مع استمرار المعارك الدائرة في ليبيا، التي راح ضحيتها أكثر من 200 شخص، أجرت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ مقابلة مع فولفرام لاخر، ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻬﺪ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻟﻠﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻭﺍﻷﻣﻨﻴﺔ، حول أسباب تجدد الصراع المسلح في ليبيا وتداعياته.

الخبير أوضح أن المشير خليفة حفتر كان قد دخل في مفاوضات مع فايز السراج ـ الرئيس الليبي المعترف به دوليا ـ بهدف تشكيل حكومة انتقالية مشتركة وقدم حفتر وعود بتنازلات كبيرة، لكن هذا لم يكن كافيا بالنسبة له، فشن هجومه قبيل انعقاد مؤتمر سلام وطني في محاولة لتوسيع نفوذه على الأرض في العاصمة طرابلس، من أجل الحصول على المزيد من الامتيازات من مفاوضات السلام“.

الخبير فولفرام لاخر نوّه إلى أن حفتر أساء تقدير الموقف بوضوح لأن غزو طرابلس عسكريًا دفعة واحدة لم يكن واقعيًا أبدًا، وقال: “خطة حفتر كانت تتمثل في اقتحام مجموعة صغيرة من القوات دون اشتباك المدينة ومن ثم محاولة إقناع الجماعات المسلحة وأعضاء الأجهزة الأمنية بالانضمام إليها. لكن هجومه أتى بتأثير عكسي، فالجماعات المسلحة في طرابلس وحولها والتي كانت منقسمة فيما بينها، اتحدت ضده. لم يعد لدى حفتر الآن أي خيار سوى نشر جميع قواته في طرابلس. كما لا يمكنه الآن التراجع لأن أتباعه وحلفاءه سيعتبرون ذلك هزيمة. إضافة إلى أن الانسحاب سيهز صورته في منطقة شرق ليبيا، التي يسيطر عليها منذ سنوات“.

وفي سؤال حول طبيعة الفصائل المسلحة في ليبيا أوضح لاخر أن خصوم حفتر هم في الغالب ميليشيات محلية من طرابلس والمدن المحيطة بها وهم يدافعون عن مدنهم أو امتيازاتهم أو يخشون ببساطة تأسيس دكتاتورية عسكرية. ليس لحكومة سراج سيطرة مباشرة على الجماعات المسلحة التي تقاتل حفتر. بحلول منتصف عام 2018، تم تقسيم طرابلس بين أربعة ميليشيات محلية وسيطر هؤلاء إلى حد كبير على حكومة السراج وعلى المؤسسات في طرابلس. ولكن المشهد يبدو مختلفا في اللحظة الراهنة، حيث تستفيد الميليشيات الآن من الشرعية التي يتمتع بها سراج وحكومته دولياً. كما يعمل سراج كوسيط بين الجماعات المسلحة“.

أما ما يسمي بالجيش الوطني الليبي التابع لحفتر فهو مجرد اسم، يجمع تحت لوائه فصائل من كل صوب وطيف، فهناك ميليشيات محلية تم تجنيدها على أساس قبلي من غرب أو جنوب ليبيا وهناك السلفيون المحافظين وجماعة تتبع واعظًا سعوديًا (المدخلية)، وكذلك مرتزقة من السودان وتشاد“.

وفي سؤال عن تأثير المصالح الاقتصادية والدوافع السياسية على الموقف الفرنسي والإيطالي الداعم للجنرال حفتر، أجاب الخبير فولفرام لاخر أن البلدين لهما مصلحة مشتركة في النفط الليبي، لكن من ناحية أخرى تأمل إيطاليا في احتواء الهجرة وبالتالي تتطلع إلى غرب ليبيا، حيث تنطلق قوارب المهاجرين. فيما تكمن المصالح الأمنية لفرنسا في المقام الأول في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وفي استقرار دول الساحل. بالإضافة إلى ذلك، فإن النظرة الفرنسية إلى ليبيا تبدو متأثرة بشدة برؤية الإمارات ومصر“.

وحول مدى دعم مصر والإمارات العربية المتحدة حفتر عسكريا، تحدث لاخر عن قيام الإمارات ببناء قاعدة عسكرية كبيرة في شرق ليبيا وأشار إلى الدعم المصري لسلاح الجو التابع لحفتر. كما حذر الخبير من اندلاع حرب بالوكالة بين مصر والإمارات من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى على الأراضي الليبية“.

في ختام الحوار، قال ﺍﻟﺨﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻬﺪ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻟﻠﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻭﺍﻷﻣﻨﻴﺔ: “إن فرص الحل السلمي تضاءلت حالياً، فلا أحد يثق في حفتر بعد الآن، كما ضاعت مصداقية الأمم المتحدة والحكومات الغربية. المهم الآن أن تبذل الحكومات الغربية وقبل كل شيء الولايات المتحدة، وكذلك المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا كل ما في وسعها لمنع القوى الإقليمية من التدخل في الصراع. لو حصلت الأطراف المتصارعة في ليبيا على دعم من الخارج، فسيستمر القتال. غياب هذا الدعم سيُرجّح هزيمة سريعة لحفتر. هزيمته فقط ستضع نهاية سريعة لهذه الحرب“.

____________

المصدر: صحيفة نويه تسورخر تسايتونغالصادرة في زيورخ بالألمانية

***

لماذا يُدعم ديكتاتور؟

في حوار أجراه مراسل صحيفة لا ليبرتي ماتيو غالتييه مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المُعترف بها دوليا في العاصمة طرابلس، اعتبر فائز السراج في معرض رده على سؤال بخصوص إعراب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن دعمه لخليفة حفتر (في مكالمة هاتفية معه يوم 15 أبريل الجاري) أن موقف وزير الخارجية الأمريكي هو الذي يهمه، وقد طلب من خليفة حفتر بالإسم بوقف المعارك“. 

أما بخصوص الموقف الفرنسي الذي لم يُعلن عن إدانة رسمية للهجوم الذي تشنه القوات التابعة لحفتر منذ ثلاثة أسابيع على العاصمة الليبية، فلم يُخف السراج استغرابه وقال: “في مارس 2011، حالت باريس، باسم قيم الحرية والديمقراطية التي تتبناها، دون تدمير بنغازي من طرف القذافي. لماذا لا تتخذ فرنسا هذه المرة نفس الموقف؟ إننا مندهشون من أن فرنسا لا تدعم حكومتنا الديمقراطية ولكنها تدعم ديكتاتورا“. وأضاف عندما هاتفني إيمانويل ماكرون (يوم 8 أبريل – التحرير)، حذرته من أن الرأي العام في طرابلس مُناهض لفرنسا. نحن لا نُريد أن يُبغض الليبيون فرنسا. فلا زال لدى فرنسا دور إيجابي ومهم لتلعبه في ليبيا“.

السراج أشار أيضا إلى أن قرار حفتر بمهاجمة طرابلس دمّر هذه الجهود (في إشارة إلى المباحثات السياسية العديدة التي جرت طيلة الأشهر الأخيرة في فرنسا وإيطاليا ومنطقة الخليج).. إنه مجرم حرب فهو يقوم في الوقت الحاضر بقصف مدارس ومستشفيات وسيارات إسعاف بل حتى مستودعا للكتب المدرسية. نحن لا نفهم حقيقة صمت المجتمع الدولي في حين أن كل هذه الأعمال موثقة.. يجب أن تتم ملاحقة حفتر جنائيا بسبب هذه الجرائم“.

وفي سؤال بخصوص عدم تمكن حكومة الوفاق حتى الآن من إحكام السيطرة على المنطقة الغربية واحتمال استقرار عناصر متطرفة في العاصمة بالتزامن مع تواجد المزيد من الميليشيات المسلحة في طرابلس للمشاركة في القتال ضد قوات خليفة حفتر، أجاب فائز السراج: “أولا، لا يجب أن ننسى أن المسؤول الرئيسي عن هذه الوضعية الفوضوية هو خليفة حفتر. صحيح، اننا سجلنا بعض الأحداث مع ميليشيات لكن هذا يظل معزولا. هناك ما بين 15 و20 مليون قطعة سلاح في البلد يُوجد أغلبها في الغرب لأنها المنطقة التي كان التصدي فيها لمعمر القذافي أقوى لكننا نبذل منذ ثلاث سنوات جهودا معتبرة بمساعدة الأمم المتحدة من أجل تجميع الأسلحة وإدماج هذه الميليشيات ضمن جيش وشرطة وطنيين. اليوم، هناك فعلا مجموعات مسلحة قدمت من مصراتة ومن غيرها لكن هؤلاء هم الشبان الذين هزموا تنظيم الدولة الإسلامية في سرت في عام 2016. إنهم أبطال وليسوا إرهابيينكما يصرح خليفة حفتر“.

وفي خاتمة الحوار (الذي نشرته أيضا صحيفة ليبيراسيون الفرنسية) أكد رئيس حكومة الوفاق الليبية أنه: “لا يجب أن نُخطئ: إنها ليست حربا ضد الإرهاب، كما أنها ليست حربا بين غرب وشرق ليبيا، إنها حرب قيم تتمثل في الدفاع عن الديمقراطية بوجه إقامة نظام عسكري“. 

___________

المصدر: صحيفة لا ليبرتيالصادرة في فريبورغ بالفرنسية

مواد ذات علاقة