فشل الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في فرض نفسه حاكماً على ليبيا، بعد إجماع دولي على رفض خطته للتفويض، لكن أسوأ ما في الأمر أنه لم يتمكن حتى من الإطاحة بمجلس نواب طبرق (شرق) ورئيسه عقيلة صالح.

فصالح، الذي كان يُنظر إليه كتابع لحفتر، انتفض فجأة عندما تعلق الأمر بمنصبه، وتحصن بقبيلته (العبيدات، كبرى قبائل الشرق)، وأشهر في وجه حفتر ورقة الدعم الدولي، وذكّره بأنه لا يملك شرعيةً حتى يطلب التفويض، وأن الشرعية بيد مجلس النواب (المنتخب).

وحذر صالح حفتر من أن الإطاحة به تعني توجه بقية نواب طبرق إلى العاصمة طرابلس، وحينها سيخرجون بقرارات خطيرة، في إشارة إلى إمكانية صدور قرار من مجلس النواب “الموحد” بسحب أي شرعية يملكها الجنرال الانقلابي بما فيها القائد الأعلى للجيش.

الدعم الروسي لمجلس نواب طبرق

ويبدو أن صالح من أعطى الضوء لتسريب فيديو اجتماعه الخطير مع أعيان قبيلته، والذي أكد صحته فيما بعد، بهدف الضغط على حفتر واستعراض قوته أمامه، خاصة عندما قرأ مراسلة من جهة روسية تدعوه إلى تقديم مبادرة سلام؛ لأن الوضع العسكري لميليشيات حفتر في طرابلس على وشك الانهيار.

وأراد صالح من خلال هذا الكلام إرسال رسالتين إلى حفتر: أولها أنه (صالح) مدعوم من الروس، وثانياً ميليشياته (حفتر) في وضعية عسكرية هشة لا تسمح له بفرض قرارته على مجلس نواب طبرق.

كانت لحظات فارقة في تاريخ إقليم برقة ما بعد معمر القذافي، فحفتر الذي اعتاد سحق كل من اختلف معه من ضباطه الكبار أو حلفائه، رضخ هذه المرة لرجل “مدني”، وأعلن الناطق باسم ميليشياته أحمد المسماري، أن “إلغاء الاتفاق السياسي لا يشمل مجلس نواب طبرق”، بل أرسل حفتر أحد أبنائه إلى صالح، لاسترضائه.

وفي جميع الأحوال، ولاية مجلس النواب انتهت في 2015، وهي غير قابلة للتمديد بحسب الإعلان الدستوري، وبدون الاتفاق السياسي، الذي نص على تمديد ولاية مجلس النواب، وهو ما يفقده شرعيته تلقائياً، كما أن حفتر لا يملك شرعية التمديد أو الإلغاء مما أوقعه في تناقضات عديدة.

المدخليون منقسمون بين صالح وحفتر

لم يكن صالح ليتحدى حفتر، ويجبره على التراجع عن قراره، لو لم يستند إلى قوى أخرى، آخرها كتيبة التوحيد المدخلية في بنغازي، بقيادة أشرف الميار (من قبيلة الحاسة/ شرق).

واعتبر الميار، أن صالح، ولي الأمر الشرعي (وليس حفتر)، ومن قال غير ذلك “نقض البيعة.. وذلك من الغدر”، على حد قوله.

لكن المداخلة ليسوا على قلب رجل واحد، فطارق درمان، زعيم المدخليين في الغرب الليبي (من قبيلة الزنتان)، وإن لم يخض في أزمة الصراع بين صالح وحفتر، إلا أنه دعا بالتوفيق للأخير في أحد تغريداته، مما اعتبر تأييداً له في تنصيب نفسه حاكماً على البلاد، وإسقاط الاتفاق السياسي.

هل فقد حفتر سطوته في الشرق؟

قبل أزمته مع “زعيم” قبيلة العبيدات (عقيلة صالح)، عُرف عن حفتر سحقه لكل من يخالف رأيه من ضباطه أو حلفائه، خاصة أولئك المنحدرين من قبيلة العواقير، على غرار مهدي البرغثي، وزير الدفاع السابق في الحكومة الليبية بطرابلس، حيث فكك كتيبة الدبابات التي كان يقودها في بنغازي.

والعقيد فرج البرعصي، أحد قادة المحاور في ميليشيات حفتر ببنغازي، أصيب بجروح عند محاولة اعتقاله، وكذلك فعل مع النقيب فرج قعيم، الذي عين وكيل وزارة الداخلية في طرابلس، مما أثار غضب حفتر، وتمكن من اعتقاله، ولولا تدخل أعيان قبيلة العواقير المتحالفة مع حفتر، لبقي إلى اليوم مختطفاً.

وكذلك فعل حفتر مع المتحدث باسمه الرائد محمد حجازي (قبيلة الحاسة)، ومع إبراهيم جضران، قائد حرس المنشآت النفطية (قبيلة المغاربة/شرق).

فحفتر لم يعتد أن يفاوض من يخرج عن طوعه خاصة من قبيلة العواقير، كما أنه لم يكن يعير كبير اهتمام لمجلس نواب طبرق ورئيسه صالح، ودلّ على ذلك عدم السماح للأخير بحضور إحدى الاستعراضات العسكرية التي نظمتها ميليشيات الجنرال الانقلابي، رغم أن صالح من رقاه إلى رتبة “مشير”.

لكن ما الذي تغير حتى يدفع ذلك حفتر إلى التنازل لشخصية مدنية؟

المجتمع الدولي هل يبحث عن بديل لحفتر؟

الأكيد أن الهزائم الأخيرة لحفتر في الغرب الليبي، وخسارته لجميع مدن الساحل الغربي، وفشله في دخول طرابلس، طيلة عام من القتال رغم ساعات الصفر العديدة التي أعلنها، أضعفت مكانته لدى قبائل الشرق الليبي التي فقدت الآلاف من أبنائها على أسوار طرابلس بلا طائل.

لكن الأهم من ذلك أن المجتمع الدولي بما فيه الدول الداعمة له، بدأ يضيق ذرعا لتنصل حفتر من كل اتفاقات السلام ومبادرات وقف إطلاق النار، وارتكاب ميليشياته العديد من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية دون أن يردعه أحد.

والقناعة بأن حفتر لا يمكنه أن يكون شريكاً للسلام، يبدو أنها بدأت تترسخ، خاصة بالنسبة للأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، مع إصرار السراج، على رفض التحاور معه.

وأصبح البحث عن بديل لحفتر أكثر من ضرورة، وقد يكون صالح، بدعم من قائد أركان ميليشيات الشرق، الفريق عبدالرزاق الناظوري، ومعهما عبدالله الثني (من مدينة غدامس/الجنوب الغربي)، رئيس ما يسمى بالحكومة المؤقتة، غير المعترف بها دولياً، بديلاً لهذا “الجنرال المتعنت”.

وهذا الافتراض، يستند لتسجل صوتي لأحد قادة الصحوات السابقين في بنغازي ويدعى علي العمروني، بثته قناة فبراير الليبية (خاصة)، في 1 مايو/أيار الجاري، الذي تحدث عن وجود تسجيل لاجتماع بين صالح والناظوري، مع شخصية أمريكية (لم يسمها) للاتفاق مع فائز السراج، بحيث يُعيَن الناظوري رئيساً للأركان، وصالح رئيساً للبرلمان، والثني رئيساً للوزراء، دون الإشارة إلى أي منصب لحفتر.

ويزعم العمروني، أن معه 4 آلاف مسلح، وبإشارة من حفتر، بإمكانهم حرق الأخضر واليابس.. في إشارة إلى التخلص من الناظوري.

ورغم أنه لا حفتر ولا المتحدث باسمه أشار إلى وجود مزاعم حول “مؤامرة ثلاثية” برعاية أمريكية للإطاحة به، إلا أن الرد جاء من قبيلة العرفة، إحدى قبائل الشرق التي ينتمي إليها الناظوري، والتي نظمت تجمعاً حاشداً بمدينة المرج (شرق) في 5 مايو/أيار الجاري، وتلت فيه بياناً وجهت فيه تهديداً شديد اللهجة للعمروني، وحذرته من إمكانية “تهور شبابها”.

وقد تكون مسارعة حفتر لدعوة أنصاره لتنصيبه حاكماً على البلاد وإسقاط الاتفاق السياسي، مباشرة بعد إعلان عقيلة صالح، مبادرته للحل السياسي، في 28 أبريل/نيسان الماضي، محاولة لقطع الطريق أمام رئيس مجلس نواب طبرق للانقلاب عليه بدعم من الناظوري والثني وبالاتفاق مع السراج، وبرعاية روسية أمريكية، وما خفي أعظم، لكن الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن الكثير من ملابسات هذا الأمر.

_____________

مواد ذات علاقة