أطلق اللواء الليبي المنشق خليفة حفتر في الرابع من أبريل (نيسان) 2019 عملية عسكرية أسماها «تحرير العاصمة» للسيطرة على العاصمة طرابلس، وقد أذن لقواته بالزحف نحو الغرب الليبي كتحرك فعلي يهدف لإحداث تغيير لصالحه على أرض الواقع في بلاده.

لقد مضى الرجل واثق الخطا بأن حلفاءه، وفي مقدمتهم الإمارات العربية المتحدة، ومصر، والسعودية، يساندونه بدعم ضمني ومالي وعسكري، بل إن جوقة الإدانة الدولية لمعركته قد تدفع كلا من الإمارات ومصر للتدخل بشكل مباشر لمساعدته كما فعلوا في السابق، إذ إن لهؤلاء الحلفاء العديد من الدوافع لدعم الرجل حتى يصبح صاحب اليد العليا على السلطة بليبيا.

حفتر يتربع على «قلب السيسي»

ترك أمس الأحد اللواء الليبي خليفة حفتر قواته تقاتل قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا في معركة طاحنة تهدف لسيطرته على العاصمة طرابلس، وطار إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية.

ولم يتردد النظام المصري في الإعلان عن هذه الزيارة في هذا الوقت الحرج الذي تمر به ليبيا، ليظهر بشكل جلي دعم القاهرة القوي للعملية العسكرية التي يشنها حفتر في طرابلس، فقالت الرئاسة المصرية التي نشرت صورًا رسمية لاستقبال حفتر أن لقاء السيسي بحفتر جاء لتأكيد «دعم مصر لجهود مكافحة الإرهاب والميليشيات المتطرفة لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا»، وأن ذلك من شأنه «السماح بإرساء قواعد الدولة المدنية المستقرة ذات السيادة، والبدء في إعمار ليبيا، والنهوض بها في مختلف المجالات تلبية لطموحات الشعب الليبي».

ولأن حفتر  يجد السيسي أقرب الحلفاء السياسيين له، فقد جاءت هذه الزيارة بغية اطلاع القاهرة بشكل مباشر عما يحدث في الأراضي اللبيبة بعد إطلاق معركة طرابلس، إذ يطمئن حفتر لكون القاهرة ماضية في دعمها لأي عملية عسكرية تهدف ـ كما يدعي ـ لـ«مكافحة الجماعات الإرهابية والمتطرفة» في الجارة الليبية، فحفتر ـ الذي دعمه السيسي في «معركة الكرامة» التي انطلقت في مايو (أيار) 2014 ضد بنغازي ـ يتوقع المزيد من الدعم السياسي والأمني لقواته من مصر، دعم يأمل الرجل بأن يغير موازين القوى على الأرض.

وبخلاف تمويل وتسليح مصر لقوات حفتر؛ فلديها أيضًا تأثيرها على تحركات حفتر السياسية، والتي كان آخرها لعب السيسي دور رئيس في إقناع حفتر بحضور «مؤتمر باليرمو» بجنوب إيطاليا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ذلك المؤتمر الذي قادته إيطاليا في محاولة منها لإنهاء حالة الفوضى في ليبيا.

وخلافَا لدوافع دعم حفتر من قبل دول أخرى مثل الإمارات والسعودية، فإن تشكيل الجارة الليبية عمقًا للأمن القومي المصري – حيث تشترك مصر في حوالي ألف و100 كيلومتر من الحدود مع ليبيا – جعل السيسي متخوفًا من انعكاس أي اضطرابات في ليبيا بشكل مباشر على الأمن المصري، 

فيركز النظام المصري في مخاوفه على أن شرق ليبيا أصبح بعد العام 2011 ملاذًا آمنًا للعديد من الجماعات الإسلامية والجهادية التي ترعب القاهرة، ليرتكز تحالف السيسي وحفتر على معارضتهما إلى جماعات الإسلام السياسي، سواء في ليبيا أو مصر، واعتبار مصر لحفتر حصنًا ضد المتشددين الإسلاميين في ليبيا.

علاوة على ذلك فإن تطوير العلاقات الاقتصادية مع ليبيا أمر يهم السيسي، فمنذ سنة 2013 أصبحت مصر دولة مستوردة للنفط، وبالتالي يمكن لليبيا أن تمثل حلًا بالنسبة إليها في تصدير النفط والغاز بسعر أقل؛ وذلك بواسطة حلفائها على رأس الحكومة الليبية، كذلك تطمح مصر في المشاركة في إعادة إعمار البلاد وإقامة تعاون استثماري مع رجال الأعمال الليبيين.

الإمارات..  حفتر حصن منيع ضد الإسلاميين في شمال أفريقيا

يمكن القول إن الإمارات هي من دفعت مبكرًا نحو أن يكون حفتر هو صاحب اليد العليا على السلطة بليبيا، فهي من أكثر حلفاء حفتر الذين تعاقبت الأدلة على تحركاتها الفعلية في الأراضي اللبيبة دعمًا له، ولذلك قدمت في مايو 2014 الأسلحة والمال لما عرف بـ«عملية الكرامة» في بنغازي، التي أطلقها حفتر  بحجة مكافحة الإرهاب.

ولم تكتف الإمارات بصرف الأموال الليبية المجمدة في بنوكها لصالح العمليات العسكرية لقوات حفتر، والتي في صرفها اخترقت أبوظبي القرار الأممي بتجميد الأموال الليبية في دول العالم بعد ثورة عام 2011، بل اخترقت أيضًا الإمارات قرار حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا، إذ يؤكد تقرير لجنة محققين تابعين للأمم المتحدة أن الإمارات زودت قوات حفتر بالمال والأسلحة، وعززت بشدة القوة الجوية التابعة لحفتر في شرق ليبيا.

فقد تلقت هذه القوات طائرات ومركبات عسكرية من الإمارات، وعلى سبيل المثال تلقت قوات حفتر من الإمارات 93 حاملة جند مدرعة، و549 عربة مدرعة وغير مدرعة في أبريل 2016، وكذلك حاملات جنود من الطراز «بانثر تيو«تيجرا».

وقد أظهرت لقطات مصورة أن قوات حفتر حصلت على عشرات العربات المصفحة التي قدمتها الإمارات له، فتحديث قاعدة «الخادم » في بلدة المرج التي يعمل منها حفتر تم بدعم مالي من الإمارات، وتمتلك الإمارات قاعدتين عسكريتين في ليبيا، إحداهما في منطقة «الخروبة»، والأخرى في منطقة «الخادم»، تضم هاتان القاعدتان طائرات دون طيار، ومروحيات وطائرات مقاتلة، ومقر عمليات.

وسبق أن نشر نشطاء تسجيل صوتي لطيار إماراتي يتحدث عن قصف موقع تابع لحكومة طرابلس عام 2017، كذلك ألقت حكومة الوفاق الوطني القبض على جواسيس يحملون الجنسية الإماراتية في ليبيا، وبحسب أبحاث وزارة الخارجية البريطانية، وكذلك تحقيق لجنة في الأمم المتحدة، يعد أكبر رصيد لحفتر من الدعم العسكري والمالي والسياسي هو من الإمارات ومصر، فهو دعم فاق أي دعم تلقته من اللاعبين الآخرين على الساحة الليبية، فالإمارات تدعم حفتر على أمل تقديمه قيادة معادية للجهاديين، وهي كما مصر والسعودية ترى حفتر حصن ضد الإسلاميين في شمال أفريقيا، وتراه شخص يمكنه معارضة الجماعات الإسلامية المدعومة من قطر وتركيا.

السعودية.. دعم حفتر قد يعيدها لقيادة العالم العربي

كان حفتر يعد السعودية واحدة من الدول التي تدعمه ضمنيًا، لكن أراد أكثر من ذلك، وفي هذا الإطار جاءت زيارته إلى السعودية يوم 27 مارس (آذار ) 2019، تلك الزيارة التي أطلق حفتر بعدها بأسبوع ما أسماه عملية «تحرير العاصمة» للسيطرة على العاصمة طرابلس.

خلال تلك الزيارة تعهدت الرياض بدفع ملايين الدولارات لحفتر من أجل تمويل عمليته ضد طرابلس، وبذلك يكون الراجل قد حصل على دعم مالي سعودي يضاف إلى الدعم الضمني، فبحسب صحيفة «وول ستریت جورنال» الأمريكية فقد «وعد المسؤولون في المملكة بتقديم عشرات الملايين من الدولارات من أجل تمويل حملة حفتر العسكرية على العاصمة الليبية، على أن تستخدم تلك الأموال، في شراء ولاء بعض زعماء القبائل في ليبيا، وتجنيد المقاتلين، ودفع أجورهم، وغيرها من النفقات العسكرية»،

وحسب مسؤولين سعوديين لم تكشف الصحفية هويتهم، فأن «الدعم لحفتر كان بارزًا، لقد قالوا (كنا كرماء للغاية)، في إشارة لضخامة الدعم المالي، الذي تم قبل إعلان حفتر عن الحملة العسكرية ضد طرابلس».

كذلك حصل حفتر خلال الزيارة على مباركة سعودية لقراره الخطير بالتحرك العسكري نحو طرابلس، تضاف إلى الدعم المصري والإماراتي المضمون بالنسبة له، كما حصل على موافقة ضمنية بأن تستخدم الرياض نفوذها على بعض الدول العربية لإلزامها بالصمت وتهدئة مخاوفها بشأن توابع التحرك العسكري في ليبيا.

لكن ماذا تريد السعودية مقابل ذلك من حفتر؟

تتعدد دوافع السعودية جراء دعم حفتر، فالرجل الذي يحظى بمباركة  فرنسا والإمارات العربية المتحدة ومصر، تراه الرياض سيفًا صارمًا في قتال الجماعات الإسلامية في شرق ليبيا، تلك الجماعات التي تعتبرها الرياض «عدوًا لدودًا»، كذلك وكما يقول المدير التنفيذي لـ«المركز العربي» بواشنطن، خليل جهشان، فإن «زيارة الجنرال حفتر للمملكة ولقاءه مع كل من الملك سلمان وولي العهد؛ كانت نتيجة رغبة المملكة العربية السعودية في زيادة مشاركتها في الصراع في ليبيا». هذه المشاركة الناجمة عن حرص السعودية على استعادة قيادة العالم العربي عبر بسط النفوذ في ليبيا أسوة بما حدث في مصر

ويوضح البروفسوربـ«معهد الدراسات الجيوسياسية» بباريس علي بن سعد في موقع «موند أفريك» الفرنسي أن «التصعيد العسكري بليبيا يهدف لعرقلة التوصل لتوافق محتمل، ويسلط الضوء على الدور التخريبي للثنائي المتمثل في السعودية والإمارات الذي يمهد الطريق لتعزيز السلطوية وزعزعة استقرار العالم العربي»، بحسب علي بن سعد.

نقطة أخرى مهمة تسجل في دوافع السعودية والإمارات لدعم حفتر في هذا الوقت تحديدًا، تتعلق بأحداث الجزائر التي أجبرت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة، فالسعودية والامارات ركضت نحو تكثيف جهودهما لتجنّب عملية الانتقال الديمقراطي في الجزائر التي من شأنها أن تقوض نفوذهما في الجزائر، وتنذر بعودة جولات الربيع العربي،

كذلك تدرك هذه الأطراف أن طول الحدود المشتركة يجعل الوضع في ليبيا ينذر بخطر أمني على الجزائر؛ مما يعطي الفرصة للأطراف الجزائرية الحليفة للإمارات أن تعلن حالة الطوارئ بهدف القضاء على الحراك الشعبي الجزائري.

«إياكَ أعني واسمعي يا جارة».. هل يريد حفتر الانتقام من الجزائر بهجوم طرابلس؟

_____________

مواد ذات علاقة