بقلم علي عبداللطيف اللافي

تغيرت خارطة المشهد الليبي منذ لقاء باريس بين مختلف أطراف الصراع في نهاية شهر مايو الماضي، وعمليا تغيرت التحالفات سياسيا واجتماعيا وعسكريا في المناطق الثلاث (الجهتان الشرقية والغربية والجنوب).

الجزء الأول

لا شك بأن ترتيبات الوضع قد تطورت بشكل شبه كُلي بعد اشتباكات طرابلس في نهاية أغسطس الماضي إضافة الى التأثيرات التي احدثتها أنشطة واتصالات وخطط مساعدة المبعوث الاممي، كل ذلك يعني أن الفترة القادمة ستكون حاسمة قبل وبعد موعد  المؤتمر الدولي في “باليرمو” الإيطالية (12-13 نوفمبر المقبل)، وقد تدفع مقررات ونتائج ومآلات المؤتمر المشهد السياسي الى التغير الكلي لا في ليبيا فقط بل أيضا في عدد من دول الجوار وبعض الدول العربية والافريقية.

فما هو واقع وراهن الأطراف المحلية وما هي أجنداتها سواء كانت قوى عسكرية أو تيارات فكرية وسياسية إضافة الى مؤسسات السلطة التنفيذية (حكومتي الوفاق والمؤقتة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية)، ومجلسي “النواب” و”الأعلى للدولة” في المؤتمر؟

وماهي رهاناتها في ظل مآلاته المنتظرة في ظل واقع دولي واقليمي متقلب ومتطور دراماتيكيا؟

أطراف ومكونات حكومتي “الوفاق الوطني” و”المؤقتة”

رغم ان الصراع في ليبيا ليس بين حكومتي “الوفاق الوطني” و”المؤقتة”، ذلك أن وجود الثانية أصبح أقرب للشكلية منذ لقاء باريس، اضافة الى أن الصراع في ليبيا واقعيا هو بين وكلاء محليين ضيقي الأفق الاستراتيجي في فهم الواقع بأبعاده المختلفة وفي علاقته بالأطراف الإقليمية والدولية، واشتغالهم المستمر لأذرع إقليمية تقوم بأدوار وظيفية لبعض القوى الدولية …

وعمليا أصبح واضحا أن كل من طرفي الصراع ليس وحدة متكاملة كما يعتقد البعض ولكن كُل من حكومتي “الوفاق” و”المؤقتة”، يضم مكونات لا ترى في نجاح مؤتمر “باليرمو” تحقيقا لأهدافها بل وانهاء عملي لوجودها الميداني…

أطراف ومكونات الحكومة المؤقتة

وهي عمليا خمس مكونات أساسية، بعضها ظاهر كـــ”الفيدراليين” و”مجموعة الكرامة” بقيادة حفتر، وأنصار تلك الحكومة سابقا في الجهة الغربية (وهم أيضا ليسوا وحدة متكاملة)، وأطراف لا تُرى ولا تظهر في الصورة، ومنهم مكونات سياسية ليبرالية وطبعا قيادات نظام القذافي التي لم تكن معلومة في عهده من بعض عسكريين وبعض رجالات الأمن الخارجي والداخلي.

وطبعا بعض هذه المكونات تختلف في رؤيتها للتطورات وإيمانها بأهمية التوافق ويقينها “أن االحسم العسكري مستحيل واقعيا وميدانيا و أنه لا سبيل إلا بتشكيل حكومة لكل الليبيين”، وقد غيرت التطورات الأخيرة تموقع تلك الأطراف إضافة الى أن الإيقافات الأخيرة التي قام بها مساعدي حفتر (إيقاف العريبي ونجله ووزير الداخلية الأسبق وبعض العسكريين على غرار القهواجي ورواج حديث عن التحقيق مع الناظوري).

التقرير الأممي الذي أدان نجل حفتر، خريطة التحالفات بل وأحدث تململا كبيرا في صفوف القبائل والعسكريين وأعادت سياسيين لواجهة الاحداث وتغيير خطتهم المرحلية في انتظار مؤتمر “باليرمو”…

أطراف ومكونات حكومة الوفاق الوطني

سيسعى سياسيون محسوبين على تيار فبراير (ليبراليين – إسلاميين – مستقلين)، وأيضا بعض مكونات في التيار الوطني من أنصار النظام السابق الى البحث عن توافق شبيه بالحالة التونسية للنأي بالتجربة الليبية من السقوط في براثن الاستئصال والاقصاء، وهذه الرؤية تتبناها أيضا اطراف ليبيرالية بما فيها حزب “الجبهة الوطنية” و”تجمع الوطنيون الأحرار” وبعض أحزاب أخرى صغيرة على غرار “حزب التغيير”،  وبعض قوى في “حزب تحالف القوى الوطنية” على غرار القيادي إبراهيم قرادة والذي كتب نصا مهما في هذا الشأن.

كما أن أغلب وزراء السراج الحاليين والفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والأمنيين والعسكريين وأركان المؤسسات السيادية سيحاولون كسب رهان المرحلة وتثبيت الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق بغض النظر عن التغييرات التي ستطالها بعد المؤتمر الدولي والذي من المؤكد أن نتائجه وطبيعة مقرراته ستبعد وجوه وتسمح لوجوه أخرى بالظهور في واجهة المشهد.

تطورات الأيام الأخيرة وعلاقتها بترتيبات المؤتمر

آخر ما يتم عليه الحديث في ليبيا خلال الأيام الماضية هي خطوات ترتيبية على غرار احداث تغييرات أخرى في السلطة التنفيذية في طرابلس وأيضا توحيد المؤسسات السيادية على غرار تصريحات صنع الله بشأن بيع النفط والتصرف فيه.

إضافة الى تشكيل لجنتين عسكريتين في كل من الجهة الغربية والجهة الشرقية للتفاوض أو بالأحرى مواصلة التفاوض حول “تكوين/توحيد” المؤسسة العسكرية حيث ستجرى جلسات الحوار بين الطرفين في العاصمتين المصرية والتونسية، ومعلوم أن “ستيفان وليليامز” و”غسان سلامة” تواجدا بداية الأسبوع الجاري في القاهرة بخصوص توحيد المؤسسة العسكرية ومعلوم أنه قد جرت منذ أشهر جلسات متعددة لتوحيد المؤسسة العسكرية.

واضافة الى ذلك تجري الترتيبات الأولية للاستعداد للاستحقاقات الانتخابية وقبل ذلك الاستفتاء رغم الاختلافات القائمة، ولكن الثابت أيضا ان المؤتمر الدولي سيحسم الموضوع عبر خطوات توافقية بين الجميع ومعلوم أن:

أ – رئيس مفوضية الانتخابات قد تحدث خلال الفترة المضية عن الجاهزية ولكنه تحدث عن التحديات والمصاعب والمتطلبات اللوجستية، وعمليا من المنتظر ان يقر المؤتمر الدولي تبني مقترح مبدأ الانتخابات التزايدية لحل عوائق الانتخابات في المدن التي تصعب في مرحلة أولى القيام فيها بالانتخابات، وهو مقترح متضمن في خطة مساعدة المبعوث الاممي الموسومة بالخطة

ب وزير الداخلية بالحكومة المؤقتة الموازية بالبيضاء “إبراهيم بوشناف”، قد أعلن عن اكتشاف 416 قضية تزوير في الرقم الوطني بفرع مصلحة الأحوال المدنية ببنغازي خلال العام الجاري، وقد تمت عمليا إحالة هذا العدد من قضايا التزوير في الرقم الوطني إلى النيابة العامة والقضاء في المدينة، لمساسها بالأمن القومي الليبي.

والأمر هنا ليس هينا لأن كل الليبيين يتبنون ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية والتركيبة الديمغرافية لليبيا، والحفاظ على سكانها وضمان عدم استغلال الأرقام الوطنية لأي أغراض سياسية أو إرهابية.

***

علي عبداللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي تونسي مختص في الشؤون الافريقية

______________

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية

مواد ذات علاقة