أثر حظر العمل والتنظيم الحزبي في ليبيا على تشوّه الثقافة السياسية تجاه الظاهرة الحزبية خلال الفترة 1951-2010

بقلم أحمد الرشيد، وعماد دخيل، وحكمت صبرة

تعد التعددية الحزبية ظاهرة حديثة العهد في الأنظمة السياسية المعاصرة، وقد أضحت ـ أحد مقومات العملية الديمقراطية في العالم اليوم، إذ لا تستقيم الديمقراطية النيابية إلا بوجود تعددية حزبية.

الجزء الاول

الملخص:

تهدف هذه الدراسة إلى البحث في أسباب تشوّه الثقافة السياسية عند الليبيين تجاه الظاهرة الحزبية، وانعكس ذلك على انخفاض العضوية في الأحزاب السياسية عند الليبيين وعدم ثقتهم فيها، وربما رجع هذا إلى حظر الأحزاب السياسية في ليبيا خلال تاريخها الحديث والمعاصر.

قبل الاستقلال بسنوات قليلة؛ لم تلق التنظيمات والحركات السياسية قبولَ ورضا الأمير محمد إدريس السنوسي، وهو ما دفعه إلى محاولة دمجها ثم حظرها كلياً. وبعد الاستقلال؛ أوضحت الدراسة اتفاق رؤية كلا النظامين: النظام الملكي ونظام القذافي في رفض الأحزاب السياسية، إلا أنهما يختلفان في سُبل مواجهتها وطريقة التعامل معها.

ففي حين استخدم النظام الملكي القوة الناعمة في التعامل مع التنظيمات والأحزاب السياسية السرية المناوئة له، استخدم نظام القذافي كافة الوسائل المتاحة حتى وصل في ذلك إلى فرض عقوبة الإعدام على كل من ينتمي إلى الأحزاب السياسية المحظورة.

المقدمة:

تعد التعددية الحزبية ظاهرة حديثة العهد في الأنظمة السياسية المعاصرة، وقد أضحت ـ أحد مقومات العملية الديمقراطية في العالم اليوم، إذ لا تستقيم الديمقراطية النيابية إلا بوجود تعددية حزبية، وذلك لقيامها بعدة وظائف أساسية كالتجنيد السياسي، وتجميع المصالح، والتحديث والتنمية السياسية، والمشاركة السياسية.

فالاحزاب السياسية وسيلة اتصال أساسية بين السلطة والمواطنين، وتعمل على تقديم المرشحين للمناصب العامة، برلمانية أو تنفيذية، كما تقوم الأحزاب السياسية بمراقبة أعمال الحكومة ومتابعتها، سواء أكانت هذه الأحزاب في السلطة أو في المعارضة، ولذلك يعود نجاح الظاهرة الحزبية إلى تطورها ونشأتها في كنف الأنظمة النيابية الغربية، وهو ما مكّنها من التكيف وفقا لطبيعة هذه الأنظمة وتطورها عبر الوقت.

تشكل الأحزاب السياسية في أغلب الدول النامية نماذج مستوردة جعلتها مجرد أنماطٍِ شكلية تمثل انعكاساً لواقع اجتماعي تسيطر فيه العلاقات الأولية، وبالتالي تأثرت هذه الأحزاب بالظروف التي أوجدتها، فاكتسبت في بادئ الأمر نوعا من الشرعية بقبول المواطنين وتأييدهم لدورها القيادي في مقاومة القوى الإستعمارية والتدخل والهيمنة الأجنبية، ولكن بعد الاستقلال، سرعان ما حدث تعارض واضح فيما بينها في محاولة إثبات وجودها لممارسة وظائفها وتخوّف السلطة الحاكمة التي تعدّ ذلك تهديداً لوجودها وسلطاتها، فكيف لأحزاب أن تعمل في ظل دولة تسلطية لا تقبل أصلا المشاركة الشعبية، بل تسعى جاهدة إلى استبعاد كل القوى السياسية المنافسة لها، فلا يوجد تمثيل انتخابي حقيقي، بل سلطة سياسية متحكمة يسعى الجميع إلى استرضائها وكسب ثقتها بشتى الوسائل.

وفي ظل دولة تقوم على قاعدة مزدوجة من علاقات الهيمنة والتسلط وترسيخ الاستحواذ والإقصاء، فإن العلاقة بين الأحزاب السياسية والسلطة لا يمكن أن تكون طبيعية ذات توجهات ديمقراطية، فالأحزاب من جهتها ترى في غيرها قوى معادية، وفي هذه الحالة ليس ثمة مجال للممارسة والمنافسة الحزبية، وإنما مؤامرات واتهامات متبادلة.

وهذا ربما يعكس التجربة الحزبية في ليبيا، إذ لم يعهد الليبيون الأحزاب إلا خلال فترة محدودة سبقت الاستقلال بسنوات قليلة، وتبلور ذلك في شكل هيئات وجمعيات وحركات سياسية من أجل النضال والضغط الشعبي في سبيل الحرية والتخلص من الهيمنة الأجنبية، ولم تلق هذه الأحزاب قبولا من السلطة السياسية، لأنها ليست الجهة المسؤولة عن وجود هذه السطلة، كما هو الحال في الديمقراطية الراسخة، بل لجأت السلطة السياسية إلى التخلص منها، واستخدام كافة الوسائل بما فيها الخوين لإقصاء العناصر الحزبية، ولهذه الأسباب وغيرها جاء موضوع هذه الدراسة قيد البحث.

أهمية الدراسة:

تأتي أهمية الدراسة في كونها تربط بين متغيرين الأول في تشوه الثقافة السياسية عند الليبيين، والذي انعكس في تدني نسبة العضوية عند الليبيين في الأحزاب السياسية وعدم ثقتهم فيها، كما جاءت نتائج المسح القيمي الذي أجراه مركز البحوث والاستشارات بجامعة بنغازي مطلع 2014، ويتمثل الثاني في طريقة تعامل النظامين السياسيين مع الظاهرة الحزبية خلال فترة الدراسة.

أهداف الدراسة:

ـ تتبع تطور الظاهرة الحزبية في ليبيا خلال تاريخها الحديث والمعاصر.

ـ التعرّف على كيفية تعامل النظامين السياسيين (النظام الملكي ونظام القذافي)، مع الأحزاب السياسية.

ـ محاولة تفسير أسباب انخفاض العضوية عند الليبيين في الأحزاب السياسية وعدم ثقتهم فيها.

ـ تقصّي أسباب تشوّه الثقافة السياسية عند الليبيين تجاه الأحزاب السياسية.

إشكالية الدراسة:

لمعالجة أثر حظر العمل والتنظيم الحزبي في ليبيا على تشوّه الظاهرة الحزبية، صيغت إشكالية الدراسة في التساؤل الأتي:

كيف ساهمت الحملة الممنهجة للنظامين السياسيين اللذين حكما البلاد خلال الفترة 1951-2010 في تشوّه الثقافة السياسية عند الليبيين؟

فرضية الدراسة:

يرتبط تشوّه الثقافة السياسية عند الليبيين تجاه الأحزاب السياسية بالحملة العدائية الممنهجة التي تعرضت لها الأحزاب السياسة من حظر ومعاقبة كل من يشتبه في انتمائه للأحزاب السياسية خلال الفترة (1951-2010).

منهجية الدراسة:

استخدمت هذه الدراسة منهجيات متنوعة شملت مدخل الإقتصاد السياسي والمدخل التاريخي، وبما أن هذه الفترة ضمت فترتين زمنيتين منفصلتين ومختلفتين بشكل كبير، بحيث تمثل كلُّ واحدة منها حقبةً سياسية متميزة عن الأخرى، وجب استخدام المنهج المقارن للوقوف على كيفية تعامل كلُّ نظام سياسي مع الأحزاب السياسية المحظورة، كما لجأت الدراسة إلى الإسلوب الكيفي في معالجة المعلومات المتعلقة بالدراسة.

محاور الدراسة:

ـ الحركات والتنظيمات السياسية في ليبيا قبل الإستقلال.

ـ العمل والتنظيم الحزبي في ليبيا خلال العهد الملكي.

ـ العمل والتنظيم الحزبي في ليبيا خلال حقبة حكم القذافي.

ـ الثقافة السياسية الشائهة.

الجزء التالي يتناول المحور الأول : الحركات والتنظيمات السياسية في ليبيا قبل الاستقلال

***

د. أحمد الزروق أمحمد الرشيد ـ استاذ العلوم السياسية المساعد، كلية الاقتصاد، جامعة بنغازي

أ. عماد مفتاح فرج دخيل ـ استاذ العلوم السياسية المساعد، كلية الاقتصاد، جامعة بنغازي

أ. حكمت أحمد رجب صبرة ـ استاذ العلوم السياسية المساعد، كلية الاقتصاد، جامعة بنغازي

***

المصدر: مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد الثالث عشر يناير – كانون الثاني 2019 – المجلد الثالث. وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي المانيابرلين، تُعنى بالدراسات والبحوث والأوراق البحثية في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.

______________

مواد ذات علاقة