بقلم شعبان عمراني (ترجمة حفصة جودة)

أمضى أطفالي سنوات عديدة يهربون من أخفت الأصوات سواء كان قرعًا على الباب أو أصوات الألعاب النارية في الخارج، استغرق الأمر الكثير من الوقت حتى فهموا أن هذه الأصوات جميعًا ليست صوت البنادق، هذا ما قالته آية وهي أم عزباء لثلاثة أطفال.

آية واحدة من العديد من سيدات ليبيا اللاتي فقدن أزواجهن خلال ثورة 2011 والتي أطاحت بالقذافي وتلتها الحرب، ومن بين اللاتي يربين أبنائهن الآن كأمهات عازبات، تقول آية: “الأمر ليس سهلاً أبدًا، يظهر عبء تربية أطفالها وحدها جليًا في عينيها المتعبتين، وتضيف والدموع في عينيها: “نحن نفتقده كثيرًا“.

تعيش آية مع حمويها في بيتهم وتقول إنهم يساعدونها كثيرًا، ويشعر الأطفال دائمًا باتصالهم مع والدهم لوجود أجدادهم بجوارهم، كان أخو زوج آية قد قُتل أيضًا خلال الحرب.

هذا هو والدي

كانت آية حاملاً في أثناء الثورة، ولم تر ابنتها الصغرى والدها أبدًا، فقد وُلدت بعد شهرين من مقتله، ورغم ذلك عندما سمعتنا نتحدث عنه ركضت إلى الغرفة وأحضرت صورته وقالت: “هذا هو والدي“.

أما منى ابنة آية الكبرى والتي كانت تبلغ من العمر 10 سنوات في ذلك الوقت، فقد عانت من اضطراب ما بعد الصدمة بعد وفاة والدها وعمها، كما عانت من الأرق والإنكار لفترة طويلة، تقول آية: “لم تكن ترغب في سماع أي شيء عنهما وعندما نتحدث عنهما وعن رحيلهما كانت تضع يديها على آذانها وتهمهم حتى لا تسمعنا“.

كان عم منى قد وعدها بشراء حقيبة مدرسية جديدة لها قبل وفاته، هذا هو الشيء الوحيد الذي تتحدث منى عنه، لا تصدق منى أن وعده لن يتحقق ولا تستمتع لأي أحد أبدًا مهما قالوا لها، تعيش آية مع أسرتها في منطقة غرغور في العاصمة طرابلس، وكانت هذه المنطقة مقرًا رئيسيًا لقوات القذافي في أثناء الثورة، ويعيش فيها كبار ضباط الجيش بالإضافة إلى صهر القذافي رئيس المخابرات عبد الله سنوسي.

تقول آية: “لقد عشنا في ليبيا عدة أشهر فقط بعد بداية الثورة لكن ابنتيّ تأثرتا كثيرًا في ذلك الوقت، فالمنطقة التي نعيش فيها تمتلئ بالمرتزقة ويحدث إطلاق نار يوميًا في شارعنا، بعد بضعة أشهر من بداية الثورة في فبراير 2011 رحلت آية وأسرتها إلى تونس لحماية أطفالها مثلما فعل العديد من الليبيين، وبعد رحيلهم بشهرين عاد زوجها وأخيه لدعم الثورة وكانت هذه آخر مرة تراه فيها، ثم عادت آية والعائلة إلى ليبيا مرة أخرى بعد وفاتهم.

تبلغ منى الآن 16 عامًا وبقي لها عامان في المدرسة، ما زالت تتجنب الحديث عن والدها لكنها تحسنت عما قبل، تقول آية إنها متعلقة بشكل غير طبيعي بها وبأختيها ولا ترغب أبدًا في الابتعاد عنهم، لقد سادت الحرب الأهلية وعدم الاستقرار في ليبيا منذ 6 سنوات بعد ثورة 2011، ومات آلاف الناس وتشرد الكثيرون ودُمرت منازلهم، وأصبح إطلاق النار والاشتباكات جزءًا طبيعيًا من الحياة اليومية.

إنهم لا يعرفون غيرها

وفقًا لما يقوله السكان المحليون، فحياة الأطفال اليومية أصبحت مليئة بالعنف، فالأطفال يلعبون بألعاب تشبه البنادق والسيوف وفي الشوارع تجد الأطفال يقسمون أنفسهم إلى مليشيات، لقد أصبحت لغة العنف سائدة بين الشباب، ويخشى المواطنون من أن يدمر هذا العنف مستقبل البلاد.

لم يغادر مصطفى محمد أب لخمسة أطفال ليبيا طول فترة الصراع، لكنه يشعر بالقلق من انتشار ألعاب السلاح بين الأطفال وأن العنف أصبح أمرًا طبيعيًا، هذا الأمر قد يدمر مستقبل المجتمع، يقول مصطفى: “إذا كان هذا الجيل يفكر في الأسلحة والمليشيات وهو بعمر السابعة والثامنة فكيف سيكون قادرًا على التركيز في الجوانب الإيجابية للمجتمع؟“.

يقول المواطنون إن الأطفال في ليبيا محرمون من طفولتهم الصحية والطبيعية بسبب الحرب الجارية، يضيف مصطفى: “يبلغ أصغر أبنائي من العمر 7 أعوام والأكبر 14 عامًا، جميع أبنائي سواء البنين أو البنات يلعبون ألعابًا مرتبطة بالحرب مع أصدقائهم، مثل مليشيات متضادة أو ألعاب السيوف والبنادق، هذا كل ما عرفوه وشاهدوه وسمعوا عنه بعد 6 سنوات من الحرب“.

تنتشر الأسلحة على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد، ففي كل بيت توجد بندقية على الأقل، في تقرير نشرته بي بي سيلمشروع دراسة الأسلحة الصغيرة، وجدوا أن البنادق والأسلحة في ليبيا تُباع على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك.

مشكلة كبيرة

في العاشر من أغسطس حذرت اليونيسيف من أن أكثر من نصف مليون طفل في ليبيا بحاجة للمساعدة، وأكثر من 80 ألف طفل تعرضوا للنزوح وأطفال المهاجرين في ليبيا يتعرضون بشكل كبير للإيذاء والاستغلال.

أطفال تابعين لتنظيم الدولة يعيشون الآن في مقر الهلال الأحمر الليبي بمصراته

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فقد تأثرت مرافق الصحة العامة بشكل كبير بسبب الحرب الأهلية في ليبيا، فهناك 43 مستشفى من بين 98 معطلين جزئيًا أو لا يعملون إطلاقًا بسبب نقص الأدوية والإمدادات الطبية والموارد البشرية.

في عام 2013 وجدت منظمة الصحة العالمية أن هناك 12 طبيبًا نفسيًا فقط في البلاد وخدماتهم تتركز في المستشفى النفسي بطرابلس وبنغازي فقط (أكبر مدينتين في ليبيا)، ولا تزال الموارد في هذا المجال شحيحة للغاية، فالإنفاق في هذا القطاع لا يتجاوز 1% من الإنفاق الخاص بالقطاع الصحي.

تصف سلمى وهي موظفة اجتماعية عملت في الحكومة لمدة 45 عامًا زيادة أعداد الأطفال الذين يعانون من مشكلات صحية نفسية، وتقول: “يأتينا العديد من الآباء ممن يعاني أطفالهم من اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق وبعض الأمراض النفسية غير المشخصة، المشكلة أننا لا نملك ما يكفي من الأدوات لمعالجة تلك القضايا، وينتهي الأمر بتحويلهم لأطباء الأطفال غير المتخصصين في الطب النفسي، وهذا الأمر يُعتبر مشكلة كبيرة“.

***

شعبان عمراني ـ صحفي ليبي

_______________

المصدر: ميدل إيست آي

مواد ذات علاقة