حاوره: محمد بصيلة

في حواره الشامل مع بوابة الوسط، الدكتور علي عبداللطيف حميدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة نيو إنجلاند الأميركية، يقول: “جيل الاستقلال تصارع وتقاتل واختلف لكنه اتفق من أجل بناء الدولة الليبية“.

تطرق الدكتور علي حميدة في حواره إلى نقاط أساسية بدء من جذور الأزمة الليبية والمشاكل التاريخية التي أدت للاستقلال، ومرورا بدولة سبتمبر وثورة 17 فبراير، وسيناريو الحل المتوقع في ليبيا، وانتهاء برأيه في النخب السياسية الحالية في ليبيا»، .

وهذا نص الحوار:

ما هي قراءتكم للوضع الليبي؟

ألفت كتابًا أسميته «ليبيا التي لا نعرفها» أوضحت فيه رؤيتي لجذور الأزمة والمشاكل التاريخية التي أدت إلى الاستقلال، ثم إلى دولة سبتمبر وثورة 17 فبراير وما هي جذور الأزمة نفسها.

فالأزمة باختصار: أن الثورة كان زخمها قويًا ونجحت لأن هناك تحالفًا بين قوى داخلية وقوى من داخل النظام، وجدت أن «القذافي» فشل في التعامل مع الاحتجاجات والمشاكل الموجودة، كما أن هناك قوى إقليمية ودولية، تحالفت مع الثورة، أيدتها سواء هذه القوى عربية أو دولية، بينها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، ما أدى إلى سقوط النظام فيما بعد، لكن يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها، كانت هناك حرب أهلية، لأن النظام كان له مؤيدوه، ونحن في ليبيا حصلت لنا مشكلة وهي أن النظام لم يتخلّ عن السلطة بشكل سلمي، ما اضطر الشعب الليبي إلى أن يقاوم عسكريًا، ما أدى للأسف إلى عسكرة المجتمع الليبي.

لابد من تنازل الجيش في الشرق والقوى في مصراتة وما عدا ذلك ليس هناك حل على المدى القصير

لكن بعد ذلك فشلت النخبة، التي قادت المرحلة الانتقالية في حل الإشكالية الأمنية، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي قاموا بدور مريب، وهو –باعتراف إدارة أوباما، تخليهم عن الشعب الليبي يعني قاتلوا النظام حتى أسقطوه هو وعسكرييه، لكن تركوا المجتمع الليبي ضحية للجماعات المسلحة وأيضًا القوى الإقليمية العابثة، فصارت أزمة كبيرة، ليست أزمة دولة، لكن أزمة مرحلة انتقالية.

ما سبب الأزمة؟
أعتقد عدم وجود رؤية تجمع كل القوى السياسية وتفكر ماذا نفعل بعد سقوط النظام، وعدم وجود سيناريو محدد فتح المجال للقوى العسكرية، والمسلحة أن تتغول، رغم أن الشعب الليبي صوت 3 مرات بشكل رائع، لكن الفاعلين على أرض الواقع هي القوى العسكرية والمسلحة في الشرق والغرب والجنوب، أيضًا القوى الإقليمية لعبت دورًا ضخمًا لأن سببًا أساسيًا، أن النظام السابق هُزم عسكريًا وأيضًا قادة المرحلة الانتقالية ارتكبوا خطأ كبيرًا ليس فقط في عدم وجود رؤية ماذا نفعل بعد سقوط النظام أو ما هي نقاط الاتفاق أو الخلاف بين الفرقاء المختلفين أيديولوجيًا وفكريًا سواء جماعات الإسلام السياسي، أو جماعات المجتمع المدني، أوجماعات الجهوية، والجماعات المسلحة، لكن في عدم وجود أشياء محددة يتفقون عليها، بينها تداول السلطة، وعدم تدمير مؤسسات الدولة.

لم يحدث هذا كما حدث في تونس، ولهذا جذور العنف المسلح من انتشار السلاح توفرت بشكل غير عادي، وفتح الحدود الليبية أمام القوى الاستخباراتية والأمنية الخارجية بدأ شيئًا فشيئًا يتصاعد.

القيادات السياسية بعد المجلس الانتقالي فشلت في حل هذه المعضلات أو الإجابة عليها، ما أدى إلى حالة من التسيب، والانفلات الأمني وصارت الجماعات المسلحة هي التي تفرض كلمتها، والوزاء الذين جاؤوا فيما بعد لم يستطيعوا حينما كان الوقت مناسبًا حل هذه الإشكاليات الأمنية، وأيضًا الإقليمية والدولية، فأدى هذا إلى التخندق وإلى التكفير والتخوين، وصارت هذه الجماعات لها مصالحها الذاتية وكأن الحفاظ على الوضع القائم هو أمر ضروري لصالح هذه الجهات، ولهذا غاب صوت القواسم المشتركة والتوافق، وأيضًا الاتفاق على الأشياء الأساسية التي تهم الشعب الليبي وهي بناء الدولة، وتقوية الجيش والشرطة، وحماية الحدود.

لا أحب استخدام لفظ «ليبيا دولة فاشلة» وأطراف إدارة الأزمة هم من فشلوا في العبور بها من المرحلة الانتقالية

هل يهدد شبح التقسيم ليبيا؟

لا أعتقد هذا، لكن إذا استمرت هذه النخبة الحالية التي تتقاتل وتتصارع وتُخوِّن بعضها البعض، فليس هناك شيء غريب في التاريخ، أعتقد أن التقسيم سيكون غريبًا على الشعب الليبي، لأن فكرة الوطن وفكرة ليبيا موحدة متواجدة بقوة في الشارع الليبي، رغم كل ما حدث، لكن المزيد من العنف وعدم الاستقرار والخطف والاستحواذ على مصادر الدولة، والمزيد من التهميش، ربما يدفع قطاعات من الشعب الليبي أن تقبل حلولا غريبة جًدا، مثل التقسيم وخاصة أن هناك أجندات دولية تتكلم «بكل صفاقة» على أن ليبيا كبيرة، وأن سيناريو التقسيم ربما وراد، ولهذا أرى أنه مهما كان الدور مريبًا أو غريبًا وساهم في هذه الحالة السيئة والمحزنة لليبيا بعد ثورة 17 فبراير، لا بد من إلقاء اللوم على النخبة السياسية الليبية، لأنها فشلت في إنجاز التوافق على القواسم المشتركة، وفشلت في الحفاظ على الجيش والشرطة الليبية، كما فشلت في البناء على الأجهزة التي ليست ملكًا للنظام السابق بل للشعب الليبي.

أيضًا، أعتقد الحديث عن التوافق من الناحية الإعلامية مهم، والكل يتحدث عنه الآنلكن توافق من غير تنازل خاصة في القضايا السياسية يكون مضيعة للوقت وعبارة عن كلام فارغ، وهذا لم يحدث حتى الآن.

الكل يتحدث عن التوافق، لكن عندما يأتي الوقت للتنازل من أجل الوطن ووحدة البلد وبناء حكومة مركزية واحدة وجيش وشرطة قويين موحدين وانتخابات قادمة، كل يأخذ في لوم الآخر، وللأسف الشديد دعوت من حوالي شهور النخبة والساسيين والمثقفين لممارسة النقد الذاتي، ولماذا لا نقول إن النخبة السياسية أوصلت ليبيا إلى طريق مسدود، ولهذا أعتقد أنه إذا لم يحدث هذا فإن الأمور لن تحل بسهولة، لأن الكل يتخندق ويكفر الآخر، وكل يستقوي بالخارج على الداخل.

هذه التركيبة الغريبة لن تؤدي إلى حلحلة، فالحلحلة تعني أن تلتقي القوى الأساسية في ليبيا، وبالذات قوى الشرق الممثلة في الجيش الليبي والقوى العسكرية الضاربة في الغرب في مصراتة من الجلوس والحديث والتنازل من أجل الوطن.

كيف تقيم الدور الإقليمي في الأزمة الليبية؟

هناك كلمة ليبية وهي عامية أعتقد أنها تصف الواقع كما هو، فاللقاءات الإقليمية والمؤتمرات أو ما يدعى بجلسات الحوار والتوافق صارت عبارة عن طقوس أو باللهجة الليبية «هيدقا»، يعني كلام فارغ، لأن القوى الفاعلة على الأرض في ليبيا لم تدع إلى الحوار وأيضا النخب نفسها لا تقول إلا «لابد من الجلوس والحوار»، لكن على الواقع لم يحدث شيء ذو قيمة أساسية.

للأسف الشديد هناك قوى إقليمية عربية أو خليجية معروفة للشعب الليبي، منها من تؤيد الجيش ، ومنها من تؤيد الجماعات المسلحة في الغرب، بينها تركيا والاتحاد الأوروبي، كما أن السياسة الأميركية التي اعترفت بفشلها في الأزمة الليبية كلها مسؤولة أخلاقيا وتاريخيا على استمرار الأزمة الليبية.

التقسيم غريب على الشعب الليبي لكن إذا استمر اقتتال النخبة فلا شيء غريب في التاريخ

لا أعتقد أن الأزمة في ليبيا «داخلية» فحسب، لكنها أزمة إقليمية ثم دولت، ولهذا تشابك الداخل الإقليمي والدولي ، فلن يأتي الحل إلا إذا كان هناك توافق داخلي وتنازل من الفاعلين الأساسيين، نقول لهم: «اختلفوا كما شئتم على أشياء كثيرة، ولكن اتفقوا على وحدة ليبيا وحقوق المواطنة والقانون وإجراء انتخابات خلال سنة أو اثنتين».

بالنسبة للوضع الإقليمي أو الدولي، فلا بد من الضغط الإعلامي والدولي وفضح هذا التدخل المريب الذي انتقص من استقلال ليبيا، أعتقد الآن أن الشعب الليبي فقد الكثير من استقلاله، الذي ناضل من أجله طيلة قرن من الزمان، وأيضًا كان هناك نوع من الغفلة والسذاجة، في عدم التعامل بالمتغير الدولي والخارجي في المرحلة الانتقالية.

وأقول مرة أخرى إن المشكلة في ليبيا ليست داخلية، فهي داخلية وإقليمية ودولية، لكن في نهاية الأمر النخب الليبية هي المسؤولة أولا وأخيرًا، إذا ضعُفت أو إذا كانت انتهازية في بعض الأحيان، وإذا استقوت بالخارج، فلا تلوم الخارج ولا تلوم العامل الدولي في البحث عن مصالحه.

لنتذكر جيدًا، ليس كل من عارض النظام السابق، يتفق مع مطامح وآمال الشعب الليبي في الديمقراطية ودولة القانون والحقوق الأساسية التي هي أهم من الانتخابات، فكان هناك الكثيرون يريدون التخلص من النظام السابق لأغراضهم ولدوافعهم الخاصة.

الشعب الليبي الآن مغلوب على أمره فلا يملك السلاح، ولا الحماية، والجماعات المسلحة وغياب الدولة تأتي عليه بشكل يومي، ولهذا أعتقد أنه كان هناك نوع من عدم الوعي في التعامل مع الأزمة الليبية، نتعامل فقط بالعامل الإقليمي والدولي، ونسينا تجربة الشعب الليبي في الاستقلال عن العالم الخارجي، لكن لا يعني أن يكون الاستقلال من البعد عن العالم الخارجي أو الدول الكبرى، إنما يعني أن تكون واضحًا في تعاملك مع العالم الخارجي (الذي يبحث عن مصالحه)، من أجل حماية الحدود، لصيانة الاستقلال الليبي الذي أصبح مُنتهكًا.

هل للدول الغربية دور فاعل في حلحلة الأزمة الليبية؟

الدول الغربية بشكل أساسي تبحث عن مصالحها وهذا ليس غريبًا، فحينما تجد الوضع الليبي ممزقًا ومشتتًا وقيادات ليبية تبحث عن حليف وعن تأييد خارجي، تبدأ أنت تشك في مدى جديتها في التعامل مع الوضع الليبي.

أعتقد أنه ليس غريبًا أن تبحث هذه الدول عن مصالحها وأن تكون في قمة البراجماتية والنفعية، بدليل تجربة هذه الدول التاريخية على مدى 3 قرون في التعامل مع العالم العربي وخاصة ليبيا التي دمرت وواجهت استعمارًا وحشيًا أباد تقريبًا نصف أو ثلث الشعب الليبي خلال 40 عامًا، لكن الاعتقاد بأن الدول الغربية ذات الأنظمة الديمقراطية ستأتي لنا وتساعد الشعب الليبي فهذا نوع من السذاجة.

التاريخ ليس خطا واحدا، هناك احتمالات عديدة فالأمر مرهون بقدرة النخب السياسية

ربما توجد قطاعات الرأي العام الغربي تتعاطف مع الشعب الليبي وهذا شيء طبيعي، لكن الدول الغربية مبنية على مصالح وهذه المصالح كانت موجودة من القرن التاسع عشر، تغيرت في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، وبالتالي التعامل مع الآخر، لابد أن يكون فيه نوع من الوعي والفهم بهذه السياسة.

أتصور أن السياسات الغربية، ومثال عليها الولايات المتحدة، لن تكون لليبيا الأولوية عندها، إنما الأولوية للعراق وأفغانستان، وتنظيم القاعدة والآن «داعش»، لكن حديث واشنطن عن أخطائها وتقييمها لسياستها في ليبيا لم يأت من منطلق أنها ساهمت في إسقاط نظام وتدمير دولة وستساعد الشعب الليبي ضد كل هذه المخاطر، لا بل إن منطقها ينطلق من الإجابة على سؤال: هل الوضع في ليبيا سيؤثر على مصالحنا في الشرق الأوسط؟

ما هي سبل حل أزمة السلاح في ليبيا؟

أزمة السلاح معقدة، فليست هناك إجابة مبسطة أو توصيفية للرد على هذا السؤال، هذه الأزمة ستُحل من خلال التعامل مع الجماعات المسلحة بمنطق عدم التخوين وعدم الإدانة الكاملة، وتكون من خلال الحوار بين القوى الضاربة، فلابد أن يكون هناك تنازل من قبل الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر في الشرق الليبي والقوى الضاربة في الغرب مصراتة، لكن ما عدا ذلك فليس هناك حل على المدى القصير.

أما عن كيفية التعامل مع الجماعات المسلحة، فيكون بالحوار العقلاني، وإعطائهم فرصًا أخرى للعمل أو للدراسة، أو ضمهم كأفراد في الجيش الليبي والشرطة.

وأيضا هناك عسكريون في الجيش الليبي يأخذون رواتبهم من الدولة يجب عودتهم وخاصة من لم يرتكب منهم جرائم تجاه الشعب الليبي، كما أن الشرطة الليبية بها حوالي 30 ألف شرطي يجب عودتهم، كل هذه الأشياء على المدى القصير ربما تفيد في حل الأزمة.

وبرأيي يجب استخدام سياسة العصا والجزرة، فلا تخون هؤلاء الشباب إلا الذين يرفضون الحوار والاندماج في المجتمع ويريدون أن يفرضوا إرادتهم عليه، لكن لا إقصاء لأي أحد، ولاغالب ومغلوب. ليبيا تشمل الجميع ومفتوحة للجميع من خلال مؤسسات الدولة الرسمية، فقط تحتاج إلى حنكة، إلى رؤية سياسية تجمع الليبيين، وأيضا قيادة لا تُخون ولا تقصي أحدًا طالما لم يرتكب أي أعمال عنف ضد الشعب الليبي أو يحمل السلاح.

لابد من ابعاد الفاعلين الإقليميين والدوليين عن الملف الليبي، فلن تستطيع حل مشكلة ليبيا طالما لم توقف تأييد الدول المتورطة في تأجيج الصراع ، كما يجب أن يكون لدى الاتحاد الأوروبي مسؤولية أخلاقية، تجاه الشعب الليبي.

كما أنه على الحكومة الأميركية التي ساهمت في إسقاط النظام، أن تتحلى بالمسؤولية الأخلاقية لمساعدة الشعب الليبي، فلا أحب استخدام لفظ أن «ليبيا دولة فاشلة»، فقط الفشل هو من جانب أطراف إدارة الأزمة في العبور بها من المرحلة الانتقالية، وأيضًا فشل القيادات الليبية في التعمل مع الشأن الداخلي والإقليمي والدولي.

المجتمع الدولي ترك ليبيا ضحية للجماعات المسلحة والقوى الإقليمية العابثة، هل هذا ممكن؟

لن يكون سهلا، لكن أعتقد أن البداية تأتي بالاعتراف بالأخطاء التي حدثت خلال الخمس سنوات الأخيرة، وأيضًا ممارسة نوع من النقد الذاتي كمثال للآخرين، فهناك جانب الاعتراف بالأخطاء، وأيضًا محاولة مواجهة خطاب التعصب والكراهية والتخوين والتكفير، السائد الآن في الشارع الليبي، وعدم إقصاء أي أحد، ربما هذا سيساعد نفسيًا على بداية حوار جديد، نتمنى في الأمد البعيد أن يستطيع من خلاله الشعب الليبي دعم قيادات قادرة على خدمته، مع محاولة الاتفاق على أشياء أساسية وهي الوحدة الوطنية، وسلطة القانون.

لن تكون العملية سهلة، فأنا لا أريد أن أهون من تعقيد الأزمة الليبية لأنها معقدة جدًا، وأي أحد يبسطها فهو غير مستوعب الأزمة ولا أبعادها، لكن أحيانا الخطوات البسيطة كحل المشكلة الأمنية والتدخل الخارجي والتوافق يؤدي إلى الاتفاق على 3 أو أربع نقاط أساسية، كل النخب تتوافق وتوافق عليها، فربما تؤدي هذه الخطوات إلى الحلحلة، والأساس في هذا كله، لا بد من اتفاق الجيش وقوى مصراتة، والتنازل من أجل بداية جديدة.

كيف تقيمون دور رئيس المجلس الرئاسي السراج والمشير خليفة حفتر؟

السراج، ليس الفاعل الأساسي في الأزمة الليبية، فهو مدعوم من الخارج لكن في الداخل لا زال ضعيًفا، إذ لم تقدم حكومته الأمن والأمان للمواطن الذي يعاني من الخطف والاغتصاب، أما الفاعلون من الناحية العسكرية، هي القوى المسلحة في مصراتة التي كانت مؤثرة في إسقاط النظام السابق، وكل مانحتاجه هو إيقاف خطاب الكراهية والتخوين والإقصاء بين القوى الضاربة في الشرق والغرب، ومحاولة التفاوض المباشر بينها والتنازل من الجانبين، لأن التوافق من غير تنازل «ضحك على الدقون».

هل تؤيد مطالبات إخضاع الجيش الليبي تحت قيادة مدنية؟

أعتقد أننا لا نريد أن نعود إلى الوراء، لأنها لن تكون سهلة، لكن كل الزملاء في الشرق الليبي يقولون إن الشرق الآن في وضع أفضل نسبيًا مما كان عليه وأفضل من أماكن أخرى، لكنني لا أؤمن بالحلول العسكرية، فالشعب الليبي ضحى وخرج للشوارع ومات منه المئات بل الآلاف، وتشرد الآخرون، ومن حق المشير حفتر أن يترشح للرئاسة ليس كرجل قوي بل كباقي القيادات الليبية والعسكرية وهذا شيء منطقي، أما الحل العسكري فأعتقد أنه في الأمد البعيد لن يحل المشكلة الليبية، وأعتقد أن كثيرًا من الليبيين لن يقبلوا بهذا الحل.

المشير حفتر والجيش في الشرق الآن له بعض المصداقية الكبيرة، لأنه حل إشكالية الاستقرار والأمن إلى حد ما، لكن محاولة فرض هذا بالقوة لن يحل المشكلة الليبية، كما أن القوى العسكرية في الغرب لن تستطيع فرض رأيها بقوة السلاح.

كيف تقيمون كتاب «ثورة واستياء» الذي تنشر حلقاته جريدة الوسط؟
أعتقد أن الكتابات الواردة في هذا الكتاب، لابد من قراءتها بشيء من الحذر، لأن هؤلاء الكتاب والمحللين الغربيين يأتون من افتراضات ومنطلقات خارجية، ولا يعني أن لديهم افتراضات استعمارية أو استخباراتية، لكن أحيانًا يأتون بطريق مباشر يبحثون عن أقليات ويريدون أن يخلقوا أقليات في الشعب الليبي ويريدون أن يقرؤوا ما هو مهم بالنسبة لهم، وخاصة أن كثيرًا منهم لا يعرفون اللغة العربية ومعلوماتهم عن ليبيا هامشية.

أنا سعيد أن «الوسط» نشرت هذه الكتب، لكن لابد لها أن تقيم المنهجية والافتراضات وحتى الخلاصات التي تطرح فيها، لا بد من قراءة كل شيء، والوعي من هذه المنطلقات التي بعضها استعمارية أو استشراقية، وبعضها الآخر ذو مصالح وأجندات خارجية.

المستقبل في ليبيا؟

المستقبل في ليبيا مركب، فقد يؤدي المستقبل إلى مزيد من الاستمرار في هذه الأزمة وإعادة إنتاجها، التي ستكون كارثة على الشعب الليبي، وعلى المنطقة وعلى الشعب المصري وعلى الشعب العربي، لكن هذا ليس مصيرًا حتميًا، فربما يكون المستقبل مشرقا إذا كانت هناك مواجهة لهذه المشاكل، وفهم للأزمة.

حينها يبدأ العد التنازلي لحلها، من خلال إدارة حاسمة وواعية ووطنية للمرحلة الانتقالية، فالتاريخ بالنسبة لي ليس خطًا واحدًا، هناك احتمالات عديدة وكلها تعتمد على مدى قدرة النخب الحالية داخل المؤسسات في الشرق والغرب أو الجنوب.

وما يبشر أننا عندنا 102 بلدية منتخبة في ليبيا، أحييهم، على مجهوداتهم الرائعة، فهؤلاء هم الذين يقومون بخدمة وحماية المواطنين.

دور الليبيين في الخارج في حل الأزمة؟

يجب على ليبيي الخارج أن يركزوا بدلا من السلبية على القواسم المشتركة، وبدلا من التنظير والتباكي على الماضي مواجهة الأزمة بالعمل الجماعي والوعي ومناقشة سبل حل الأزمة عبر التركيز على مواطن الخطأ، وكيف نعمل معًا في إيجاد حلول للأهداف السياسية التي ذكرناها سابقًا، وأرى أنه لا مفر من إعادة الاعتبار لتاريخ ليبيا، فليبيا الآن لا تبدأ من الصفر، هناك تاريخ نضالي قوي من أجل الاستقلال من أجل بناء الدولة، والاستفادة من أهمية النضال من أجل استقلال ليبيا ضد التدخل الخارجي، وأيضا الاستفادة من التجربة الرائعة والرائدة لجيل الاستقلال.

فجيل الاستقلال والنخب تصارعت وتقاتلت واختلفت لكنها اتفقت من أجل استقلال ليبيا وأيضا بناء الدولة، وأعتقد أنه من المهم أن يستفيد الليبيون من هذه التجربة، التي أدت إلى استقلال ليبيا.

هذا الوعي وفهم الدروس ليس من خلال الأسماء بل من العبر والتوافق والتنازل، أعتقد أن لهذا دورًا كبيرا في حل معضلة المرحلة الانتقالية.

هناك أيضًا نقطة أخيرة، أعتقد أنها مهمة، أنه يجب إيقاف الخطاب التخويني لآلاف الليبيين الذين أيدوا النظام السابق ويعيشون في مصر وتونس وباقي المنافي، هناك ناس أجرموا لابد من محاكم بحقهم والسلطة القانونية تستطيع أن تقول هؤلاء أجرموا أم لا، لكن آلاف الليبيين الذين أيدوا النظام السابق من الإجحاف أن يستمر إقصاؤهم وتخوينهم، وأعتقد أنه سيؤدي في نهاية الأمر إلى ما طالبت به منذ خمس سنوات وهو تكوين لجنة حقيقية للمصالحة والإنصاف في ليبيا إلى جانب التوافق، وتوثيق كل الجرائم التي ارتكبت سواء في العهد السابق أو في الثورة أو ما بعد الثورة، مقابل التوافق السياسي من ناحية والإنصاف والمصالحة من جانب آخر.

فيجب إعادة النظر في تخوين ما يسمى بـ«الأزلام والطحالب»، فبغير مواجهة هذه الإشكاليات الثلاث وهي فشل النخبة والتدخل الخارجي والتوافق مع التنازل، فإن الأزمة الليبية ستستمر ربما لعقد من الزمان.

هل يتعرض الليبيون في أميركا والدول الأوروبية لمضايقات، خاصة بعد الحوادث الإرهابية الأخيرة؟

لا أعتقد هذا، هناك أشياء كثيرة تحدث للآخرين، لكن لم يحدث لي شخصيا أشياء من قبيل النظرات المريبة أو ما إلى ذلك، لكن لا يعني أن الآخرين لم يواجهوا .مشاكل، أو تحيزًا أو نوعًا من العنصرية

المجتمع الأميركي الآن منقسم على نفسه، وهناك أزمة كبيرة هنا، وليست المشكلة في وجود اللليبين أو العرب أو المسلمين، لكن المجتمع منقسم بشكل حاد لم أره منذ حوالي 30 سنة.

ما دوركم في حلحلة الأزمة الليبية؟

كنت صوت الثورة الليبية في المجتمع الأميركي، فأنا أستاذ كرسي وأسست قسمًا في جامعتي وناشط في الأوساط العلمية في أميركا وأوروبا كثيرًا، في الحقيقة، لقد طُرح علي الانضمام إلى المجلس الانتقالي أثناء الثورة، لكن كانت رؤيتي أنني سأفيد الشعب الليبي أكثر كأكاديمي أميركي، وحاولت قدر الإمكان من خلال نشر مقالاتي في «النيويورك تايمز» أو لقاءاتي مع مسؤولين أميركيين، أن أُرشِّد وأعرف بقضايا الليبيين وليس بقضايا النخب، ونضال الشعب الليبي من أجل الاستقلال.

____________________

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *