Libya World Map Crisis Flag world map and skulls

بعد مرور عام على توقيع الاتفاق السياسي الليبي في 17 ديسمبر 2015، لاتزال ليبيا تواجه حالة من عدم الاستقرار السياسي. ما يطرح الكثير من التساؤلات حول مصير الاتفاق السياسي ومستقبل حكومة الوفاق.

ويقدم هذا التقرير قراءة في أهم التطورات السياسية ومستقبل الاستقرار السياسي والأمني. كما يرصد أهم التطورات والمتغيرات الدولية والإقليمية وتأثيراتها الحالية والمحتملة على الساحة السياسية الليبية، وذلك على النحو التالي:

أولاً: السياق الدولي:

كشف خطاب الدول الغربية بشأن الأوضاع في ليبيا أن الوضع لايزال غير مستقر. ومحاولة إبراز حاجة ليبيا لهذه الدول للمعاونة في تحقيق الاستقرار، ويبدو أن هذا الخطاب يكشف بالفعل عن ممارساتها التي تستهدف استمرار حاجة ليبيا إليها وهو ما يمنحها الفرصة لاستغلال ذلك في تحقيق مصالحها التي باتت معلنة، ويمكن توضيح ذلك كالتالي:

  • أكدت فرنسا على لسان وزير دفاعها جان إيف لودريان بأن خطر تنظيم (داعش) لا يزال قائماً في ليبيا رغم تحرير مدينة سرت. وقال: إن هزيمة تنظيم داعش في سرت خطوة مهمة جدا لكنها ليست سوى مرحلة، والأمر لم ينته بعد لأن هناك مجموعات تتوزع على أراض شاسعة، وأبدى استعداد بلاده لتقديم الدعم لحكومة الوفاق على كل الصعد، بما في ذلك تشكيل قوات الحرس الوطني.

  • دعت الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الجماعات المسلحة في ليبيا إلى الاستجابة فورا لنداء حكومة الوفاق الوطني بوقف القتال. وحثت أيضاً الأطراف على احترام بنود الاتفاقات السياسية الليبية بما في ذلك الترتيبات الأمنية لانسحاب الجماعات المسلحة من المدن الليبية والاستعاضة عنها بوحدات الجيش والشرطة الحكومية.

  • اعترف المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، أن الاتفاق السياسي لم يحقق أي تقدم حتى الآن، ولكنه لا يزال هو الإطار الوحيد الفعال، لأن البديل هو الفوضى. ولا يوجد بدائل له. وطالب في التقرير الذي قدمه إلى الأمم المتحدة بضرورة تعديل الإعلان الدستوري. ودعم إنشاء الحرس الرئاسي الذي سيوفر الحماية لمؤسسات الدولة والسفارات. وأكد على أهمية عودة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى طرابلس بطريقة تدريجية حال التخفيف من حدة التوترات الأمنية على نحو كاف. ورأى كوبلر أن هناك ستة نقاط يجب معالجتها بشكل سريع، وهي تتمثل في معالجة الوضع السياسي عبر الحوار وتعديل الإعلان الدستوري، والقضاء على التشكيلات المسلحة المتناحرة في طرابلس، والحفاظ على المكتسبات الأمنية في كل من سرت وبنغازي عبر إنعاش الاقتصاد المحلي،والحفاظ على حقوق الإنسان خلال التعامل مع ملف المهاجرين، وضرورة عودة بعثة الأمم المتحدة إلى طرابلس تدريجيا وسريعا من أجل لعب أدوارها بشكل فعال.

ومن الواضح أن الدول الغربية لاتزال تتأرجح في مواقفها، فهي تعترف بدور حفتر وضرورة مشاركته في العملية السياسية، ولكنها تحرص على وضع ترتيبات تمنع انفراده بالأمر في ليبيا، وهذا ما سوف يتضح خلال الجولة المنتظرة من المفاوضات.

  • الموقف الروسي من تطورات الأوضاع في ليبيا، يكشف عن رغبة أكيدة في دعم الجيش الليبي (وليس بالضرورة دعم خاص لحفتر)، وتكشف زيارات حفتر المتكررة إلى روسيا، عن رغبته في الحصول على الدعم الروسي في مواجهة ما أسماهم (التنظيمات الإرهابية رغم أن قواته تمارس أبشع أنواع الإرهاب في مدينتي بنغازي ودرنة) ، وتأتي زيارته الأخيرة مع اقتراب انتهاء الصراع المسلح في مدينة بنغازي، والتي استمرت لنحو عامين كاملين، والحصول علي تدريب وتأهيل للكوادر العسكرية الليبية وهو ما تحتاجه القوات في الوقت الراهن، فضلا عن تبادل المعلومات والبيانات والشرح الوافي عن الحالة السياسية والأمنية والإقتصادية بمجمل مناطق البلاد. خاصة أن روسيا تنتقد الموقف الأوروبي والدولي في مسألة فرض حظر السلاح على جميع أطراف الصراع (رغم أن بوتين صرح بأنه لن يخالف قرار الأمم المتحدةبحضر بيع السلاح لليبيا) ،وأكدت روسيا بعلى قلقها من حالة الإنسداد السياسي التي تشهدها عملية الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة.

ثانياً: السياق الإقليمي:

تواصل القوى الإقليمية جهودها لحل الأزمة الدولية، غير أن ما يشتت هذه الجهود ويضعف من فعاليتها، هو محاولات بعض القوى الإقليمية (مصر والإمارات وتركيا وقطر) التي تتبنى وتدعم بعض أطراف الصراع في ليبيا، ما أدى إلى إخفاق الحلول السياسية أن تجد طريقها إلى تحقيق السل والاستقرار.

كل من هذه القوى تتدخل إلى جانب قوى من أطراف الصراع في ليبيا وتدعمها لأجل تحقيق مكاسب تراها مناسبة لأجندتها في المنطقة، ما أدى إلى عودة الصراع في تلك المنطقة.

، كان من شأن هذا التصعيد أن تتخذ القوى الإقليمية العديد من الاجراءات لتأمين حدودها تحسبا لهروب المقاتلين والهاربين من المعارك عبر حدودها، خاصة بعد انتهاء المعركة في سرت. ويمكن أن نوجز فيما يلي أهم مواقف القوى الإقليمية الأخيرة بشأن الأوضاع في ليبيا على النحو التالي:

  • حرصت مصر من خلال وزير خارجيتها على اهتمام السياسة الخارجية المصرية بالتعاون مع المجتمع الدولي لإيجاد حل للأزمة الليبية، وفي هذا الإطار التقى وزير الخارجية المصري مع وزير الدفاع الفرنسي لبحث القضايا الإقليمية المهمة، وعلى رأسها الوضع في ليبيا، على هامش مشاركتهما في الدورة الـ 12 لمنتدى حوار المنامة الذي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية خلال الفترة من التاسع إلى11 من الشهر الجاري.

  • تحرص الجزائر على التعاون مع حلفائها الدوليين لحماية حدودها مع ليبيا من عمليات التهريب وعبور التنظيمات الإرهابية، ولذلك توافدت خلال الأيام الماضية وفود عسكرية غربية ومن مصالح الاستخبارات، لعقد لقاءات مع مسؤولين عسكريين جزائريين، وتبحث هذه اللقاءات الأوضاع الأمنية في ليبيا مالي والنيجر، بالإضافة إلى ملف تسليح الجيش الجزائري. وفي ذات الوقت قامت الجزائر بحفر عازل أمني بينها وبين ليبيا، وتقارير حول احتمال قيام الجزائر بإنزال جوي في المناطق المتاخمة لها من ليبيا لحماية حدودها.

  • اتخذت حكومة السودان تدابير احترازية على حدودها، حيث قام الجيش السوداني بتكثيف انتشار قواته على طول الحدود مع ليبيا، تحسبا لأي تسلل لعناصر مسلحة على خلفية فرار مجموعات إرهابية تابعة لـداعش من مدينة سرت الليبية.

ثالثاً: السياق الليبي:

شهدت الأوضاع في ليبيا خلال الأيام الماضية العديد من التطورات الهامة، وتكشف التطورات عن دخولها في فصل جديد من التصعيد والمواجهات الدامية بين الفرقاء والأطراف المتقابلة، وخاصة في منطقة الهلال النفطي وفي طرابلس وبنغازي، حيث حاولت قوات محسوبة على حكومة الوفاق استعادة سيطرتها على منطقة الهلال النفطي، وقد بات واضحاً أن الصراع يتمركز حول تلك المنطقة، وكأن من يسيطر على منطقة الهلال يسيطر على ليبيا، ويمكن الإشارة إلى أهم التطورات السياسية والميدانية كالتالي:

التطورات السياسية:

تشهد ليبيا بعد مرور عام على الاتفاق السياسي حالة من الإخفاق السياسي والاقتصادي، حيث زادت حالة الانقسام والاستقطاب، وكانت كل محاولات الحوار السياسي دون تحقيق نجاحات تذكر، وأصبح الاتفاق عبارة عن وثيقة سياسية لم تحقق الكثير لإنهاء الانقسام بين الفرقاء الليبيين، وبات لزاما لتجاوز هذا الجمود السياسي، إما خيار الفشل وتعقد المشهد، أو التعديل ومعالجة مخاوف الأطراف الرافضة للاتفاق، للمضي قدماً في إنقاذ ليبيا من مخاطر الإرهاب والفوضى الأمنية المتصاعدة.

الانقسام السياسي والمؤسسي:

  • فبعد عام من الاتفاق لاتزال ليبيا تتقاسمها حتى اليوم ثلاث حكومات، تدعي كل واحدة منها الشرعية، بعد عودة حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس، والتي قد انسحبت من الحياة السياسية إثر وصول حكومة الوفاق إلى العاصمة، إلا أنها سرعان ما تراجعت وطالب رئيسها خليفة الغويل وزراءه بالعودة إلى مقراتهم، بسبب فشل حكومة السراج في طرابلس. كما انقسمت مؤسسات الدولة، خاصة مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، فمصرف ليبيا المركزي، انقسم إلى مصرفين، واحد في العاصمة طرابلس والآخر في مدينة بنغازي، ولكل منهما محافظ وعملته الخاصة. ففي بنغازي يتم سك العملة وطباعتها في روسيا، وفي طرابلس تتم العملية في بريطانيا.

الأزمة الاقتصادية الراهنة:

  • تعاني ليبيا من عجز في الموازنة يصل إلى حوالي 70 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي. يعد أكبر عجز في الميزانية في العالم مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي. وتقلصت الاحتياطيات المالية الليبية من 108 مليار دولار عام 2013 إلى 45 مليار دولار. وستواجه البلاد انهيارا اقتصاديا ما لم يطرأ تغيير ما.

تمرد الميليشيات:

  • أدت إجراءات تطبيق بنود الاتفاق، وخاصة مسألة الترتيبات الأمنية إلى خرق كبير، حيث أخفق المجلس الرئاسي في تنفيذها، فبعد دخول المجلس طرابلس، أبقى على التشكيلات المسلحة وأعاد تدويرها، وهي ذاتها المتورطة بانتهاك حقوق الإنسان والحريات العامة، ما أدى إلى تفاقم حالة انعدام الأمن وتصارع المجموعات المسلحة فيما بينها في طرابلس. وكان المتفق عليه ضرورة إحلالها بقوات نظامية فور دخول المجلس العاصمة، ومن ثم فشلت حكومة الوفاق في تحقيق أهم المهام والركائز الرئيسة، المتعلقة بالشأن الأمني وتوفير المناخ للعمل دون ضغوط أو إملاءات.

فشل الاتفاق السياسي:

  • فقد نص الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر2015، على تشكيل حكومة وفاق وطني تقود مرحلة انتقالية، تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية بعد عام، لكن حكومة الوفاق لم تفلح في تنفيذ بنود الاتفاق، ولذلك كشفت كتلة السيادة الوطنية الرافضة للاتفاق السياسي، مقترحا يقضي بخروج البرلمان الليبي من الاتفاق، عقب تاريخ 17 ديسمبر الجاري، وأعلنت كتلة تضم 34 نائبا في بيان صحفي، بأنها تقترح التصويت في أول جلسة للبرلمان، بعد يوم السابع عشر من الشهر الجاري، على انتهاء الاتفاق بإعلان البرلمان الخروج منه، وفي حالة استمرار حكومة الوفاق، يتم إعلان ليبيا تحت احتلال غير مباشر.

التطورات الميدانية:

تشهد ليبيا بعد عام من الاتفاق السياسي صراعاً عسكرياً مستعراً حول النفط والسيطرة على المواقع والمدن الاستراتيجية، وذلك لاستباق المفاوضات المنتظرة أن تستأنف بين القوى السياسية لتعديل الاتفاق السياسي وتشكيل مجلس رئاسي جديد، وتدرك القوى السياسية أن قدرتها التفاوضية سوف تتأثر بموقعها وحدود سيطرتها الميدانية، ولذلك تحافظ قوات الجيش الليبي على سيطرتها على منطقة الهلال النفطي، بينما تحاول الميليشيات المدعومة من حكومة الوفاق استعادة سيطرتها على المنطقة، ومن ثم يمكن أن نعرض فيما يلي لأهم التطورات على الساحة الميدانية:

الصراع حول منطقة الهلال النفطي:

  • لايزال الوضع في منطقة الهلال النفطي غير مستقر عقب الهجوم المسلح الذي استهدف المنشآت النفطية، إلا أن الأخبار المتواترة تشير إلى فشل الهجوم. وتشير بعض التقارير إلى ارتباط الجماعات التي تتقدم صوب الموانئ النفطية بسرايا الدفاع عن بنغازي التي حاولت هذا العام شن هجوم مضاد على قوات الجيش الليبي. ويأتي هذا التحرك تجاه الهلال النفطي كمحاولة أخيرة من المجلس الرئاسي وقوى الإسلام السياسي الداعمة له لابتزاز البرلمان في المفاوضات القادمة حول الاتفاق السياسي وإمكانية تعديله.

انتهاء العمليات في منطقة سرت:

  • أعلنت قوات البنيان المرصوص الموالية لحكومة الوفاق تحرير مدينة سرت وتطهير آخر منطقة كانت تحت سيطرة تنظيم داعش في معقلها السابق مدينة سرت بعد معركة استمرت نحو سبعة أشهر، واستعادة السيطرة على كامل أحياء المدينة، كما اعلنت أنه سيتم الإعلان عن خطة ما بعد تحرير سرت وخاصة فرع التنظيم في شرق ليبيا.

الصراع بين الميليشيات في طرابلس:

  • تواجه حكومة الوفاق تحدي احتواء الميليشيات التي ما تزال تدين بالولاء لقادتها وليس للدولة، ما ساهم في تأزيم الوضع الأمني في البلاد، فقد عاد التوتر مجددا للعاصمة الليبية طرابلس، بعد تهدئة لم تتجاوز اليومين.

وتعوّل حكومة الوفاق بقيادة السراج على كتائب تتبع وزارة الداخلية، وتضم تحالف قوة الردع الخاصة، التي يقودها عبدالرؤوف كارة، والفرقة الأولى كتيبة ثوار طرابلس التي يقودها هيثم التاجوري، والأمن المركزي أبوسليم بقيادة عبدالغني الككلي الملقب بـغنيوة، التي تتخذ من حي أبوسليم مقرا لها، بالإضافة إلى سرية باب تاجوراء الأزهري فانان وكتيبة النواصي.

رابعا: المستقبل السياسي:

رغم تطهير سرت من تنظيم الدولة في ليبيا، لكن ليبيا ما تزال غير مستقرة، وسط صراعات متواصلة بين الكتائب المتناحرة، وما تبقى من المسلحين، ما قد يعيق حكومة الوفاق الوطني. ويمكن أن نشير إلى أهم التحديات السياسية المحتملة والتي تؤثر بلا شك على مستقبل عملية الانتقال والتحول السياسي كالتالي:

  • ما يزال تنظيم الدولة نشطاً في أجزاء أخرى من البلاد، وتواجه ليبيا حاليا شبح الخلايا السرية النائمة، ولا يمكن استبعاد شن التنظيم لهجمات في أجزاء أخرى من البلاد.

  • لايزال العنف هو المسيطر في العاصمة، ما يضعف من سلطة حكومة الوفاق وقدرتها على حماية الأمن وتطبيق القانون، حيث تتزايد أيضا التوترات بين الكتائب المسلحة في المدينة، ومن شأن تصاعد وتيرة الصراع أن يعمق من حالة الفوضى في طرابلس.

  • برغم محاولات حكومة الوفاق أن تسعى للاستفادة من تحرير سرت، وتعزيز شرعيتها الدولية، إلا أن الكثير من مؤيديها غير راضين عنها بشكل متزايد، فالكتائب التي حاربت التنظيم في سرت معظمها من مصراتة، والكثير منها يعتقد أن الاشتباكات الأخيرة في طرابلس تعد محاولة من قبل منافسيها للسيطرة على العاصمة، ما قد يدفعها لمحاولة حشد قواتها في الأسابيع المقبلة إلى طرابلس.

خامساً: خلاصة وتوصيات:

  • أثبتت حكومة الوفاق بعد عام على اتفاق الصخيرات أن هذا الاتفاق يقف حجر عثرة وعقبة أمام عملية سلام قابلة للاستمرار، وهو غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، ما يعني ضرورة إعادة صياغته ليشمل مختلف أطراف النزاع، وعدم تغييب أي طرف مهما كان حجمه على المشهد السياسي في البلاد.

  • يجب التعاون مع الحكومات الجديدة في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها لتعديل الاتفاق السياسي وتشكيل مجلس رئاسي توافقي. والعمل على حل الميليشيات وحظر نشاطها، وتحرير ليبيا من الاٍرهاب من خلال المؤسسات العسكرية والتي أثبتت أنها قوية وفاعلة.

__________________

مركز المزماة للدراسات والبحوث

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *