بقلم محمد أحمد مرسي

فيما كانت قواته تحاول اقتحام طرابلس من الجنوب والغرب؛ كان اللواء المتقاعد خليفة حفتر يوجّه جيشه عبرأجهزة اللاسلكي طالبًا منهم دخول طرابلس بأي ثمن؛

لكنّ الطريق إلى العاصمة ليس نزهة سهلة، فمنذ 4 أبريل (نيسان) الجاري، أطلق حفتر النفير العام للسيطرة على طرابلس، مدعومًا بدعمٍ أمريكي فرنسي روسي، بالإضافة لذخيرة مصرية، وأموال سعودية، وطائرات إماراتية، كما وصفها المتحدث باسم الجيش الليبي بـ«الضربات الجوية الصديقة».

هذا التقرير يوضح لك عتاد الجيش النظامي لحفتر، والقدرة العسكرية للكتائب الموالية له، وآخر مستجدات المعركة الحالية.

عشرون يومًا من القتال .. من انتصر حتى الآن؟

قبل نحو أسبوعين من إطلاق حفتر عملية تحرير طرابلس، تحركت إحدى الكتائب التابعة للواء المتقاعد، قرب مدينة سرت الليبية التابعة لحكومة الوفاق -450 كم شرق العاصمة، وبدا أن حفتر سيدخل طرابلس عبر خوض أصعب حروبه على الإطلاق بمقاتلة كتائب مصراتة القوية المكافئة له.

لكنّ الاستراتيجية العسكرية الحالية اعتمدت على شنّ معارك ضارية ومتفرقة عبر أكثر من جبهةٍ في جنوب العاصمة وغربها، تبدأ من مدينة غريان تبعد نحو 100 كمالتي تعتبر أضعف ثغرة جنوبية، للوصول إلى طرابلس الحصينة.

شهدت الساعات الأولى للمعركة نجاح خطة حفتر، إذ وصولت قواته إلى مشارف مدينة غريان، فدخلتها بدون قتال بعدما انسحبت القوات الموالية لحكومة الوفاق، ليبدأ الزحف العسكري بعدها نحو مدينة الزاوية -48 كم غرب طرابلس

لكن المفاجأة أنّ قوات حفتر سُرعان ما انهزمت وخسرت نحو 40 آلية عسكرية، وسقط نحو 120 في الأسر، وسيطرت قوات حكومة الوفاق الوطني أيضًا على الشريط الساحلي المؤدي إلى العاصمة طرابلس المتمثل في الجسر، ولاحقت قوات حفتر التي فرت إلى الجنوب، وبدا أنّ الرجل العسكري أخطأ في كل تقديراته السياسية والعسكرية.

بُعد القواعد الجوية التي يسيطر عليها حفتر عن مناطق الاشتباكات منعه من استخدام ورقته الرابحة التي أخضع بها الشرق الليبي، لذا انحصرت الجولة الثانية من المعارك حول مطار طرابلس الذي تعرض لقصف جوي بمشاركة مصرية إماراتية متطورة، بحسب ما كشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية، ليحرز حفتر أول انتصاراته العسكرية بالسيطرة على المطار قبل أن يخسره أيضًا في عدة جولات من المحاولات الفاشلة.

على جانبٍ آخر، اتهمت حكومة الوفاق دولًا كبرى (الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا) بتوفير غطاء دولي لحفتر بعدم إصدار قرار من مجلس الأمن بتوقف القتال إلا بعد إحراز الجنرال الليبي تقدمًا ميدانيًا يجعله شريكًا في العملية السياسية المقبلة.

لكنّ الصمت الدولي لم يمنع حكومة الوفاق من إطلاق عملية «بركان الغضب»، ووضعت خُطة ناجحة لاستعادة السيطرة على الجزء الأكبر من المطار، عبر الهجوم عليه من ثلاثة محاور.

ووفق آخر مستجدات المعركة، فقد أعلنت حكومة الوفاق أنّ قوات حفتر خسرت معظم مواقعها جنوب العاصمة الليبية طرابلس، وأنّ قوات الحكومة سيطرت على كامل المنطقة الممتدة من وادي الربيع وحتى منطقة العزيزية جنوب العاصمة.

والأخطر أنّ الانتصار العسكري دفع الحكومة المعترف بها دوليًّا للانتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم المضاد، ما يعني أنّ الحرب لن تنتهي حتى بانسحاب حفتر إلى ثكناته.

منظمة الصحة العالمية أعلنت أن الحرب دفعت أكثر من 35 ألف شخص للهروب من طرابلس، فضلًا عن مقتل 220 من المدنيين والعسكريين، وإصابة نحو 1066 منذ الهجوم، وتحمّل حكومة الوفاق حفتر المسؤولية عن الخسائر في صفوف المدنيين، كونه أطلق عشرات الصواريخ من نواع «جراد» على الأحياء السكنية في جنوب العاصمة.

القوة الواقفة على الأرض.. من يصنع غرور حفتر؟

منذ اندلاع الانتفاضة الليبية التي أطاحت حكم القذافي عام 2011، عاد حفتر -67 عامًامن منفاه الاختياري في الولايات المتحدة الأمريكية التي يحمل جنسيتها، وانضم إلى القوات المتمردة في الشرق الليبي، ثم بايعه نحو 150 ضابطًا قائدًا لأركان جيش التحرير الوطني، لتبدأ بعدها معركة تحرير طرابلس من كتائب القذافي.

يقول حفتر في مقابلة مع قناة العربية السعودية متحدثًا عن خُطة الاستعداد آنذاك: «اعتمدنا خطة الدخول إلى العاصمة من اتجاه الغرب، وحشدنا القوات عند منطقة الزاوية، لكنّ قوات مصراتة سبقتني وأسقطت طرابلس».

المفارقة التاريخية أنه بعد ثماني سنوات من الصراع، أعلن حفتر النفير العام لإسقاط العاصمة، واعتمد الخُطة القديمة نفسها بالوصول إلى الزاوية، لكنّ كتائب مصراتة كانت قد سبقته وحشدت قواتها في العاصمة كما حدث من قبل.

يمتلك حفتر قوة عسكرية قوامها نحو 25 ألف مقاتل بين جيش نظامي وميليشيات مسلحة، وتعد القوات البرية هي القوة الضاربة في الأرض، وتنقسم إلى لوائين مشاة، ولواء دبابة، ولواء مدفعي، ولواء واحد للقوات الخاصة، بالإضافة إلى كتائب المشاة ، والكتائب الخفيفة، وحرس الحدود ، وقوات الأمن، وبحسب تقديرات فإنّ نواة الجيش النظامي لا تتعدى 7 آلاف فرد.

تغطي تلك القوات مساحات شاسعة داخل ليبيا، بداية من شرق مدينة سرت –تبعد 450 كم عن العاصمةوحتى مدينة مساعد الحدودية مع مصر شرقًا، وإلى مدينة الكفرة جنوبًا، وفي عام 2017، أصدر البرلمان الليبي في الشرق قرارًا بإنشاء أربع مناطق عسكرية تابعة للجيش الليبي، بهدف الحفاظ على المساحات التي أخضعها حفتر تحت قبضته.

وتعد الكتيبة 106 التي تتمركز في مدينة بنغازي أكثر الكتائب تسليحًا، والتي تشارك حاليًا في الهجوم على العاصمة بقيادة صدّام حفتر، نجل الجنرال الليبي، وفي أقصى الشرق الليبي تتمركز الكتيبة 306 في طبرق، وهي التي شاركت في القتال في بنغازي.

وفي منطقة الهلال النفطي شمال شرق ليبياالتي تحتوي في داخلها على 80% من نفط ليبيا، تتمركز ميليشيات قبيلة المغاربة المؤيدة لحفتر، وفي الجنوب الشرقي، حيث مدينة الكفرة تقبع أخطر الميليشيات المسلحة المعروفة باسم «سبل السلام» السلفية المدخلية التي يقودها أحد رموز التيار السلفي المدخلي عبد الرحمن الكيلاني المدعوم سعوديًّا، والذي يوّجه أنصاره لقتال حكومة الوفاق باعتبارهم «خوارج»، وتشارك تلك القوات أيضًا في الهجوم على طرابلس.

وبالحديث عن القواعد الجوية؛ فحفتر يسطير على كافة المطارات في البلاد عدا مطاريّ مصراتة شرق طرابلس، ومعيتيقة داخل العاصمة، والذي يتركز حوله المعارك، وتعد قاعدة «الوطية» الجوية شمال غرب العاصمة حاليًا هي أقرب القواعد التي ما تزال بعيدة عن دوائر القتال، وتحاول تلك القاعدة إخضاع مدينتي «غريان» و«الزنتان» التي بدأ منها حصار العاصمة.

وفي أقصى الشرق الليبي توجد في الجبل الأخضر غرفة عمليات عمر المختار، وقاعدة «الأبرق» الجوية التي ينسب لها السبب الأول في سقوط درنة، معقل الإسلاميين في الشرق، وفي وسط ليبيا يسيطر حفتر على قاعدة «الجفرة» التي يمدّ منها نفوذه إلى الجنوب، حيث سبها التي سيطر عليها مؤخرًا.

يقول المحلل السياسي الليبي عبد السلام الراجي لـ«ساسة بوست»: «بُعد القواعد الجوية عن دوائر القتال، يجعل للمدفعية الثقيلة على الأرض الكلمة الأخيرة، بالإضافة إلى أنّ سلاح الجو لدى حفتر قديم جدًا»، ويتفق ما قاله المصدر مع ما نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية من مشاركة طائرات إماراتية مسيرة بدون طيار في عمليات القتال، وهي التي لا يمتلكها جيش حفتر بسبب الحظر.

ثلاثة جيوش لحكومة الوفاق تعرقل حلم حفتر

قبل المعركة بنحو 10 أيامٍ، كان الجنرال الليبي في زياة إلى السعودية، وبحسب ما نشرته صحيفة «سوول ستريت جورنال» الأمريكية، فإنّ الرياض قدمت مساعدات بملايين الدولارات إلى حفتر، لتنفيذ الهجوم على طرابلس، ليكون مدعومًا إلى جانب جيشه بالأموال السعودية، والذخيرة المصرية، والطائرات الإماراتية، بالإضافة إلى التجاهل الدولي.

لم يكن أمام حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا سوى أن أطلقت عملية «بركان الغضب» بعدما مدّت يدها لحفتر للتفاوض دون شرط من أجل الانسحاب، فأعلن فايز السراج، رئيس الحكومة، تشكيل غرفة عمليات مشتركة من قادة القوات في المنطقة الغربية للتنسيق مع ثلاث قوات رئيسية توّحدت إلى جانب المدفعية والغطاء الجوي لمنع تقدم حفتر:

1- كتائب مصراتة:

هي القوة المكافئة لجيش حفتر، وتحمل وحدها نصف العتاد العسكري الذي خلفه القذافي في المخازن التي نُهبت عقب سقوط نظامه، وتعد أكبر قوة عسكرية منظمة في الغرب الليبي، بما تملكه من 17 ألف مقاتل، و5 آلاف عربة مسلحة، ومئات الدبابات، بالإضافة إلى صواريخ أرضأرض متوسطة المدى، وتعتبر اندماج لعشرات الكتائب المسلحة بداخلها.

رغم انقسام تلك الكتائب بين مؤيد لحكومة السراج ومعارض لها، إلا أنّ الهدف الوحيد الذي يجمعهم هو عدم وصول حفتر إلى الحكم، وكان لتلك الكتائب دور حاسم في تحرير العاصمة من كتائب القذافي، والسيطرة عليها قبل وصول حفتر عام 2011، ثم كان لها دور آخر عام 2014، في إفشال انقلابه وطرد الميليشيات المؤيدة له، ودعم شرعية المؤتمر الوطني والحكومة.

واللافت أنّ حفتر بعدما أخضع الشرق الليبي تحت نفوذه، تجاهل طرابلس وانطلق جنوبًا ومنها التف حول العاصمة غربًا، متفاديًا مدينة سرت التي تقع في منتصفها مدينة مصراتة، ما يعني أنّ حفتر غيّر استراتيجيته العسكرية تفاديًا لمواجهة تلك القوات.

2- كتائب طرابلس:

وتتبع رسميًّا حكومة الوفاق، وهي التي بادرت بالدفاع عن طرابلس أثناء هجوم حفتر الأخير، قبل وصول الدعم من كتائب مصراتة، وتتشكل من:

أ– كتيبة ثوار طرابلس: وتعتبر أشهر كتيبة مؤثرة في العاصمة الليبية، ولعبت دورًا رئيسيًّا في طرد كتائب حكومة الإنقاذ من العاصمة في 2017، كما تصدت لهجوم اللواء السابع ترهونة رفقة حلفائها في طرابلس العام الماضي.

ب– قوات الردع الخاصة: وتتمركز في قاعدة معيتيقة الجوية، ويُنسب لها الفضل في الصمود أمام قوات حفتر التي سيطرت على المطار قبل أن تفقد الجزء الأكبر منه، وبخلاف القتال الدائر، فتلك الميليشيات متخصصة في مكافحة الجريمة والإرهاب، باعتبارها تابعة لجهاز الشرطة.

ج– كتيبة النواصي: إحدى أكبر ميليشيات العاصمة، والمعروفة بعدائها الخالص لحفتر، وسبق لتلك الميليشيات أن نشرت الدبابات في شوارع العاصمة عام 2017؛ احتجاجًا على اعتراف وزير خارجية حكومة الوفاق الوطني بحفتر قائدًا للجيش الليبي.

3- كتائب الزنتان:

تعتبر ثاني أكبر قوة في الغرب الليبي بعد كتائب مصراتة، ويرأسها وزير الدفاع الأسبق أسامة الجويلي، والمثير أنها كانت أحد الأجنحة المقاتلة مع حفتر بسبب عدائها مع الإسلاميين في مصراتة، لكن بعد توقيع اتفاق الصخيرات نهاية 2015، انقسمت كتائب الزنتان بين مؤيد لحكومة الوفاق، وموالٍ لحفتر، لكنّ الكتيبة توّحدت مرة أخرى عام 2017، حين أعلن اللواء الليبي المتقاعد نيته دخول طرابلس.

بالرغم من أنّ التحركات العسكرية لقوات حفتر جنوب العاصمة طرابلس قابلتها دعوات دولية رافضة، من كل من الولايات المتحدة، وإيطاليا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا التي طالبت بوقف القتال واللجوء إلى الحوار باعتباره طريقًا وحيدًا لإنهاء الأزمة، ووقف الصراع المسلح، إلا أنّ أحدًا حتى الآن لن يكون بمقدروه أن يمنع الصدام العسكري؛ لأنّه سيحدد مصير الخريطة السياسية لمستقبل ليبيا، في حال هُزم أحد طرفي الصراع.

_______________

ساس بوست

مواد ذات علاقة