بقلم هانم الشربيني

أكد خبراء فى الشأن الليبى على ضرورة طرح مبادرة عاجلة لإنقاذ مستقبل ليبيا، لافتين إلى أن تصريحات المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطنى حول انتهاء صلاحية اتفاق الصخيرات بتجدد الصراع المسلح بين أطراف النزاع، وهو أمر يستدعى حلًا عاجلًا لتفادى تجدد الاشتباكات بين أطراف الاتفاق.

السفير فايز جبريل سفير ليبيا السابق فى القاهرة يقول: إن مشكلة ليبيا الحالية هى فى الحقيقة تجسد كل مشاكل المنطقة العربية، فأطراف الصراع متعددة فيها من يؤمن بالحل العسكرى، ومشكلة ليبيا تتجسد فيها العديد من المشكلات، منها مشكلة التيار الإسلامى السياسى المعقدة، ومشكلة الدين وعلاقته بالمؤسسات، مشكلة علاقة المثقف بالدولة وعلاقة الدولة بالدين، ومشاكل النفط وطريقة التعامل معه.

 ويضيف جبريل بقوله: أسوأ شىء فى الأزمة الليبية أن الوطن تحول لضحية، وأصبحت أطراف الصراع السياسى مثل الضباع التى تريد أن تتقاسم الفريسة، والحل من وجهة نظرى هو العودة لدستور ما قبل القذافى عام 1951 فهذا الدستور كان محصلة كفاح ضد الاستعمار، وهو الدستور الذى أنشأ الدولة الليبية، ونحن فى المنطقة العربية نعتز بشدة بهذه الخصوصية، ولذلك يجب استثمار هذا المنجز الوطنى للبناء عليه، لأنه لا يمكن بأى حال استمرار الوضع الحالى، فالتحالفات السياسية الحالية فى ليبيا ليست مبنية كما يشاع على النظام القبلى، ففى ليبيا اليوم ليس هناك نظام، التحالفات السياسية الحالية مبنية على الاعتماد على مجموعة عصابات مسلحة من بقايا السياسيين الذين كانوا مساجين فى عهد القذافى، والذين بلغ عددهم نحو 120 ألف سجين.

وشدد جبريل على أن العودة لدستور ما قبل القذافى هو النقطة التى ستعود بها لغة القانون لليبيا من جديد؛ فهذا الدستور أنشأته جمعية وطنية، ويعد إنجازًا وطنيًا، لكن أطاح به القذافى رافعًا شعار القومية العربية، لذا يبقى هو الدستور الذى تحقق تحت مظلته أنه برلمان استطاع أن يطيح برئيس حكومة، وليبيا اليوم تعيش حالة من التوهان السياسى، لذلك لابد من إتباع النصيحة التى تقول إذا تاه شخص بالصحراء فعليه العودة للنقطة التى تاه منها، والعودة للدستور فى ليبيا أصبحت ضرورة ملحة من أجل سيادة لغة القانون قبل أى شىء.

وأوضح جبريل أن كلام المشير خليفة حفتر فى بيانه لم يطرح الأسباب الحقيقية للخلاف بين الأطراف، وهى تصريحات لا تدعو للتفاؤل فيما يخص التوافق بين الأطراف السياسية، لذا فإن العودة للدستور ولو بشكل مؤقت، أمر نقيم به الدولة بشكل جديد، وهو أحد الحلول المهمة فى الأزمة الليبية، خاصة أن الدولة الليبية تعرضت على مدار عقود لمحاولات تفكيك ممنهجة، فالقذافى كان لا يؤمن بفكرة الدولة، وكان يؤمن بفكرة واحدة هى الفوضى، ويريد أن يسيطر عليها وحده، لذلك لا توجد مؤسسات فى ليبيا، والمواطن العادى هو الضحية ويدفع فاتورة 42 عامًا من حكم القذافى، وليبيا جميعها تدفع اليوم فاتورة حكم شخص كان يحكم وفق رغباته وأنشأ سلطة، وبعد سقوط هذه السلطة ذهبت فلم يبق شىء، وصارت ليبيا تعانى من مشكلة خواء سياسى حقيقى، ولم يعد لديها مفهوم الجماعة الوطنية الواحدة.

ونبه جبريل إلى أن علاج المشكلة الليبية يحتاج أولًا لتشخيص المشكلة، فليبيا نتاج واقع عربى مزرى، ونتاج حكام رفعوا راية واحدة هى إما أنا أو الطوفان، ولابد من البحث فى الجذور الحقيقية للمشكلة فى ليبيا، فهى اليوم كالجسم المريض الذى يحتاج لتشخيص، وتستدعى وعيًا شديدًا للبحث عن الأدوات الحقيقية، فبالرغم أن ليبيا تصنف من الدول الغنية، إلا أن المواطن الليبى اليوم أصبح لا يهمه سوى قوت يومه، والجميع يدفع فاتورة النفاق العربى وحكم القذافى، وللوصول بليبيا للاستقرار السياسى بات مسألة صعبة تحتاج للتعامل بجدية، فالكارثة التى حلت بليبيا تحتاج لجهد كبير وتدخل دولى جدى لا يقوم على منطق الإبتزاز.

ونوه «جبريل» إلى أن فاتورة حكم القذافى وهى حينما ينتهى نظام، تدفع الدولة فواتيره، القوانين هى التى تربى الناس، أما السلطة البائدة فى ليبيا فقد علمت الناس الخوف، واليوم نشاهد الخوف حينما يتميز الضحية، فقد انتشر السلاح فى ليبيا وحل الخراب ليس للبنية التحتية فقط ولا فى الاقتتال الدائر، بل أيضًا امتد إلى العقول والحالة المعنوية فليس صحيحا أن ثورات الربيع العربى هى المأساة، نحن شعوب فقدت الأمل لكن المشكلة فى النخبة السياسية.

 وعن سبب انحيازه لخيار العودة لدستور ما قبل القذافى يقول جبريل، لأنه انبثق من مرحلة مهمة وهى مرحلة الكفاح الوطنى من أجل الاستقلال، ففى عام 1949 كان قرار الأمم المتحدة بحق ليبيا فى تقرير مصيرها وعلى أثر ذلك تأسست جمعية وطنية ليبية من برقة وطرابلس والقسم الجنوبى، وهذه الأقاليم توحدت تحت قيادة الملك إدريس الذى ينتمى للأسرة السنوسية، الأسرة التى نشرت الإسلام فى مراحل عديدة، وهذا الدستور أقام شكل الدولة ونظامها وهو قائم على فصل السلطات وقائم على انتخاب مجلس النواب وهو شريك لرئيس الحكومة، وخلال العمل بهذا الدستور سادت ليبيا 18 عامًا وفق نظام قضائى نزيه ولم تصدر السلطة التنفيذية أى قرار منافيًا لأى مادة دستورية، وكانت المحكمة الدستورىة تعمل تحت كفالة القانون، وكان هناك قانون ينظم النفط ويسعى لتوظيف الثروات تحت قيادة جهاز رقابى وإدارى.

الحسين الميسورى الكاتب الليبى يقول: التسوية السياسية قد تستغرق الكثير من الوقت فى ليبيا، لأن الأطراف السياسية لا تؤمن بالشراكة، كل طرف يريد الاتفاق السياسى واتمامه بهدف إزاحة خصومه، وعمليًا لا يمكن قيام عمل عسكرى كبير لحسم الصراع فى ليبيا، لأن الجغرافيا تفرض نفسها فليبيا جغرافيًا مساحتها كبيرة، وكل منطقة فيها تحالفات يكفى أن بعض مناطق التحالفات التى تبرمها غير مضمونة، لأنها تسير وفق مصالحها، ولا تحل أى أيديولوجية، وخطاب المشير حفتر الأخير هو موجه لأنصاره ولا يحمل معنى سياسى يذكر على القوى الأخرى على أرض الواقع، فبعد سيطرة الجيش فى طرابلس صارت الأوراق السياسية متقلبة، واتفاق الصخيرات لكى يلغى فعليًا يحتاج لإجماع من المجتمع الدولى.

ولتسوية الأزمة الليبية بين الأطراف السياسية المختلفة لابد من إرادة دولية حقيقية، ولابد من اشتراط عقوبات دولية على الأطراف التى لا تنفذ الاقتراح.

ويضيف الحسين قائلًا: دول الجوار الأكثر تأثيرًا وتأثرًا فيما يحدث فى ليبيا هما مصر والجزائر والبلدان لديهما نفوذ مع السلطات فى ليبيا، لأن حدود ليبيا مع مصر كبيرة جدا ، ويدخل فى صميم الأمن القومى المصرى، لذلك هناك إجماع على الخيار السياسى، وأنه هو الحل الوحيد لحسم الصراع فى ليبيا، سواء من دول الجوار أو من المجتمع الدولى.

د.سعيد صادق أستاذ الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية يقول: أعتقد أن ما طرحه المشير خليفة حفتر من كون الاتفاق السياسى الليبى الذى وقع فى ديسمبر 2015 فى المغرب قد انتهت صلاحيته هو موقف تفاوضى، يسعى من خلاله لتقديم حلول سياسية للأزمة الليبية، وقد كان نص الاتفاق الذى وقع قبل عامين فى منتجع الصخيرات المغربى برعاية الأمم المتحدة على تشكيل حكومة الوفاق لمدة عام قابلة للتمديد مرة واحدة، وهى لا تحظى بإعتراف حفتر، ولم تحصل على ثقة البرلمان المنتخب ومقره شرق البلاد، والذى يدعم المشير حفتر، لكن اتفاق الصخيرات وفق قرارات مجلس الأمن هو الوحيد المعترف به لوضع حد للأزمة السياسية فى ليبيا، وخطاب حفتر يعنى عمليًا أنه غير معترف بصلاحية هذا الاتفاق السياسى، ويعنى فقده لكل الصلاحيات السياسية المنبثقة عنه وعدم مشروعيتها.

كما أن المشير حفتر يدعم نفسه فى هذا الخطاب، ويتوجه للناخب الليبى، فقد قال إنه رغم ما يواجهه من تهديدات، فقد أعلن انصياعه التام لأوامر الشعب الليبى دون سواه، فهو الوصى على نفسه والسيد فى أرضه، ومصدر السلطات وصاحب القرار فى تقرير مصيره على حد قوله.

ويضيف صادق أن حديث حفتر من المؤكد أن وراءه داعم دولى، فهناك أطراف دولية كثيرة لها مصالح فى ليبيا، لذلك أحدث خطاب المشير حفتر صدى دوليًا واسعًا، وهو الذى دفع غسان سلامة موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا إلى القول إن الليبيين سئموا من العنف، وهم يأملون فى التوصل إلى حل سياسى وتحقيق المصالحة، وأن العملية السياسية هى السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والوحدة فى ليبيا، فمنذ سقوط نظام القذافى والسلطة موضع تنازع بين حكم فى طرابلس وآخر مواز فى شرق البلاد.

ويشدد صادق على أهمية موقف مصر الداعم للحل السياسى قائلًا: الأزمة الليبية هى محل اهتمام عميق من القيادة المصرية وكل الدوائر السياسية والدبلوماسية المصرية، كذلك مصر هى محطة محورية فى أى محادثات بين الفرقاء السياسيين الليبيين ودفعهم للجلوس على طاولة الحوار بحثًا عن الوفاق السياسى وإنقاذ البلاد من مخاطر الإرهاب، وحل الأزمات العالقة بين القوى السياسية المختلفة، فلا يزال داعش يشكل خطرًا كبيرًا على أمن ليبيا، وبالتبعية فإنه يشكل خطرًا مماثلًا على أمن مصر القومى، وكذلك دول الجوار الأخرى كتونس والجزائر.

 لذلك تلعب مصر دورًا سياسيًا مهمًا من أجل منع سيناريو الإنزلاق فى هاوية الفوضى والتقسيم فى ليبيا، حقنًا للدماء وتوحيدًا للجهود والسياسات لمحاربة الإرهاب، ومن أجل عودة الأمن والاستقرار فى الأراضى الليبية، ولذلك تدعم مصر اتفاق الصخيرات الذى نتج عنه تشكيل حكومة الوفاق الوطنى، وهو الأمل فى توافق مجلس النواب الليبى على تشكيل الحكومة، لتعزيز قدرته على الاضطلاع بمسئولياتها لإستعادة الأمن والاستقرار فى البلاد، ومواجهة الإرهابيين، خاصة بعد تدفق مئات المقاتلين الأجانب هنا وهناك،

وبالتالى مصر تحترم شرعية مجلس النواب الليبى، وتدعم المؤسسة العسكرية فى ليبيا، وتدعم مساعى حكومة الوفاق الوطنى والاستقرار السياسى على أرض الواقع، فمصر تدرك جيدًا أن إتباع الوسائل السلمية هو الذى يضمن وحدة الكيان الليبى، وأن حكم الميلشيات هو من يفتت الوطن الواحد، ويهدد أواصر الاستقرار؛ لذلك فإن مصر تحارب بقوة وتسعى لاستبعاد كل التنظيمات المتطرفة التى قادت ليبيا إلى التناحر والفرقة، فإنقسام ليبيا ليس من شأنه مساعدة أمن مصر، وأمن ليبيا يؤثر على كل دول الجوار، وليبيا ليست فقط مهمة لمصر من الجانب الأمنى، وإنما من الناحية الاقتصادية والحدود المصرية الليبية عبارة عن شريط حدودى بطول ما يزيد عند 1049 كيلو مترًا وهو الأمر الذى يجعل كل تلك المساحة مهددة بعمليات اختراق وتهريب خاصة للسلاح فى ظل عدم وجود قوات تحرس الحدود الليبية.

الإعلامى زهير البرعصى يقول: التسوية على الأرض تحتاج جلوسًا على طاولة واحدة برعاية دولية، وبرعاية الأطراف المتناحرة فى الشرق والغرب، والجلوس على طاولة واحدة، الصخيرات لم تمثل كل الأطراف الليبية خاصة فئة الشباب وهم يشكلون أكثر من 60%، والخلاف الليبى يسعى فى عدم مصلحة المواطن الذى يعانى حتى ارتفاع فى الأسعار، وتغول التجار وعدم وجود سيولة ، والناس تتعامل بأنظمة ربوية وبأسعار مضاعفة، فالدينار الليبى موجود عند تجار السوق السوداء، ولا يوجد إيداعات فى المصارف خوفًا من عدم الاستقرار السياسى، ووجود تفاقم فى آخر 3 سنوات.

الكاتب الليبى شكرى السنكى يقول: الصراع فى ليبيا اليوم ليس صراعًا على أفكار ولا برامج، الصراع على السلطة، وليس هناك قوة ثابتة، والأتفاق السياسى هو الحل الوحيد لحسم الخلاف وإلا يستمر القتال، ولذلك ليس هناك أولوية للحل العسكرى، وبالتالى لابد أن يكون الحل السياسى هو المظلة ويكون برعاية دولية.

***

هانم الشربيني ـ صحفية وقاصة من مصر

_______________

مواد ذات علاقة