بقلم عبد المجيد العويتي

لاتزال التخمينات قائمة ومتواردة بين المهتمين بالشأن السياسي في ليبيا بشأن المبادرة الفرنسية بالرغم من وضوح حيثياتها أثناء اللقاء.

وهو ما عرضته الخارجية الفرنسية مسبقاً على المدعوين من أطراف الحوار الليبي والتي جاء على رأسها الدعوة لتوحيد المؤسسة المالية والاقدام على خطوة الانتخابات قبل نهاية العام والتأكيد على المسار الدستوري ، إلا أن المبادرة خلت من إلزام نفسها بتحقيقه قبيل أو بعد استحقاق الانتخاب .

ولكن تظل التكهنات حول الرغبة الفرنسية وحقيقتها وراء هذه الدعوة وطرحها المبادرة وسط هذه الظروف ، ظروف تحكمها حالة من الركود السياسي وسط أزمة اقتصادية خانقة طال أمدها وحالة أمنية متعثرة يسمع أزيز رصاصها في درنة والجنوب الليبي ، وأمام بطء شديد للمسؤولية التنفيذية المنوطة بالمجلس الرئاسي وتغول للمال السياسي الفاسد والسلاح المستورد اللذان أصبحا يحركان الأوضاع نحو مزيد التأزم .

أكثر الأسئلة المطروحة حول المبادرة هو حول حقيقة الرغبة الفرنسية من ورائها وهي الداعم الواضح والجلي للواء المتقاعد خليفة حفتر ولعمليته العسكرية وإن كان هذا الدعم خفياً في بعض الأحيان إلى أن أحرجت الأحداث أكثر من مرة الجانب الفرنسي وهو يتورط في دعم عملية الكرامة ،

بالذات بعد سقوط طائرة عسكرية تقل جنوداً فرنسيين في ليبيا عرف أنهم يشاركون في العمليات العسكرية ضد مجلس شورى ثوار بنغازي مما جعل فرنسا تقع في حرج دولي وهي أحد أفراد الأسرة الدولية الذين ألزموا أنفسهم بدعم حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن الاتفاق السياسي دون غيرها من أطراف الصراع  ،

فهل سيأتي الدور الفرنسي مكملاً للقاء باريس السابق الذي جمع السراج مع حفتر وأكدت مجدداً وقتها باريس دعمها للخيار السياسي لحل الأزمة الليبية ؟ ،

ولأن تتويج حفتر عسكرياً أمر بعيد المنال ربما تؤكد باريس لنفسها أن السبيل السياسي عبر صناديق الاقتراع سيكون أفضل من إضاعة الوقت في طرق ملتوية لتأكيد الاستقرار في البلاد ، وربما التفكير ملياً في وضع حفتر قائداً عاماً للجيش الليبي تحت السلطة المدنية حسبما جاء في المبادرة .

يتسائل آخرون عن الدور الأممي في هذه المبادرة وهل هي فرنسية خالصة أم أنها برعاية أممية ، بالذات وأن المسار السياسي في ليبيا مرهون بالاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية والذي تقوده الأمم المتحدة وهي التي يعتبرها جزء من أطراف الحوار السياسي صمام أمان حتى لا تنفرد دولة بعينها بالملف الليبي وتوجهه حيث مصالحها ،

ففرنسا على أية حال أثبتت الأحداث أكثر من مناسبة عدم حياديتها في المشهد الليبي بدعمها لحفتر ، فإن انفردت بمبادرة من هذا النوع وألزمت الأطراف بما جاء فيها لن يتوقف التوجس حيال أي خطوة لاحقة بالذات فيما يخص مصير اللواء المتقاعد .

ونرى هذا التقدم الفرنسي متزامناً مع تراجع للدور الايطالي في الملف الليبي إن اتفقنا أن ايطاليا أكثر أفراد الأسرة الدولية اهتماماً بالملف الليبي لعدة اعتبارات منها التاريخي والجغرافي والاقتصادي ،

تراجع ايطاليا الأخير يتضح في الربكة داخل البيت الايطالي نفسه بعد وصول حزب ال5 نجوم إلى سدة الحكم وتعثره حتى هذا اليوم في تشكيل حكومة وفاق وطني إيطالية ، فأثر هذا سلباً على تحركات الخارجية الإيطالية نحو عديد الملفات وعلى رأسها الأزمة الليبية ،

كما أن هنالك تساؤلاً كبيراً عن رأي واشنطن في هذه المبادرة التي يقدمها قصر الإليزيه وهي التي ترتاح لروما أكثر من باريس في هذا الصدد ، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة أكدت في أكثر من مناسبة رغبتها الأكيدة في أن يتم الاستحقاق الدستوري قبل أي استحقاقات انتخابية مرتقبة وهو ما لم توضحه المبادرة الفرنسية حيث جعلت الاستحقاق الدستوري أمراً مهماً ولكنها تغاضت عن أسبقيته للانتخابات أم لا .

وبالنظر إلى قوائم المدعوين إلى لقاء باريس نجد أن فرنسا لا تود أن تجعل كرسيي الحوار خاصتين بالمجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب باعتبارهما وحسب الاتفاق السياسي الشريكين الأساسيين في أي تسوية سياسية دون غيرهما ، فنجد من المدعوين خليفة حفتر الذي لن يرضى أن يكون تابعاً لكرسي عقيلة صالح أثناء الجلوس في اللقاء فلربما وللصلة الكبيرة التي تربط باريس به أن تجعله طرفاً في الحوار وبالتالي تمكنه من القبول أو الرفض ، ونجد رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج الذي يعرف أنه ومجلسه مكون ناتج عن الاتفاق السياسي وليس من صانعيه فبتالي يتحتم على باريس دعوته من منطلق منصبه العالي في الدولة الليبية كرئيس للوزراء وليس ممن يصيغون مخرجات صراع أقدم من المجلس نفسه .

يذهب المدعوون إلى لقاء باريس وقد ترك كل منهم قاعدة تنتظر منه أن يعود بالنصر أو بجزء كبير من المبادرة لصالحه ويضغط كل منهم بطريقة ما ليكون الأقوى داخل قاعة التفاوض ( إن صحت تسميتها !! ) فحفتر يحاول تركيع أخر معاقل رافضيه بالمنطقة الشرقية في درنة تحديداً التي تكابد حصاراً خانقاً وقصفاً متواصلاً على أحيائها ،

وعقيلة صالح يأتي من وسط خلافات داخل برلمانه المتهالك ،

ويصل المشري محملاً برفض من القوى العسكرية المحسوبة على الثورة في المنطقة الغربية لوجود خليفة حفتر في أي تسوية سياسية مرتقبة تعطيه أكثر مما يستحق ،

ويصل السراج مثقلاً بتبعات الحالة الاقتصادية الخانقة ، ومرتبكاً من الناحية الأمنية بعد إخراج قوات الحرس الرئاسي التابعة لمجلسه من مقراتها عنوة من قبل كتائب وميليشيات أمنية في العاصمة .

إن خلصت نية قصر الاليزيه بأن تكون هذه المبادرة خالصة لوجه استقرار ليبيا ومكملة لما نتج عن الاتفاق السياسي فستحظى بقبول الأطراف وربما تمضي قدماً نحو تأسيس استقرار اقتصادي وسياسي وأمني ،

وإن كانت محاولة ملتوية لتثبيت شخصية فشلت معها كل التجارب السابقة فستجد الرفض والاعتراض من قبل بقية الأطراف وربما وضع حد ونهاية للثقة في المجتمع الدولي برمته وسط عدم نضج داخلي بقيادة مشروع حقيقي على الأرض يكون فيه الليبيون هم سادة موقفه.

***

عبد المجيد العويتي ـ كاتب ليبي

___________

مواد ذات علاقة