لِمَ على واشنطن التصرّف

  بقلم فيديريكا سايني فاسانوتي

دارت الحرب في ليبيا، في معظم مراحلها، في الصحاري والمناطق الريفية، ونادراً ما طالت المدن. وخاض الحرب عدد منخفض نسبياً من المقاتلين، لا بل اتّسم الصراع باللجوء إلى الطائرات المسيّرة وبفترات بطء طويلة في ساحة المعركة.

لكن في شهر أبريل 2019 أطلق المشير الليبي خليفة حفتر، الذي يقود الجناح المسلّح لمجلس النواب المتمركز في طبرق، هجوماً على العاصمة طرابلس، مما شكّل مرحلة جديدة مهمّة في الحرب الأهلية في ليبيا التي باتت في عامها الثامن.

وفي الأشهر التي تلت ذلك، قُتل على الأقلّ ألف شخص في هذه المعارك، من بينهم مئتا مدنيّ، وتهجّر حسب التقديرات 128 ألف شخص.

والآن، تضع مرحلة جديدة محتملة من الصراع مليونَ شخص في خطر وشيك.

فبعد أسابيع من الجمود، بدأ الصراع بالانتقال إلى داخل العاصمة، مع تزايد حدّة القصف في قلب المدينة. ومن الممكن أن تواجه طرابلس حربَ مدن فتاكة أكثر.

ومع بقاء المجتمع الدولي في حالة جمود، على واشنطن أن تضغط أكثر للوصول إلى وقف إطلاق نار.

عدم جدوى القمم الدولية

في أكتوبر، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في حديثه عن ليبيا التي تعاني فراغاً دستورياً مستمرّاً إنّها ستصبح “مركز الإرهاب الأساسي في شمال أفريقيا حيث سينتشر هذا الوباء إلى دول وقارات أخرى”.

وفي بداية ديسمبر، ادّعى لافروف في خلال مشاركته في مؤتمر حوارات المتوسط في روما أنّه قبْل تنظيم أيّ مؤتمر آخر عن ليبيا، في إشارة إلى المؤتمر المنوي عقده في برلين في العام المقبل، ينبغي على القادة الدوليين الأخذ في الحسبان الاتفاقية التي وقّعها في أبوظبي القائدان الليبيان فايز السراج باسم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وحفتر باسم مجلس النواب.

ففي مراحل سابقة، اتّفق الاثنان في المبدأ على إنشاء مجلس رئاسي جديد ووضع دستور جديد وتقاسم عائدات النفط بشكل عادل.

وما دام أيّ من هذه الشروط لم يتحقّق، ترى الكثير من الجهات الفاعلة الدولية أنّ إقامة المزيد من المؤتمرات مضيعة للوقت.

وفي خلال مؤتمر حوارات المتوسط، شدّد مبعوث الأمين العام للأم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة على تدهور الوضع على الأرض في البلاد في الأسابيع القليلة الماضية.

فكلتا الجهتين تزيد من استعمال الطائرات المسيّرة، فتزيد بذلك عدد الجنود والمقاتلين المنخفض أساساً. ومنذ أن باشر حفتر بالهجوم على طرابلس في 4 أبريل، أطلق الجيش الوطني الليبي التابع له قرابة 800 هجوماً بالطائرات المسيّرة، فيما أطلقت حكومة الوفاق الوطني قرابة 270 هجوماً.

وفي الأسابيع الماضية، تصاعد القصف الجوّي، ولا سيما ذاك الذي يستهدف وسط طرابلس الذي لم يطاله القصف حتى الآن. وقال سلامة إنّ القصف يقترب أكثر فأكثر من المناطق الأكثر اكتظاظاً، مما يعني بروز فرصة فعلية للتسبّب بمجزرة.

التدخلات الأجنبية في ليبيا

إذا بلغت المعركة المناطق المأهولة بالكامل فعلاً، أي قلب المدينة، سيتغيّر نوع الحرب الجارية تغيّراً شاملاً، وستتحوّل الحرب إلى حرب شوارع. وقد فاقم المرتزقة الروس الذين يقاتلون لصالح حفتر العنف في الأسابيع الماضية.

(لهذا السبب، تجمع حكومة الوفاق الوطني أسماء المقاتلين الروس الذين يتراوح عددهم بين 600 و1400 مقاتل على الأرض لتضع لائحة ترسلها إلى موسكو). وقد جلبوا معهم الخبرة والسلاح والوحشية.

ويهدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نيابة عن حكومة الوفاق الوطني التابعة للسراج، بإرسال جنود إلى طرابلس للمؤازرة. ووقّع القائدان الأسبوع المنصرم اتفاقية استراتيجية حول الحدود البحرية الجديدة في بحر إيجه، مما أثار حفيظة اليونان فطردت السفير التركي في أثينا.

وتسري شائعات بأنّ شحنة جديدة من السلاح من أنقرة إلى طرابلس قد تكون في طريقها إلى ليبيا، كما فعلت تركيا في الماضي.

لكن ما لم تقدّم تركيا مساعدة أقوى، تواجه ميليشيات حكومة الوفاق الوطني في طرابلس وضعاً لا تُحسد عليه على الإطلاق. فالقتال في الشوارع مختلف تماماً عن القتال في المناطق الريفية، إذا سيرتفع عدد الضحايا (بما في ذلك في صفوف المدنيين) بشكل كبير.

وقد حالت الانشقاقات العميقة في خضمّ المجتمع الدولي دون الدعوة إلى وقف إطلاق نار. فقد التقى مجلس الأمن 15 مرة منذ اندلاع الحرب في العام 2011 لكن لم يتمخّض عن ذلك أيّ تأثير فعلي.

عوضاً عن ذلك، زادت حدّة التدخلات الخارجية، فقد تمّ خرق حظر السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة 45 مرة على الأقلّ منذ بدء الصراع.

لهذا السبب، غيّر سلامة استراتيجيته التي ركّزت في الأشهر الثمانية عشر الماضية على المسائل الداخلية. فطلب هدنة قصيرة وحثّ بقوّة على إجراء اجتماع جدّي للدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن للوصول إلى أرضية مشتركة حيال الأزمة الليبية ودعا إلى حوار بين الليبيين من دون أيّ تدخّل خارجي.

وبحسب تصوّره، تراقب لجنة متابَعة وقف إطلاق النار من خلال العمل الاستخباري والسيطرة على الأرض، من دون اللجوء إلى قوات الأمم المتحدة.

تبيّن الحالة الليبية بوضوح الاستقطاب العميق في المجتمع الدولي، ويظهر هذا الاستقطاب أيضاً في سوريا واليمن والعراق ومناطق أخرى.

في غضون ذلك، تتّبع روسيا، التي تعتقد أنه لا يمكن الاتّكال أبداً على نظيراتها الغربية، كما ادّعى لافروف في مؤتمر حوارات المتوسط، استراتيجيةً أكثر عدائية في المنطقة.

دور الولايات المتحدة الأساسي

للولايات المتحدة ثقل أخلاقي وازن في الساحة العالمية، وأفسح غيابها في المجال أمام بروز قوى أقسى بكثير. ولم يتّفق مجلس الأمن حتّى على الدعوة لوقف إطلاق نار في ليبيا، وهذا أمر له دلالاته.

ففي الأيام الأخيرة، تزايد التوتّر على الأرض، ويُعزى ذلك بشكل كبير إلى العمليات العسكرية الروسية والتركية المتزايدة.

لهذا السبب على الحكومة الأمريكية اتخاذ موقف جدّي ضدّ تحرّكات حفتر وإصدار استنكار دولي ضدّه، حاذية حذو ولاية فيرجينيا.

وعلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون تنسيق مقارباتهم وإطلاق رسالة موحَّدة. فلم تفضِ أيّ من المؤتمرات الدولية الأربعة حول ليبيا إلى نتائج ملموسة، وتبرز الحاجة الآن إلى التزام حقيقي في ما يخصّ دور الجهات الفاعلة الخارجية ودعوة قوية من الأمم المتحدة لوقف إطلاق نار فوري (وينبغي أن يخضع لمراقبة هيئة محايدة ودولية تتعاون مع الجهتَين، كما اقترح سلامة).

والقوة العظمى الوحيدة القادرة على تسريع وتيرة هذه العملية هي الولايات المتحدة.

فوقف إطلاق نار مقبول دولياً ومنضوٍ تحت سيطرة دولية سيعني ربّما وقفاً حقيقياً للتدخلات الخارجية، إذ كانت هذه التدخلات، بشكل مرتزقة وسلاح بالإجمال، أساسية في قدرة حفتر على المحاربة بشكل مستقلّ.

أخيراً، على البيت الأبيض أن يفهم أنّ ليبيا ليست الملاذ الآمن الأنسب لكلّ أرهابي فحسب، بل هي فرصة مهمة لكي يرى العالم الإمكانية الإيجابية التي تتحلّى بها الدبلوماسية الأمريكية، وهذا مفهوم فُقِد مؤخراً في مستنقع اليمن ولا سيّما في سوريا.

***

فيديريكا سايني فاسانوتي زميلة أقدم (غير مقيمة) في مركز الأمن والاستخبارات في القرن الحادي والعشرين في برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكينجز. غطت أعمالها الميدانية وأبحاثها ، من بين أمور أخرى ، أفغانستان وليبيا وإثيوبيا والصومال.

__________

بروكينجز

مواد ذات علاقة