بقلم المهدي ثابت

قبل انتهاء اجل الولاية القانونية لاتفاق الصخيرات يوم 17 ديسمبر 2016،لازال الغموض سيد الموقف في ليبيا التي تُحكم  بثلاث حكومات: حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج وحكومة الأزمة في البيضاء بقيادة عبد الله الثني وحكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس بقيادة خليفة الغويل، وبثلاثة أجسام تشريعية وهي:

البرلمان المنعقد في طبرق بالشرق الليبي بقيادة عقيلة صالح عيسى والمجلس الأعلى للدولة بقيادة عبد الرحمان السويحلي والمؤتمر الوطني العام بقيادة النوري بوسهمين،وبقيادات عسكرية مختلفة، من قوات الثوار وقوات الكرامة الموالية لخليفة حفتر وأخرى موالية لحكومة الوفاق وسط انباء عن بداية تشكيل نواة الجيش الليبي.

لازال الغموض والتعقيد يسربلان المشهد الليبي المتحرك والمتغير باستمرار بفعل عوامل داخلية وخارجية، و أصبح من الصعب الفصل بينها بما يعني ارتهان الواقع في البلاد إلى مجموعة من الأجندات الخارجية المتضاربة سواء في طبيعة المصلحة أو في في الرؤية للحل. وهذا التضارب والغموض تعكسه حقيقة الأوضاع في البلاد اليوم على المستويات السياسية والعسكرية و الاقتصادية و الاجتماعية.

تناقضات الملف السياسي:

لعل الجميع اليوم متفق أن اتفاق الصّخيرات يعيش  حالة موت سريري، ولم يبق في عمره القانوني سوى أياما معدودات، ذلك أن يوم 17 ديسمبر   2016 هو  آخر يوم في الولاية القانونية لحكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن الاتفاق الذي لم يدخل حيز التنفيذ لأنه لم ينل ثقة البرلمان المنعقد في طبرق، بما يعني العودة بالبلاد إلى المربع الأول أي إلى الوضع الذي كان قائما قبل 17 ديسمبر 2015. وهذا هو التحدي الكبير الذي سيواجه البلاد في الأيام القريبة القادمة، وهو ما سيجعل مختلف القوى في الداخل أمام صعوبات جمة في كيفية التعاطي مع المستجد الجديد. كما أن القوى الدولية التي أشرفت على صياغة الاتفاق والذي رأت فيه المخرج الوحيد للبلاد من أزمتها، ستجد نفسها أمام حرج كبير.  ذلك أنها راهنت على هذا الاتفاق بشكل كبير  وسوقت له دوليا وفرضت حكومة الوفاق طرفا وحيدا يحظى بالشرعية الدولية في الوقت الذي لم تف فيه هذه القوى بوعودها في دعم حكومة الوفاق في الداخل، وهو ما جعلها تفشل فشلا ذريعا في التصدي لأهم الاستحقاقات التي واجهتها.

وهذا العامل ساعد البرلمان في طبرق وحكومة عبد الله الثني الموالية له في عدم الاعتراف بالمجلس الرئاسي واعتبراه جسما مفروضا على الليبيين، رغم أن السبب الحقيقي لعدم الاعتراف بالاتفاق وبالمجلس الرئاسي يعود إلى المادة الثامنة من الاتفاق  التي تقصي ضمنيا الجنرال حفتر الرجل القوي في الشرق من المشهد السياسي. كما عجزت حكومة الوفاق في التصدي لقوات الكرامة التي سيطرت على الحقول النفطية مستعينة بمرتزقة أجانب أمام صمت دولي مريب .وهو ما جعل المؤتمر الوطني العام وحكومة الإنقاذ الوطني بقيادة خليفة الغويل يعودان إلى المشهد من جديد كرد فعل على ضعف حكومة الوفاق وعلى سلبية الموقف  الدولي تجاه تجاوزات حفتر. وبذلك تصبح البلاد تدار ب:

  • ثلاث حكومات وهي حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج وحكومة الأزمة في البيضاء بقيادة عبد الله الثني وحكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس بقيادة خليفة الغويل.

  • ثلاثة أجسام تشريعية وهي البرلمان المنعقد في طبرق بالشرق الليبي بقيادة عقيلة صالح عيسى والمجلس الأعلى للدولة بقيادة عبد الرحمان السويحلي والمؤتمر الوطني العام بقيادة النوري بوسهمين.

 المشكلة الكبرى، أن لكل حكومة ذراعا عسكريا، فبرلمان طبرق وحكومة الثني وراءها خليفة حفتر وعملية الكرامة. والمؤتمر الوطني وحكومة الغويل في طرابلس خلفهما قوة كبيرة من ثوار فبراير. وحكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة ربما هما الطرف الأضعف عسكريا رغم المساندة من بعض الألوية والكتائب  القوية. هذا الواقع يصاحبه حالة من الاحتقان الشعبي الشديد نتيجة ما آلت اليه أوضاع البلاد على كل الصعد، وحسم شبه تام في كامل الطبقة السياسية في وقت  عجزت فيه الامم المتحدة  ايضا عن الحل. إذ لم تستطع  جمع الليبيين حول مجموعة من المشتركات المراعية لتفاصيل المشهد ولموازين القوى على الأرض.

ذلك أن الدول الفاعلة، والتي تدير الملف من خلف يافطة الأمم المتحدة، متضاربة في مصالحها وفي تقييمها وفي طبيعة تدخلها.  وانعكس ذلك على الداخل وهو ما جعل بعض المراقبين يرون أن الصراع القائم في البلاد هو صراع خارجي بأدوات داخلية. لكن هذا لا ينفي وجود قوى وطنية تعمل من أجل تحقيق أهداف ثورة فبراير بعيدا عن كل تدخل خارجي إلا أنها ارتكبت أخطاء استراتيجية في مسارها جعلها تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في الوضع الذي وصلت إليه البلاد.

  التوازنات العسكرية في البلاد:

يمكن الحديث اليوم عن ثلاث تكتلات عسكرية كبرى لها غطاؤها السياسي الذي يوفر لها الدعم والمشروعية:

التكتل الأول:  هو قوات الثوار من مختلف المشارب الذين يمثلون تيار فبراير، وهم القوة الأولى في البلاد من حيث العدد والعدة. وولاؤهم بالأساس للمؤتمر الوطني العام وحكومة الإنقاذ الوطني، رغم إدراكهم أن هذين الجسمين قد استوفيا عهدتهما الدستورية وفقدا زخمهما الشعبي بفعل الفشل في إدارة البلاد عندما كانا يتصدران الحكم. القوات الموالية لفبراير مسيطرة تقريبا على كامل المنطقة الوسطى والمنطقة الغربية حيث الثقل الديمغرافي والاقتصادي  وتؤمُّن العاصمة طرابلس.

التكتل الثاني: هو قوات الكرامة التي يقودها خليفة حفتر وهي مسيطرة تقريبا على أغلب مناطق الشرق الليبي. هذه القوات تدين بالولاء للبرلمان المنعقد في طبرق وتتلقى الدعم المالي والعسكري من دولتَيْ مصر والإمارات بالتحديد ومن بعض القوى الغربية، وهو ما مكنها مؤخرا من السيطرة على الهلال النفطي.

التكتل الثالث: هي القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني وهي متمركزة بالأساس في العاصمة طرابلس ومصراته. وأغلب عناصر هذه القوة هم من ثوار فبراير. ومنهم من أعلن ولاءه مؤخرا للمؤتمر الوطني العام وحكومة الإنقاذ وهو ما قلص من حجم القوة الموالية لحكومة الوفاق. كما يمكن الحديث عن بعض القوى العسكرية الأخرى مثل جيش القبائل المنقسم بين الولاء لحفتر في الجنوب بقيادة محمد بنايل وبين من فك معه الارتباط في الغرب بقيادة اللواء عمر تنتوش.

وأهم مستجد في الملف العسكري في المدة الأخيرة، هو الإعلان عن تشكيل الجيش الليبي في المنطقة الغربية ويضم ضباطا وعسكريين محترفين من كل مناطق ليبيا. وقد تشكل هذا الجسم الموالي لثورة فبراير بعد إدراك الخطر الذي قد يمثله حفتر الذي له مطامع في حكم البلاد. ولاقى هذا الحدث قبولا كبيرا من الليبيين الذين يريدون القطع مع ظاهرة الميليشيات وبناء مؤسستي الجيش والشرطة. وقد فوّض أكثر من 400 ضابط من ذوي الرتب العالية أمر تسمية القائد العام للجيش إلى رئيس المجلس الرئاسي السيد فائز السراج في الاجتماع الذي عقد في العاصمة طرابلس، والذي أعلن فيه عن تأسيس الجيش الليبي وحضره أعضاء من المجلس الرئاسي ووزير الدفاع.

مناطق التوتر العسكري في البلاد:

لازال الشرق الليبي، وبالتحديد مدينتي بنغازي ودرنة، تشهدان معارك بين قوات الكرامة بقيادة الجنرال حفتر وبين مجلسي ثوار درنه وبنغازي.  ويحاول حفتر جاهدا السيطرة على هاتين المدينتين ليكون كامل إقليم برقة تحت سيطرته إلا أنه لم يفلح في ذلك بعد أكثر من سنتين من القتال رغم تفوقه النوعي في الأسلحة. ومؤخرا مدد نفوذه وسيطر على الهلال النفطي عصب الاقتصاد الليبي. ومثّل هذا الحدث تحولا كبيرا في موازين القوى الداخلية لصالح حفتر مما جعل قوى فبراير تعيد حساباتها وتوحد صفوفها لفرملة تمدد خليفة حفتر.

أما في سرت فإن قوات البنيان المرصوصوالمتشكلة أساسا من ثوار فبراير سواء من الموالين لحكومة الوفاق أو المعارضين لهاعلى وشك التحرير الكامل للمدينة من تنظيم الدولة الإسلامية. وهذه القوات ستجد نفسها أمام استحقاقات كبرى سواء في التصدي لأجندات الثورة المضادة أو في التأثير على المفاوضات السياسية.

إن قوى الثورة في ليبيا تواجه تحدييْن :

  • الأول: تحدّي الصراع مع داعش في سرت

  • الثاني: تحدي الثورة المضادة الحاملة لمشروع أجنبي تمثله عملية الكرامة بقيادة خليفة بلقاسم حفتر.

ويمكن القول إنمعركة سرت قد حسمت. أما حفتر فإنه لم يعد بإمكانه أن يتقدم في أي منطقة في ليبيا. فسياسيا تم الحسم فيه وفي خياراته المتمثلة في عسكرة الدولة بعد البيان الذي أصدره تجمع مجالس بلديات ليبيا في طرابلس والذي رفض أي شكل من أشكال العودة للحكم العسكري وندد بممارسات حفتر المتمثلة في تنصيب حكام عسكريين في البلديات التي يسيطر عليها بعد أن كانت تسير بعمداء منتخبين. وعسكريا لا يملك قوة بشرية بمقدورها السيطرة على أي مكان في المنطقة الغربية والوسطى وحتى في الجنوب رغم امتلاكه لقوة هناك إلا أنه ليس بمقدورها أن تحدث اختراقا ذا قيمة استراتيجية تؤثر على التوازنات العسكرية.

الواقع الاقتصادي والاجتماعي والأمني في البلاد

تعيش البلاد أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخها وذلك بفعل توقف تصدير النفط لمدة فاقت السنتين، مما تسبب في نزْف حاد  في المخزون الاحتياطي للعملة الصعبة. يضاف إلى ذلك انهيار سعر الدينار أمام الدولار والذي بلغ اليوم في السوق السوداء6 دينار ليبي مقابل الدولار مما ساهم بشكل كبير جدا في ارتفاع الاسعار. أضف إلى ذلك أزمة السيولة الحادة التي تعيشها أغلب البنوك التجارية والتي عجز البنك المركزي في إيجاد حل لها، ذلك أن أغلب رجال الأعمال قد سحبوا ودائعهم من البنوك. و فشلت الحكومة في ضخ الكميات المناسبة من العملة المحلية في البنوك للحد من هذه المعضلة.

هذا الواقع انعكس على حياة المواطن الذي فقد ثقته في مؤسسات الدولة وفي الطبقة السياسية، وغلبت حالة الاحتقان على أغلب المواطنين وانتشرت عديد الظواهر التي لم تكن معروفة من قبل، مثل حالات السرقة والسطو والخطف قصد المقايضة بالمال في ظل ضعف الدولة أو غيابها في بعض المناطق. ولعل أقسى ما يعانيه المواطن اليوم هو إحساسه بغياب الأمن وفقدانه الأمل في مستقبل البلاد، وهذا انعكس على سلوكه وعلى طباعه في معاملاته اليومية. يضاف إلى ذلك حالات الانفلات الأمني في بعض المدن المهمة مثل سبهْا في الجنوب الليبي والزّاوية في الغرب.

وتعتبر مدينة الزاوية أهم مدينة في المنطقة الغربية بعد طرابلس ومصراته بكثافتها الديمغرافية وقيمتها الاستراتيجية من حيث الموقع والإمكانيات العسكرية. هذه المدينة، وكأنه يراد لها أن تكون نقطة الانطلاق في بث الفوضى الأمنية في الغرب الليبي، لأن ما يجري فيها ليس نتيجة خلاف مراكز قوى داخلها  كما يتراءى للمتابع من الخارج وإنما هو عمل أجهزة استخبارات تمددت في فراغات الدولة، ومن مصلحتها أن لا تستقر الأوضاع في الغرب الليبي الذي يمثل الثقل الاقتصادي والديمغرافي في البلاد .

وهذا الأمر تم التفطن إليه وعاد الاستقرار للمدينة بفعل تدخل العقلاء والأطراف الفاعلة. كما تشهد بعض المدن الأخرى حالات خطف  وقتل واقتتال من حين إلى آخر بما يوحي بعدم استقرار الأوضاع الأمنية في المدن الغربية التي هي تحت سيطرة ثوار فبراير.

حالة الانسداد السياسي وآفاق المستقبل:

لا نبالغ إذا قلنا إن البلاد تعيش حالة من الفوضى السياسية غير مسبوقة. فهي تدار بثلاث حكومات. وهذه الحكومات في حد ذاتها تعيش حالة من الضعف الشديد. فهي غير قادرة على إدارة الشأن العام لأسباب عدة منها أنها لا تملك قوة تنفيذية على الأرض. وهي أيضا غير متمكنة من القدرات المالية الضرورية لتسيير المرافق العامة للإيفاء بتعهداتها تجاه المواطن.ولولا المرفق الإداري العام الذي لازال قائما رغم سلبياته العديدة لانهارت كل مقومات الدولة.فعلى المستوى الأمني تدار المدن الليبية في أغلب مناطق البلاد بأجهزة أمنية منها من له ولاء للدولة ومنها من يدين بالولاء للمجلس البلدي المحلي أو للمجلس العسكري المحلي بمعنى أن لكل مدينة جهازها الأمني المشكل بالأساس من أبنائها وتعمل هذه الأجهزة المحلية على أن تبقى البلاد موحدة ولها تنسيق مع وزارة الداخلية في العاصمة طرابلس.

في ظل هذا الواقع المتردي تعمل الأمم المتحدة ومن خلفها عديد القوى الدولية الفاعلة على إقناع الأطراف الليبية المتناقضة بضرورة القبول باتفاق الصخيرات باعتباره أقصى ما يمكن الوصول إليه لإخراج البلاد من أزمتها، إلا أنها فشلت في ذلك فشلا ذريعا . وهي اليوم في سباق مع الزمن للوصول إلى اتفاق قبل يوم 17ديسمبر القادم تاريخ انتهاء العهدة القانونية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا والمرفوضة داخليا من الأطراف القوية على الأرض. إن ما كان محظورا بالأمس أصبح مطلوبا اليوم والمعني بذلك، إدخال تعديلات على الاتفاق السياسي وذلك بعد أن بلغت المفاوضات الداخلية طريقا مسدودا.

ف “مارتن كوبلر ” رئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا، اقترح من يومين في اجتماع بالقاهرة الذي حضره ممثلون عن الخارجية المصرية والإماراتية  وممثلون عن برلمان طبرق أن يتم اختيار خمسة عشر شخصية تمثل أقاليم ليبيا الثلاثة موزعة بين مجلس النواب وبين الأطراف الفاعلة على أن يخول  لهذه الشخصيات اختيار رئيس ونائبين وإلغاء المادة الثامنة من الاتفاق السياسي وذلك في محاولة يائسة منه للوصول إلى حل ينقذه  من الورطة التي تردى فيها.

إن ما أتاه كوبلر يدل على حجم التخبط الذي بلغته الأمم المتحدة لأن إلغاء المادة الثامنة من الاتفاق يعني تفجيره بالكامل . فكل شيء يمكن الوصول فيه إلى حلول إلا أن يكون حفتر جزءا من الحل وطرفا في مستقبل ليبيا . وهذا الأمر يدركه السيد كوبلر العارف بطبيعة المعوقات التي اعترضت تطبيق الاتفاق. فما الغاية مما أتاه الرجل وهو يدرك أن هذا المقترح سيرفض بشدة في المنطقة الغربية؟.إن فرض أي أمر واقع في ليبيا لن يكتب له النجاح بل سيزيد في تعميق الأزمة المتأرجحة بطبيعتها بين متناقضات المشهد الدولي المتحول في مستوى التحالفات.

إن ليبيا ليست معزولة عن التطورات في مستوى الإقليم والعالم. فالقوى الأوروبية التي سلمتها الولايات المتحدة إدارة الملف الليبي عجزت عن صياغة موقف موحد واستراتيجية عمل تساعد في الوصول إلى الحل الدائم الذي يحافظ على وحدة ليبيا واستقرارها. ذلك أن الدول الغربية ليست على نفس التصور للأوضاع في البلاد، والكل يقيم ويتحرك وفق مصالحه.

وهذا ما أثار حفيظة الولايات المتحدة التي أدركت عجز حلفائها خصوصا في ظل محاولات التمدد الروسي في سوريا والرغبة في العودة إلى الشمال الإفريقي عبر البوابة المصرية التي انفتحت عليها مؤخرا. هذه الأوضاع أصبحت تهدد الأمن القومي الأمريكي الذي ينظر إلى ليبيا كدولة مهمة في المنطقة بفعل قربها الجغرافي من أوروباوما تحتوي من ثروات تسيل لعاب القوى العظمى مثل روسيا والصين وأمريكا تنظر للشمال الإفريقي ومصر كمجال حيوي مهم لها بعد مغادرة روسيا للمنطقة من عقود . وهي تسعى الآن الى إعادة ترتيب الأوضاع في البلاد على طريقتها بعد إدراكها لفشل اتفاق الصخيرات. هذا الموقف عبرت عنه “هيلاري كلينتون” قبل إجراء الانتخابات الأمريكية بأيام، عندما طلبت من فايز  السرّاج أن لا يتخذ أي إجراءات مهمة تجاه الفرقاء في الداخل حتى تجرى الانتخابات الأمريكية التي كانت تتوقع أن تتوجها رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية.

وكلينتون كان لها مشروع في ليبيا يراعي موازين القوى في الداخل ويحافظ على وحدة البلاد وتشاطرها في ذلك إيطاليا التي من مصلحتها استقرار البلاد لما لذلك من أهمية في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية الضخمة في ليبيا. بعد الانتخابات الأمريكية، تغيرت المعطيات خصوصا في ظل خطاب  ” ترامب” والذي مثل حالة جديدة في الخطاب الرسمي الأمريكي.

المؤكد الآن أن الجميع سواء في المحيط العربي أو الدولي ليس له رؤية واضحة لطبيعة السياسة الأمريكية في المرحلة القادمة. والجميع ينتظر خطاب التنصيب الذي سيكون عبارة عن خارطة طريق بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في المرحلة القادمة. ورغم إدراكنا لثوابت السياسة الأمريكية التي لا يستطيع أي رئيس أمريكي تجاوزها، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن سياسية الجمهوريين ليست نفسها سياسة الحزب الديمقراطي خصوصا في التعامل مع الملفات الدولية  بما يعني أن السياسة الأمريكية تجاه ليبيا قد يعاد صياغتها في ظل حكم الحزب الجمهوري.

ولعل التحرك المحموم في المدة الأخيرة لمارتن كوبلر في محاولته الوصول إلى تفعيل اتفاق الصخيرات يتنزل في إطار حرصه على إحداث اختراق مهم في هذا الملف قبل وصول ترامب إلى سدة البيت الأبيض، لأنه يدرك أنه في حال فشله في الوصول إلى حل قبل 17 ديسمبر 2016 وقبل انتهاء ولاية  باراك أوباما في جانفي القادم، فانه سيسجل في تاريخه كدبلوماسي فاشل .

وكذلك يسعى أوباما الآن مع بعثة الدعم في ليبيا إلى بلوغ حل قبل التاريخ المذكور آنفا حتى لا يسجل الملف الليبي في مجال إخفاقاته في مسيرته كرئيس للولايات المتحدة. ولكن الظاهر أن الأمور في البلاد قد تجاوزت  كوبلر وكذلك أوباما لأن شروط تطبيق اتفاق الصخيرات غير قائمة على الأرض بما يستوجب إعادة التفكير في مجمل الاستراتيجيات الخاصة بالملف الليبي. وهذا يتطلب مدى زمنيا يتجاوز الشهر بما يعني أن الأوضاع ستبقى على حالها إلى حين دخول “ترامب ” إلى البيت الأبيض.

خاتمة:

إن مختلف الفرقاء في ليبيا مدركون لطبيعة التحولات الدولية. والجميع الآن يحاول الاستثمار في هذا الواقع المتغير والمتبدل. وهناك مساع من وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني  ” مهدي البرغثي”  لإحداث اختراق مهم في التوازنات العسكرية القائمة في البلاد. فهو يعد لحملة عسكرية متحالفا مع بعض القوى المتمركزة في المنطقة الوسطى ومنها سرايا الدفاع عن بنغازيلتحرير  الهلال النفطي من قبضة قوات حفتر.

وهذا من شأنه إن حصل أن يحدث تغييرا في مواقف الأطراف الداخلية والخارجية.  إن الأطراف القوية في ليبيا، وهم ثوار فبراير وكل الأجسام السياسية القريبة منهم، مصرون أنه لا حل في ليبيا في ظل وجود خليفة حفتر لأنه يمثل مشروعا أجنبيا لا علاقة له بالثورة وبمصلحة البلاد. فهل هم قادرون على إقناع العالم بذلك سواء بالمفاوضات السياسية أو بسياسة الأمر الواقع؟  وعلى المستوى الدولي هل سينتهي اتفاق الصخيرات ليبحث المجتمع الدولي عن حل بديل مستفيدا من الخبرة الحاصلة في ليبيا أم أن الأمم المتحدة ستبحث عن صيغة قانونية تمدد بها شرعية الاتفاق وتبني على ما راكمت إلى حين إحلال السلام في هذا البلد الجريح؟

عديدة هي الاسئلة وعديدة هي التحديات. ويبقى الليبيون بالأساس هم المعنيون قبل غيرهم بإخراج البلاد من أزمتها. كما أن دول الجوار معنية قبل غيرها بمساعدة مختلف الفرقاء الليبيين لأن أمنها من أمن ليبيا.

ــــــــــــــــــــــــــــ

مركز الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *