بقلم عادل زقاغ و سفيان منصوري

تم إخضاع الأزمة الليبية لعديد الأدوات التحليلية لفهم ديناميكية التصعيد وسبل التهدئة. ولكن عادة ما تركز الأدبيات ذات الصلة على متغيرات سياسية وأمنية. يحاول هذا البحث استشفاف التبصرات التي يمكن الحصول عليها لدى مقاربة الأزمة الليبية، من منظور الإقتصاد السياسي.

أولا: الاقتصاد السياسي للتصعيد في ليبيا بعد 2011 (تكملة)

3ـ الدعائم الاقتصادية للولاء القبلي\العشائري

إن مستويات التنسيق العالية داخل القبيلة \ العشيرة تعود إلى وجود دعائم رمزية متماسكة تسند ذلك، وهي من ضمن مكونات الهوية المشتركة.

فمع ترهل الولاء المواطني، تقوم إعادة النظر في التصور الهوياتي عبر تحديد الأنا قياسا على الآخر، على اعتبارات إثنية. وعندما تعتمد مقومات التصور الهوياتي الستجد على الدين والعادات والتقاليد الراسخة، فإن قوتها الإلزامية تكون حاسمة، ما يجعل تكاليف عقد الصفقات متدنية جدا، وبذلك تكون بمنزلة الصفقة الأشد ملاءمة.

تعد الصفقات ذات الطابع الاقتصادي حاضرة في هذا المضمار، إذ إن شبكة العلاقات التي يتم إرساؤها على مستوى الأجهزة البيروقراطية، ذات الخلفية الإثنية، تسند المصالح الاقتصادية لأعضاء الإثنية المعنية.ويفسر ذلك جوانب كثيرة من الحركية السياسية في ليبيا بعد الأزمة: كالتنافس القبلي للتموقع السلطوي على كل المستويات، فالسلطة هي المخولة بتوزيع القيم المادية وعائدات المحروقات على نحو خاص، ويفسر ذلك أيضا الاستقطاب الحاصل بين طرابلس وطبرق، والذي تسنده مواقف سياسية تنطوي في جوهرها على تمايزات قبلية\عشائرية.


4ـ الزبائنية وتدخيل المنطق الاقتصادي في الممارسة السياسية

في الدول التي يسودها المنطق الزبائنيمثل ليبيا زمن القذافي، إذ تتم مقايضة الولاء المواطني للنظام القائم، بحزمة من أشكال الدعم (الاجتماعي) عبر مخرجات القرار السياسي فإنه من الطبيعي أن تتزايد احتمالات قيام الفردـالمواطن بمراجعة ولائه عندما تتوقف الحكومة المركزية عن الإنفاق، لا سيما ، وهو متعود على نمط الدولة الراعيةالتي تسجل حضورها في جميع مناحي الحياة لتعزيز منطق الرفاه، فـ الدولة الحارسة” (التي تقدم الحد الأدني من الوظائف الدولاتية) بالنسبة إلى الفرد، ليست بالفضاء الذي يسمح بتحصيل الاحتياجات الأساسية للفرد.

5ـ تراجع الدخل الفردي وتنامي شعبية عرّابي العنف الإثنوـسياسي

إن تحرير الاقتصاديات الموجهة و لبرلتهاقصد زيادة تنافسيتها، وإدماجها في السوق العالمية يؤدي، على الصعيد الاجتماعي، إلى رفع سياسات الدعم والحمائية التي كانت تحظى بها فئات واسعة من المواطنين البسطاء، أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو رجال الأعمال، وينتج من ذلك تراجع مدخولات الأفراد والأسر والمؤسسات، بل وإفلاس الكثير منهم، ما يساهم في تراجع مستوى المعيشة، ويولد ذلك سخطا متزايدا تجاه الحكومة المركزية، يعمد عرابو (العنف) الإثنوـسياسي إلى الإستثمار فيه وإعادة توجيهه ضمن دوائر إثنية خالصة.

غير أن قدرة عرّابي العنف الإثنوـسياسي على التعبئة تتزايد سريعا مع انتشار مظاهر الحرمان، إذ إن أفول مظاهر السلطة المركزية بل والدولة ككل يحرم الأفراد من الاعتمادعلى الزبائنيةلتلبية متطلبات الحياة، وفي مقابل ذلك فإن الإثنيةـ القبلية توفر إطارا مناسبا وفعالا لتحصيل الخدمات في مقابل إظهار الولاء للإثنية، ويظهر التمثيل البياني إدناه أفول المدخولات الليبية من النفط خلال السنوات الخمس الإخيرة، ولا سيما سنة 2011 والمدة بين منتصف 2012 إلى 2015، ويوافق ذلك على نحو مفاجئ مُدد التصعيد واشتداد العنف بين العُصب المسندة قبليا.

وإذا كان تزايد حدة الاستقطاب بين الإثنيات ـ العشائر ـ العُصب المختلفة بتراجع الموارد المالية للنظام الزبائني مبررا، فإن السقوط في مدة لاحقة ضمن أسوار المعضلة الأمنية المجتمعية

يرفع من شأن الإثنيةـالعشيرة، ويزيد جاذبيتها بوصفها بديلا لتوفير الحاجات الانسانية الأساسية وعلى رأسها البقاء، وليس أقل أهمية منها السعي لتحقيق امتيازات اقتصادية (والحفاظ عليها) بالنسبة إلى الأفراد والأسر، سواء قبل نزوع الأزمات نحو التصعيد أو خلال أو بعد مدد التصعيد وحتى بعد التسويات.

..

يتبع في الجزء الرابع

***

عادل زقاغ ـ أستاذ العلوم السياسية بجامعة باتنة

سفيان منصوري ـ أستاذ العلوم السياسية بجامعة باتنة

***

نشر البحث في العدد 25 من مجلة سياسات عربية التي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

_ _________________

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *