قراءة في محيط حفتر وقائمة معوّضيه المحتملين

بقلم علي عبد اللطيف اللافي
في ليبيا تتسارع الأحداث والتطورات في كل المناطق وفي كل المجالات وفي مربعات كل الأطراف المتصارعة سوءا كانت محلية أو إقليمية أو دولية.

وإن كان من الموضوعية اليوم أن الحديث عن غياب الرجل من المشهد فيه كثير من التسرع النسبي، إلا أن الحديث عن معوّض له لأي من أسباب غيابه بات مطروحا منذ أكثر من سنتين نتاج أوضاعه الصحية المتردية أو كبر سنه باعتباره من مواليد 1942.

وأيضا بسبب عدم قدرته على تحقيق أهدافه الرئيسية ومطامحه التي طالما حلم بها منذ سنين والتي من أجلها خاصم وعادى الجميع وتحالف مع قوى دولية وإقليمية عديدة.

ومما لا شك فيه أن حلفاءه المحليين هم بين متوجّسين ومفتوحي الشهية لخلافته، وان كان التوجّس مرتبط بإمكانيات إبعاد الجنرال من المشهد أو اختفائه فجأة من مسرح الاحداث فان خلفائه المحتملين كثر رغم اختلافهم سنا واختصاصا وتموقعا.

فماهي فسيفساء مكونات محيط الرجل أطرافا وأشخاصا ومن هم خلفاؤه الأقرب فعلا لأخذ مكانه سياسيا وعسكريا وكجواد إقليمي ودولي لمسانديه خارج ليبيا سواء كانت دول إقليمية أو أطراف دولية؟

أولا: معطيات أساسية ورئيسية

من الواضح أن حرب استخلاف “حفتر” لو اختفى فجأة لن تكون مهمة سهلة بسبب أن حفتر ليس شخصا بل هو مشروع استثمرت فيه قوى دولية وأجهزة إقليمية ودولية عديدة وهو رهان إقليمي ودولي.

وحفتر هو رأس المشروع المفضل ولكنه أيضا لم يعد الوقت يسعفه بناء على أوضاعه السياسية والعسكرية والصحية، وبالتالي فالبديل يجب أن يكون شبيها بحفتر ولكنه متناغم مع المتغيرات والتطورات.

ويمكن التخلي عن جزء من مواصفات حفتر دون تغيير معادلات مرتبطة بحلفائه وقد يكون البديل متضاربا من حيث خصائص شخصية حفتر، على غرار قبول الشخص بالحل السياسي وبالتوافق وبالمصالحة وأان يكون رقما من الأرقام لا كل الأرقام.

ينتمي حفتر كما هو معلوم إلى قبيلة الفرجان ( أحد قبائل ترهونة) وقد فُرض في المشهد السياسي والعسكري في ليبيا كما فَرض نفسه عبر دعم لوجستي واستراتيجي من خلال إنشاء فعلي لهيئة أركان تنفيذية.

وأيضا من خلال قدرته على وأد مشروع الفيدرالية في الشرق الليبي وفي اللعب على وتر الحرب ضد الإرهاب وفي التقليص من نفوذ الإسلاميين لتتحول المعركة لاحقا بوعي منه أو بدون وعي ضد كل تيار فبراير.

يحضى حفتر عمليا بدعم رسمي وعسكري ومالي ودبلوماسي من قبل مصر والإمارات، لتلتحق السعودية كرافد رئيسي منذ 2017، بينما دخل الروس بمرحلية ناعمة وبطرق وآليات مختلفة وليصبحوا أقوى داعميه رغم البلاغات الروسية النافية لذلك والمؤكدة أنهم يقفون على نفس المسافة من جميع أطراف الصراع المحتدم منذ مايو 2014.

مع التأكيد أن الدعم السعودي كانت له انعكاسات داخلية في دعم المداخلة وخاصة في المنطقة الشرقية، مع أن هذا العامل له أبعاد تاريخية تعود الى فترة التسعينيات بناء على الخلفية الفكرية والاستراتيجية للتيار المدخلي والتي تؤطره دول عربية وغربية عبر التحكم في آليات تفكيره وتحالفاته.

في نهاية سنة 2017، ونظراً للتوترات الداخلية داخل هيئة أركانه، قام “حفتر” بتغييرات في تشكيلة فريقه، من خلال جلب أفراد عائلته حيث ضم نجليه، “صدام” و”خالد” في إدارة الألوية التنفيذية، كما أوكل مهمة تأمين “بنغازي” لأحدهما، و”فزان” لنجله الآخر، أما بالنسبة إلى نجليه الآخرين، أي “عقبة” و”الصدّيق” وتم مباشرة دمجهما في دائرته المقربة، كمستشارين في مجالي الاقتصاد والدبلوماسية.

مثلما شكّل التحالف القبلي رهاناً رئيسياً في بناء سلطة مستقرة ودائمة في ليبيا أثناء مرحلتي الملك “ادريس السنوسي” وأثناء الحكم العسكري فان العملية ذاتها حاول “حفتر” تكريسها وهو الحالم بحكم ليبيا رغم مؤشرات فشله حتى الآن.

ذلك أنه وبعد تخرج ابنه “صدام” من الأكاديمية العسكرية في الأردن برتبة نقيبٍ، تمت ترقيته، وفي وقت قياسي، إلى رتبة قائد، قبل انضمامه إلى اللواء 106 في إطار عملية “الكرامة”.

كما أن شقيقه “خالد حفتر” اتبع الدورة ذاتها، وتخرج برتبة نقيبٍ في أجهزة الاستخبارات التي تم تأسيسها منذ سنتين.

تتكون عشيرة “حفتر” المضيقة بشكل رئيسي من “عون الفرجاني” وهو المستشار العسكري، و”بلقاسم الفرجاني” للأمن الداخلي، و”أيوب الفرجاني” المسؤول عن الخدمات اللوجستية العسكرية، كما أن الإدارتين الإعلامية والالكترونية يشرف عليها أفراد من عائلة “الفرجاني” على غرار كل من “محمد” و”محمود” رغم أنهما عسكريان…

يعتبر فاضل الديبالمستشار الاستراتيجي لـ”حفتر” والذي كان مستشارا لدى عقبة والصدّيق حفتر، وهو عمليا بوابة “حفتر” مع العالم الخارجي رغم الحديث عن التخلي النسبي عليه منذ أسابيع.

تم الحديث في وقت سابق على أنه عقد اجتماع عائلي في باريس في حضور أبناء المشير وأفراد دائرته المقربة من هيئة الأركان، تلاها اجتماع ثان في قاعدة المرج الشرقية، وقد التمس أبناء حفتر يومها دعماً إقليمياً، من طريق مسانديهم المصريين والإماراتيين، ولكن أيضاً من بعض القوى الغربية.

كما عقدت اجتماعات أخرى منذ اشهر لتحيين المسألة في بعض جزئيات وترتيبات، وخاصة في ظل التطورات الجارية سياسيا وعسكريا ولتؤكد جميعا أن أبناء “حفتر” يسيطرون على كل الترتيبات في المنطقة الشرقية وأيضا في رهانات قواته جنوبا وغربا، ولابد هنا ب من التذكير باشراف أحد أبنائه على ما سمي باجتماع الشباب والذي سبق الحرب على العاصمة.

ثانيا: رجال حفتر المقربين، تغيير دائم وسط هوس أمني متجدد

مما لا شك فيه أن “حفتر” شخص له عقلية أمنية عالية وبالتالي فهو قذافي أكثر من القذافي نفسه وخاصة من حيث عدم الثقة في الآخرين وفي محيطه بالذات، ومن حيث الاعتداد بالنفس وأيضا في علاقاته الإقليمية والدولية الغامضة والاستعداد للعب أدوار وظيفية للغير للبقاء في المشهد وبالتالي فرجاله هم وظيفيون لا أكثر ولا أقل.

كما أنه من الصعب أن يثق في أي منهم ثقة مطلقة وأنهم آنيون أي أنه يمكن التخلي عنهم متى شعر بأنهم لم يعودوا رجال مرحلة أو انهم اكتسبوا نوعا من الحضور ومن بين أولئك نذكر:

ـ عبد السلام الحاسي .. كان الأكثر تفضيلا لدى أفراد عائلة حفتر ثم كان التخلي عنه

كان الحاسي من بين الأوائل الذين انفصلوا عن نظام القذافي، وكان أيضاً أول من تعاون مع المستشارين والقوات الخاصة للدول الأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية خلال تدخل حلف الناتو عام 2011.

وهو ما يفسر الدعم السابق الذي كان يحظى به من قبل الغربيين قبل يونيو الماضي، وقد نال الثقة التامة من قبل “حفتر” بعد قضائه على حركة تمرد “فرج البرعصي”، كما قام بمهام خارجية في السودان والتشاد.

وقد وفر له نشاطه الإقليمي، على الصعيد العسكري والدبلوماسي، وأطلق عليه البعض صفة “نائب المشير” وبصفته سياسياً قادرا على ملء فراغات لا يكتسبها “حفتر” أصبح مهما في مربعات الرجمة.

ولكن خسارة غريان في جوان/يونيو الماضي وحسابات في مربعات دول حليفة لــ”حفتر” جعلته يبعد تماما من محيطه وتعتبر عودته للساحة جد مستبعدة حاليا رغم أن عداءه للتيار الإسلامي كان عاملا يجعله أكثر المترشحين السابقين لخلافة “حفتر” ولكنه راهنا مُبعد تماما وبصفة كلية وفقا لما هو ظاهر.

ـ صقر الجروشي، .. ولاء تام لحفتر وعنهجية وغياب أي رؤية سياسية

ويعتبر أهم أركان عملية الكرامة، ومعلوم أنه فرّ خلال الساعات الأولى من انطلاق ثورة فبراير أي سنة 2011، وسبق له أن وصف “السراج” بالإرهابي.

وأصبح معروفاً في أيلول/ سبتمبر 2015 من خلال توجيه أوامره لإلقاء القبض على رئيس الحكومة الليبية الموقتة “عبدالله الثني” لدى مغادرته البلاد في رحلة إلى مالطا، واتهمه بالتهام 200 مليون دولار في صفقة أسلحة.

ومعروفٌ عنه من ناحية أخرى تعاونه بشكل وثيق مع القوات الخاصة البريطانية والأميركية والفرنسية في قاعدة بنينا الجوية، ونظراً لعدم امتلاكه رؤية سياسية، قد يضطلع الجروشي بدورٍ مهم في حرب التحالفات المستقبلية ولكنه من الصعب ان يكون أحد خلفاء حفتر المحتملين.

يتبع…

***

علي عبد اللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الإفريقية

____________

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية

مواد ذات علاقة