بقلم علي عبد اللطيف اللافي

يمكن تلخيص الصراع في ليبيا منذ 2014 بأنه صراع بين وكلاء محليين ضيقي الأفق الاستراتيجي نتاج اشتغالهم المستمر لصالح اذرع إقليمية خادمة ومشتغلة بدورها لصالح قوى دولية وهذه الأخيرة ترتكز إستراتجيتها الرئيسية على ثروات ليبيا النادرة والهائلة والمرور بيسر للعمق الإفريقي.

وبحثا عن الحلول عُقدت لقاءات وقمم مختلفة في القاهرة وأبو ظبي وباريس وروما وباليرمو وعمان، لتكون النتائج دوما مقتصرة على بيانات وبلاغات ونقاط اتفاق وتحديد تواريخ افتراضية للحل وإجراء الاستحقاقات ليعود الجميع بعد أيام من كل لقاء  للصراعات والمعارك والتجاذبات والاتهامات والتحفظات.

فهل أن قمة أبو ظبي 2 محطة مشابهة أم أنها قاطرة نحو حل مرحلي أو نهائي؟، وما هي عمليا مختلف ردود الفعل الدولية والمحلية؟

أولا: ردود الفعل الإقليمية والدولية

في قراءة لبيان حكومات أمريكا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا يمكن القول أنه يُعتبر هزيلا ومتناقضا في جوهره وغير دقيق في أفضل أحواله بغض النظر أن ذلك اختيار أو هو تغطية على المخرجات والنتائج والخطط على الأرض التي يُراد تنفيذها خلال الأيام والأسابيع القادمة:

ـ البيان لا يوجد به دلالات أو مؤشرات على اتفاق نهائي في الإمارات كما لاحظ الجميع تكرار اسم ودعم غسان سلامة والبعثة الأممية، وهو ما يعطي انطباع وإصرار الدول على دعم الجهود الدولية عبر إطار بعثة الأمم المتحدة لا عبر مبادرات أو حلول أو خطط أحادية الجانب مثل مبادرات باريس 1و2، باليرمو، وأبو ظبي 1و2 التي جميعها باءت بالفشل بسبب تناقض المصالح والحلول للدول المنخرطة في الملف الليبي.

علي سبيل المثال الطرف الفرنسي مثلا يسعي إلي انتخابات رئاسية بحلول شهر 9 القادم، بينما إيطاليا ترى أن الشعب الليبي وحده صاحب المصلحة في تحديد الموعد والمناخ المناسب لإجراء الانتخابات بدون شروط ودون املاءات أو تدخلات خارجية، بينما الإمارات بدرجة رئيسية ومصر بدرجة أقل تعملان على الحسم العسكري كمنهجية لحسم الملف الليبي .

ـ هناك انزعاج من بعض الدول الإقليمية بسبب ذكر اسم الإمارات في البيان وهذا يعتبر استعراض للقوة والثقل الإقليمي التي تمثله أبو ظبي حتى على حلفاءها وكأنها تقول لأمريكا ولأوروبا أنها القوة الاقليمية الوحيدة القادرة على إحلال الحرب والحسم العسكري وصناعة السلام في منطقة الشرق الأوسط عبر وكلائها في اليمن وليبيا وتونس وسوريا…

ـ البيان يتناقض جوهريا مع اتفاق الصخيرات كمرجعية أساسية لأي اتفاق ويتنافي مع أي حل لا يشمل مجلس الدولة ومجلس النواب، والمجلس الرئاسي، بينما لازال قائد عملية الكرامة خارج إطار الاتفاق وخارج إطار الشرعية الدولية.

ـ لم يُحدد البيان أي وثيقة قانونية أو آلية يمكن الاعتماد عليها في للوصول للانتخابات، كما ينسف البيان جوهره بسرد واضح والدفع وتأكيد واحترام قرارات مجلس الأمن حسب الأرقام المدرجة التي تُعطي الأجسام الحالية الصبغة الشرعية الدولية عبر نصوص اتفاق الصخيرات الأصلي والذي ينص علي أن المناصب السيادية يتم خلقها وتعيينها عبر لجان متكونة من مجلسي الدولة والنواب لتقوم بصلاحيات تشكيل المؤسسات العسكرية والمالية والرقابية.

ومن هذا المنطلق يمكن القول في قراءة أولى أن اجتماع ابوظبي سيكون عابرا وإعلاميا دون نتائج أو خطة ملموسة يُمكن تطبيقها عمليا على الأرض أو يمكن إيجاد تسوية سياسية حقيقية بين أصحاب وأطراف النزاع والمصالح.

أولى ردود الفعل الدولية إضافة للبيان الدولي الذي أشرنا إليه أعلاه هو ترحيب الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، باللقاء حيث أثنى على طرفي اللقاء لما أحرزاه من تقدم، لاسيما الاتفاق على إنهاء المراحل الانتقالية في ليبيا عبر انتخابات عامة، كما ثمنت ألمانيا جهود رئيس البعثة الأممية لدى ليبيا، غسان سلامة، في إنجاح اللقاء داعية مختلف الأطراف السياسية الليبية، إلى التوصل لحل سياسي، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

دول الجوار اكتفت بالمتابعة ومراقبة التطورات، في ما عقدت تونس والجزائر ومصر في 05 مارس لقاء في القاهرة للتأكيد على مواقف كلاسيكية تجاه الملف على غرار القول بأولوية الحل السياسي كخطاب معلن لتلك الدول…

بقية الدول العربية والإسلامية على غرار السعودية والمحور القطري التركي تواصل نفس سياساتها وخطابها الرسمي تجاه الملف الليبي مع أن القطريين استقبلوا رئيس المجلس الأعلى للدولة خلال الأيام اللاحقة لعقد قمة أبو ظبي الثانية وتم إعلاميا التأكيد على نفس المواقف السابقة …

ثانيا: بين طموح الإمارات من القمة وخفايا اللقاء

طموح الإمارات من المحادثات في اجتماع أبوظبي أن تظهر أمام العالم كأكثر الدول تأثيراً ونفوذا في منطقة الشرق الأوسط، من حيث مستوي اختيار الوفود الأقوى بعد دعوة كل من رئيس الحكومة (وهو رئيس المجلس الرئاسي في نفس الوقت)، وحفتر، ورئيس مؤسسة النفط وهو ما يُعطي إيحاءات أن الاختيارات كانت مدروسة بعناية دقيقة لنجاح اللقاء ولإعطائه أبعاد جيوسياسية في المنطقة.

أما بالنسبة للنتائج فلا يهم الإمارات عمليا حدوث توافق واستقرار في ليبيا لأنها دولة منافسة لها من ناحية الموقع و الموارد والتاريخ بدليل أن محمد بن راشد سبق وان صرح أن إستراتيجية الإمارات في القيادة تعتمد على مقولة ( نصف النجاح يأتي نتاج لجهدك والنصف الآخر فشل منافسيك)، وهو ما يعني أنه ليس من أولويات الإمارات إعادة الأمن والاستقرار في ليبيا أو اليمن أو الصومال لأنها دول منافسة لها في الجغرافيا والمواني البحرية التي تعتبر عصب الاقتصاد الإماراتي…

أما عن خفايا الاجتماع فلم يحدث أي كسر للجمود و التقارب، ولم تنجح الأطراف المتصارعة في إحراز أي تقدم يُذكر في أي ملف بسبب تكرار هذه الاجتماعات بأوقات وأساليب مختلفة في باريس وباليرمو وكان التقدم محدود جدا.

ومع ذلك لم تظهر هذه المحادثات أي اتفاق مشترك بين فائز السراج وحفتر، أي أنه لم يكن هناك اتفاق على أي اتفاق أو وثيقة تكون ملزمة للأطراف المجتمعة التي رفضت حتى أخذ صور تذكارية للاجتماع مما يعني عودة إلي المربع الأول من الخلاف، أو أن هناك ترتيبات ستنفذ على الأرض خلال الساعات والأيام القادمة وتم التكتم عليها وهناك تساؤلات فعلية أن هناك أجندات تنزل بعيدا عن الأضواء منذ مفاوضات النزل الغابي في امستردام الهولندية وتهدف إلى الوصول إلى أهداف بعينها وهذا موضوع ثان ليس مقال الحال مجاله…

ثالثا: مواقف الأحزاب السياسية

أولى الردود الرافضة حزبيا عبر عنها حزب الوطن حيث أنه اعتبر في بيان له أن ما دار في العاصمة الإماراتية أبوظبي، من اجتماع بين السراج وحفتر، هو دخول في مرحلة أخرى من المماطلة وإطالة أمد الأزمة، ومحاولة فرض عسكرة الدولة، في قالب جزئي مكشوف لن يقبله أحرار البلد، وهو تقريبا نفس موقف كل من أحزاب التغيير والجبهة الوطنية وتجمع الوطنيين الأحرار مع اختلاف الصيغ والمبررات وزوايا التحليل…

أما حزب تحالف القوى الوطنية، فقد أكد في بيان له ان من الواجب على البعثة الأممية في ليبيا، إطلاع كـل الليبيين على ما يُتداول من أخبار حول الاقتراب من الوصول لاتفاق يُنهي المراحل الانتقالية، وتفاصيل هذا الاتفاق، ومرجعيته، وعلاقته بخطة المبعوث الأممي، وبالملتقى الوطني الليبي الجامع، الذي نطالب بعقده في أقرب وقت ممكن.

أما نزار كعوان رئيس الدائرة السياسية في حزب العدالة والبناء، فقد أكد على ضرورة الخروج من الأزمة، وإيجاد حلول في إطار مدنية الدولة، وتبعية المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية، وإنهاء الانقسام السياسي، وتوحيد المؤسسات وصولا إلى الانتخابات.

ردود الفعل المحلية الأخرى

أول ردود الأفعال المحلية فعليا كانت عبر كشف المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى للدولة، أشرف الشح، عن ما اسماه تفاصيل ما اتفق عليه السراج، واللواء حفتر، وأضاف إن ما جرى تداوله في الإمارات هو ”إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، بحيث يبقى السراج على رأسه، على أن يسمي حفتر أحد نواب الرئاسي، بينما يكون النائب الثالث من منطقة جغرافية أخرى، على أن يتخذ المجلس الرئاسي الجديد قراراته بالإجماع…”.

وأضاف الشح، أن السراج اتصل بأحد المقربين منه وأبلغه، أن المقترح الذي لم يتفق عليه بشكل نهائي نص على “تشكيل مجلس أمن قومي، تناط به مهمة القائد الأعلى للجيش الليبي، على أن يتكون من فائز السراج وخليفة حفتر ووزير الدفاع الذي يجب أن يسميه اللواء المتقاعد، ورئيس الوزراء، المشروط موافقة حفتر عليه، مؤكدا على أن مجلس الأمن القومي الجديد ليس له رئيس، ويجب أن تتخذ قراراته بالإجماع، كما أكد الشح أن الاتفاق المبدئي أيضا تضمن ” إخراج هذا السيناريو عن طريق ملتقى وطني جامع شكلي وصوري، بسبب أن اتفاق الصخيرات السياسي يتطلب موافقة المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب على أي تعديلات تتعلق بالمسائل الأساسية كالعملية الدستورية والانتخابات”.

أما المجلس الأعلى للدولة فقد أكد تمسكه بالاتفاق السياسي الليبي، باعتباره الإطار الوحيد والحاكم للعملية السياسية، رافضا قبول أي تعديلات، إلا وفق الآلية التي ينص عليها الاتفاق السياسي.

وقال المجلس في بيان له، إنه يتابع  بقلق شديد التطورات السريعة السياسية والعسكرية التي تمر بها البلاد، في إشارة إلى اللقاء الذي جرى في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بين السراج وحفتر.

المواقف في مجلس النواب و حكومة الثني غير المعترف بها دوليا جاءت متحفظة وخيرت الصمت مؤقتا حيث لم يسجل سوى موقف وحيد عبر عنه النائب عز الدين قويرب، بالقول أن تغييب البرلمان عن اللقاء محاولة لإنهاء الأطراف السياسية الأساسية وتعويضها بأطراف أخرى، مشبها هذا اللقاء ومآله بمؤتمر باليرمو وباريس….

من جانبه تفاءل عضو المجلس الأعلى للدولة، عبد الرحمن الشاطر، بلقاءات أبوظبي واصفا إياها بالإيجابية…

القيادي في كتيبة ثوار طرابلس، عاطف برقيق، أوضح موقفه من خلال القول أن ما جرى في الغرفة المغلقة في الإمارات، بين السراج وحفتر ليس اتفاقا نهائيا وملزما، متوقعا أن الشيء الوحيد الذي سينتجه هو تسمية آمر للمنطقة الشرقية.

خلاصة أولية في انتظار توضح المواقف و المرامي

الثابت بعد قمة أبو ظبي الثانية أن هناك اتفاق على ضرورة الذهاب إلى الانتخابات وفي التأكيد على مدنية الدولة والعمل على توحيد المؤسسات السيادية، والثابت أيضا أن الريبة والتوجس قائمين ومستمرين بين فرقاء الصراع.

كما هناك وفاق دولي ما بين المتصارعين على ليبيا تحديدا فمجلس الأمن وأمريكا هما من منع حدوث حروب في العاصمة طرابلس لأنها تعتبر “المعادلة الأصعب” بل وخوفا من حدوث حرب شاملة حولها يسقط فيها مشروع “الصخيرات” والذي يُعتبر الإطار الأخير أو الوثيقة التي من الممكن استغلالها للوصول إلي الانتخابات ودستور مستقبلي…

والخلاصة أن الذهاب إلي المجهول غير محبذ من كل الأطرف المحلية الحريصة قولا على وحدة التراب الليبي ولكن المقاربات للحلول مختلفة…

والذهاب للمجهول أمر ترفضه أيضا القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة ذلك أن اشتعال الحرب لن يبقي لأي طرف مصلحة وسينتج عنه انهيار أمني رهيب واقتصادي وسياسي غير مسبوقين ولذلك سيبقي دخول العاصمة مُحرم ومرفوض وخاصة بالنسبة للأمريكيين..

***

علي عبد اللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الإفريقية

___________

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية

مواد ذات علاقة