نظم مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية ندوة سياسية حوارية حول تطورات الوضع في ليبيا تحت عنوان ليبيا في مدار الصراع الدوليحضرها بعض أعضاء السلك الدبلوماسي المقيمين في تونس وكذلك شخصيات سياسية وفكرية تونسية والعديد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية.

الجزء الأول

محاور الندوة

قدم للندوة الدكتور كمال الصيد مدير البرامج والمضامين بالمركز حيث ذكر بعد الترحيب بالحاضرين بالأهمية الإستراتيجية للجارة ليبيا بالنسبة لتونس مشيرا إلى أن ما يجري في ليبيا ينعكس مباشرة على تونس حيث أن أمن تونس من أمن ليبيا والعكس صحيح.

ولذلك فإن مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية قد أفرد وحدة خاصة بالشأن الليبي وأن هذه الندوة هي باكورة عمل هذه الوحدة وستليها ندوات أخرى تهتم بالملف الليبي الشائك والمعقد

وقد تضمنت الندوة أربعة محاور رئيسية :

 المحور الأول .”دور بعثة الأمم المتحدة والانخراط الأمريكي المتأخرقدمه الدكتور نعيم الغرياني وزير التعليم العالي في حكومة المجلس الوطني الانتقالي والنائب الحالي المقاطع للبرلمان

المحور الثاني : “الصراع الايطالي الفرنسي حول ليبيا تاريخا وحاضراقدمه الأستاذ المهدي ثابت الباحث في الشأن الليبي ورئيس وحدة الملف الليبي بمركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية

المحور الثالث: “دور المحور العربي والخليجي ما بعد الربيع العربي والدور الروسي المرتقب “. قدمه الأستاذ علي اللافي.

المحور الرابع: “دور دول الجوار العربي والإفرريقي في الأزمة الليبيةقدمه الأستاذ محمد عمران أبو القاسم كشادة من الشقيقة ليبيا وهو سياسي وإعلامي ليبي مرموق.

الندوة: ليبيا في مدار الصراع الدولي

افتتح الدكتور نعيم الغرياني مداخلته المتمحورة حول دور الأمم المتحدة في ليبيا بالإشارة إلى الولادة المتعثرة التي عرفتها الثورة الليبية بخلاف الجارة تونس حيث أن الصراع المسلح خلف آثارا عميقة منها انهيار مؤسسات الدولة وانتشار السلاح وهو ما جعل الأمم المتحدة تغير من مهمة بعثة الدعم في ليبيا من بعثة تساعد على بناء المؤسسات والانتقال الديمقراطي بعد أن ظن العالم أن التحول سيكون سهلا بعد سقوط نظام القذافي إلى جهة تعمل وتنسق مع الأطراف الدولية على إيجاد حل سياسي لأزمة البلاد بعد أن دخلت ليبيا مرحلة الصراع والاقتتال.

انخرطت الأمم المتحدة من البداية في دعم الثورة الليبية وكان أول مبعوث أممي لليبيا هو الدبلوماسي الأردني عبد الإله الخطيب ولكن لم يكتب النجاح لهذا المندوب في إدارة الأزمة.

وبعد أن تبين أن القذافي تقريبا منته صدر قرار مجلس الأمن في سبتمبر2011 ببعث اللجنة الأممية للدعم في ليبيا بقيادة الإنجليزي إيان مارتنوهو أول ممثل للأمين العام وكانت مهمته المساعدة على إجراء الانتخابات وبناء المؤسسات . وانتهت مهمته في 2012 بعد أن بدأت الأمور تتعقد نسبيا وخلفه اللبناني  طارق متري

وقعت انتخابات المؤتمر الوطني العام الذي بدأت تدب داخله الخلافات بفعل غياب التجربة السياسية لدى مختلف النخب والأحزاب .

وبسرعة بدأ التذمر في الشارع والمطالبة بعدم التمديد للمؤتمر . بدأ طارق متري يجري جلسات عمل مع مختلف الأحزاب والقوى الفاعلة بعد أن تنبه لجملة التوترات الحاصلة ولكن جهد طارق متري وجد مقاومة شديدة وأفشل مشروعه وقدم استقالته .

كُلف بعده السيد برنادينو ليون في سبتمبر 2014 . وكانت نتائج انتخابات البرلمان قد ظهرت ونقل أعماله إلى طبرق مع مقاطعة 25 عضوا وواكب ذلك انطلاق حرب عملية فجر ليبيا.

العنوان الكبير للحرب قوى الإسلام السياسي والتيار الليبيراليي.

بدأ السيد ليون عمله بمحاولة لم مجلس النواب وكان أول لقاء بين الأعضاء المقاطعين والمباشرين في سبتمبر 2014 في مدينة غدامس وحصل تقارب في وجهات النظر بين الطرفين وحصلت حالة كبيرة من التفاؤل بانتهاء أزمة البرلمان .

لكن الحالة في البلاد بدأت تتعقد أكثر بفعل الحرب من جهة وعودة المؤتمر الوطني العام من جديد بعد حكم المحكمة العليا ببطلان إجراءات انتخاب البرلمان ولم يعد جمع أعضاء البرلمان كافيا.

فطرحت فكرة توسيع الحوار وإشراك المؤتمر الوطني العام وتطعيم الحوار بشخصيات أخرى لإحداث التوازن والثراء للحوار.

انتقل الحوار إلى جينيفثم الصخيراتالمغربية . وتوج بالإتفاق الشهير في 17ديسمبر 2015 وترتبت عليه حكومة وحدة وطنية .

اتفاق الصخيرات حمل بذور خلاف عديدة داخله ولم يحظ بقبول بعض المشاركين وكنت منهم (أي الدكتور الغرياني). أصبح الإتفاق أمرا واقعا وكان حضور المراقبين الدوليين كبيرا حيث ملوا طول المفاوضات وضغطوا على السيد ليون للخروج بأي شيء ووقعت ضغوط من بعض القوى الإقليمية للخروج بشيء معين يرضي أجندتها.

وفي الأخير خرج السيد ليونوذهب إلى الإمارات واستلم هناك منصبا مهما براتب كبير. وخلفة السيد مارتن كوبلرالذي لم يأت بأي شيء جديد. وكان مطلوبا منه أن يقوم ببعض الترتيبات المهمة قبل المصادقة النهائية ولكنه لم ينجز أي شيء وانتهت مهمته بعد سنة ونصف من بداية الاعتماد وخلفه السيد غسان سلامة الذي عبر أكثر من مرة عن عدم رضاه عن الاتفاق السياسي .

ويرى بأن فيه إشكاليات كثيرة وما ترتب عليه لم ينجز وظل الانقسام موجودا وزاد حدة. بدأ السيد غسان سلامة يشتغل على مسالة المؤتمر الوطني الجامع.

وختم الدكتور الغرياني مداخلته بأن هناك عدة إشكاليات أولها أن الأمم المتحدة تعكس إرادة القوى الكبرى وهي تعاني من تدخلات هذه الدول وأيضا من دول إقليمية إلى جانب فرنسا وايطاليا . وما غاب طيلة هذه المدة هم الأمريكان الذين لم يكن الملف الليبى أولويا بالنسبة لهم وهم يخشون التورط في ملف آخر وهم غارقون في عدة دول أخرى .

أمريكا سلمت الملف الليبي للإتحاد الأوروبي بقيادة ايطاليا وحتى تسمية السيدة ستيفاني ويليامزمؤخرا في بعثة الدعم لا يعني انخراطا أمريكيا في الملف الليبي.

المداخلة الثانية كانت للأستاذ المهدي ثابت من تونس ومحورها الصراع الايطالي الفرنسي حول ليبيا تاريخا وحاضرا.

أشار السيد ثابت في بداية المداخلة إلى أن هذا الصراع قديم من أيام الحرب العالمية الثانية وأسباب الصراع هي المصالح الاقتصادية .وربطا للحاضر بالماضي أشار الأستاذ إلى مرحلة سقوط الإتحاد السوفياتي واقتراب القذافي من المعسكر الغربي وهو ما جعل عديد الدول ومنها فرنسا تسعى إلى الاقتراب من القذافي رغبة في الاستثمار في ثروة هذا البلد .

ولكن مع اتهام ليبيا بإسقاط طائرة الركاب الأمريكية فوق قرية لوكربيالأنجليزية سنة1989وقعت تنازلات كبيرة من النظام الليبي كان المستفيد الأكبر منها الولايات المتحدة وبريطانيا بعكس فرنسا التي لم تغنم بشكل حقيقي . وبالنسبة لايطاليا فاستثماراتها كبيرة في ليبيا من بداية الاستقلال سنة 1951.

فرنسا كانت تنظر دائما لليبيا كبلد مهم من حيث الموقع وحجم الثروة . ولذلك هي ساندت من البداية الثورة الليبية وعملت على إنجاحها  بعد خطئها في دعم نظام بن علي في تونس إلى حين سقوطه.

إن الغاية من دعم الثورة الليبية بكل قوة هو الفوز بالنصيب الأكبر من الكعكة في واقع ليبيا ما بعد القذافي واليوم الجميع يعلم أن الأجندات الدولية حاضرة بقوة في ليبيا وتبقى إيطاليا وفرنسا أكثر دولتين لهما حضور وتأثير في الواقع الليبي المعقد .

ففرنسا راهنت في فترة ما على الجنرال خليفة حفتر ليكون له موقع متقدم في قيادة البلاد بعد أن وعدها بنفوذ قوي في الجنوب الليبي الغني بالثروات والمطل على مستعمراتها السابقة جنوب الصحراء في حين أن إيطاليا راهنت على الاتفاق السياسي وساندت حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس وتتواصل مع كل القوى السياسية والعسكرية في الغرب الليبي حيث الثقل الاقتصادي والديمغرافي والسياسي.

وعند إدراك فرنسا أن رهانها على حفتر هو خيار خاطئ دخلت على خط الحل السياسي وحاولت فرض خارطة طريق (مؤتمر باريس في ماي2019) للوصول إلى الوضع النهائي عبر انتخابات رئاسية وتشريعية نهاية سنة 2018 قبل الاستفتاء على الدستور لأن مسودة الدستور الحالية تمنع أهم الشخصيات المقربة من فرنسا ومنهم حفتر من المشاركة في الانتخابات بسبب ازدواجية الجنسية. وهذا يخالف التصور الايطالي الذي يرى أن الحل في ليبيا يستوجب جملة من الخطوات قبل الوصول إلى الانتخابات وهي تتقاطع في ذلك مع الأمم المتحدة.

لقد أثار مؤتمر باريس حفيظة إيطاليا ورأت فيه خطرا حقيقيا يهدد المصالح الإستراتيجية الإيطالية في ليبيا وسارعت إلى طلب الدعم الأمريكي وهو ما حصل بعد لقاء ترامب بوزير الخارجية الإيطالية وقد سارعت إيطاليا إلى عقد مؤتمر باليرمو لنسخ مخرجات مؤتمر باريس . وهيأت له بخارطة طريق تتضمن خمس مراحل :

  1. ترتيبات أمنية

  2. حكومة مستقلة عن المجلس الرئاسي

  3. مؤتمر وطني جامع ذو وظيفة تشريعية

  4.  استفتاء على الدستور

  5. انتخابات رئاسية وتشريعية تدخل من خلالها ليبيا مرحلة الوضع النهائي

يشهد اليوم المشروع الفرنسي تراجعا مقابل ثبات وتقدم للمشروع الإيطالي. لكن هذا لا يعني أن الطريق مفروش بالحرير لخارطة الطريق الإيطالية . فالعقبات كأداء . والحل لن تصنعه إيطاليا وحدها فهو سيراعي مصالح عديد الدول الفاعلة ومنها فرنسا . وأيضا لن يكون من وراء ظهر الليبيين بل بمشاركة ليبية فاعلة.

___________

مواد ذات علاقة