بقلم محمد صالح تنتوش

تزوجت وعمرها 12 عاما، وقتها كانت العادات والتقاليد في مجتمعنا تقضي بزواج الفتاة في سن مبكر، وربما هذا كان قدرها أيضا فقد أنجبت أطفالها الأربعة مبكراً أيضا ثم توفيت في العشرينيات من عمرها، تزوج زوجها مرأة أخرى وأخذ أطفالها معه ويبدوا أن ابنتيها حملتا ذات الحظ،

الأولى تبقى حتى الخمسينات من عمرها دون زوج، والثانية تتزوج مبكرا أيضا مثل والدتها، و يا له من زوج ويا له من زواج وسط عائلة الزوج التي تبغضها والزوج القاسي.

كان من الواضح أنه لم يكن لتلك الطفلة مكان لكن ما الذي كانت ستفعله، الصبر والكتمان وطيبة القلب وأطفال أنجبتهم لهم عليها حقوق ولو لم يسددوها لاحقاً تلك كانت أدواتها للعيش، وبعد فترة أكرمها الله بفقدان جزء من سمعها وقد تذهلون من وصفي لما حدث معها بالكرم، لكن عند سماع كم الشتم والإهانة والغيبة التي كانت تتعرض لها ستعلم أن عدم سماعها لما كان يقال كان نعمة بالفعل.

اتخذ زوجها زوجة ثانية بعد مدة لا يهم! هي أساساً لم تشعر يوما بأنها زوجته الأولى.

في منطقة أخرى وسط البلاد، لا تختلف القصة فتاة تتزوج في عمر صغير والزوج ظالم ليس في قلبه ذرة رحمة، لم يوفها حقا ولم يعط لها قدرا، وسط الظلم والإهانة والضغط العصبي والنفسي كانت حياتها جحيما بما تعنيه الكلمة من معنى، لكنني لا أعلم حقا من أين كان لها ذاك القلب الطيب الذي أعطت به هي بالمقابل كل ما تملك لزوجها ولأبنائها ولم ترض فيه ذرة أذى ولو كان من إخوتها الذين كانوا يموتون داخليا من أجل ما يحصل لها.

لا أعلم ما الذنب الذي اقترفته هؤلاء النسوة ليستحققن كل هذا الظلم، فلا حظ لهن من نوم ولا راحة بال، اسألوا أي أحد سبق له العمل في مجال الأعمال الخيرية وسيخبركم بدموعهن وإلحاحهن وقت العيد أو وقت المدرسة وهن يبحثن عن ما يعطينه لأبنائهن من أكل أو ملبس

توفيت رحمها الله وأظنها وأحسبها في جنة الخلد ولا أزكيها على الله، ولكن أليس مكان الصابرين في جنة المأوى؟

فكيف بمن عاشت حياتها كلّها تحت الظلم والعدوان سواء من والدها أو زوجها؟

هاتان قصتان كنت شاهدا على إحداهما وناقلا للثانية، وهما ليستا سوى عينة بسيطة مما شهدته أو تناقل إلى من حجم الظلم الذي يقع على المرأة بأشكال وأنواع مختلفة، فلا حظ لمعظم النساء في الميراث الذي يحرمها منه الإخوة بوصية من الآباء في بعض الأحيان ليُرفض أمر الله عز وجل بوقاحة وجرأة كبيرة.

لا أعلم ما الذنب الذي اقترفته هؤلاء النسوة ليستحققن كل هذا الظلم، فلا حظ لهن من نوم ولا راحة بال حتى ترى هؤلاء النسوة أبنائهن في أحسن حال (ولكل قاعدة شواذ) اسألوا أي أحد سبق له العمل في مجال الأعمال الخيرية وسيخبركم بدموعهن وإلحاحهن وقت العيد أو وقت المدرسة وهن يبحثن عن ما يعطينه لأبنائهن من أكل أو ملبس، وبعد أن تسأل عن أحوالهن الاجتماعية ستكتشف الكثير فالزوج ظالم لنفسه وأهله وبنت مطلقة وأخرى أرملة، أُمُّ تعمل في النظافة وأخرى تبيع ما تستطيع أن تصنعه والحالات والأنواع كثيرة والدموع حاضرة في كل مرة وفي كل قصة يكون فيها للمرأة نصيب من الصبر والإيمان لا يوجد مثله .

دائما ما يتم التركيز على الظلم الذي يقع على المرأة بطريقة سطحية من معظم المنظمات النسائية، فوضع المرأة في المجتمع سيء للغاية وأعتقد أن حالها في هذا كحال الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وكل من ليس له حيلة ولا قوة ولو بدرجات مختلفة، بطريقة ما فإن حالها من حال الإنسان في مجتمعاتنا وقانون الغاب الذي نطبقه بيننا ومركزيّة المال والقوة في صنع المجتمع وبيئته وأحلامه وتطلعاته وأخلاقياته.

لا دفاع متزن عن حقوق المرأة ولا خدمة تقدمها هذه المنظمات المرأة ولا مجتمع يفهم من ذاته أنه بحاجة لإصلاح وضع المرأة به، ظلمات بعضها فوق بعض والضحية هي المرأة وتاجر القضية هو المرأة.

لبس اللباس الذي تريد و الخروج مع من تريد والسفر دون محرم والزواج بمن تريد دون قيد حتى لو كان قيد الشرع والتساوي مع الرجل في ميراث لا تحصل عليه أساسا في الكثير من المجتمع إن لم أقل معظمها.

عادة ما يكون هذا شعار الكثير إن لم يكن معظم المنظمات النسائية التي دائما ما أظن أن لديها انفصالا عن الواقع إذ تأتي معظم رائداته من بيئة وأفكار وخلفيات مختلفة لا يوجد فيها الظلم الحقيقي الذي تتعرض له المرأة، حتى صنعت هذه المنظمات لنفسها أعداء أكثر من المناصرين.

 فكما قيل فإن قضية وضعية المرأة في المجتمع قضية عادلة محاميها أحمق لم يلتق يوما بموكله أساسا ولا يعرف أبعاد قضيته، وحتى عند وجود استثناءات من منظمات تعمل على القضايا والمشاكل الحقيقية التي تعاني منها المرأة تكتشف بالنهاية أنه لا يتم التركيز على دور هذه المنظمات ولا عن طبيعة ما تقوم به من عمل، ذلك أن المخرج (المنظمات الممولِة والمؤسسات الاعلامية) هكذا أراد.

ذكر المسيري رحمه الله في كتابه (المرأة بين التحرر وحركة التمركز حول الأنثى) أن ما تقوم به حركات التمركز حول الأنثى وهو ذات الأسلوب الذي تتبعه الكثير من المنظمات النسائية في الشرق الأوسط بطرق مختلفة هو فصل للمرأة عن المجتمع الذي هي جزء منه وبالتالي لا تصبح المرأة التي هي عضو في أسرة من أب وأم وزوج وأبناء ولكن تصبح الفتاة التي تعيش في بيت لوحدها تواجه العالم وتتمركز حول نفسها ضد الآخر (الرجل)

وعندما تشعر بأنها تريد أن تصبح أمّا تتجه للتلقيح الاصطناعي، وتواجه ضغوط العمل والسوق وحدها، هي زبون دائم لشركات مواد التجميل والملابس الكبرى التي تخبرها أنها يجب أن تشتري موضة الموسم لتستمر في كونها الفتاة القوية المستقلة،

وهي بذاتها سلعة تباع وتشترى فهي موجودة في كل إعلان ولو لم يكن له علاقة بالمرأة لكن الرجل ينتبه إلى هذه الإعلانات عندما توجد امرأة مثيرة بها،

وهي عارضة أزياء وبائعة هوى عندما لا تجد مالا، وفتاة لليلة واحدة أو عشيقة فتاة أخرى عندما تبحث عن عاطفة لا تجدها بفعل فصلها عن المجتمع وتمركزها حول ذاتها.

ظلم على ظلم تروّج له الكثير من المنظمات النسائية العالمية التي تتخذ منها منظمات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نموذجا يحتذى به والنتيجة؟

لا دفاع متزن عن حقوق المرأة ولا خدمة تقدمها هذه المنظمات المرأة ولا مجتمع يفهم من ذاته أنه بحاجة لإصلاح وضع المرأة به، ظلمات بعضها فوق بعض والضحية هي المرأة وتاجر القضية هو المرأة.

***

محمد صالح تنتوش ـ مدون ليبي

____________

 

مواد ذات علاقة