم.

أخبر قاسم شماخي، الذي تعرض أخيه رشيد للتعذيب حتى الموت تحت ديكتاتورية بن علي، الهيئة كيف أصرت الدولة على التكفل والإشراف على مراسم دفن رشيد قبل أن تسلم الجثة إلى الأسرة. وكيف حاولت الدولة طمس آثار التعذيب بوضع مساحيق.

شهدت بسمة البلعي تعذيب فيصل بركات ورشيد شماهي على حد سواء وأكدت رواية الأسرتين، كما روت أيضا التعذيب التي تعرضت له ومعاناة عائلتها على يد الدولة.

كانت شهادات اليوم صدى لكلمات سامي براهم بالأمس، الذي شهد على قتل أصدقائه من قبل الدولة، التي ألقيت جثثهم في الشوارع وسجلتهم رسميا كضحايا لحوادث مرورية.

فيض من الأدلة بنت قضية متماسكة للطبيعة المنهجية لديكتاتورية زين العابدين بن علي ليس في التعذيب فحسب ولكن أيضا في التستر من قبل
الأجهزة المختلفة للنظام على التعذيب.

وخلصت جلسة اليوم مع شهادة من حمادي غرس، الذين شهد على الانتهاكات التي ارتكبها نظام بورقيبة الذي سبق بن عليوالجيش الفرنسي الاستعماري. وناقش، ضمن نقاط أخرى، كيف استهدفت حكومة بورقيبة الصحفيين. وقال أن شهادته هي لأجل إنصاف الذاكرة القومية وإزاحة الغش عن تاريخها وإنارة الرأي العام وخاصة من الأجيال الجديدة.”

وأنهت شهادات اليوم هذه المجموعة من جلسات الاستماع العلنية لهيئة الحقيقة والكرامة. يأمل الضحايا أن اليومين الماضيين سيمثلان نقطة تحول في تاريخ البلد.

كما قالت بسمة البلعي:” لا نزال مظلومين،في إشارة إلى الطريق الطويل الذي يتوجب على تونس المضي فيه لتحقيق قدر من العدالة للضحايا. ولكنها أضافت لاحقاً: “أنا لا أبكي اليوم، اليوم أود أن أشكر [هيئة الحقيقة والكرامة] التي نظمت هذا اليوم في تونس لأول مرة في التاريخ.”

______________

المركز الدولي للعدالة الانتقالية

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *