بقلم محمد صالح تنتوش

لك أن تتخيل لجنة لصياغة مسودة للدستور تعمل منذ 3 سنوات دون الوصول الى مسودة نهائية تعرض على الشعب الليبي للاستفتاء.

اذا تخيلت فستظن أن هذه اللجنة كانت تعمل من أجل اخراج أفضل مسودة دستور ممكن تجمع الناس على عقد اجتماعي ينظم الحياة السياسية والقانونية في البلاد ويؤسس لحكم رشيد لها ، لكن الحقيقة لم تكن كذلك ،

فاللجنة قد أخرجت ثلاثة مسودات سابقة لم يتم التوافق على أي منها ، ووسط سخط الناس من تأخر مخرجات هذه اللجنة مع استمرار مصاريفها العالية ، أخرجت لجنة التوافقات الدستورية خلال الاسبوع الماضي المسودة الرابعة والتي من المخطط أن تعرض على الهيئة التأسيسية يوم 7 مايو ليتم التصويت عليها ومن ثم احالتها للاستفتاء العام في حالة التصويت عليها بنعم أو العودة للعمل مجددا على مسودة جديدة حتى يتم عرضها للتصويت مرة أخرى .

الحقيقة هنا أن الدوامة قد لا تنتهي طالما ظلت اللجنة تسلك ذات السلوك من خلال اعتبار نفسها طرفا في الصراع الدائر حاليا واعتبار نفسها مخرجا من الأزمة الحالية فقط لا أكثر وعدم الأخذ بالاعتبارات المستقبلية لنتائج عملها .

لقد بدا واضحا ان اللجنة تعرضت للكثير من الضغوط لتغيير الكثير من موادها وفقا لأهواء وارادة أطراف النزاع المختلفة ، وليس أدل من ذلك التغيير الذي طرأ على شروط الترشح لرئاسة الجمهورية ما بين المسودة الثالثة والرابعة.

أن تعتبر أطراف الصراع المختلفة الدستور القادم وسيلة لها للسيطرة على الحكم و أخذ مغانمها من السلطة وكأنها تشريف لا تكليف هو أمر طبيعي من أطراف لم تنتبه الى أن مراهقتها المتأخرة قد تسببت في أزمة اقتصادية واجتماعية حطمت البلد و أطاحت بكرامة البشر تحت وطأة الحرب والتهجير والإفلاس.

لكن أن تنصاع، لجنة انتخبت من أجل الخروج بعقد اجتماعي يؤسس لدولة حديثة تستند على الحكم الرشيد وعمادها القانون تضمن الاستقرار للأجيال الحالية والأجيال القادمة ؛ إلى خطاب وتأثير هؤلاء يعني أنها خيبت أملنا ولم تتوقف عند اختيار الأشخاص غير المناسبين في المؤتمر الوطني ومجلس النواب فقط بل تدفعنا الى التساؤل عن من هو أهل للمسؤولية اذا لم يتحملها هؤلاء أمام الله ثم أمام التاريخ والشعب .

وحتى لا نجحف عمل الهيئة ونكون موضوعيين يجب أن نشيد بالمجهود الذي بذل في الكثير من مواد المسودة المقترحة لكن المصيبة أن يتم اجحاف الشباب والمرأة بشكل كبير في مواد هذه المسودة خاصة فيما يتعلق بسن الترشح لمجلس الشيوخ ولرئاسة الجمهورية وكأننا نرى اليوم أفضل أداء سياسي ممكن من رجال السياسة في هذا البلد حتى نجحف الشباب ونرفع سن الترشح الى سن ال40 ، ثم أن نضرب المواطنة في الصميم من خلال اجحاف الكثير من حقوق المرأة المتعلقة بأحقية أبنائها في الحصول على الجنسية وكأننا نبلغ ال60 مليون نسمة لا 6 مليون .

تم توجيه الضربة القاضية لهذا المسودة من خلال السماح للمؤسسة العسكرية بالتدخل في الشأن السياسي بعد أن كانت تفرض على العسكري الاستقالة من وظيفته قبل الترشح بسنتين في المسودة الثانية والتي عدلت الى سنة في المسودة الثالثة قبل أن تزال في المسودة الرابعة.

لك أن تتخيل تناقضا واضحا في الأسس التي بنيت عليها شروط الترشح فالمترشح له أن يعيش خارج البلد طوال حياته دون الحصول على جنسية ذلك البلد ثم يعود الى البلاد ليترشح لرئاسة الجمهورية ، وله إذا أراد حياة وردية أن يحصل على جنسية ذلك البلد ثم أن يتخلى عنها قبل 5 سنوات من الترشح للمنصب ثم أن يحكم البلد ، لكن ليس له أن يكون متزوجا بأجنبية أو أن تكون أمه أجنبية، لتصاب نظرية المؤامرة في مقتل وأن تحتار بدورها في تباين معايير الترشح وصبيانتها وخضوعها لأهواء الأطراف المتنازعة .

الحقيقة أننا هنا امام اشكاليتين رئيسيتين:

تتمثل أولاهما في أنه في حال التصويت على المسودة الرابعة بنعم فإن تصويت الشعب عليها بنعم سيكون أمرا حتميا كون ترسخه كطوق نجاة في أذهان المجتمع ، وبالتالي ستكون النتيجة دستورا مشوها بشكل كبير قد يكون في ذاته أزمة من خلال نتيجتين محتملتين أولاهما أن تكون مخرجاته على مستوى السلطات المختلفة مشوهة تحدث بدورها أزمة في البلد وتعيدنا الى نقطة الصفر ،

وثانيهما أن يكون الدستور في ذاته على رأس جلسات السلطات التشريعية من أجل اجراء تعديلات حوله وبالتالي أن يكون مصدرا للنزاع والتصارع مجددا والخياران أحلاهما مر .

أما في حالة التصويت على المسودة بالرفض من قبل لجنة الستين فإننا قد نكون أمام أزمة تعصف بالمجلس في ذاته وتنهي عمله سواء من خلال ضغوطات من خارجه او باستقالة اعضائه وبالتالي فان اللجنة ستكون تحت ضغوط كبيرة يوم التصويت على المسودة ، وهو ما يحاول الكثير من المهتمين بالشأن الدستوري أن يقترحوا حلولا تتمثل في تأجيل جلسة التصويت الى وقت آخر يتم قبله اجراء مراجعة وتعديلات أخيرة على المواد التي يوجد اعتراض حولها والتي قد تؤسس لنتائج سلبية مستقبلا .

وحتى موعد جلسة التصويت سنكون في انتظار مخرجات لجنة طال صيامها فإما أن يتم صيامها على خير ويقبل ، أو أن تفطر عمدا قبل الأذان .

***

محمد تنتوش/ كاتب ليبي

_______________

ليبيا الخبر

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *