تؤكد الشهادات التي يستعرضها التقرير أن عمليات القتل والتنكيل جرت بشكل ممنهج، وسط غياب تام لمنظومة عدالة رادعة.

الجزء الأول

منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في ليبيا في فبراير 2011 والإطاحة بنظام القذافي وقتله، دخلت ليبيا في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار نتيجة لتصارع أطراف متعددة يمتلك كل منها سلاحا وداعما داخليا كان أو خارجيا.

,وإذ تنحي الأطراف المتنازعة المصالح الوطنية والإنسانية للمواطنين جانبا في استمرارها بنزاعها للسيطرة على المناطق الإستراتيجية والمهمة التي تحتوى ثروات نفطية في البلاد، تشهد ليبيا أزمات وتردِ مشهود لحقوق الإنسان فيها.

يوثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الانسان في هذا التقرير انتهاكات قاسية لحقوق الإنسان وفضائع وقعت خلال هجوم قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس في 4 أبريل 2019، تمثلت في إعدام خارج إطار القانون لعسكريين بعد أسرهم، والتنكيل بجثثهم والتفاخر بتلك الممارسات المشينة من خلال نشر فيديوهات وصور توثق تلك العمليات البشعة.

***

شهدت الأوضاع الإنسانية في ليبيا تراجعا ملحوظا بعد أحداث الانتفاضة الشعبية في فبراير 2011 ودخول أطراف مسلحة في نزاعات مستمرة، ما جعل حالة الفوضى هي السائدة في البلاد، إذ تغير مسار الثورة التي اندلعت للمالبة بحقوق عادلة للمواطنين، إلى حرب أهلية يشهر الجميع فيها سلاحه.

وخلال الشهر الأول من اندلاع الثورة وخروج المئات من المتظاهرين إلى اعتصامات، تعاملت قوات الأمن الليبية التابعة للقذافي حينها بالقمع والعنف، وسجلت منظمات حقوقية مقتل ما يزيد عن 20 مدني خلال قمع التظاهرات، وإصابة أكثر من 800 شخص بالرصاص الحي، في الوقت الذي فرض فيه مجلس الأمن عقوبات ضد ليبيا، وفرض حظر على الأسلحة وإحالها للمحكمة الجنائية للتحقيق في جرائم ضد الإنسانية.

بعد أحداث دامية دعت الأمم المتحدة الأطراف الليبية المتنازعة للحوار من أجل الوصول إلى حل سلمي وإيقاف المعارك والانتهاكات الواقعة بحق المدنيين، والتقت الأطراف المتنازعة في الصخيرات بالمغرب في ديسمبر 2015، ووقع اتفاقية الصخيرات 22 برلمانيا ليبيا، وبدأت غالبية القوى الموقعة على الاتفاقية العمل بها في أبريل 2016.

وشملت الاتفاقية على 67 مادة تنبثق من 9 فصول رئيسية أهمها تحديد مبادئ وعمل وتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي أصبحت ممثلا دوليا معترفا به لليبيا، كذلك تحدد صلاحيات وآلية عمل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والترتيبات الأمنية والدستورية.

ورغم تأكيد الأمم المتحدة على أن اتفاقية الصخيرات هي المخرج الوحيد للمأزق الذي وقعت فيه ليبيا، إلا أن أحد أهم زعماء القوى التنازعة، خليفة حفتر، الذي قاد ما يسمى بعملية الكرامة في 2015 بحجة تخليص ليبيا من الإرهاب وفوضى السلاح، أعلن بوضوح أن الإتفاقية لم تعد صالحة، وأنه لم يعد ملتزما بها.

ويتصف المشهد الليبي بحالة من الفوضى والنزاعات بين قواء اللواء المتقاعد خليفة حفتر الغازية على العاصمة، وقوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والمدافعة على العاصمة، إذ تدور اشتباكت مستمرة بين الطرفين منذ 4 أبريل 2019، أسفرت عن مقتل أكثر من 650 شخصا وجرح الألاف، عدا عن دمار كبير في الممتلكات والمنشآت المدنية.

شهادات

يوثق المرصد الأورومتوسطي في هذا التقرير انتهاكات مفزعة ارتكبتها مجموعات مسلحة تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، خلال هجومها على العاصمة الليبية طرابلس والذي بدأ يوم 4 أبريل 2019. ويستعرض التقرير شهادات لأهالي أو أصدقاء مقاتلين تابعين لقوات حكومة الوفاق، يكشفون فيها لفريق الأورومتوسطي معلومات تؤكد تنفيذ قوات حفتر عمليات إعدام خارج إطار القانون وتمثيل مشين بجثث مقاتلين من قوات الوفاق بعد أسرهم وهم على قيد الحياة ويتمتعون بصحة جيدة.

عبدالسلام نوري أبو دبوس

يقول محمد الفقيه، مقاتل في صفوف قوات حكومة الوفاق ـ في شهادته لفريق الأورومتوسطي، أنه وأثناء انسحابه من أحد المواقع العسكرية جنوبي طرابلس نتيجة لوقوعه تحت ضربات نارية، صادف عبدالسلام نوري أبو دبوس، أحد المقاتلين في قوة مكافحة الإرهاب التابعة لحكومة الوفاق، وهو متزوج ولديه 4 أطفال.

وأضاف أنه بعدما تحدثا قليلا عن سبب الإنسحاب واتفقا على اللقاء بعد جولة تفقدية للمكان، انقطع الإتصال بشكل نهائي مع عبدالسلام أبو دبوس ما جعل محمد الفقيه يتأكد من وقوعه أسيرا.

ويتابع محمد الفقيه أنه تلقى في اليوم التالي اتصالا من شخص مجهول، تبين أنه مقاتل في قوات حفتر تابع لغرفة عمليات إجدابيا التي يقودها فوزي المنصوري، وأبلغه أن شخصا يود الحديث معه، وبعدما تبين أنه عبدالسلام أبو دبوس طلب منه أن يتواصل مع بعض القادة العسكريين التابعين لحكومة الوفاق ليتمكنوا من مبادلته مع مقاتلين تابعين لحفتر وقعوا في الأسر من مدينة الزاوية عند بوابة 27.

وبحسب شهادة محمد الفقيه، فإنه تحدث إلى آسري عبدالسلام أبو دبوس وأوصاهم بالحفاظ على سلامته حتى تتم عملية التبادل، كما أن الآسرون زودوه بمعلومات حول مكان تواجد عبدالسلام ابو دبوس وإسم آمر القوة التي تعتقله وهي غرفة عمليات إجدابيا.

وبعد تاريخ 5 أبريل 2019، حتى التاسع والعشرين من نفس الشهر، فُقد الإتصال مع عبدالسلام أبو دبوس إلى أن سيطرت الكتيبة 166 التابعة لحكومة الوفاق الوطني على مستشفى السبيعة جنوبي طرابلس، حيث وجدوا عبدالسلام جثة هامدة في إحدى ثلاجات الموتى التي فصلت عنها الكهرباء بشكل متعمد.

ويؤكد محمد الفقيه أن شهادة الطبيب الشرعي كشفت حدوث الوفاة بتاريخ 15 أبريل (بعدما تحدث معه عبر الهاتف بعشرة أيام)، موضحا أن عبدالسلام تعرض للتعذيب بآلة حادة تم وخزه بها في أرجله وأذنية وطعنه في أجزاء واسعة من جسدة، وإحداث حفر في مناطق متفرقة من جسده.

وفي ذات السياق يقول محمد أبو دبوس شقيق الضحية، إن عائلته تواصلت مع فوزي المنصوري و محمد البوعيشي (قادة في قوات حفتر) لضمان الإفراج عنه ومبادلته بأسرى آخرين، وقد تلقت عائلته وعودا بالإفراج عنه بمجرد خضوعه للإجراءات العسكرية والبت في أمره، لكن كل تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح بمجرد العثور عليه جثة هامدة في مستشفي السبيعة.

ويضيف محمد الفقيه أنه صُدم عند استلامه جثة أخيه لإتمام مراسم الدفن، حيث كانت تظهر عليها علامات التعذيب الوحشي والإنتقامي وآثار طلقات نارية أطلقت من مسافة قريبة وحروق أعقاب السجائر حول العين وضرب على جميع مفاصل الجسم، إضافة لعلامات تعذيب بالسوط وآلات حادة وطلقة نارية في أذنه اليسرى أدت إلى تهشيم رأسه بالكامل كما أكدت شهادة الطبيب الشرعي.

البقية في الجزء التالي

***

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان هو منظمة مستقلة، مقرها الرئيسي في جنيف، ولها مكاتب إقليمية وممثلين في أوروبا والشرق الأوسط

____________

المصدر: تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ـ يونيو 2019

مواد ذات علاقة