بقلم إدوارد بي جوزيف و وُلفجانج بوستاي

شرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالًا يتناول إمكانية أن يكون فيروس كورونا المستجد سببًا في شفاء جراح ليبيا؛ إذ إن الجائحة قد تدفع في اتجاه نوع من التعاون اللازم لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد، وذلك بعد سنوات من القتال وفشل التدخل الأجنبي.

يتساءل الباحثان: ماذا يحدث عندما تضرب الجائحة حربًا أهلية؟، وهو السؤال الذي قد تكون إجابته كارثية، بحسب المقال.

ليبيا على وشك اكتشاف هذه الإجابة، فمع اندلاع القتال في محيط طرابلس وفي جنوب مصراتة – مما تسبب في سقوط المئات من الضحايا – بلغ انعدام الثقة والعداء والانقسام حد الذروة، في الوقت الذي اجتاح فيروس كورونا البلاد.

تشرَّد قرابة 150 ألف شخص بسبب القتال، يعيش الكثير منهم في ملاجئ جماعية مؤقتة تُعد بيئة مثالية لانتشار العدوى، واكتظت المخيمات الباعثة على الأسى بالآلاف من المهاجرين واللاجئين، واخْتَفت التجهيزات التي تشتد الحاجة إليها والأموال اللازمة لشراء الأدوية والإمدادات الأخرى بسبب النزاع.

وحين يصل الوباء إلى صفوف المقاتلين الشباب المعزولين نسبيًّا على كلا الجانبين، ربما يكون قد فات الأوان بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين الليبيين، الذين أصبحوا، إلى حد كبير، لا يجدون ما يحميهم من الفيروس الآن.

السبب الرئيسي وراء استمرار القتال

من البديهي أن الجانبين بحاجة إلى وقف القتال وبدء التعاون، ولكن النداء الإنساني العالمي الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، والنداء الخاص الصادر عن سفير الولايات المتحدة في ليبيا ريتشارد نورلاند، لم يجدا آذانًا مصغية حتى الآن.

واستدرك الكاتبان: لا يزال هناك متسع من الوقت لحث الفصائل الليبية على التعاون، ولكن لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا وضع الدبلوماسيون خطة عاجلة حول المصير المشترك للبلاد في خضم هذه الجائحة. ويمكن أن يجلب فيروس كورونا السلام إلى ليبيا بعدما فشلت سنوات من الدبلوماسية الدولية في تحقيق ذلك.

يتمثل السبب الرئيسي وراء استمرار القتال في أن كل طرف من أطراف الصراع يعتقد أنه بات على أعتاب النصر، كما أنه مقتنع بأن خصمه سيستغل توقف القتال لتدعيم صفوفه بالأسلحة والذخيرة والمقاتلين.

واعتمادًا على سيل الأسلحة والجنود الذي تقدمه تركيا، تعتقد حكومة الوفاق الوطني في طرابلس أن بإمكانها قطع خطوط الإمداد المترامية التي تغذي عدوها المشير خليفة حفتر؛ مما يتسبب في انهيار تحالف الجيش الوطني الليبي التابع له.

وحتى كتابة هذه السطور، لا تزال القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني تضغط باتجاه المحور اللوجيستي الرئيس للجيش الوطني الليبي.

في هذه الأثناء، وبفضل تفوق قدرات الجيش الوطني الليبي القتالية، وبعض الدعم من السكان المحليين، حقق هذا الجيش سلسلة من المكاسب عبر الساحل الغربي في ليبيا وبات على بعد ستة أميال (9.6 كم) فقط من ساحة الشهداء المركزية في طرابلس.

ويعتقد حفتر أنه إذا استطاع الاستمرار في إلحاق خسائر وإصابات كبيرة في صفوف معارضيه، فسوف تنهار دفاعات طرابلس.

يعلق المقال: قد يكون من الممكن السيطرة على الأوهام التي تراود طرفي الصراع، لولا وجود قلق مشترك من جانب الجهات الداعمة لهما؛ فتركيا، التي تدعم الحكومة في طرابلس، والإمارات العربية المتحدة ومصر، اللتان تدعمان حفتر، موحدون جميعًا في إصرارهم على تحاشي الانهيار في صفوف وكلائهم الضالعين في الصراع.

وعلى عكس الفكرة السائدة، فإن لأنقرة وأبو ظبي والقاهرة مصالح في ليبيا تتجاوز التنافس الإقليمي؛ إذ حافظت تركيا على علاقة تجارية مهمة مع ليبيا تعود إلى العصر العثماني، واستمرت طوال حكم الديكتاتور معمر القذافي، وصولًا إلى يومنا هذا. كما أن ليبيا تدين للشركات التركية بمبالغ كبيرة، ستخسرها هذه الشركات إذا انهارت الحكومة في طرابلس.

انهيار متوقع لاتفاق برلين

وأفاد الكاتبان أن الإمارات العربية المتحدة ومصر من جانبهما لا يمكن أن تقبلا بسيناريو تُلحِق فيه طرابلس هزيمة ساحقة بالجيش الوطني الليبي، فمن وجهة نظرهما، قد يعني هذا بعثًا جديدًا للمنظمات الإسلامية التي اعتمدت عليها، إلى حد ما، حكومة الوفاق الوطني المرهقَة في الحصول على الدعم.

وفي أواخر يناير (كانون الثاني)، وقَّعَت الدول الثلاثة – تركيا والإمارات ومصر – إلى جانب دول أخرى معنية في العاصمة الألمانية برلين على اتفاقية دولية بشأن ليبيا؛ تهدف في المقام الأول إلى احترام قرار حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلاد.

ومثلما كان متوقعًا، لم تحترم الدول الثلاثة التزاماتها، وما يُسمى بعملية برلين، على غرار المقترحات الدبلوماسية الأخرى بشأن ليبيا، انتهى بها الحال إلى الانهيار.

وفي هذا السيناريو الذي يعمه الشعور بتهديد وجودي، لا عجب أن يُقابل نداء جوتيريس الإنساني لوقف إطلاق النار بالتجاهل.

وقد جانب الصواب نورلاند عندما تقدَّم بالدعوة إلى جانب واحد – حفتر – لوقف القتال، في حين أن الحقيقة تفيد بأن كلا الجانبين خرقا اتفاقية وقف إطلاق النار السابقة.

يتابع المقال: وبغض النظر عن اللوم الذي يستحقه حفتر بسبب الاعتداء غير الحكيم الذي شنه على طرابلس قبل عام واحد، فإن الوقت الآن – بينما يتأهب المرض للتفشي – ليس وقت البحث عن المخطئ والتشهير به. ولا يوجد أي فائدة من الإشارة المبتذلة إلى «إطار» دبلوماسي لا يُحتَرم.

المركز الوطني لمكافحة الأمراض.. هل يكون هو الحل؟

وشدد الكاتبان على أن هناك حاجة ماسَّة إلى نهج أكثر واقعية، ولحسن الحظ فهو موجود.

ففي بلد منقسم بين حكومتين وبنكين مركزيين وأنظمة صحية منفصلة ومتدهورة، يحظى المركز الوطني لمكافحة الأمراض على الأقل باستحسان عام في طرابلس.

ويمكن لهذا الكيان المسالم أن يصبح النقطة المحورية لأي تعاون بين غرب ليبيا وشرقها لمكافحة فيروس كورونا، وينبغي أن يكون بمثابة النقطة المحورية للمجتمع الدولي لتوجيه رسائله والدعم الذي يقدمه.

وحقيقة أن مقر المركز الوطني لمكافحة الأمراض يقع في طرابلس يجب أن تخفف من حدة أي مخاوف تساور الدبلوماسيين بشأن خرق الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق الوطني المُحاصرَة، دون معاداة الجيش الوطني الليبي في الوقت نفسه.

وبدعم من بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، يتعين على المركز الوطني لمكافحة الأمراض أن يَعْقد على وجه السرعة «لجنة وطنية لمكافحة أزمة فيروس كورونا» تتألف من خبراء ومسؤولين بارزين من المناطق الثلاثة في ليبيا. (على الرغم من رحى القتال الدائرة، تمتلك ليبيا الوسائل التي تُمكِّنها من عَقْد اجتماعات افتراضية بمساعدة خارجية متواضعة).

ومن خلال الدعم المباشر من جانب الأمم المتحدة، عاجلًا ما سيصبح المركز الوطني لمكافحة الأمراض المُنسِّق المركزي للجهود الرامية لتحديد أوجه العجز الحرجة، وتحديد طريقة لتوزيع الإمدادات، ووضع لوائح موحدة تتعلق بالأوبئة، كحظر التجول الذي فُرض عشوائيًّا ولا يحظى سوى بقليل من الاحترام.

وسيُطلب من كل جانب تقديم بادرة إنسانية إضافية؛ فينبغي لحكومة شرق ليبيا أن تسمح بتدفق كمية محدودة ومتفق عليها من النفط؛ من أجل تقديم الدعم المباشر لمكافحة فيروس كورونا.

وفي المقابل، ينبغي أن توافق حكومة غرب ليبيا على أن تدخل عائدات النفط إلى خزائن البنك المركزي الليبي تحت إشراف صارم من الأمم المتحدة، وتُصرَف وفقًا لتوجيهات المركز الوطني لمكافحة الأمراض، وعلى أساس الحاجة والمساواة.

يؤكد الكاتبان أن هذا النهج تتوفر له فرصة أكبر للنجاح من المناشدات الحالية بعودة شاملة ومفتوحة لإنتاج النفط، مع وعدٍ بمراجعة الحسابات.

إلى جانب ذلك، سيُطلب من تركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر الإشراف على إيصال المساعدات الطبية والإنسانية المتفق عليها بشكل عادل إلى ليبيا، وذلك بتنسيق من الأمم المتحدة.

وهذا الخيار أيضًا أكثر واقعية من التوسُّل إلى الأطراف مرةً أخرى للالتزام بوعودها المتكررة، التي لطالما تخلت عنها، باحترام حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.

يختم الكاتبان مقالهما بالقول: بهذه الطريقة العقلانية – بعيدًا عن الإدانات الحادة أو المطالب المبالغ فيها – يمكن أن تشهد ليبيا التي مزقتها الحرب تحسنًا بين عشية وضحاها في مكافحة الجائحة.

وبمجرد أن يبدأ التعاون، فإن الآفاق الهادفة لوقف إطلاق نار ذي مغزى ستتحسن تحسنًا ملحوظًا.

وإذا حالفنا بعض الحظ، وتوفرت النوايا الحسنة، فقد تؤدي ضرورة محاربة عدو فيروسي مشترك إلى توقف صراع داخلي استمر لفترة طويلة جدًّا.

***

إدوارد بي جوزيف، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز

وولفجانج بوستاي، المحلل الأمني والسياسي النمساوي.

______________

مواد ذات علاقة