سيطرت قوات حكومة الوفاق الوطني على قاعدة الوطية الجوية في 18 أيار/ مايو 2020. 

.

.الجزء الثاني

معركة ترهونة وحساباتها

تحولت مدينة ترهونة، منذ نيسان/ أبريل 2019 إلى غرفة العمليات الرئيسة في المنطقة الغربية. ومثّل دخول قوات حفتر إلى ترهونة، إلى جانب غريان، أهم المكاسب الميدانية التي حققتها في بداية هجومها على العاصمة، وتضاعفت أهميتها بعد أن تمكّنت قوات الوفاق من استرجاع مدينة غريان، أواخر حزيران/ يونيو من العام نفسه.

وإلى جانب ذلك، تكتسب مدينة ترهونة أهميتها لدى قوات حفتر من موقعها الجغرافي ومن امتدادها الاجتماعي إلى الحزام الجنوبي والشرقي للعاصمة، إذ تمثل مكونات قبائل ترهونة نسبًا متفاوتة من سكان قصر بن غشير وعين زارة ووادي الربيع وسوق الخميس ومختلف البلدات المجاورة، إضافة إلى قربها من الطريق السريعة المؤدية إلى مصراتة.

وإضافة إلى القيمة التي تكتسبها من موقعها الجغرافي ومكوناتها الاجتماعية، تعدّ القوة العسكرية الرئيسة في المدينة المعروفة بـ الكانياتإحدى التشكيلات الأكثر تسليحًا بين التشكيلات الموالية لحفتر في المنطقتين الغربية والوسطى.

عندما بسطت قوات الوفاق الوطني سيطرتها على مدن الشريط الساحلي الغربي، توجهت صوب مدينة ترهونة ووصلت إلى مسافات قريبة منها بالتزامن مع قصف الطيران المسيّر معسكرات ومواقع لقوة الكانيات داخل المدينة.

ورغم المكاسب الميدانية التي حققتها قوات الوفاق في هجومها الذي شنّته في 18 نيسان/ أبريل 2020، فقد اضطرت إلى التراجع مع الإبقاء على الحصار المضروب على معظم المنافذ المؤدية إلى الحدود الإدارية للمدينة.

ويبدو أن قوات الوفاق أدركت صعوبة استنساخ سيناريو استعادة مدن الشريط الساحلي الغربي في جبهة ترهونة، وأنّ عوامل عدة تحول دون تحقيق مكاسب ميدانية في هجومٍ سريعٍ ومباغت.

في المقابل، تدرك قوة الكانيات أنّ الخيارات أمامها محدودة جدًا، وأنّ الحصار المفروض على منافذ الحدود الإدارية للمدينة واستهداف مواقعها بالطيران المسيّر، سيؤثّران، قطعًا، في قدراتها العسكرية.

كما تدرك أنّ تهاوي خطوط دفاعها المتقدمة في محاور جنوب طرابلس سينعكس، سلبيًا، على الروح المعنوية لمقاتليها، وسيضيّق مساحة حركتها ميدانيًا، بما ينقل العمليات العسكرية إلى داخل المدينة نفسها.

ويضاعف انسحاب المرتزقة الروس من محاور جنوب طرابلس وترهونة من عوامل الضعف الميداني الذي بدأت مؤشراته تظهر من خلال التراجع المستمر لقوات حفتر في محاور المطار وقصر بن غشير وعين زارة.

وفي الآن ذاته، تمثّل الجبهة الداخلية في المدينة عامل ضعف آخر لقوة الكانيات، بالنظر إلى حملات التصفية والقتل التي مارستها في حق مكونات عائلية وقبلية وسياسية في المدينة منذ سيطرتها عليها.

قاعدة الجفرة وأسئلة الدور الروسي

تؤدي قاعدة الجفرة الجوية وظيفة متقدمة في العمليات العسكرية لقوات حفتر منذ انطلاق هجومها على طرابلس والمنطقة الغربية، في نيسان/ أبريل 2019، فهي نقطة الوصل مع قاعدة الخادم الإماراتية جنوب مدينة المرج، ومع قاعدة سويحان الجوية في أبوظبي، حيث تُظهر تطبيقات تتبع حركة الطيران رحلاتٍ متكررةً لطائرات الشحن الإماراتية إلى القاعدة، إضافةً إلى تحولها إلى مركز تجميع للمرتزقة القادمين من دول الجوار الأفريقي.

وعلى امتداد عام كامل ظلت الإمدادات تتدفق من قاعدة الجفرة إلى قوات حفتر في المنطقة الغربية عبر الطريق المارّة من الشويرف والقريات ومزدة، غير أنّ الحركة عبر هذه الطريق شهدت تراجعًا كبيرًا بفعل الضربات المتكررة التي وجّهها الطيران المسيّر التابع لحكومة الوفاق لقوافل الإمداد.

وقد عادت قاعدة الجفرة الجوية لتتصدر الاهتمام في الأيام الأخيرة بعد انسحاب أعداد كبيرة من المرتزقة الروس من محاور جنوب طرابلس وترهونة إليها، وبعد أن كشفت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا أفريكومعن تمركز 14 طائرة عسكرية روسية فيها لدعم المجهود العسكري لقوات حفتر.

ورغم أنّ الانحياز الروسي لمعسكر حفتر ليس جديدًا، فإنّ وصول طائرات عسكرية من طراز ميغ وسوخوي إلى هذه القاعدة الاستراتيجية، وما رافقه من ردود فعل أميركية، يطرح أسئلة عديدة عن مهمات القوة الجوية الروسية وعن حدود الأدوار التي يمكن أن تؤديها في ظل الانتكاسة المتواصلة التي لحقت بقوات حفتر وعلاقة ذلك بالدعم التركي لحكومة الوفاق، والذي كان أهم أسباب انقلاب المشهد العسكري لصالحها.

وفي حين، لا تزال القيادة الروسية تلتزم الصمت بشأن تفاصيل التدخل المباشر في ليبيا، اكتفت وسائل الإعلام الروسية بالإشارة إلى تصريح مقتضب لنائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الاتحاد الروسي ينفي فيه الخبر، ما زاد من الشكوك بشأن النوايا الروسية وتداعيات تدخّلها الواسع في الشأن الليبي المعقد والمفتوح على احتمالات عديدة.

ومن الواضح أنّ التراجع في المنطقة الغربية أثّر في وضع حفتر السياسي في المنطقة الشرقية، ولكنه لا يتراجع هناك لصالح حكومة الوفاق لفائدة قوى محلية؛ لقد ثبت أنّ حفتر غير قادر على حكم ليبيا أو توحيدهاـ ولكن إنجازات حكومة الوفاق التي تحظى بشرعية دولية، ما زالت مقتصرة على المنطقة الغربية.

وحتى في هذه المنطقة لم تنجح الحكومة بعد في تشكيل جيشٍ وطني موحد وحلّ الميليشيات المحلية أو صهرها فيه، ما يطرح السؤال الكبير حول مستقبل ليبيا وضرورة التوصل إلى حل سياسي يضمن وحدتها مستقبلًا في دولة واحدة ذات سيادة.

خاتمة

باستعادة السيطرة على قاعدة الوطية، والتقدم على محاور جنوب طرابلس، ومحاصرة الحدود الإدارية لمدينة ترهونة، واستهداف خطوط إمداد قوات حفتر، تقترب حكومة الوفاق من إعادة المشهد في المنطقة الغربية إلى ما كان عليه عشية الرابع من نيسان/ أبريل 2019.

وتسعى حكومة الوفاق خلال المرحلة القادمة إلى تثبيت هذه المكاسب الميدانية من خلال حسم الموقف العسكري جنوب العاصمة وفي مدينة ترهونة، في انتظار اتضاح مدى التدخّل العسكري الروسي المباشر وعمقه، والتداعيات التي سيتركها على الصراع في ليبيا التي تتجه على ما يبدو لتتحول ساحة مواجهة إقليمية ودولية رئيسة خلال الفترة المقبلة.

إنّ الضامن الوحيد لعدم حصول ذلك هو تهميش حفتر سياسيًا ووقف الحرب وتوصّل السياسيين في المنطقتين الشرقية والغربية إلى حلٍّ سياسي يُبنى من خلاله جيشٌ وطني موحّد بحيث لا يحتاج أيّ طرف إلى قوى دولية تدعمه في نزاعٍ ليبي داخلي؛ فلا يوجد دعمٌ خارجي من دون ثمن.

***

وحدة الدراسات السياسية ـ هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

_____________

مواد ذات علاقة