بقلم علي أبوزيد

في كل خطوة يخطوها مجلس النواب يثبت أنه أداة لوأد أي بارقة أمل تُؤذن بانفراج في الأزمة السياسية، وأنه عاجز أن يقدم في الحياة السياسية عملاً يلبي آمال الليبيين في الخروج ببلادهم من نفق المعاناة والتخبط الذي أحال عيشهم كدَراً وضيقاً وربما مأساةً في كثير من المواقف والظروف.

لا يستطيع المتابع لمشاهد العبث السياسي الذي يمارسه هذا المجلس إلا أن يقلّب كفيه عجباً وحسرةً وهو يرى ثلّة الفساد فيه تمارس ألاعيب وحيل السياسة المفضوحة؛ لتبقى أطول وقت ممكن جاثمة على صدر هذا الوطن المنهك بأزماتٍ يفتعلها بعض أبنائه ليستأثروا بخيراته التي تغرق الجميع لولا نزوات الجشع التي استولت على نفوس هؤلاء المرضى فمارسوا في حقه أبشع صور الانتهازية والاستغلال.

لقد جمعت نزوات الجشع وشهوات السلطة بين مجلسي النواب والدولة وقاربت بينهما في اتجاه تغيير المجلس الرئاسي بعد إعادة هيكلته وتعديله، خاصة وأن الرئاسي الحالي صار يحظى بالدعم الدولي الأكبر في ظل تهديدات أطلقها المبعوث الأممي بتجاوز المجلسين معاً ما لم يدفعا بالعملية السياسية إلى الأمام.

وفي توافق نادر بين المجلسين تم التوافق بينهما على آلية اختيار الرئاسي الجديد المكون من ثلاثة أعضاء، ورئيس حكومة منفصل عنهم، وتنازل مجلس الدولة فيما يخصّ المادة الثامنة من ملحقات الاتفاق السياسي تاركاً الحسم فيها للحوار المتعثر المتعلق بتوحيد المؤسسة العسكرية والتي ترعاه القاهرة، على أن يضمن مجلسُ النواب الاتفاقَ السياسي في الإعلان الدستوري مستثنياً هذه المادة.

وفي جلسة هي سابقة في تواريخ المجالس التشريعية بما أثارت من لغط، عدّل مجلس النواب الإعلان الدستورية تعديلين مثّلا أبشع صور الانتهازية السياسية وأقبح ممارسة العهر العابث بما تأتمن عليه الشعوب من يمثلها، حيث تولّى كبر هذا العبث رئيس مجلس النواب الطامح الطامع في رئاسة أو عضوية الرئاسي، لينقضَ ما تمّ الاتفاق عليه بين المجلسين ويضمّن من الاتفاق السياسي ما يخص السلطة التنفيذية فقط، ويلغي بهذا التعديل كل الأجسام التي وجدت قبله وينفي عنها الشرعية بما فيها مجلس الدولة شريك مجلس النواب.

ولم يكتفِ مجلس النواب بهذا العبث الذي يمثل عدم التزامٍ صريح بما اتفق عليه مع شريكه في العملية السياسية، بل ارتكب جرماً أشنع بإقراره قانون الاستفتاء المعيب الذي مادته السادسة تجعل من التوافق على هذا الدستور أصعبَ الممكن، وليته اكتفى بهذه المادة بل جعل رفض هذا مشروع الدستور إلغاءً لمجهودات هيئة منتخبة من الشعب مباشرة، وتجعل مصيره مفتوحاً على المجهول، وهذا العبث أيضاً مخالفٌ لما اتفق عليه المجلسين.

من الجليّ الواضح أن مجلس النواب صار فاقداً لأهليته في الممارسة السياسية، وأن سلوكه ونهجه الوحيد القادر على الالتزام به هو عرقلة المسار السياسي وإرباكه، وعدم إيفائه بالتزاماته، وكل من يدخل معه في شراكة سياسية هو شريك في الجناية على الوطن ومساهم في إطالة أزمته، لذا صار لزاماً على المجلس الأعلى للدولة أن يضطلع بواجبه الوطني في الدفع بالعملية السياسية إلى الإمام من خلال كل الآليات التي تحدّ من عبث هذا المجلس، وهذا الأمر ابتداءً يتطلب موقفاً واضحاً وشفافاً من المجلس الأعلى للدولة فيما يتعلق بهذا العبث، وهنا يجب التنبيه إلى أن أنصاف الحلول التي قد يسعى لها بعض أعضاء المجلس الأعلى للدولة من أجل مصالحهم الضيقة لا يمكن القبول بها في هذه المرحلة الحرجة والحساسة، كما أن الحفاظ على ما تمّ تحقيقه فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية والترتيبات الأمنية والبناء عليه يجب أن يمثل أولوية لدى مجلس، وهذا يتطلب شراكة متينة مع المجلس الرئاسي ودعمه في خطواته المتعلقة بهذا الأمر.

أيضاً فإن الملتقى الوطني الجامع من المفترض أن يمثل فرصة سانحة وفي غاية الأهمية للمجلس الأعلى للدولة ليتشارك مع كل القوى والتيارات والمكونات الوطنية في مهمّة الخروج بالوطن من مرحلة الانسداد والأزمة، ويتجاوز معهم عقدة مجلس النواب المستعصية من خلال مخرجات صارمة ومحددة بتواريخ واقعية وضمانات مُلزمة.

إن المجلس الأعلى للدولة رغم صلاحياته المحدودة يملك قدرة تعطيل عبث مجلس النواب وعزله في حالة الجمود التي لا يستطيع تجاوزها وحده، كما أنه قادر على أن يقود القوى الوطنية بعد ذلك نحو ضوء النفق، أما تجاهله لهذا الأمر وانجراره وراء عبث مجلس النواب ليستفيد هو الآخر من إطالة أمد الأزمة فلن يجعل منه إلا وكراً للتآمر على الوطن والجناية عليه.

***

علي أبوزيد ـ كاتب ليبي

 _____________

مواد ذات علاقة