بقلم د. هشام بشير

يتجه المشهد السياسي في الدولة الليبية الهشة نحو مزيد من التعقيد والضبابية بعد التطورات السلبية الحاصلة مؤخراً على المستويين السياسي والأمني، فالأوضاع باتت مشتعلة في العاصمة طرابلس في ظل تفاقم الصراع والاقتتال الداخلي بين عدد من الفصائل والكتائب المسلحة ما أسفر عن سقوط العشرات.

من القتلى والجرحى، ولذا لم يكن غريباً أن يعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر عن تشاؤمه فيما يتعلق بمستقبل استقرار الأوضاع في الأراضي الليبية

تأتي التطورات السابقة قبل أن تتمكن قوات حكومة الوفاق من طرد تنظيم «داعش» من مدينة سرت، وفي الوقت الذي نجد فيه أن المشير خليفة حفتر بات يخطو بثبات نحو التموضع في الاتفاق السياسي المتمخض عن اجتماع مدينة الصخيرات المغربية أو أي اتفاق سياسي جديد ، بعد أن حصل على دعم روسي جديد بأن يكون جزءاً من أي عملية سياسية قادمة بعد زيارته الأخيرة الناجحة للدب الروسيالتي استغرقت نحو أسبوعوأجرى فيها مباحثات مثمرة مع كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع، ولم يكن الدعم الروسي لحفتر هو الدعم الوحيد الذي حصل عليه خلال الأيام القليلة المنصرمة، حيث اقترح علي القطراني، نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فرض الحكم العسكري على البلاد لمدة عام، معتبراً تلك المدة مرحلة انتقالية، تجرى في أعقابها انتخابات رئاسية، مؤكداً أن مسألة ترشح المشير خليفة حفتر للرئاسة بعد المرحلة الانتقالية تعد من الأمور المرهونة بإرادة الشعب ونتائج الاقتراع، معتبراً أن إزالة المجلس الرئاسي باتت مكفولة للجيش والشعب، مضيفاً أن لجنة الحوار لن تتنازل عن إلغاء المادة «8» واعتبار مجلس النواب قائداً أعلى للقوات المسلحة.

ورغم استمرار موجات الدعم للمشير حفتر سواء من الخارج أو الداخل الليبي نجد أن السفيرين البريطاني والألماني في ليبيا أعلنا دعمهما الواضح والصريح للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج على حساب مجلس النواب والجيش الليبي بقيادة حفتر، حيث أكدا خلال تصريحاتهما الأخيرة أن الاتفاق السياسي المبرم في مدينة الصخيرات المغربية يظل هو الأساس لأي تسوية سياسية قادمة في ليبيا، ورغم هذا التأييد البريطاني والألماني لما تمخض عنه اجتماع الصخيرات أواخر العام المنصرم، فإن الواقع يشيربما لا يدع مجالاً للشكأن الاتفاق السياسي يحتاج إلى مزيد من التوافق الوطني في الداخل الليبي، خاصة فيما يتعلق بالمادة الثامنة والمتعلقة بمسؤولية المجلس الرئاسي عن تعيين وزير الدفاع، حيث طالب رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، في أكثر من مناسبة بأن يتم تعيين وزير الدفاع من خلال مجلس النواب وليس المجلس الرئاسي كما نص الاتفاق السياسي، وربما تظل هذه المادة الثامنة من وجهة نظري العقبة الأبرز في إمكانية حصول المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني على ثقة البرلمان الليبي لاكتساب شرعية الداخل بعد أن نجح المجلس الرئاسي في الحصول على الدعم الخارجي المطلوب.

وبالإضافة إلى السابق فإن الدولة الليبية باتت تواجه مأزقاً سياسياً ودستورياً جديداً فما هي إلا أيام معدودة فقط وتنتهي صلاحية الاتفاق السياسي المبرم في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015 في مدينة الصخيرات المغربية الذي تمخض عنه تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني لمدة عام فقط، ومن ثم لم يكن غريباً أن يستبعد مارتن كوبلر إمكانية القدرة على التوصل إلى حل جذري لهذه الأزمة المستعصية خلال الفترة القادمة.

لكي يبدو أن زيارة كوبلر الأخيرة للقاهرة قد أعطته قبلة جديدة للحياة لتجميد المأزق الدستوري والقانوني، حيث أعلن المبعوث الأممي في حوار مع إحدى الصحف العربية أن مدة المجلس الرئاسي لن تنتهي خلال الشهر الجاري (ديسمبر/ كانون الأول 2016) لأن حساب السنة يبدأ بعد أن يعتمد مجلس النواب الاتفاق وليس قبل ذلك، مطالباً بضرورة أن يقوم مجلس النواب الليبي بمنح المجلس الرئاسي الثقة لحكومة الوفاق الوطني.

وبعيداً عن تصريحات كوبلر، فإن الواقع المأزوم في ليبيا يؤكد صعوبة البحث عن نقطة ضوء في النفق المظلم في ظل استمرار التناحر والخلافات بين فرقاء الداخل الليبي، وتغليب المصالح الشخصية والنعرات القبلية والانحيازات الإقليمية على حساب الوطن الذي أصبح استمرار وحدته وسلامة أراضيه على المحك خاصة مع استمرار التصريحات غير المسؤولة التي قد تؤدي إلى مزيد من الاشتعال في الأوضاع الداخلية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد قال الشيخ الصادق الغرياني المفتي السابق: «إن سفراء الدول الكبرى يجب أن ينفذوا تعهداتهم السابقة بشأن إبعاد قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر عن الترتيبات التي نص عليها الاتفاق السياسي»، مؤكداً أن دار الإفتاء الليبية اعترضت على أن تكون الترتيبات الأمنية في ليبيا تحت إشراف الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر هذا من جانب، ومن جانب آخر فرغم استمرار تردي الأوضاع في ليبيا فإن التصريحات والمؤشرات تكشف لنا أن الولايات المتحدة أصبحت أقل اهتماماً بالشأن الليبي، بينما نجد أن الدب الروسي بدأ متأهباً تماماً من أجل الانخراط في الملف الليبي ولو بشكل متدرج، فمن جانبه أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيريفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيطالي باولو جينتيلوني عقب قمة في روما لبحث الأوضاع في منطقة جنوب المتوسط، أنه لن يكون هناك تدخل عسكري في ليبيا، مشيراً إلى أن الأدوات الأنجع حاليا هي الدبلوماسية، قائلاً: «لا نبحث عن أي حلول بديلة ولا أعتقد أن أي دولة مستعدة في الوقت الحالي للتورط في أعمال عسكرية جديدة».

بينما على الجانب الآخر نجد أن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي أكدفي أعقاب محادثاته مع نظيره الإيطالي باولو جنتيلونيأن المشير خليفة حفتر يجب أن يصبح جزءاً من الاتفاق السياسي العام في ليبيا، مشيراً إلى أن روسيا أصرت أثناء إقرار مجلس الأمن الدولي للاتفاق السياسي في مدينة الصخيرات على أن يضم قرار المجلس بنداً ينص على ضرورة ألا يقتصر الحوار على الأطراف التي حضرت اجتماع مدينة الصخيرات بالمغرب في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول من العام المنصرم ، وإنما يشمل سائر القوى السياسية الليبية، بما فيها المشير خليفة حفتر.

وإجمالا فإن الحديث السابق يكشف أن الأزمة الليبية أصبحت مثل المرض العضال من الصعب أن يتم علاجه، خاصة في ظل استمرار فرقاء الداخل في المطالبة بحصد المزيد من المكاسب والمطامع الشخصية حتى لو على حساب الوطن الذي يئن من تكالب القوى الإقليمية على نهب خيراته، وتناحر القوى الداخلية على الفوز بقطعة من جسد الدولة الليبية المنهك بما قد يؤدي في النهاية إلى خسارة كل أبناء عمر المختار لوطنهم.

***

هشام بشير، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية (جامعة بني)

___________

الخليج

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *