أثر حظر العمل والتنظيم الحزبي في ليبيا على تشوّه الثقافة السياسية تجاه الظاهرة الحزبية خلال الفترة 1951-2010

بقلم أحمد الرشيد، وعماد دخيل، وحكمت صبرة

تعد التعددية الحزبية ظاهرة حديثة العهد في الأنظمة السياسية المعاصرة، وقد أضحت ـ أحد مقومات العملية الديمقراطية في العالم اليوم، إذ لا تستقيم الديمقراطية النيابية إلا بوجود تعددية حزبية.

الجزء الثالث

المحور الثاني: العمل والتنظيم الحزبي في ليبيا خلال العهد الملكي

لم يكن الملك إدريس السنوسي راغباً في السماح للأحزاب بممارسة نشاطاتها السياسية، وربما يرجع ذلك إلى معاصرته تجرب الأحزاب خلال إقامته في مصر قبل استقلال ليبيا، وما نتج عن عمل الأحزاب السياسية من صراع وتناحر فيما بينها دون المصلحة الوطنية، إلى جانب ما شاهده من علاقة تلك الأحزاب بالسفارات الأجنبية.

وهذا ربما يفسر عدم ترحيبه بالعمل والتنظيم الحزبي في ليبيا، فحاول توحيد التنظيمات والحركات السياسية في برقة في تنظيم سياسي واحد باسم المؤتمر الوطني في عام 1948، وعندما لم يفلح، قام بحل جمعية عمر المختار، والنادي الأهلي الرياضي التابع لها، وأغلق مركزها في بنغازي ودرنة في 20 يوليو 1950، بحجة تنظيمها لمظاهرة دون إذن وترخيص رسمي، والقيام بأعمال شغب.

وجاء حلُّ جمعية عمر المختار من خلال رسالة وجهها الأمير محمد إدريس السنوسي إلى رئيس الجمعية جاء فيها: “بناء على ما اتضح لنا من مخالفة جمعية عمر المختار التي ترأسونها لمنشورنا الذي نهينا فيه عن السياسة وتركها للجبهة التي تمثل الشعب من جميع القبائل .. وإني ألآن أعلن حلها وحل الجبهة ورابطة الشباب حرصا على وحدة الأمة“.

لقد نص دستور استقلال البلاد في عام 1951 على أن الأحزاب السياسية ينظمها قانون، ولم ير هذا القانون النور إبداً، حيث نصت المادة 26 من الدستور: “حق تكوين الجمعيات السلمية وكفول، وكيفية استعمال هذا الحق ينظمها القانون، أما الجمعيات السرية والجمعيات التي ترمي إلى تحقيق أهداف سياسية بواسطة منظمات ذات صبغة عسكرية فتكوينها محظور“.

وبسبب القلاقل والإضطرابات التي صاحبت أول انتخابات نيابية بعد الاستقلال، قام أنصار حزب المؤتمر الوطني الطرابلسي بمهاجة بعض مراكز الإقتراع في المناطق المحيطة بمدينة طرابلس، عندما شعروا أن سير الإنتخابات ليس في صالحهم، وحالوا احتلالها بالقوة، اضطرت على إثرها الحكومة إلى الإستعانة بقوات الأمن لتهدئة الوضع، وحدثت مواجهات بين الطرفين نتج عنها قتلى وجرحى من الجانبين.

وبعد وقوع هذه الأحداث، قام رئيس الوزراء محمود المنتصر، أول رئيس وزراء ليبيا بعد الاستقلال، وبعد التشاور مع الملك محمد إدريس السنوسي، باتخاذ إجراءات صارمة ضد المتورطين، وأصدر قرارا إداريا ألغيت بموجبه الأحزاب السياسية ومنع قيامها على أساس أنها تأسست خلال حقبة الإدارة البريطانية، ولها صلة بدول أجنبية، وتتلقى الدعم والتمويل من الخارج، وتعمل على زعزعة استقرار البلاد، ونُفي على أثرها السيد بشير السعداوي زعيم حزب المؤتمر الوطني الطرابلسي وأحمد زارم رئيس تحرير جريدة الشعلة إلى خارج البلاد على اعتبار أنهما يحملان جنسية غير ليبية.

ورغم الحظر الحكومي الذي صدر بشأن تكوين الأحزاب والتنظيمات السياسية في ليبيا، لم يمنع ذلك من وجودها وممارسة نشاطها بشكل سري تأثراً بالتطورات السياسية الداخلية والإقليمية، ومن أن يكون لها دور بارز في الحياة السياسية الليبية، ولعل أبرز التيارات السياسية في العهد الملكي الآتي:

1:ـ التيار الإسلامي

يعود الوجود المبكر لحركة الإخوان المسلمين في ليبيا إلى أواخر أربعينيات القرن الماضي، عندما تمكن ثلاثة من الشبان المصريين التابعين لحركة الإخوان المسلمين الفرار من مصر، ودخلوا البلاد بعد اتهماهم بالمشاركة في اغتيال رئيس وزراء مصر الأسبق محمد فهمي النقراشي باشا، حيث منحهم الأمير محمد إدريس السنوسي ـ أمير برقة في ذلك الحين ـ حقّ اللجوء السياسي.

لقد تأثر العديد من شباب مدينة بنغازي بأفكار وأراء الإخوان التي كانوا يدعون إليها من خلال مواعظهم ودروسهم الدينية في المساجد وعبر المحاضرات العامة. ومنذ ذلك الوقت أصبح لفكر الإخوان المسلمين حضور واضح في المشهد الديني والثقافي والسياسي في البلاد دون أن يظهر للعلن، وذلك بسبب الخطر الذي فرضته السلطات الليبية على الجمعيات والحركات السياسية في البلاد.

2 ـ التيار القومي:

لقد ساعدت مناهضة القوميين العرب للإمبريالية والاستعمار والوجود الأجنبي في المنطقة العربية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي على انتشار الفكر الناصري والبعثي، وفي عام 1960، ألقت السلطات الليبية القبض على مجموعة من الحزبيين من عدة مدن ليبية بتهمة تشكيل تنظيم سري محظور، وهو حزب البعث العربي السوري. وحكمت السلطات القضائية على المتهمين بأحكام تراوحت ما بين السجن لعدة اشهر إلى بعض سنوات.

كما قامت الحكومة الليبية عام 1967 باكتشاف تنظيم سري آخر تابع لحركة القوميين العرب، وحوكم أعضاؤه أيضاً، وصدرت ضدهم أحكام مماثلة للأحكام التي طالت البعثيين من قبل، وكان من بين المتهمين في الحالتين سوريون وفلسطينيون وأردنيون ممن كانوا يشتغلون في ليبيا في مجالات مختلفة.

3 ـ التيار اليساري:

يضم هذا التيار اليساريين الذين تأثروا بالفكر الماركسي خلال دراستهم خارج البلاد أو عبر اطلاعهم على أدبيات الفكر الماركسي داخل ليبيا، من خلال الصحف والمجلات والإذاعات المسموعة الموجهة، كما يضم أنصار حركة القوميين العربي الذين تبنوا الفكر المركسي واليساري بعد حرب يوليو 1967.

لقد تمكن التيار اليساري من الانتشار بين فئات الطلاب والمدرسين ونقابات العمال، واستغلت العناصر اليسارية في دعوتها سوء الأوضاع المعيشية والإقتصادية في البلاد.

ورغم ذلك لم تفلح الأحزاب الشيوعية من خلق قواعد شعبية في ليبيا لتعارضها مع النزعة الدينية لأغلب المواطنين، وحاولت هذه العناصر استغلال المظاهرات في أحداث يناير 1961 لصالحها عن طريق الخطب وتوسيع نطاق الإضطرابات وأعمال الشغب، ورغم ذلك ظل دورها محدودا.

الجزء التالي سيتناول المحور الثالث: العمل والتنظيم الحزبي خلال حقبة حكم القذافي

***

د. أحمد الزروق أمحمد الرشيد ـ استاذ العلوم السياسية المساعد، كلية الاقتصاد، جامعة بنغازي

أ. عماد مفتاح فرج دخيل ـ استاذ العلوم السياسية المساعد، كلية الاقتصاد، جامعة بنغازي

أ. حكمت أحمد رجب صبرة ـ استاذ العلوم السياسية المساعد، كلية الاقتصاد، جامعة بنغازي

***

المصدر: مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد الثالث عشر يناير – كانون الثاني 2019 – المجلد الثالث. وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي المانيابرلين، تُعنى بالدراسات والبحوث والأوراق البحثية في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.

______________

مواد ذات علاقة