بقلم مريم صالحي

أصدرت لجنة الحقيقة والكرامة التونسية أخيرًا تقريرًا يوضح الانتهاكات الممنهجة السابقة وتسمية الأفراد المسؤولين عنها، بما في ذلك الرئيس الحالي للبلاد.

في الشهر الماضي ، تمكن التونسيون أخيرًا من الاطلاع على تقرير من خمسة مجلدات يوضح بالتفصيل الإساءات السابقة وتسمية أشخاص مسؤولين أو متواطئين في النظام الاستبدادي بما في ذلك رئيس البلاد.

كان التقرير ، الذي أعدته لجنة الحقيقة والكرامة ، نتاج لأكثر من أربع سنوات من العمل ويهدف إلى معالجة ماضي البلاد الاستبدادي.

إنها تقدم رؤى مهمة في عملية العدالة المستدامة ويوضح أيضًا التحديات التي تواجهها تونس وهي تحاول المضي قدمًا.

حول ما يركز التقرير؟

يؤدي التقرير العديد من المهام:

التقرير يقدم نظرة عامة حول عملية العدالة الانتقالية التونسية ويشرح عمل لجنة الحقيقة والكرامة.

التقرير يؤسس لوضع سجل تاريخي عن العنف المنهجي والقمع والفساد في تونس تحت الحكم الاستبدادي.

التقرير يقدم أفكارًا عن الضحايا وعن جبر الضرر وإعادة التأهيل، ويقدم في النهاية توصيات بشأن تفكيك الهياكل القمعية والفاسدة، ويقترح التدابير التي ينبغي أن تضمن عدم تكرارها.

انتهى التقرير في أواخر عام 2018 ، وجمعت اللجنة أكثر من 62 ألف ملف من الضحايا المحتملين ، وعقدت ما يقرب من 50 ألف جلسة فردية وعقدت 14 جلسة استماع علنية ، وأحالت عددًا كبيرًا من الحالات إلى 13 غرفة متخصصة تم إنشاؤها داخل القضاء التونسي المكلف بمحاكمة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبت منذ عام 1955.

لكن التقرير لا يعتمد فقط على عمل اللجنة ، بل يشير أيضًا إلى جهود العدالة الانتقالية السابقة ، مثل لجان التحقيق في الفساد وسوء المعاملة أثناء الثورة التي تم إنشاؤها قبل وقت قصير من سقوط النظام.

يحدد التقرير عملية وضع القوانين ويشرح بالتفصيل الهياكل الداخلية للجنة الحقيقة وإجراءات عملها.

ويوفر تفاصيل فنية حول كيفية معالجة الملفات وعقد جلسات الاستماع ويشير إلى العقبات التي واجهتها لجنة الحقيقة في عملها من العديد من مؤسسات الدولة والجهات السياسية الفاعلة.

كما يصف بصراحة الصراعات الداخلية ، بما في ذلك الاستقالات من اللجنة وفصل مفوضيها منها، وهي مشكلة أعاقت في بعض الأحيان قدرة اللجنة على العمل.

المساهمة المركزية للتقرير هي أنه ينشئ سجلاً تاريخياً يوثق أعمال القمع والتهميش الممنهجين في ظل النظام الديكتاتوري .

إنه يعالج العنف الجسدي مثل التعذيب ، ولكنه أيضًا يفكك منظومة التحكم التي بني النظام الاستبدادي عليها.

إنه يوضح، على سبيل المثال، دور نظام الحزب الواحد ، وجهاز الأمن والبوليس السياسي، ومؤسسات القضاء، ووسائل الإعلام

ركزت عملية العدالة الانتقالية التونسية بقوة على القضايا الاجتماعية والاقتصادية والجرائم الاقتصادية والفساد.

في هذا السياق ، يعكس التقرير دور هذه القضايا في نظام القمع الشامل.

ما هو السياق السياسي للتقرير؟

كانت هناك فرصة للعدالة والمساءلة في تونس بعد انتفاضات 2010-2011 ، والتي سمحت بتطوير وإضفاء الطابع المؤسسي على عملية العدالة الانتقالية على المدي البعيد .

لكن هذه النافذة أغلقت بسرعة نسبياً، ومنذ ذلك الحين لم يكن المناخ السياسي مؤاتياً بشكل خاص نحو العدالة الانتقالية.

كان الحزب السياسي الذي فاز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في عام 2014 هو حزب نداء تونس وهو الحزب الذي استوعب العديد من أعضاء النظام السابق ، وذكل أمر غير مستغرب، حيث أنه يسعى لترك الماضي وراءه.

لعب حزب النهضة، وهو الحزب الذي بدأت عملية العدالة الانتقالية تحت قيادته، دورًا غامضًا لأنه كان جزءًا مما يسمى حكومة الوحدة الوطنية شراكة مع نداء تونس.

التحديات داخل لجنة الحقيقة والكرامة

الصراعات الداخلية في اللجنة على المناصب والإجراءات والأولويات أظهرت اللجنة بأنها منقسمة .

كانت المناقشات ، مرارا وتكرارا ، حول اللجنة مشخصنة ، وغالبا ما تركز على شخصية رئيس اللجنة الاستقطابية ، السيدة سهام بن سدرين. ووصفتها عضوة برلمانية تونسية بـ إنها ليست ديزموند توتومما يعني أنها السيدة سهام لن تتمتع بالقوة التصالحية التي كان الرئيس السابق للجنة الحقيقة والمصالحة يتمتع بها في جنوب إفريقيا.

لكن لجنة الحقيقة واجهت أيضًا تحديات خارجية ومحاولات كثيرة لإعاقة عملها. ويشمل ذلك تقييد وصولها إلى المحفوظات أو مبادرة قانون المصالحة التي وضعها الرئيس ، وهو مشروع قانون يهدف إلى العفو عن المديرين التنفيذيين الفاسدين في مجال الأعمال والموظفين الإداريين ، والذي كان بشكله الأصلي

سيقلّص صلاحيات لجنة الحقيقة إلى حد كبير. (وقد تم في نهاية الأمر إصدار نسخة أقل شمولًامن القانون)

بعد المشاحنات السياسية بشأن تمديد ولاية اللجنة ، التي منحتها الوزارة المسؤولة حتى نهاية عام 2018 ، كان على اللجنة أن تنهي أعمالها قبل أن تتمكن من إكمال مهامها.

كل هذا له كان علاقة بمسألة تقييم اللجنة ، حيث أن تقييمها لن يكون على مستوى تفويضها الواسع ، لأنها ستقوم تدابير صغيرة لمشاكل كبيرة، كما أوضحها لي ناقد في مقابلة بحثية.

بطريقة أكثر دهاء ، حاولت الحكومة ورئيس الدولة تجنب لفت الانتباه إلى جهود العدالة الانتقالية من خلال تجاهلها وعدم التعامل معها.

لم تشارك شخصيات سياسية بارزة من نداء تونس في جلسات الاستماع العلنية للجنة الحقيقة ؛ ولم يظهروا في مؤتمرها النهائي أو عند تقديمها تقريرها.

في سياق آخر حاول الموجودون في السلطة باستمرار تقويض عملية العدالة الانتقالية وعمل لجنة الحقيقة والكرامة ، و لذلك فإن نشر التقرير يعتبر إنجازًا مهمًا جدا للجنة.

يوثق التقرير سجلاً تاريخياً من الإساءات السابقة. كإنه يكسر الماضي ويفتح صفحاته بكل وضوح ، سواء بالنسبة لأسماء الأفراد المسؤولين أو المتواطئين من النظام الاستبدادي ، بمن فيهم الأشخاص الموجودين حاليا في السلطة مثل الرئيس الباجي قائد السبسي.

على الرغم من كونه علامة بارزة للعدالة الانتقالية ، إلا أن التقرير يمثل خطوة أولى نحو التغيير الهيكلي المطلوب.

ويكرر التقرير التأكيد على أن الحكومة ستقدم خطة لتنفيذ توصيات لجنة الحقيقة والكرامة. ومع ذلك ، فإن إلقاء نظرة على الحالات الأخرى تدل على أنه من المرجح أن السياسيين لا يهتمون بتوزيع واسع النطاق للتقرير وربما يحاولون إخفاء نتائجه ورميها تحت السجاد .

بالإضافة إلى كل ذلك ، هناك مشروع قانون تم توزيعه مؤخرًا، يهدف إلى إنهاء جميع الحالات أمام الدوائر المتخصصة ويسعى ألى تخلي الحكومة عن مشروع العدالة الانتقالية لصالح الإفلات من العقاب.

إذا كان من الضروري أن تستمر عمليات العدالة الانتقالية ، فإن عملية نشر التقرير على نطاق واسع ستكون خطوة حاسمة ومفيدة.

***

مريم صالحي زميلة أبحاث في مركز دراسات النزاعات بجامعة ماربورغ بألمانيا.

__________

مترجم عن مقال بالواشنطن بوست

مواد ذات علاقة